قال تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [آل عمران : 7].
آية فريدة في القرآن تقسّم آياته إلى محكمات ومتشابهات ، تنديدا بالذين يتبعون ما تشابه منه ، وتمجيدا بمبتغي محكماته ، والمستفسر لمتشابهاته بها ، وتجهيلا لتأويله ككلّ وعلّه للكلّ ، فيحق لنا ان نسبر أغوارها لنحصل على صراط مستقيم في تفسير آي الذكر الحكيم.
هنا اثني عشر سؤالا تطرح حول آية التقسيم هذه ، للإطاحة بكل تقولة عليها على ضوء أجوبتها الصالحة.
- هل هذه الآية محكمة يصح التمسك بها في ذلك التقسيم ومعرفة كل قسيم ، أم متشابهة ؟ .
- ثم ذلك التقسيم الثنائي حاصر ، أم هناك قسم أو اقسام أخر من الآيات ؟ كالمجملات ! .
- كيف التوفيق بين آية التقسيم ، وثانية تدل على أن القرآن كله محكم :
{كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ} [11 : 2] وثالثة تدل على انه كله متشابه : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر: 23].
- كيف جمع فيها بين «هن» ضمير الجمع ، وبين «ام الكتاب» مفردة ، فجعل الواحد صفة للجمع؟ وهذا فت في عضد البلاغة وثلمّ جانب الفصاحة ! .
- ما هو المحكم والمتشاب هو الفرق بينهما بصورة محكمة غير متشابهة ؟ .
- كيف تكون المحكمات أمّا للكتاب ؟ .
- ما هو اتباع المتشابه المنهي عنه ؟ .
- بماذا تفسّر المتشابهات وكيف تفسّر؟ .
- ما هو الوجه في اشتمال الكتاب على المتشابهات وهي مسرب الشبهات ؟ .
- من هم الراسخون في العلم ؟ وهل هم يعلمون تأويله أم لا يعلمون ؟ .
- هل التأويل يخص المتشابهات ام يعم المحكمات ؟ .
- ما هو الفرق بين التأويل وتفسير المتشابه ؟ .
- قضية الوحدة في هذه الآية من حيث التقسيم إذ لا ثانية لها ، والتأمل فيها حقها ، أنها محكمة ، وإلّا لفسد التقسيم وأصبح القرآن كله متشابها حيث لا يفهم الفرق بينهما على ضوء آية التقسيم ، فهي قطعا في مقام بيان التقسيم ، فل وكانت متشابهة - ولا محكمة غيرها تفسر هي بها - لعاد القرآن كله متشابها ، وبطل علاج التشابه المدلول عليه لها ، ولم يصدق : {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت : 3] وسقط الاحتجاج بواجب التدبر فيه : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء : 82]. وليست الحاجة الى التدبر مما تجعل الآية متشابهة وإلّا أصبح كل النظريات متشابهة .
هذا وواقع الاختلاف في آي القرآن إحكاما في بعض وتشابها في اخرى ، مما يصدق حق التقسيم وانه بيان لواقع ملموس.
- «منه» قسيم أول « وأخر» قسيم منه ثان فهما - إذا - قسيمان اثنان ، ول وكان فيه ثالث لكان حق التقسيم في هذه اليتيمة أن يذكر كما ذكرا ، فان في تركه اجمالا في التقسيم وإبهاما لكل قسيم.
ثم التقسيم الى قسيمي السلب والإيجاب هو حاصر على أية حال ، والتشاب هو الإحكام راجعان الى وصفي المدلول باللائح والخفي ولا ثالث بينهما أيا كان .
وقيلة القائل ان المجمل ثالث لا هو محكم ولا متشابه - لأنهما المقصود دلالتهما على معنى ، ولا يقصد من المجمل مجمل المعنى - إنها غيلة وحيلة على الذكر الحكيم ، إذ لا مجمل في القرآن بهذا المعنى ، فكل لفظة فيه تعني ما يصح أدبيا من المعنى المراد ، إن عاما فعام وان مطلقا فمطلق او نصا او ظاهرا فهما لا سواهما ، محكمة او متشابهة.
فقد يعني المجمل ما أجمل فيه المعنى دون بيان رغم كونه معنيا ، فهذا فتّ في عضد الفصاحة وثلمّ في صرح البلاغة ، تنخّى عنه ساحة الذكر الحكيم لأنه أبلغ بليغ وافصح فصيح ، فكيف يليق به هكذا تعبير فضيح!.
او يعني ما لم يعن منه اي معنى؟ وذلك لغ وفي الذكر الحكيم! ، او عني منه معنى ولم يعن معنى آخر ، فغير المعني - إذا - خارج عن مقسم التقسيم و هو الدلالة ، ومن ثم فان كان لائح المعنى وإن بتأمل وتعمّل ف هو من المحكم ، وان كان عميق المدلول على وضوح الدلالة ف هو من المتشابه الذي يفسره المحكم ، وان لم يعن منه ما تعنيه ف هو خارج عن المقسم ، وقد تجمع الأقسام الثلاثة {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق : 38] فهي محكمة من حيث عدد الأيام والمخلوق فيها ، ومتشابهة من حيث معنى الأيام ، و مجملة من حيث عدد السماوات.
- إحكام الآيات كلها يعني الحكمة العالية الربانية المعمقة فيها دلالة ومدلولا وتوفيقا مع الفطرة والعقلية والواقعية الصالحة ، وتطبيقا لها محلقا على كل متطلبات الحياة الإنسانية والإيمانية ، فلا مدخل فيها لباطل ، وهذا إحكام للقرآن في كل مراحله.
ولكنه محكمة الآيات وجاه تفصيلها كما في الآية نفسها وهو إحكام قبل تفصيل ، أنها أحكمت في نزولها الأول على قلب الرسول (صلّى اللّه علي هو آل هو سلّم) في ليلة القدر ، فالمحكمات والمتشابهات في مرحلة التفصيل كلها محكمات في مرحلة الإحكام.
واما «كِتاباً مُتَشابِهاً» فقد يعني تشابها لا يقابل هذا الإحكام ، ف هو تشابه آياته كلها للمعني من المحكم النازل ليلة القدر ، وتشابهها مع بعض البعض في قوامة التعبير لأعلى قمم الفصاحة والبلاغة ، وتشابهها بتلائمها مع بعض البعض حيث يفسر بعضه بعضا وينطق بعضه على بعض ، ورابع هو تشابهها مع بعض في التدليل على وحيها آيات بينات من عند اللّه العزيز الحكيم ، وخامس تتشابه فيه مع قضية الفطرة والعقلية والواقعية الصالحة على مدار الزمن ، وكذلك كل تشابه هو قضية كونها من عند اللّه ذا نسق واحد في جزالة النظم وإتقان الأسلوب في كل حقول الهداية الى الصراط المستقيم : { ولَو كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}.
فهذ هو تلك تقرر ان إحكاما وتشابها يحلقان على القرآن كله ، وآية التقسيم تقسم تفصيل الكتاب المتشابه إلى محكم ومتشابه ، عناية منهما غير ما يعنى فيهما ، ومنها إحكام المدلول حيث يتضح لبساطته ، ثم تشابهه - على وضوح الدلالة - لعل والمعنى وتشابه اللفظ مع ما يعنى منه غير ذلك المعنى ، لا قصورا في الدلالة ، إنما لعل والمعنى.
- وقال «هن أمهات الكتاب» لذهب البال والخيال الى ان كل واحدة منها هي ام لكل الكتاب ، رغم ان كلّا ام لمتشابهها الخاص ، ام جملة منها لجملة أخرى ، دون ان تكون كل واحدة اما للكتاب ، فلا أن كل محكمة ام لكل المتشابهات ، ولا لأي متشابهة لا تناسبها ، وانما لكل متشابهة ام ، واحدة ام زائدة في كل من المحكمة والمتشابهة ، فصالح العبارة عن القبيلين في مختصر التعبير ومحتصرة : «هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ» توحيدا للأم المحكمات وسائر الكتاب المتشابهات ، فقد قوبل جمع المتشابهات بجمع المحكمات فعبر عن كلّ بصيغة الإفراد «أم الكتاب» فكما الأم واحدة كذلك الكتاب المعني منه كل المتشابهات.
إذا فمجموعة الأمهات هي كأم واحدة لمجموعة المتشابهات ، فهي اصل للمتشابهات تقدح بها فيظهر مكنونها ويستثار دفينها ، وبذلك سميت ام الإنسان اما لأنها أصله الذي منه طلع وعنه تفرع وهي - بعد - المرجع في كل سؤل وحاجة.
وقد تشابه هذه الآية آية ابن مريم وأمّه : {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } [المؤمنون : 50] فإن المعجز فيهما آية واحدة على عديد ظرفها ، فانها ولدت من غير بعل و هو ولد دون أب ولا فصال بينهما في تكوّن هذه الآية ، إذ ليس كل واحد دون هذه الصلة الولادية آية خارقة.
كذلك «هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ» فإنها ككلّ ام للكتاب كله ، فليست كل واحدة منها أمّا للكل ، ولا أن كل واحدة من المتشابهات وليدة لكل من المحكمات فانما ذلك من تقابل الجمع بالجمع.
ولأن الكتاب يعم محكمه الى متشابهه ، فهن - إذا - أم لأضرابها المحكمات كما هي ام للمتشابهات حيث المحكمات تفسر بعضها بعضا كما تفسر المتشابهات.
وانما عبّر عن المحكمات بضمير جمع العاقل «هن» لأنها بتفسيرها المتشابهات كأنها عاقلة حكيمة ، وهي حقا هيه لأنها صادرة من خالق العقل والحكمة لتعقلنا فنعقلها ، ورغم ان المتشابهات كما المحكمات حكيمة عاقلة ، ولكن علّ والمعنى وقصور العاني في مداليلها تجعلها بحاجة الى محكماتها ، فكأنها ليست بذلك العقل الحكيم وهي من خالق العقل الحكيم ، وليس السلب إلا من القاصرين في تفهمها ، دون قصور في دلالاتها ، فآي الذكر الحكيم كلها حكيمة ولا يعني التقسيم إلّا مختلف الافهام في تفهمها.
- هل المحكمات هي الدالات على معانيها المقصودة دونما تكلّف او تخلف عن نصوصها او ظواهرها؟ فالمتشابهات هي غير الدالات نصا او ظاهرا ، حيث يشتبه المرادات فيها بغيرها فيتحير الناظر إليها حتى يستفسرها بمحكماتها؟.
وهذا قصور في دلالة المتشابهات ، ف هو - إذا - فت في عضد الفصاحة ، وثلم في جانب البلاغة ، وتخلّف عن واضح البيان وناصع البرهان ، والقرآن هو أبين بيان وأوضح برهان ! .
في الحق إن التشابه هنا ليس تشابها دلاليّا بل هو تشابه مدلولي يخلّفه عل والمعنى عقليا او علميا او معرفيا رغم واضح الدلالة لغويا وادبيا ، وآخر هو من مخلّفات لفظية التشابه لغويا والمعنى مختلف كما تتشابه صفات إلهية بصفات خلقية باختلاف المعاني خلقيا وخالقيّا ، فلا تشابه إلا قضية قصور المستدل الخاوي عن فمة معرفية دون الدال البالغ أعلى القمم الدلالية ، فلا تجد في القرآن ، ولا مرة يتيمة ، يراد من نص خلاف نصّه ، او من ظاهر مستقر خلاف ظاهره ، فإنما هو تشابه في ألفاظ هي حكيمة المعاني ومحكمتها لأهليها ، وعل وفي المعاني لا بد لتفهمها من عل ويناسبه في المعرفة.
وحين نقتسم محتملات الأقسام للتشابه - أيا كان - في القرآن ، نجد اثنين وأربعين محتملا بضرب سبع في سبع.
فقد يتشابه المعني من آية بغير المعني منها لقصور في التعبير ، اجمالا او إبهاما ام قصدا لخلاف النص او الظاهر ، وهذا خارج عن المعني من «أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ» فتسقط سبع من المحتملات.
أم ان الدلالة واضحة نصا أم ظهورا مستقراو لكن اللفظ يتشابه مع مثله خلقيا وخالقيا ، وهذا تشابه مدلولي لفظيا وليس دلاليا لغويا.
وفي ذلك التشابه قد يكون تشابه معنوي في المعني من الآية ، عقليا او علميا او معرفيا او حسيا او واقعيا ، وهي مضافة الى الأول ست تضرب في ست فالمحتملات الصحيحة - إذا - ست وثلاثون ، تترك مكرراتها والبقية الباقية صالحة.
ومن التشابه الواقعي ان المحكمة المنسوخة تتشابه المحكمة غير المنسوخة ، فيزول تشابهها بالناسخة ، كما التشابه علميا وعقليا ومعرفيا وحسيا يزول سنادا الى المحكم في هذه الأربع دلالة من نفس الآية وسائر المحكمات التي هي في مغزاها ومرماها.
فالمحور الأصيل في «أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ» هي المتشابهات لفظيا إذ ترجع الى محكمات فيزول بذلك تشابهاتها ، واما سائر التشابه ف هو زائل بنفس الآية الصريحة او الظاهرة في خلافها علميا اوعقليا او حسيا ، اللهم إلّا تشابه النسخ فلا يزول الا بالرجوع الى الآيات التي بالإمكان نسخها إياها فيتأكد انها محكمة او منسوخة.
فهنا صفات وافعال تختص باللّه فلا تشابه فيها على اية حال ، وهناك أخرى تختص بمن سوى اللّه فكذلك الأمر.
ثم هنالك ثالثة هي مشتركة لفظيا بين اللّ هو خلقه ، متباينة معنويا وواقعيا ، كالشيئية والوجود والعلم والقدرة والسمع والبصر واليد والقدم والمجيء وما أشبه ، ففيها وفي اضرابها يشتبه المعنى على الجاهل به ، استجرارا لمعانيها في المخلوقين الى الخالق سبحانه ، او استجرارا لمعانيها في الخالق الى المخلوقين.
ومن أسهل السبل في تفسيرها إرجاعها الى محكمات قرآنية ك {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى : 11] و«إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ» و{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ } [الأنعام : 103] واضرابها من محكمات ... او محكمات عقلية او علمية ام معرفية متزودة من محكمات قرآنية أماهيه ، يزول بها ذلك التشابه العارم الناتج عن قصور العقلية الإيمانية او العلمية دون اي قصور دلالي في لغة القرآن «1».
فالمتشابهات القرآنية في الأكثرية الساحقة هي في أسماء اللّه وصفات هو أفعاله حيث يؤتى بها في لغات مشتركة الاستعمال بين هو بين خلقه ، فلا بد من تجريدها عن المعاني الخلقية عن بكرتها ، والإبقاء على المعاني الخالقية ، وذلك هو المعني من تسبيحه سبحانه بحمده ، ان ننزهه فيما نحمده بألفاظ متشابهة عما لا يليق بساحته ، ولا سبيل للتعريف بصفاته سبحانه - المشتركة لفظيا بصفات خلقه - إلا استعمال نفس الألفاظ المشتركة ، ثم علينا تجريدها عن معانيها في الخلق.
ومهما كان القرآن كله فرقانا لأهله ، ولكن المحكمات البينات في أنفسها هي فرقان للمتشابهات «2» تفرق المعنيّات الإلهية بمشتركات الألفاظ ، عن المعنيات الخلقية ام أية تشابهات في سائر الحقول العقلية والعلمية أماهيه ، ومما لا ريب فيه ان الآيات الأحكامية - كقدر معلوم من القرآن - هي من الفرقان المحكم «3».
ولا يعني إحكامها عدم الحاجة الى التدبر فيها وتفسير بعضها ببعض ، بل يعني عدم التشابه مدلوليا إذ لا تشابه فيها لفظيا ، مهما كانت عميقة المعاني ، غالية المعالي .
إذا ف «المحكم ما يعمل ب هو المتشابه الذي شبه بعضه بعضا» «4»
ف «المتشابه ما اشتبه على جاهله» «5»
وكون المنسوخات من المتشابهات كما في مستفيضة تعميم للمتشابه المدلولي الى التشابه تكليفيا ، حيث الجاهل بالمنسوخ يحسبه - على الدلالة المحكمة - أنه حكم ثابت لا حول عنه.
وحق القول في المتشابه - هو ككل - تشابه غير المراد بالمراد ، تشابها عقليا ا وعلميا او معنويا او واقعيا ، والأخير هو تشابه المنسوخ ، وقبله تشابه الأسماء والصفات الإلهية ، والأولان هما في حقول القصور في العلوم والعقول وكما يروى «إن للقرآن آيات متشابهات يفسرها الزمن» «6» مهما فسرها محكماتها ، او هي محكمات مدلوليا ، إلا ان قاصر العقل والعلم قد يهم تأويلها الى ما يوافقهما كالآيات الصريحة في حركات الأرض ودورانها أمّا شابهها من آيات تحمل معارف غامضة عقليا او علميا.
فالمحكمات - إذا - هي غير المنسوخات ، ولا المتشابهات معنويا ولا علميا ولا عقليا ولا معرفيا ولا حسيا ، فهما تختلفان حسب الاستعدادات والقدرات العقلية والإيمانية والعقيدية ، دون ان تكون آيات محكمات في مخمسة الجهات للكل ، وما سواها متشابهات لهم.
فكم من آية هي محكمة لمستفسر عنها متشابهة لآخر ، أم هي محكمة في بعض ألفاظها متشابهة في الأخرى ، كما ومنها ما هي محكمة واقعيا إذ لم تنسخ ، ولكنها متشابهة لفظيا ، او محكمة لفظيا ومتشابهة عقليا او علميا او معرفيا ، وهكذا الأمر في اضرابها من احكامات وتشابهات في مربعة الجهات.
ذلك ما تهدي له آية التقسيم وروايات تفسرها كما هيه ، فسائر التعاريف - إذا - بين قاصرة ومقصرة ، مفرطة او مفرّطة ، او انها من التفاسير الجانبية غير المحلقة على مربعة الجهات في المحكمات والمتشابهات.
ومن أغربها ان المحكمات هي الحروف المقطعة وغيرها متشابهات! معاكسة صريحة لمدلول آية التقسيم ، فإنها أحق ان تكون من المتشابهات ، بل هي من أعضلها ، وهي أوفق الظروف الملتوية للتأويلات : {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ}.
وإذا كانت غير الحروف المقطعة متشابهات ككل ، والمقطعة هي من اغمض المتشابهات ، إذا فأين القرآن البيان ، وكيف واجب التدبر في القرآن؟!.
هذا ! وقد يصح القول ان الحروف المقطعة لا هي من المحكمات ولا المتشابهات ، فانها لا تدل وضعيا على معنى ، فلا مداليل لها فضلا عن كونها محكمات.
ولئن أدخلناها في المتشابهات فهي من أوغلها في التشابه حيث لا تفسر بمحكمات في القرآن ، فقد يصبح القرآن محكما كله - كما عند أهله الذين يعيشونه معرفيا علميّا وعمليا حياتهم - يصبح محكما في حقل التفسير - ككل - مهما بقي متشابها في ساحة التأويل ، ولكن الحروف المقطعة لا تفسير لها ولا تأويل إلا لأهله الخصوص وهم الرسول (صلّى اللّه علي هو آل هو سلم) وذووه المعصومون (عليهم السلام) فالمتدبرون في القرآن حقّه ، الراجعون في تفسير متشابهاته الى محكماته سليما ناصعا ، وفوقهم الرافعون ستار التشابه بالقمة العقلية والعلمية والإيمانية ، هم لا متشابه لهم في آي القرآن في ساحة التفسير ، مهما تعاضل عليهم أمر التأويل ، فإن أهله الخصوص ايضا لا تحليق لهم في تأويله كله ، فضلا عمن دونهم!.
- وكيف تكون المحكمات ام الكتاب دون أمهات الكتاب؟.
حيث الأم هنا هي الأصل الذي يرجع إلي هو يعتمد عليه في حاجيات الطفولة ، فالمتشابهات بحاجة إليها في تبيين معضلاتها وازاحة التشابهات عنها وليست كل واحدة من المحكمات بانفرادها أمّا لكل المتشابهات ، بل هي بأجمعها أمّ لها بأجمعها ، جمعا أمام جمع ، فهي - إذا - أم واحدة للمتشابهات مهما كانت كلّ من المحكمات امّا لما تناسبها من متشابهات تقدح بها فيظهر مكنونها وتستثير دفينها ، كما وهي ام لمحكمات من اضرابها حيث الكتاب تعمه كلّه ما يحتاج المستفسر في تبيانه الى بيان يفسر.
وهكذا تكون الفاتحة ام الكتاب ككل ، لأنها إجمالة بجملتها عن تفصيل الكتاب ، مهما كانت كل من سبعها المثاني امّا لفصيل من التفصيل.
كما وان «ابْنَ مَرْيَمَ وأُمَّهُ آيَةً» دون آيتين ، لأن آية كلّ لزام آية الأخرى خارقة في الولادة ، فابن مريم آية ولادة عنها دون والد ، ومريم آية توليدا له دون والد ، فهما - إذا - آية واحدة وهكذا : {جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وأُمَّهُ آيَةً ..} تتلاقى منهما في فاقد الصلب المتعود في الولادة ، وهما فيه مشتركان.
- إتباع المتشابه - المذموم الضائق - هو اتباعه على تشابهه دون إرجاع صالح إلى محكمة تحميلا ، وانما لمتهوسات الآراء على المتشابه دون رجوع إلى ركن وثيق ، ولا لجوء إلى برهان رفيق دقيق ، فان اتباعه على تشابه دون تفسير صالح ولا طالح غير ممكن ، وانما يتبع المعنى الثابت صالحا وغير صالح ، وهذا هو الذي يثير الفتنة علميا وعمليا وعقيديا ، واما اتباع المشابه بعد إرجاعه الى محكمه فليس اتباعا للمتشابه حتى يحظر عليه ، ثم وفي اتباع المتشابه هكذا واقع رائغ زائف في بعدين اثنين هما :
1- ابتغاء الفتنة و2- ابتغاء تأويله ، هما ظاهرتان من زيغ القلب وتقلبه عن ناصع الحق وناصحه الى ناعق الباطل وفاضحه ، وفي ثالوث : الزيغ وابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل ، يبرز في المسرح كل إدغال وتدجيل ، استدلالا بالكتاب ضده لصالح الأهواء والأباطيل.
ففي اتباع المتشابه على تشابهه فتنة في كل الحقول ، وفي ابتغاء تأويله إلى ما تهواه الأنفس فتنة على فتنة ، فان ذلك التأويل عليل حيث الأصل الذي يتبناه - و هو اتباع المتشابه - عليل ، فلا يروّي الغليل ولا يبصر الكليل ، رغم ان القرآن شفاء لما في الصدور ورحمة لذات الصدور : { ونُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هو شِفاءٌ ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ولا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً} ومنهم - كأنحسهم - هم الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
ذلك هو الإتّباع المرفوض لما تشابه منه ، دون تفسيره بمحكمه ام أيا كان من صالح التفسير استنطاقا للآيات بنظائرها ، ودخولا في حقولها وحظائرها من أبوابها دون ظهورها.
اجل و«من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم ...
وإن في اخبارنا متشابها كمتشابه القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا» «7»
، ودون ان يؤمن بها على تشابهها لمن لا يستطيع على رجعها الى محكمها.
و«ما تَشابَهَ مِنْهُ» قد يعم المتشابه في نفسه ، الى ما جعل متشابها رغم إحكامه ، ثم تحميل ما يتحمل عليه ، و هو من انحس الإتباع لما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. وليس ضرب القرآن بعضه ببعض - المندّد به في المأثور - إلّا ضرب التضارب ، دون ذلك التفسير التقارب ، فكل تفسير ينتج تضاربا بين الآيات هو من ضرب القرآن بعضه ببعض ضرب الدّقل ، وكل ما ينتج تقاربا بينها دون تحميل عليها إلّا ما تتحمله ، ف هو من صالح التفسير ، و هو تفسير القرآن بعضه ببعض { ولَو كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} فهنا تفسير لفظي للقرآن متشابها وغير متشابه ، ثم تفسير باطني لهما ، ومن ثم تأويل ، ولا بد لكلّ من دليل ، فمفسر المتشابه لفظيا دون دليل ، ثم تأويليا دون دليل ، انه جامع زيغا على زيغ وفتنة على فتنة ، حيث التأويل كله في نفسه متشابه لأنه غير مسنود الى لفظ متشابه او محكم ، بل هو الأول معنويا الى مبدء او نتيجة ، ف هو مخصوص بمن يحيط علما بمبادئ القرآن ونتائجه.
فكل اتباع للمتشابه - على تشابهه - هو من زيغ القلب ، ثم اتباع الحكم ذاتيا ام بعد الرجوع الى المحكم هو من استقامة القلب ، شرط عدم تحميل الآراء الجارفة عليها على إحكامها.
فقد يجعل المحكم متشابها ثم يحمل عليه رأي مزيف ، وذلك من اتباع المتشابه رغم إحكامه ، او يجعل المتشابه متّبعا على تشابهه بنفس التحميل ، فكذلك الأمر.
وأما ان يتبع المحكم على إحكامه ، او يتبع المتشابه بعد قلبه محكما - اتباعا في مثلث العلم والعقيدة والعمل أم يتبع المتشابه إيمانا دون تفسير : «آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» فذلك هو الرسوخ في العلم على درجاته.
إن تأويل المتشابه - إيضاحا لمعناه - يختص باللّه ، حيث المحكمات تفسر المتشابهات ، كما ان تأويل القرآن - ككل - مختص باللّه فانه الذي يعلم من التأويل من هو اهله كالراسخين في العلم بمختلف درجاتهم.
وعلى أية حال فكل تأويل - لأنه خارج عن مدلول اللفظ وراجع الى غامض المعنى - إنه يحتاج إلى دليل من صاحب المعنى ، قد يبينه في سائر كلامه كالمحكمات بالنسبة للمتشابهات ، ف هو عام لأهل القرآن الخصوص ككل.
أم يبيّنه بإلهام او وحي وهما يختصان بأصحابهما الخصوص ، أم لا يبينه إلّا يوم القيامة ، ام ليس ليبينه إطلاقا وهو التأويل المخصوص بعلم اللّه تعالى شأنه.
ففي مربع التأويل نجده واقعا غيبيا مرتبطا بالمعنى المفهوم من القرآن ، لا يعلمه إلا اللّه ، ام والراسخون في العلم بتعليم اللّه.
وبالنظر الدقيق الى آيات التأويل نعرف مدى صدق هذا البيان ، فلا تجد فيها ولا أية إشارة الى تأويل الألفاظ كما يهرفون بما لا يعرفون ، بل هو مثلث التأويل في النشآت الثلاث الأولى والبرزخ والوسطى ، تأويلا علميا او واقعيا.
فتأويل كل ما فعله خضر لم يكن تأويلا لكلام إذ لم يكن منه فيما اختلفا إلّا العمل ، إرجاعا له الى مأخذ او نتيجة لا يظهران في مظهر الأعمال.
وتأويل الرؤيا ليوسف هو إرجاعها الى واقعات لا تظهر من هذه الرؤيا إلا لمن علّم علم التأويل.
وتأويل القرآن ، بروزا له في حقوله يوم القيامة ليس إلا للحاضر يوم القيامة {بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِ هو لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [10 : 29] – {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ ..} [7 : 52].
إذا فعلم التأويل ككل هو من علم الغيب المخصوص تعليمه باللّه ، وليس ليعلم من نص الدلالة اللفظية او ظاهرها ، وانما يتبنى المعنى تدليلا من اللّ هو هو يهدي السبيل.
والتأويل - في قول فصل - من الأوّل ، فهو الإرجاع ، إرجاع معنى الآية الى واقع مجهول أيا كان ، تخطيا عن المعلوم ، وليس تفسير النص او الظاهر الى خلافهما تأويلا إلّا في اصطلاح مستحدث لا أصل له لغويا ولا قرآنيا.
وللتأويل مآلات ثلاث لا يعول - فيما يئول إليها - إلّا بدليل قاطع ، فانه من أوصاف المعنى - الخفية - دون اللفظ ، فلا يرجع اللفظ إلّا إلى معناه المنصوص او الظاهر ، ثم ليس لتأويل المعنى إلى واحدة من الثلاثة أي دليل من اللفظ او المعنى.
إذا فكل متشابه له تأويلان اثنان ، تأويل للمعنى الى واقع المراد ، وتأويل له الى واحدة من الثلاثة ، فالأول ميسور لأهله ارجاعا للمتشابه الى محكمه ام تدبرا في نفس المتشابه ليزول عنه تشابهه ، والثاني غير ميسور إلّا لمن علمه اللّه.
وللمحكم تأويل واحد هو الثاني ، « وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ» راجع الى الثاني لكل محكم او متشابه.
ومن اقرب التأويلات لمحكمات او متشابهات هو واقع الأثر لمثلث العلم والعقيدة والعمل بالقرآن في حياة التكليف وقد كشفت عنه النقاب آيات انعكاس الأعمال علميا وللمتقين عينيا.
ثم التأويل المأخذ ربانيا ، والمآل في الأخرى ربانيا ، هما مجهولان إلا لمن عرفه اللّ هو علّمه.
فمما يعلّمه اللّه صالح عباده المرسلين تأويل الأحكام ، قدر ما يقدرهم على استنباط جزئيات الأحكام من مصادرها الربانية.
ومما لا يعلّمه تأويل الحقائق المحكية عنها بالقرآن ، قدر ما عند اللّه ، فانه مخصوص باللّه ، ولا يخص تأويل القرآن بمتشابهه بل ويعم محكمه ، مهما كان الأول أعضل.
وزيغ القلب هنا لا يعني زيغه في كل الحقول لمكان «زيغ» منكرا ، الشاملة لكل زيغ ، فقد يزيغ علما دون زيغ في ايمان ، ام يزيغ ايمانا وليس له علم حتى يزيغ ، او يزيغ علما وايمانا فواويلاه ، وثالث هذا الثالوث هو رأس الزاوية في الزيغ الذي يسبب كل فتنة في اتباع المتشاب هو التأويل.
- وجه اشتمال الكتاب على متشابهات بجنب المحكمات موجّه في معنى التشاب هو الإحكام كما بيناه ، فليس التشابه امرا قاصدا في قصور دلالي وإجمال متعمّد حتى ينافي بيان القرآن ، بل هو كأصل مما لا بدّ منه في عرض المعارف الإلهية ذاتا وصفات وافعالا ، وفي عرض المنسوخ كما الناسخ ، و هو كهامش على ذلك الأصل طبيعة الحال في مختلف الإدراكات والاستعدادات لحدّ تصبح آية محكمة عند جماعة متشابهة عند آخرين ، حيث المتشابه - في أوضح تعريف به - ما اشتبه علمه على جاهله ، والتشابه في كل حقوله هو لزام الكتب العلمية على الإطلاق ، فضلا عن القرآن الذي يحمل كل ما تحتاجه البشرية الى يوم القيامة - إلا ما بالإمكان ان يحصل عليه - ففي حقل التشريع الكافل لكافة الحاجات يستحيل عدم التشابه لكافة المكلفين قضية اختلاف الفاعليات والقالبيات والاستعدادات في تفهم الكلام. والمشكلة العويصة انما هي المتشابهات التي لا تفسير لها حكيما صالحا ولا نجد هكذا التشابه في القرآن عن بكرته ، فان لكل متشابهة من آياته محكما قد تكون هي نفس المتشابهات بامعان النظر وإجالة الفكر ، اللهم إلّا المتشابهات التأويلية التي ليس على اهل القرآن تأويلها ، لأنه راجع الى الراسخين في العلم ، أم لا يعلمه إلّا اللّه حيث يختص علمه باللّه.
- وأما الراسخون في العلم وموقفهم من علم التأويل ايجابيا وسلبيا ، فلأن الرسوخ في شيء هو التمكن فيه بلا تزعزع وتزلزل تشبيها برسوخ الشيء الثقيل في الأرض الخوّانة ، فالراسخون في العلم - إذا - هم المتمكنون فيه الذين لا يختلفون في علمهم ولا يتخلفون.
والعلم يعم علم المعرفة وعلم العقيدة وعلم الايمان والأخير أثبت مهما كان الأولان من أثافيّ هو أس هو أساسه ، فقد يثبت الراسخ في علم المعرفة والعقيدة ولا ثبوت له في علم الايمان والثابت في علم الايمان ثابت - لا محالة - في علم المعرفة العقيدة على أية حال.
ومن الأولين - وهم الأدنون في صنفي الراسخين - علماء اهل الكتاب دون المعصومين : {لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ والْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [4 : 161] فإنهم من الذين هادوا ، هودا ورجوعا إلى الايمان باللّه علما وعملا صالحا بعد سؤال الرؤية جهلا وعملا طالحا ، وساحة العصمة القدسية براء من الجهل والجهالة على أية حال ، فهم من دون المعصومين (عليهم السلام).
والراسخون في العلم في آية التقسيم قد يشمل الأولين على هامش الآخرين ، فرسول اللّه (صلّى اللّه علي هو آل هو سلّم) وأهل بيته المعصومون (عليهم السلام) هم أفضل الآخرين ، كما ان الأولياء دون المعصومين هم أفضل الأولين ، فليس «الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» هنا ليختص بالآخرين فضلا عن أفضلهم «8».
والتفسير بهم ليس إلا من جري التأويل لأصدق مصاديقهم في العلم والايمان ، و«العلم» هنا بمناسبة المورد هو العلم بالقرآن ، وهو بصورة طليقة لائقة طليق العلم به في مثلّثه : معرفة وعقيدة وإيمانا قلبيا ، وكلّ منها قد تكفي للخروج عن «زيغ» الذي يدفع إلى اتّباع المتشابه ، مهما كان الزيغ في العلم قد يدفع الى اتباع المتشابه كزيغ العقيدة والايمان ، فلا بد إذا من رسوخ في الايمان كأصل ، ومن ثمّ رسوخ في العقيدة التي هي لزام الإيمان ، ورسوخ في علم المعرفة.
وأفضل الراسخين في العلم هو أفضلهم في هذه الثلاث ، ثم الراسخ في علم الإيمان - على مراتبه - ومن ثمّ الراسخ في المعرفة - على مراتبها «9».
ومما يشعرنا أنّ أصل العلم هنا هو الإيمان {إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ} حيث الخشية هي من مخلفات الإيمان قدره ، فقد يكون عالما عقليا ومعرفيا وليس له ذلك العلم الإيمان الذي يخشى به اللّه ، ف هو - إذا - العلم الخاشي.
ثم الوا وفي {إِلَّا اللَّه والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} كما تتحمل العطف ، انهم يعلمون تأويله كما اللّه مهما اختلفت الدرجات ، كذلك الاستئناف ، أنهم لا يعلمون تأويله كله ، فما علموا منه فهو ، وما جهلوا منه اعترفوا بجهلهم والايمان به كما علموا منه كما في العلوي (عليه السلام) حيث سأله رجل هل تصف لنا ربك نزدد له حبا ومعرفة فغضب (عليه السلام) وخطب الناس فقال فيما قال : عليك يا عبد اللّه بما دلّك عليه القرآن من صفت هو تقدمك فيه الرسول (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) من معرفته فأتمّ ب هو استضىء بنور هدايته فإنما هي نعمة وحكمة أوتيتها فخذ ما أوتيت وكن من الشاكرين وما كلفك الشيطان عليه مما ليس عليك في الكتاب فرض هو لا في سنة الرسول (صلّى اللّه علي هو آل هو سلّم) والائمة الهداة أثره فكل علمه إلى اللّ هو لا تقدر عظمة اللّه على قدر عقلك فتكون من الهالكين واعلم يا عبد اللّه ان الراسخين في العلم هم الذين أغناهم اللّه عن الاقتحام في السّدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فقالوا آمنا به كلّ من عند ربنا فمدح اللّه اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما وسمّى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عنه (عن كهنه) منهم رسوخاً «10».
ففصل القول هنا في الراسخين في العلم انهم يعلمون من تأويل القرآن ما علمهم اللّه دون من سواهم ، ويجهلون ما اختص اللّه بعلمه من التأويل ، ومما يعلمونه تأويل الأحكام تأويل المبدء والختام ، فلهم في تأويل مبادئ الأحكام استنباط غير المنصوص في القرآن سنادا الى تأويل المنصوص ، وليس لغير المعصومين ذلك التأويل اللهم إلا القليل الذي له دليل او العليل الذي لا يروّى الغليل.
فالمنزلة الوسطى والطريقة المثلى في موقف الراسخين في العلم من علم التأويل هي ألّا يخرجوا من علم التأويل جملة ، ولا يدخلوا فيه جملة ، بل هم عوان بينهما ، يعلمون منه ما علمهم اللّه من واجب المعرفة الواجبة لأئمة الأمة ، ولا يعلمون ما اختص اللّه بعلمه.
والمستفيضة في حصر الراسخين في العلم في المعصومين تعني أفضلهم وأعلاهم ، كالتي تحلق لهم علم التأويل حيث تعني غير ما اختص اللّه بعلمه منه «11».
إذا فحصر الوقف عند اسم اللّه تعالى باستئناف « والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» إخراج لهم عن ان يعلموا شيئا من التأويل من جليل أو قليل ، اطلاعا لطلع هو استنباطا لغامض هو وامض هو استخراجا لكوامنه ، حطا لهم بذلك عن رتبة استحقوا الإيفاء عليها واطلاع شرفها ، فان اللّه تعالى قد أعطاهم من نهج السبيل وضياء الدليل ما يفتحون به المبهم ويصدعون به الظلم ، امتيازا لهم كقادة عن سائر الأمة مقودين ، وعلمهم بقسم من ذلك التأويل مستمد من علم اللّه ، فلا معنى للوقوف بهم دون منزلتهم ، والإحجام عن إيصالهم الى أقصى هذه المنزلة السامية.
ثم الوقف عند { وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّ هو الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} توفية للاستثناء حقه بإدخال المعصومين فيه ، مزية لهم عمن سواهم بعلم من التأويل ، معرفة بمداخل هو مخارجه ، وسلوكا لمحاج هو مناهجه المباهج.
والمنزلة العوان - الوسطى - بين المنزلتين هي اللائقة بهم ، اللابقة لهم ، تنزيلا لهم عن ساحة العلم بالتأويل ككلّ مساماة للّه وعوذا باللّه ، وترفيعا لهم عن قاعة الجهل به ككل مساماة لسائر الأمة وعوذا باللّه.
فحصالة القول هنا وأصالته انه { وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} لا سواه ، حيث يراد تأويله كله بأسره دون إبقاء ، فإن معرفة كنه الذات والصفات والأفعال الربانية وعلم الساعة وما أشبه خاصة باللّه.
كما انه { وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّ هو الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} بفارق انهم لا يعلمون كل التأويل و{يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا} هو من الدليل على جهلهم بقسم من التأويل ، بل ما علمهم اللّه فإنهم لم يعلموا ما علموا من التأويل إلّا بما علمهم اللّه القدر الصالح لقيادة العصمة وعصمة القيادة «12».
وقد يوسع نطاق «الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» تقابلهم ب «الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ» فكما الزيغ دركات كذلك الرسوخ في العلم درجات.
وكما ان أفضل الراسخين هو الرسول (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) كذلك أرذل الزائغين هم الذين جعلوا القرآن عضين ، يعطفون القرآن على الرأي حين يعطف هؤلاء الرأي على القرآن ، ويعطفون الهدى على الهوى حين تعطف الهدى على الهوى.
فكل تفسير او تأويل للقرآن بعيد عن جادة الصواب هو من زيغ القلب ، كما ان صالح التفسير والسكوت عما لا يعلم من تفسير او تأويل ، ذلك من الرسوخ في العلم.
- ولا يخص التأويل هنا تأويل ما تشابه منه بل والمحكمات ، حيث التأويل يعني المأخذ بدائيا والمآل نهائيا ، ولقد فصلنا القول فيه في مدخل التفسير فلا نعيد ، والجدير بالذكر هنا أن للمتشابه تأويلين وللمحكم تأويل واحد ، مهما كان لكلّ بطون.
- كما وقد سبق البيان في الفارق بين التأويل وتفسير المتشابه.
ويا للراسخين في العلم من خنوع وخشوع في جنب اللّه في دعاء السلب والإيجاب :
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران : 8].
وترى أن إزاغة القلب هي من اللّ هو لا سيما بعد إذ هدى ، وخاصة بالنسبة للراسخين في العلم؟ إنها من العبد حين يزيغ فيزيغ اللّه قلبه : {فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} وان كان بعد إذ هدى ، وأما الراسخون في العلم فدعاء السلب لهم تعني أنهم لا يملكون في أنفسهم هدى لولا تثبيت من اللّه : { ولَو لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا} لا سيما وان الراسخين هنا تشمل مع المعصومين سواهم ، الذين هم في خطر الزيغ من أنفسهم فالإزاغة من اللّه.
فقد تعني هذه الدعاء لهم ككل : أدم لنا ألطافك وعصمتك وهداك ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبدا ، ولا تبتلنا بأمر إمر يثقل علينا القيام ب هو الخروج إليك من حقه فتزيغ له قلوبنا ، فهي - إذا - كمثل {رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا} [2 : 286].
وقد تعني الإزاغة ترك التوفيق عن زيادات الهدى بنقصان الاهتداء { والَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وآتاهُمْ تَقْواهُمْ} فقد سألوه - إذا - ان يلطف لهم بكثرة الخواطر وقوة الزواجر في فعل الإيمان حتى يقيموا عليه طيلة أعمارهم ولا يتركوه في مستقبلهم فيستحقوا بترك هو فعل الكفر - بدلا منه - أن يزيغ اللّه تعالى قلوبهم عن الثواب ، فاعلا بهم مستحق العقاب.
وقد تعني - لا سيما بالنسبة للمعصومين - خضوعهم واستكانتهم بإنابتهم إلى اللّه على أن ترك الازاغة حاصل لهم لرسوخهم في العلم ، فهي كما «قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» وهو ليس ليحكم إلّا بالحق.
وإنما اختص القلب من بين الجوانح والجوارح بتلك الدعاء لأنه شريف الأعضاء جانحة وجارحة ، فانه قلب الروح وهي عمّال هو تحت إمرته ، فإذا اهتدى القلب اهتدت ، وإذا زاغ زاغت واحتدت «13».
«هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً» رحمة خاصة لدنية تعصمنا عن الزيغ أيا كان من دركاته ، حيث الرحمة تعني كل درجاتها «إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ».
وانما تطلبوا إيجاب الرحمة بعد سلب الزيغ لأن هذا السلب لا يغني عن ذلك الإيجاب ، فقد يكون عوانا بين سلب الزيغ وإيجاب الرحمة ف هو من المستضعفين الضالين ، كما الزائغون من غير المغضوب عليهم والمرحومون هم من المهتدين الى الصراط المستقيم ، فلذلك ثني هنا الإيجاب بعد السلب تكملة للهدى.
فقد تنضم دعاء السلب والإيجاب هذه من الراسخين في العلم في خضم كلمة التوحيد «لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ» حيث التعلق بكل ما سوى اللّه زيغ ، والتعلق باللّه هدى ورسوخ في العلم وبينهما عوان.
ويقال هناك زيغ في القلوب وهنا رسوخ في العلم وبينهما عوان لم يذكر و هو القلب السليم غير الراسخ فيه العلم ، فلا هو يفسر المتشابهات زائغا ولا هو يعلم تفسيرا او تأويلا صالحا ، كالعوام من المؤمنين الذين لا يفهمون القرآن.
ومن اتباع المتشابه الجدال والمراء في هو نثره نثر الدقل تأولا له على غير تأويل هو تراجعا فيه ضربا لبعضه ببعض ، كما يروى متظافرا عن رسول اللّه (صلّى اللّه علي هو آل هو سلّم) «14».
وزيغ القلب يعم جانب الايمان الى جانب العلم والعقل ، فكل ضيق للإنسان يتطلب ضيقا في فهم القرآن.
______________________________
(1)- مثالا على التشابه العلمي آيات حركات الأرض كآيات الكفات والراجفة والذلول والجبال الأوتاد وأضرابها ، حيث الألفاظ لا تشابه فيها ، وإنما العلم غير البالغ زمن نزولها يعمل في تشابه بين حق المعنى وباطله ، فالعلم يرجح باطل هو هو سكون الأرض ، والنص يرجح حق هو هو حركات الأرض ، فيحمل النص - قضية العلم او الحس الخاطئ - على غير النص ، وهكذا العقل غير الناضج ، حيث يعقل أمرا بقصوره فيعتقده ثم الآية الصريحة او الظاهرة في خلاقه يظن أنها متشابهة قد يرجح حكم العقل عليها فتؤول على خلافها.
(2)- في الكافي عن ابن سنان عمن ذكره قال سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن القرآن والفرقان أ هما شيئان او شيء واحد؟ قال : القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به ، وفيه عن القمي بسند متصل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : الفرقان كل امر محكم ، وروى العياشي عن عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن القرآن الفرقان؟ قال : القرآن جملة الكتاب وأخبار ما يكون والفرقان المحكم الذي يعمل ب هو كل محكم ف هو الفرقان.
(3)- الدر المنثور 2 : 6 - أخرج البخاري في تاريخ بغداد بسند أن النبي (صلى الله عليه واله) قال في خطبته : أيها الناس قد بين اللّه لكم في محكم كتابه ما أحل لكم وما حرم عليكم فأحلوا حلال هو حرموا حرام هو آمنوا بمتشابه هو اعملوا بمحكم هو اعتبروا بأمثاله.
(4)- العياشي عن أبي محمد الهمداني عن رجل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام).
(5)- العياشي عن مسعدة بن صدقة عنه (عليه السلام) وفي الدر المنثور 2 : 6 - أخرج ابن سعد وابن الضريس في فضائل هو ابن مردويه عن عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللّه (صلى الله عليه واله) قال - إلى أن قال - : فما عرفتم منه فاعملوا ب هو ما تشابه عليكم فآمنوا به.
(6) - كما في الدر المنثور عن أبي عباس رحمه اللّه.
(7)- عيون الأخبار حدثني أبي قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي حيون مولى الرضا (عليه السلام) عنه (عليه السلام) قال : ..
(8)- الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أنس وأبي أمامة ووائلة بن الأسقع وأبي الدرداء أن رسول اللّه (صلى الله عليه واله) سئل عن الراسخين في العلم فقال : «من برت يمين هو صدق لسان هو استقام قلب هو من عف بطن هو فرجه فذلك من الراسخين في العلم».
(9)- نهج البلاغة عن الإمام علي عليه السلام ، وفي النبوي (صلى الله عليه واله) أنزل القرآن على سبعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة ب هو تفسير تفسره العرب وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلّا اللّ هو من ادعى علمه سوى اللّه ف هو كاذب (الدر المنثور أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله) : ...).
(10)- في النهج والإحتجاج في كلام لعلي (عليه السلام) في ذم القضاء السوء - إلى أن قال - : وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا وأنه لا اختلاف فيه - فذكر الآية ثم قال : - وإن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق لا تحصى عجائب هو لا تنقضي غرائب هو لا تكشف الظلمات إلّا به.
(11)- في نهج البلاغة عن الامام علي (عليه السلام) : اين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا أن رفعنا اللّ هو وضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم.
(12)- الدر المنثور 2 : 6 - أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله) : أنزل القرآن على سبعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة ب هو تفسير تفسره العرب وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلّا اللّ هو من ادعى علمه سوى اللّه ف هو كاذب.
(13)- الدر المنثور 2 : 8 - أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أم سلمة أن رسول اللّه (صلى الله عليه واله) كان يكثر في دعائه أن يقول : اللّهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قلت يا رسول اللّه (صلى الله عليه واله) إنّ القلوب لتتقلب؟ قال : نعم ما من خلق اللّه من بشر من بني آدم إلّا وقلبه بين أصبعين من أصابع اللّه فإن شاء اللّه أقام هو إن شاء أزاغه فنسأل اللّه ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب ، قلت يا رسول اللّه (صلى الله عليه واله) ألّا تعلمني دعوة أدع وبها لنفسي؟ قال بلى قولي : اللّهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي واذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني.
(14)- الدر المنثور 2 : 5 - أخرج جماعة عن عائشة قالت : تلا رسول اللّه (صلى الله عليه واله) « هو الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ ...» فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى اللّه فاحذروهم - ولفظ البخاري - : فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى اللّه باحذروهم - وفي لفظ لابن جرير - إضافة : والذين يجادلون فيه ، وفيه عنه (صلى الله عليه واله) قال : إن في أمتي قوما يقرءون القرآن ينثرونه نثر الدقل يتألونه على غير تأويله ، وأنه خرج على قوم يتراجعون في القرآن و هو مغضب فقال : بهذا ضلت الأمم قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وضرب الكتاب بعضه ببعض - قال - : وأن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا ولكن نزل يصدق بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا ب هو ما تشابه عليكم فآمنوا به ، وفيه أخرج الطبراني عن عمر بن أبي سلمة أن النبي (صلى الله عليه واله) قال لعبد اللّه بن مسعود أن الكتب كانت تنزل من السماء من باب واحد وأن القرآن نزل من سبعة أحرف حلال وحرام ومحكم ومتشاب هو ضرب أمثال وآمر وزاجر فأحل حلال هو حرم حرام هو اعمل بمحكم هو قف عند متشابه هو اعتبر مثاله فإن كلّا من عند اللّ هو ما يتذكر إلّا أولوا الألباب ، وفيه أخرج ابن جرير ونصر المقدسي في الحجة عن أبي هريرة أن رسول اللّه (صلى الله عليه واله) قال : نزل القرآن على سبعة أحرف المراء في القرآن كفر ما عرفتم منه فاعملوا وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه.
وفيه عن ابن عباس قال : إن القرآن ذ وشجون وفنون وظهور وبطون لا تنقضي عجائب هو لا تبلغ غايته فمن أوغل فيه برفق نجا ومن أوغل فيه بعنف غوى أخبار وأمثال وحرام وحلال وناسخ