ككان كاد وعسى لكن ندر ... غير مضارع لهذين خبر
هذا هو القسم الثاني من الأفعال الناسخة للابتداء وهو كاد وأخواتها وذكر المصنف منها أحد عشر فعلا ولا خلاف في أنها أفعال إلا عسى فنقل الزاهد عن ثعلب أنها حرف ونسب أيضا إلى ابن السراج
ص322
والصحيح أنها فعل بدليل اتصال تاء الفاعل وأخواتها بها نحو عسيت وعسيت وعسيتما وعسيتم وعسيتن.
وهذه الأفعال تسمى أفعال المقاربة وليست كلها للمقاربة بل هي على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما دل على المقاربة وهي كاد وكرب وأوشك
والثاني: ما دل على الرجاء وهي عسى وحرى واخلولق
والثالث: ما دل على الإنشاء وهي جعل وطفق وأخذ وعلق وأنشأ.
فتسميتها أفعال المقاربة من باب تسمية الكل باسم البعض.
وكلها تدخل على المبتدأ والخبر فترفع المبتدأ اسما لها ويكون خبره خبرا لها في موضع نصب وهذا هو المراد بقوله ككان كاد وعسى لكن الخبر في
ص323
هذا الباب لا يكون إلا مضارعا نحو كاد زيد يقوم وعسى زيد أن يقوم وندر مجيئه اسما بعد عسى وكاد كقوله:
أكثرت في العذل ملحا دائما ... لا تكثرن إني عسيت صائما
ص324
وقوله:
فأبت إلى فهم وما كدت آئبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
ص325
وهذا هو مراد المصنف بقوله لكن ندر إلى آخره لكن في قوله غير مضارع إيهام فإنه يدخل تحته الاسم والظرف والجار والمجرور والجملة الاسمية والجملة الفعلية بغير المضارع ولم يندر مجيء هذه كلها خبرا عن عسى وكاد بل الذي ندر مجيء الخبر اسما وأما هذه فلم يسمع مجيئها خبرا عن هذين .
وكونه بدون أن بعد عسى ... نزر وكاد الأمر فيه عكسا
ص326
أي اقتران خبر عسى ب أن كثير وتجريده من أن قليل وهذا مذهب سيبويه ومذهب جمهور البصريين أنه لا يتجرد خبرها من أن إلا في الشعر ولم يرد في القرآن إلا مقترنا ب أن قال الله تعالى: {فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} وقال عز وجل: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} ومن وروده بدون أن قوله:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
ص327
صفحة فارغة
ص328
وقوله:
عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر
وأما كاد فذكر المصنف أنها عكس عسى فيكون الكثير في
ص329
خبرها
أن يتجرد من أن ويقل اقترانه بها وهذا بخلاف ما نص عليه الأندلسيون من أن اقتران خبرها ب أن مخصوص بالشعر فمن تجريده من أن قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وقال {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ } ومن اقترانه ب أن قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب" وقوله:
كادت النفس أن تفيض عليه ... إذ غدا حشو ريطة وبرود
ص330
وكعسى حرى ولكن جعلا ... خبرها حتما بأن متصلا
ص331
وألزموا اخلولق أن مثل حرى ... وبعد أوشك انتفا أن نزرا
يعني أن حرى مثل عسى في الدلالة على رجاء الفعل لكن يجب اقتران خبرها ب أن نحو حرى زيد أن يقوم ولم يجرد خبرها من أن لا في الشعر ولا في غيره وكذلك اخلولق تلزم أن خبرها نحو اخلولقت السماء أن تمطر وهو من أمثلة سيبويه وأما أوشك فالكثير اقتران خبرها بأن ويقل حذفها منه فمن اقترانه بها قوله:
ولو سئل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا
ص332
ومن تجرده منها قوله:
يوشك من فر من منيته ... في بعض غراته يوافقها
ص333
ومثل كاد في الأصح كربا ... وترك أن مع ذي الشروع وجبا
كأنشأ السائق يحدو وطفق ... كذا جعلت وأخذت وعلق
ص334
لم يذكر سيبويه في كرب إلا تجرد خبرها من أن وزعم المصنف أن الأصح خلافه وهو أنها مثل كاد فيكون الكثير تجريد خبرها من أن ويقل اقترانه بها فمن تجريده قوله:
كرب القلب من جواه يذوب ... حين قال الوشاة: هند غضوب
وسمع من اقترانه بها قوله:
سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظما ... وقد كربت أعناقها أن تقطعا
ص335
صفحة فارغة
ص336
والمشهور في كرب فتح الراء ونقل كسرها أيضا.
ومعنى قوله وترك أن مع ذي الشروع وجبا أن ما دل على الشروع في الفعل لا يجوز اقتران خبره بأن لما بينه وبين أن من المنافاة لأن المقصود به الحال وأن للاستقبال وذلك نحو أنشأ السائق يحدو وطفق زيد يدعو وجعل يتكلم وأخذ ينظم وعلق يفعل كذا .
واستعملوا مضارعا لأوشكا ... وكاد لا غير وزادوا موشكا
ص337
أفعال هذا الباب لا تتصرف إلا كاد وأوشك فإنه قد استعمل منهما المضارع نحو قوله تعالى: {يَكَادُونَ يَسْطُونَ} وقول الشاعر :
يوشك من فر من منيته
وزعم الأصمعي أنه لم يستعمل يوشك إلا بلفظ المضارع ولم يستعمل أوشك بلفظ الماضي وليس بجيد بل قد حكى الخليل استعمال الماضي وقد ورد في الشعر كقوله:
ولو سئل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا
نعم الكثير فيها استعمال المضارع وقل استعمال الماضي.
وقول المصنف وزادوا موشكا معناه أنه قد ورد أيضا استعمال اسم الفاعل من أوشك كقوله:
فموشكة أرضنا أن تعود ... خلاف الأنيس وحوشا يبابا
ص338
وقد يشعر تخصيصه أوشك بالذكر أنه لم يستعمل اسم الفاعل من كاد وليس كذلك بل قد ورد استعماله في الشعر كقوله:
أموت أسى يوم الرجام وإنني ... يقينا لرهن بالذي أنا كائد
وقد ذكر المصنف هذا في غير هذا الكتاب.
ص339
وأفهم كلام المصنف أن غير كاد وأوشك من أفعال هذا الباب لم يرد منه المضارع ولا اسم الفاعل وحكى غيره خلاف ذلك فحكى صاحب
ص340
الإنصاف استعمال المضارع واسم الفاعل من عسى قال عسى يعسي فهو عاس وحكى الجوهري مضارع طفق وحكى الكسائي مضارع جعل .
بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد ... غنى ب "أن يفعل" عن ثان فقد
اختصت عسى واخلولق وأوشك بأنها تستعمل ناقصة وتامة فأما الناقصة فقد سبق ذكرها.
وأما التامة فهي المسندة إلى أن والفعل نحو عسى أن يقوم واخلولق أن يأتي وأوشك أن يفعل ف أن والفعل في موضع رفع فاعل عسى واخلولق وأوشك واستغنت به عن المنصوب الذي هو خبرها.
وهذا إذا لم يل الفعل الذي بعد أن اسم ظاهر يصح رفعه به فإن وليه نحو عسى أن يقوم زيد فذهب الأستاذ أبو علي الشلوبين إلى أنه يجب أن يكون الظاهر مرفوعا بالفعل الذي بعد أن ف أن وما بعدها فاعل لعسى وهي تامة ولا خبر لها وذهب المبرد والسيرافي والفارسي إلى تجويز
ص341
ما ذكره الشلوبين وتجويز وجه آخر وهو أن يكون
ما بعد الفعل الذي بعد أن مرفوعا بعسى اسما لها وأن والفعل في موضع نصب بعسى وتقدم على الاسم والفعل الذي بعد أن فاعله ضمير يعود على فاعل عسى وجاز عوده عليه وإن تأخر لأنه مقدم في النية.
وتظهر فائدة هذا الخلاف في التثنية والجمع والتأنيث.
فتقول على مذهب غير الشلوبين عسى أن يقوما الزيدان وعسى أن يقوموا الزيدون وعسى أن يقمن الهندات فتأتي بضمير في الفعل لأن الظاهر ليس مرفوعا به بل هو مرفوع ب عسى.
وعلى رأى الشلوبين يجب أن تقول عسى أن يقوم الزيدان وعسى أن يقوم الزيدون وعسى أن تقوم الهندات فلا تأتي في الفعل بضمير لأنه رفع الظاهر الذي بعده .
وجردن عسى أو ارفع مضمرا ... بها إذا اسم قبلها قد ذكرا
ص342
اختصت عسى من بين سائر أفعال هذا الباب بأنها إذا تقدم عليها اسم جاز أن يضمر فيها ضمير يعود على الاسم السابق وهذه لغة تميم وجاز تجريدها عن الضمير وهذه لغة الحجاز وذلك نحو زيد عسى أن يقوم فعلى لغة تميم يكون في عسى ضمير مستتر يعود على زيد وأن يقوم في موضع نصب بعسى وعلى لغة الحجاز لا ضمير في عسى وأن يقوم في موضع رفع بعسى.
ونظهر فائدة ذلك في التثنية والجمع والتأنيث؟
فتقول على لغة تميم: هند عست أن تقوم والزيدان عسيا أن يقوما والزيدون عسوا أن يقوموا والهندان عستا أن تقوما والهندات عسين أن يقمن وتقول على لغة الحجاز: هند عسى أن تقوم والزيدان عسى أن يقوما والزيدون عسى أن يقوموا والهندان عسى أن تقوما والهندات عسى أن يقمن وأما غير عسى من أفعال هذا الباب فيجب الإضمار فيه فتقول الزيدان جعلا ينظمان ولا يجوز ترك الإضمار فلا تقول الزيدان جعل ينظمان كما تقول الزيدان عسى أن يقوما .
والفتح والكسر أجز في السين من ... نحو عسيت وانتقا الفتح زكن
ص343
إذا اتصل بـ"عسى" ضمير موضوع للرفع وهو لمتكلم نحو عسيت أو لمخاطب نحو عسيت وعسيت وعسيتما وعسيتم وعسيتن أو لغائبات نحو عسين جاز كسر سينها وفتحها والفتح أشهر وقرأ نافع فهل عسيتم إن توليتم بكسر السين وقرأ الباقون بفتحها.
ص344