اسم بمعنى من مبين نكره ... ينصب تمييزا بما قد فسره
كشبر أرضا وقفيز برا ... ومنوين عسلا وتمرا
تقدم من الفضلات المفعول به والمفعول المطلق والمفعول له والمفعول فيه والمفعول معه والمستثنى والحال وبقي التمييز وهو المذكور في هذا الباب ويسمى مفسرا وتفسيرا ومبينا وتبيينا ومميزا وتمييزا.
وهو: كل اسم نكرة متضمن معنى من لبيان ما قبله من إجمال نحو طاب زيد نفسا وعندي شبر أرضا. واحترز بقوله متضمن معنى من الحال فإنها متضمنة معنى في وقوله لبيان ما قبله احتراز مما تضمن معنى من وليس فيه بيان لما قبله كاسم لا التي لنفي الجنس نحو لا رجل قائم فإن التقدير لا من رجل قائم.
ص286
وقوله لبيان ما قبله من إجمال يشمل نوعي التمييز وهما المبين إجمال ذات والمبين إجمال نسبة.
فالمبين إجمال الذات : هو الواقع بعد المقادير وهي الممسوحات نحو له شبر أرضا والمكيلات نحو له قفيز برا والموزونات نحو له منوان عسلا وتمرا والأعداد نحو عندي عشرون درهما وهو منصوب بما فسره وهو شبر وقفيز ومنوان وعشرون.
والمبين إجمال النسبة : هو المسوق لبيان ما تعلق به العامل من فاعل أو مفعول نحو طاب زيد نفسا ومثله {اشْتَعَلَ الرَّأسُ شَيْبَا} وغرست الأرض شجرا ومثله {وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا} .
فـ"نفسا" تمييز منقول من الفاعل والأصل طابت نفس زيد وشجرا منقول من المفعول والأصل غرست شجر الأرض فبين
ص287
نفسا الفاعل الذي تعلق به الفعل وبين شجرا المفعول الذي تعلق به الفعل والناصب له في هذا النوع هو العامل الذي قبله .
وبعد ذي وشبهها اجرره إذا ... أضفتها كـ "مد حنطة غذا
والنصب بعد ما أضيف وجبا ... إن كان مثل "ملء الأرض ذهبا
أشار ب ذي إلى ما تقدم ذكره في البيت من المقدرات - وهو ما دل على
مساحة أو كيل أو وزن - فيجوز جر التمييز بعد هذه
ص288
بالإضافة إن لم يضف إلى غيره نحو عندي شبر أرض وقفيز بر ومنوا عسل وتمر.
فإن أضيف الدال على مقدار إلى غير التمييز وجب نصب التمييز نحو ما في السماء قدر راحة سحابا ومنه قوله تعالى: {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الأَرْضِ ذَهَباً} وأما تمييز العدد فسيأتي حكمه في باب العدد .
والفاعل المعنى انصبن بأفعلا ... مفضلا كـ "أنت أعلى منزلا
التمييز الواقع بعد أفعل التفضيل إن كان فاعلا في المعنى وجب نصبه وإن لم يكن كذلك وجب جره بالإضافة.
وعلامة ما هو فاعل في المعنى أن يصلح جعله فاعلا بعد جعل أفعل التفضيل فعلا نحو أنت أعلى منزلا وأكثر مالا ف منزلا ومالا يجب نصبهما إذ يصح جعلهما فاعلين بعد جعل أفعل التفضيل فعلا فتقول أنت علا منزلك وكثر مالك.
ومثال ما ليس بفاعل في المعنى زيد أفضل رجل وهند أفضل امرأة
ص289
فيجب جره بالإضافة إلا إذا أضيف أفعل إلى غيره فإنه ينصب حينئذ نحو أنت أفضل الناس رجلا .
وبعد كل ما اقتضى تعجبا ... ميز كـ "أكرم بأبي بكر أبا
يقع التمييز بعد كل ما دل على تعجب نحو: ما أحسن زيدا رجلا
ص290
وأكرم بأبي بكر أبا ولله درك عالما وحسبك بزيد رجلا وكفى به عالما .
ويا جارتا ما أنت جار
ص291
واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المعنى كطب نفسا تفد
يجوز جر التمييز بمن إن لم يكن فاعلا في المعنى ولا مميزا لعدد فتقول عندي شبر من أرض وقفيز من بر ومنوان من عسل وتمر وغرست الأرض من شجر ولا تقول طاب زيد من نفس ولا عندي عشرون من درهم .
وعامل التمييز قدم مطلقا ... والفعل ذو التصريف نزرا سبقا
ص292
مذهب سيبويه رحمه الله أنه لا يجوز تقديم التمييز على عامله سواء كان متصرفا أو غير متصرف فلا تقول نفسا طاب زيد ولا عندي درهما عشرون.
وأجاز الكسائي والمازني والمبرد تقديمه على عامله المتصرف فتقول نفسا طاب زيد وشيبا اشتعل رأسي ومنه قوله:-
أتهجر ليلى بالفراق حبيبها؟ ... وما كان نفسا بالفراق تطيب
ص293
وقوله:
ضيعت حزمي في إبعادي الأملا ... وما ارعويت وشيبا رأسي اشتعلا
ووافقهم المصنف في غير هذا الكتاب على ذلك وجعله في هذا الكتاب قليلا.
ص294
فإن كان العامل غير متصرف فقد منعوا التقديم سواء كان فعلا نحو ما أحسن زيدا رجلا أو غيره نحو عندي عشرون درهما.
وقد يكون العامل متصرفا ويمتنع تقديم التمييز عليه عند الجميع وذلك نحو كفى بزيد رجلا فلا يجوز تقديم "رجلا" على "كفى" وإن كان
ص295
فعلا
متصرفا لأنه بمعنى فعل غير متصرف وهو فعل التعجب فمعنى قولك كفى بزيد رجلا ما أكفاه رجلا.
ص296
قد تم بعون الله تعالى، وحسن تأييده الجزء الأول من شرح العلامة " ابن عقيل " على ألفية ابن مالك، وحواشينا عليه التي سميناها " منحة الجليل، بتحقيق شرح ابن عقيل " ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني، مفتتحا بحروف الجر.
هذا، وقد عنينا بتحقيق مباحث الكتاب في هذه الطبعة، فجاء بحمد الله جلت قدرته ! على خير ما يرجى من الإتقان، وتلاقت فيه جميع شروح الكتاب وحواشيه على كثرتها، فصار بحيث يغنى عن جميعها، ولا يغنى عنه شئ منها.
كتبه المفتقر إلى عفو الله تعالى محمد محيي الدين عبد الحميد
ص297