أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-08
884
التاريخ: 26-5-2021
11282
التاريخ: 2024-03-17
926
التاريخ: 9/12/2022
1743
|
إذا نظرنا إلى أن التشريعات الجنائية تنص على جرائم التزييف في أبواب منفصلة ويهدف مجرد حماية الاعتداء الواقع على مقومات العملة نفسها مما يخل بوظيفتها ويضر بالعلاقات التي تستخدم فيها العملة ، كما يعرض أمن التداول النقدي للخطر . وحيث أن العملة تشكل السيادة النقدية في كل دولة ، هي جزء من السيادة الوطنية نفسها أيضاً ، إذ أن حق إصدار العملة المحصور بالسلطة الرسمية يندرج في طائفة الأعمال الحكومية التي تزاولها الدولة تنفيذاً للدستور . وللقانون بعد ان اصبح نظام المصارف المركزية المرتبطة مباشرة بالدولة معمولاً به في مختلف أنحاء العالم، وتكتسب العملة الوطنية على أساسه مكانتها ومتانتها في مختلف البلدان التي تقبل رواجها وانتشارها وإجراء الصفقات بوساطتها ، فيكون أي عمل تزييفي لها إساءة مباشرة إلى مكانة الدولة المصدرة بفقدانها ثقة الدول الباقية ، فضلاً عن أن هذه الدولة تقابل إنزال العملات الورقية بنوع من التغطية لها ، ذهبية في معظم الحالات ، وتكفل أخيراً القيمة العددية الموضوعة قيد التداول ، مما يعرضها لخسارة لا ترتقيها ، بدلاً من جني الفوائد التي تعود لها ، كما انه قد ينشأ عن ذلك تعكير للعلاقات بين الدول المتعددة إذا وقع التزييف بقصد الحط والتخريب على عملة إحداها في ارض دولة ثانية، وبعلمها وأحياناً بموافقتها الصريحة أو الضمنية(1) . لذلك فإن الفقه الألماني(2) . يرى أن جرائم تزييف العملة ما هي إلا أفعال غير مشروعة تنال بالاعتداء القيمة الاسمية المحددة للعملة بمعرفة الدولة سواءً أكانت هذه العملة معدنية أم ورقية وان محل الاعتداء ليس الثقة العامة ، وإنما الأمر لا يعدو أن يكون اعتداء أو مخالفة لقوانين أو تشريعات مهنية تهدف إلى حماية تلك القيمة المحددة للعملة والتي تمثل وحدة معينة من القيم. ولذلك يستمد تزييف العملة أهميته من أهمية العملة نفسها ومن الدور الذي تؤديه في حياة الناس الاقتصادية والاجتماعية ، ذلك الدور الذي يكمن في الوظائف التي تؤديها للمجتمعات الإنسانية . فمن المتفق عليه لدى فقهاء الاقتصاد أن النقود(3) . هي وسيط للمبادلة ذات قوة شرائية عامة تعطي لصاحبها حقاً على جميع السلع والخدمات كما أنها وحدة للحساب ومقياس للقيم وأداة لاختزانها ، فضلاً عن أنها تعتبر أداة ائتمان وادخار . فهي بهذا ترتبط بكل نواحي الحياة وأداة لا غنى عنها لتسيير دفتها ولدفع عجلة النشاط الاجتماعي والاقتصادي . ولأهمية النقود فإن الناس يقبلون عليها إقبالاً شديداً طالما هي قائمة بوظائفها محققة لأهداف وجودها ، فإذا ما شابها عبث أو خلل فقدوا ثقتهم فيها وأصاب ذلك حياتهم بالاضطراب والتوقف بأضرار جسيمة . ولعل اخطر ما تتعرض له العملة من اعتداءات تخل بسلامتها وصحتها وتضر بالمصالح التي تتحقق عن طريق قيامها بوظائفها هو جرائم تزييف العملة ولا سيما إذا وضعنا في الاعتبار مساس هذا الاعتداء بسلطة الدولة التي تحتكر ضرب العملة وإصدارها ، وتحرم ذلك على الأفراد لتضمن سلامتها وتؤكد قيمتها . ومن جهة أخرى فان جريمة تزييف العملة تمثل في ذاتها نشاطاً إجرامياً خطيراً يتمثل في خطورة الأفعال المكونة له وما يتميز به من طبيعة خاصة ومن إصرار من الجناة على ارتكاب جريمتهم وما يترتب على انتشار ترويج العملة بطريقة جماعية من آثار متتابعة تضر المجتمع بأسره . ولذلك فإن من أهداف قانون العقوبات حماية المصالح المشتركة وان هذه المصالح قد تكون مادية أو أدبية ، فإننا نجد أن المصلحة الجوهرية التي تعكسها جرائم التزييف بصفة مباشرة هي مصلحة أدبية تتمثل في الاعتداء على سلطة الدولة أو سيادتها النقدية ، مصلحة أخرى مادية تمسها بصفة غير مباشرة تتمثل في باقي المصالح التي من بينها المصالح المتصلة بذمم الأفراد والأرباح التي تجنيها الدولة من ضرب العملة المعدنية وإصدار العملات الورقية المساعدة وأوراق البنكنوت(4). وأخيراً فإن هذه الجرائم ذات طبيعة تقوم على تغيير الحقيقة ، تلك الحقيقة التي تتمثل في القيمة الاسمية التي تحددها الدولة على وجه العملة المعدنية أو الورقية ، والتي تنتهك عن طريق محاكاتها أو تغيير البيانات الدالة على فئتها أو قيمتها مثلاً ، فهي من فصيلة جرائم التزوير دائماً ، فالتزييف من جرائم التزوير المضر بمصالح السلطة العمومية(5).
________________
[1]- القاضي فريد الزعبي ، المصدر السابق ، ص125.
2- نص على هذه الجرائم في القانون الالماني في القسم الخاص بالجنايات والجنح والمخلفات وعقابها في الباب الثالث عشر تحت عنوان الجنايات والجنح المتصلة بتزييف العملة في المواد من 126-152 . أنظر : د. حافظ غانم ، المصدر السابق ، ص74.
3- د. سامي خليل ، اقتصاديات النقود والبنوك ، شركة كاظمه ، الكويت 1982 ، ص33-35. و د. محمد زكي شافهي ، مقدمة في النقود والبنوك ، سنة 1962 ، ص25. انظر ايضاً د. محمد لبيب شقير ، النقود ، سنة 1956، ص32.
4- د. محمود محمود مصطفى ، قانون العقوبات ، القسم الخاص ، فقرة 6، ص12.
5- د. عادل غانم حافظ ، المصدر السابق ، ص81.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|