مقدمة في علم الجنين

مواضيع ومسائل علم الجنين 

يهتم علم الجنين Embryology  بدراسة تكون الجنين (باللغة اليونانية Embryon   تعني جنين وLogos علم ) , وتكون الجنين هو المرحلة المبكرة من تكون الفرد – Ontogenesis  وتبدأ هذه المرحلة من لحظة الإخصاب وتنتهي بالولادة (في حالة التكاثر الولادي) أو النطف (في حالة التكاثر البيضي) , ولا يقتصر مجال اهتمام علم الجنين على دارسة المرحلة الجنينية فقط , وإنما يتعداها الى دراسة مسائل تقع خارج هذه المرحلة , فهو يدرس تشكل الخلايا الجنسية , وهذا ما يتم قبل مرحلة تكون الجنين , كما يهتم في المرحلة اللاحقة لتكون الجنين , باعتبار أن كافة الحيوانات لا تنهى حادثات تكونها خلال فتر التكون الجنيني , فلا يوجد حيوانات تتحرر من الاغشية البيضية أو تلد وقد أنهت نهائيا حادثات تشكلها ولم يبق عندها إلا النمو , فعند الثدييات تتم بعض البنى تكونها بعد الولادة (جهاز التناسل والجمل الغدية وغيرها) , لتأخذ شكلها النهائي من ناحية البنية والوظيفة بعد فترات قصيرة أو طويلة من الولادة ,وفي حيوانات كثيرة يتحرر الجنيني من الأغشية البيضية وهو قليل الشبه بالمتعضية البالغة , إذ يتشكل له أعضاء مؤقتة تؤمن له العيش ضمن الوسط الموجود فيه , ويعاني بعد ذلك تحولات وتغيرات بنيوية يصبح بعدها مشابها للمتعضية البالغة , كما يعني علم الجنين بدراسة حوادث التجديد regeneration  والتكاثر اللاجنسي , وتشوهات الأجنة وأسبابها , وأسباب اختلال العمليات الطبيعية لتشكل النسج والأعضاء , وتبحث بعض مدارس علم الجنين في أسباب ظهور الأورام , وبهذا الشكل فإن علم الجنين يدرس العمليات الخلقية المختلفة التي تتم خلال التكون الفردي للمتعضية .

إن دراسة التكون الجنين يمكن أن تتم بطرائق مختلفة , وأبسط هذه الطرائق وأقدمها هي التي تتم عبر ملاحظة ووصف خطوات تكون كائن ما (علم الجنين الوصفي) , وبالإضافة الى إلقاء الضوء على كيفية تكون الجنين , يمكن بالاستناد على هذه الطريقة استنباط بعض القوانين في مضمار التشكل , فعلى سبيل المثال درس ارسطو (القرن الرابع قبل الميلاد) و Wolff (القرن الثامن عشر) تكون جنين الدجاج وبرهنا على أن أجزاء الجنين وأعضاءه لا تكون موجودة بشكل جاهز في البيضة كما كان يتصور الكثيرون في ذلك الوقت , وإنما تشكل من جديد من مواد البيضة , وبالتالي فإن تكون الجنين لا يمكن اعتباره تفتحا ونمو لشيء موجود سابقا, كما اعتقد أصحاب نظرية التشكل السابق prefovmation  (الشكل 1) وإنما يعد تكونا حقيقا متدرجا لبنى جديدة سابقا , وهذا ما يسمى نظرية التشكل المتدرج Epigenesis وعن طريق الملاحظة وتعميم الوقائع برهن بير (Bear 1828) على أن التكون يسير من البسيط الى المعقد , ومن العام نحو الخاص , ومن المتجانس نحو المتنوع .

الشكل (1) البنية التي اقترحها اصحاب نظرية التشكل السابق للنطفة

إن مقارنة حادثات التكون في الحيوانات المختلفة (علم الجنين المقارن) comparative embryology  تعطى  مادة جديدة لرسم خطوط عامة في تكون الجنين .

ومثال ذلك استنتاج بير Bear المتضمن للآتي : إن كل شعبة حيوانية تتصف بنمط خاص من التكون الجنيني , وكذلك استنتاج كافالوفسكي Kavaleveski الذي ينص على أنه على الرغم من تباين عمليات التشكل الجنيني في الشعب والصنوف المختلفة فإنه يوجد في الجميع تتابع موحد لمراحل التشكل الرئيسية .

ومع ظهور (أصل الانواع) لدارون Darwin  عام 1859 اكتسبت المقارنة في علم الجنين مضمونا تطوريا جديدا , وأخذ الباحثون ينظرون الى الخصائص المشتركة في تشكل الحيوانات المختلفة على انها انعكاس للقرابة الوراثية بينها , وأصبح علم الجنين أحد الوسائل الرئيسية لتفسير تطور السلالات Phylogeny  في العالم الحيواني .

إن علم الجنين التطوريEvolution ebmryotoge  الذي لعب دورا هاما في القرن التاسع عشر قد انبثق ونما عن علم الجنين الوصفي والمقارن .

وحتى ذلك الوقت فإن أغلب الباحثين لم يستندوا الى التجارب من أجل تفسير حادثات التكون الجنيني , وكرد فعل على ذلك ظهر في نهاية القرن التاسع عشر اتجاه جديد في البحث , ولقد أطلق مؤسس هذا الاتجاه , وهو الباحث Roux  اسم ميكانيكية التكون على هذا الاتجاه الجديد الذي يعتمد الطريقة التجريبية أساسا لمعرفة آلية حادثات التكون على هذا الاتجاه , ولقد أجرى الباحثون في نطاق علم الجنين التجريبي experimental embryology  مثل Driesch و Weismamn و Roux  وغيرهم عددا كبيرا من التجارب الدقيقة على الأجنة (ويشكل خاص على الضفادع) , وفقد جزأوا الأجنة الى أجزاء , وتابعوا مصير هذه الأجزاء , كما اقتطعوا أجزاء من الجنين وزرعوها في مكان آخر , كما غيروا التركيب الكيميائي للوسط الذي يجري فيه التكون , وقاموا بتجارب منوعة من أجل معرفة القوى الفاعلة في تكون الجنين .

ومنذ اكتشاف ظاهرة التحريض في الثلاثينيات من هذا القرن على يد Spemann  وMangold  أخذ الباحثون يولون الكيمياء الحيوية والكيمياء الفيزيائية أهمية خاصة , وانتقل علم الجنين التجريبي من مستوى الخلايا الى مستويات الجزيئات ,وتقع الدراسات التي تجري في هذا الصدد تحت عنوان علم الجنين الجزيئي . إن المهمة الأساسية التي يتصدى لها علم الجنين الجزيئي  molecular embryology   هي تفسير معطيات علم الجينين الوصفي وعلم الجنين التجريبي , استنادا الى معطيات الكيمياء الحيوية .

ويستخدم الباحثون في هذا النطاق الأجهزة والطرائق التي تستخدم في مجال البيولوجيا الجزيئية , ونذك  منها المجهر الإلكتروني وجهاز انعراج الأشعة السينية , وجهاز التشغيل الفائق Ultracentrifuge  والمقياس الطيفي الضوئي – spectro – photometer  والرحلات الكهربائية electrophoresis  والاستشراب – Chromatography  وغير ذلك , ومن البديهي أن يدخل علم الجنين في تماس مباشر مع علم الخلية وعلم الوراثة , إن سلوك خلايا الجنين والتأثيرات في سياق الطور , وهي تتحد بعوامل وراثية , وتكون على علاقة مباشرة مع شروط الوسط المحيط .

إن اكتشاف دور الصبغات والحموض النووية في السيطرة على تركيب بروتينات الكائن الحي قد أوضح إن دراسة آلية التشكل بمنأى عن العوامل الوراثية غير ممكنة , ويأتي في الختام الأول منها تلك التغيرات التي تحدث خلال حادثات التكون في النوى والجهاز الصبغي لخلايا الجنين .

المصدر

الدين ، حسن ناصر . مقدمة في علم الجنين .جامعة ناصر – كلية العلوم – قسم علوم الحياة.