الميت إن كان آدمياً نجس عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي في أضعف القولين كغيره من الحيوانات ، وللأمر بالغسل ، والآخر : أنّه طاهر إكراما له (1). وليس بمقتض.
وإن كان غيره فإن كان ذا نفس سائلة ـ أي دم يخرج بقوة ـ فهو نجس إجماعاً ، لأنّ التحريم يستلزم الاجتناب.
وإن لم يكن ذا نفس سائلة فعندنا أنّه طاهر ، ولا ينجس ما يقع فيه من الماء وغيره ، وبه قال أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد ، والشافعي في أحد القولين (2) ، لأنّ نجاسة الميتة من نتنها وخبثها، وإنّما يحصل ذلك بانحصار الدم واحتباسه في العروق ، وهذه لا دم لها ، وهي على هيئة واحدة في موتها وحياتها ، والرطوبة التي فيها شبه رطوبة النبات.
ولأنّه عليه السلام قال : ( أيما طعام أو شراب مات فيه دابة ليس لها نفس سائلة فهو الحلال أكله وشربه والوضوء منه ) (3) وقال عليه السلام : ( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله ) (4) ، وهو قد يحصل به الموت ، خصوصا مع حرارة الطعام.
ولقول الصادق عليه السلام ـ وقد سئل عن الخنفساء والذباب ـ : « كلّ ما ليس له دم فلا بأس به » (5).
والثاني للشافعي : أنّه نجس إلّا السمك والجراد ، لأنّه حيوان يحرم أكله لا لحرمته فيكون نجساً (6) ، والملازمة ممنوعة.
الأول : نجاسة الميت الآدمي عرضيّة أو ذاتية؟ فيه إشكال ينشأ من طهارته بالغسل ، ومن نجاسة ما يلاقيه ، أما نجاسة غيره فذاتية.
وللشافعي قول أن نجاسة الآدمي ذاتية (7) ، وقال أبو حنيفة : إنّها عرضيّة وإنّما يطهر بالغسل الميت المسلم ، أما الكافر فلا (8).
الثاني : ما لا تحلّه الحياة من الميت ـ كالصوف والشعر ، والوبر والريش ، والعظم ـ طاهر ، إلّا من نجس العين فإنه نجس ، لعموم الاحتراز عن الكلب ، خلافاً للمرتضى (9).
الثالث : كلّ ما ابين من الحيّ مما تحلّه الحياة فهو ميّت ، فإن كان من آدمي كان نجساً عندنا ، خلافاً للشافعي (10).
الرابع : ما يتولد في الطعام كدود الخل والقسب (11) ، وقمل الطعام ، يحرم أكله وليس بنجس إنّ مات فيما تولد فيه إجماعاً ، وإذا خرج فكذلك عندنا.
وللشافعي قولان ، وكذا في أكله عنده قولان : أظهرهما : التحريم مع الانفراد (12).
الخامس : لو وقع الذباب وشبهه في ماءً قليل ومات فيه ، لم ينجسه عندنا ، وللشافعي قولان (13).
ولو تغير الماء به فكذلك عندنا ، وللشافعي ـ على تقدير عدم النجاسة بالملاقاة ـ وجهان (14) ولو سلبه الاطلاق فمضاف طاهر.
السادس : حيوان الماء المحرم مما له نفس سائلة إذا مات في ماءً قليل نجسه عندنا ، لأنّفعال القليل بالنجاسة ، وبه قال الشافعي (15).
وقال أبو حنيفة : لا ينجس ، لأنّه يعيش في الماء فلا ينجس بموته فيه ، كالسمك (16). ويبطل بالفرق.
وما لا نفس له سائلة ـ كالضفدع ـ لا ينجس به الماء القليل ، وبه قال أبو حنيفة (17) ، خلافاً للشافعي (18).
السابع : الجنين الذي يوجد ميتاً عند ذبح الاُم ـ إذا كان تاماً ـ حلال طاهر ، وإن لم تتم خلقته كان حراماً نجساً.
الثامن : المتكون من النجاسات ـ كدود العذرة ـ طاهر ، للعموم ، وكذا الدود المتولد من الميتة ، وفي وجه للشافعي : أنّه نجس (19).
التاسع : يكره ما مات فيه الوزغ والعقرب ، وقول ابن بابويه : إذا ماتت العضاءة في اللبن حرم (20) ، لرواية عمار (21) ، ضعيف ، ويحمل على الكراهة ، أو على التحريم للتضرر ، لا للنجاسة.
العاشر : لو وقع الصيد المجروح الحلال في الماء فمات ، فإن كانت حياته مستقرة فالماء نجس ، والصيد حرام ، وإن كانت حياته غير مستقرة فالضد منهما ، وإن اشتبه حكم بالأصلين فيهما على إشكال ينشأ من تضادهما ، فالاحوط التحريم فيهما.
الحادي عشر : جلد الميتة نجس بإجماع العلماء ، إلّا الزهري ، والشافعي في وجه ، فإنه طاهر عندهما (22).
الثاني عشر : عظم الحيوان وقرنه وظفره وسنه لا تحلها الحياة فهي طاهرة ، وبه وقال أبو حنيفة (23) ، وقال الشافعي : إنّها نجسة لنموها (24).
الثالث عشر : الشعر والصوف والريش من الميتة طاهر ، إلّا من نجس العين ... ، وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي ـ في أحد القولين ـ لأنّها لا تحلها الحياة ، وفي الآخر : إنّها نجسة لنمائها (25).
ولو جز من حيوان ـ لا يؤكل لحمه ـ حي فطاهر عندنا ، خلافاً له (26) ولو جز من مأكول فهو طاهر إجماعا.
ولو نتف منه حياَ فكذلك عندنا ، وللشافعي وجهان : النجاسة لأنّه ترك طريق إباحته ، وهو الجز فصار كخنق الشاة ، والطهارة لكثرة الالم فهو كالتذكية (27).
الرابع عشر : ما لا يؤكل لحمه إذا وقعت عليه الذكاة فذكي كان لحمه وجلده طاهرين ، عملاً بالأصل.
وقال الشافعي : نجسان ، لأنّ التذكية لم تبح اللحم ، فلا تفيده الطهارة (28).
وقال أبو حنيفة : الجلد طاهر ، وفي اللحم روايتان (29).
الخامس عشر : البيضة في الميتة طاهرة إنّ اكتست الجلد الفوقاني ، وإلّا فلا ، وقال الشافعي : إنّها نجسة (30) ، ورواه الجمهور عن علي عليه السلام (31)، والمشيمة نجسة.
السادس عشر : في لبن الشاة الميتة روايتان (32) ، أقواهما : التحريم والنجاسة ، لملاقاة النجاسة، وللشافعي وجهان (33).
__________________
1 ـ فتح العزيز 1 : 162 و 163 ، المجموع 2 : 561 و 563 و 5 : 187 ، شرح فتح القدير 2 : 70 ، عمدة القارئ 3 : 239 ، مغني المحتاج 1 : 78 ، شرح الأزهار 1 : 39.
2 ـ بداية المجتهد 1 : 76 ، المبسوط للسرخسي 1 : 51 ، الشرح الصغير 1 : 18 ـ 19 بدائع الصنائع 1 : 62 ، المغني 1 : 68 ، فتح العزيز 1 : 163 ، الاُم 1 : 5.
3 ـ سنن الدارقطني 1 : 37 / 1 ، سنن البيهقي 1 : 253.
4ـ صحيح البخاري 4 : 158 ، سنن أبي داود 3 : 365 / 3844 ، سنن ابن ماجة 2 : 1159 / 3505 ، سنن الدارمي 2 : 99 ، مسند أحمد 2 : 246 ، سنن النسائي 7 : 179 ، مسند الطيالسي : 291 / 2188.
5 ـ التهذيب 1 : 230 / 665 ، الاستبصار 1 : 26 / 66.
6 ـ فتح العزيز 1 : 162 ـ 163 ، المجموع 2 : 560 ، الوجيز 1 : 6 ، الاُم 1 : 5.
7 ـ فتح العزيز 1 : 162 و 2 : 560.
8 ـ المجموع 2 : 563 ، فتح العزيز 1 : 163 ، شرح فتح القدير 2 : 70.
9 ـ الناصريات : 218 المسألة 19.
10 ـ فتح العزيز 1 : 172 ، المجموع 2 : 563.
11 ـ القسب : الشديد اليابس من كلّ شيء. النهاية 4 : 59 ( قسب ).
12 ـ الوجيز 1 : 6 ، فتح العزيز 1 : 167 ـ 169 ، المجموع 1 : 131.
13 ـ الاُم 1 : 5 ، المجموع 1 : 129 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، المبسوط للسرخسي 1 : 51.
14 ـ المجموع 1 : 130.
15 ـ الاُم 1 : 5 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، المجموع 1 : 131.
16 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 19.
17 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، بدائع الصنائع 1 : 79.
18 ـ الاُم 1 : 5 ، فتح العزيز 1 : 163 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19.
19 ـ المجموع 1 : 131.
20 ـ الفقيه 1 : 15 ذيل الحديث 32 ، والمقنع : 11.
21 ـ التي رواها الشيخ كاملة في التهذيب 1 : 285 / 832.
22 ـ المجموع : 217.
23 ـ المجموع 1 : 236 ، بداية المجتهد 1 : 78 ، الهداية للمرغيناني 1 : 21 ، شرح فتح القدير 1 : 84 ، اللباب 1 : 24.
24 ـ المجموع 1 : 236 ، بداية المجتهد 1 : 78 ، شرح العناية 1 : 84.
25 ـ المجموع 1 : 231 ـ 232 و 236 ، شرح العناية 1 : 84 ، بداية المجتهد 1 : 78.
26 ـ المجموع 1 : 241 ـ 242 ، المهذب للشيرازي 1 : 18.
27 ـ المجموع 1 : 241 ـ 242.
28 ـ المجموع 1 : 245 ، المهذب للشيرازي 1 : 18.
29 ـ المجموع 1 : 245 ، اللباب 3 : 230 ، شرح فتح القدير 1 : 84 ، الهداية للمرغيناني 1 : 21.
30 ـ المجموع 1 : 244.
31 ـ المجموع 1 : 245.
32 ـ فالدالة على الحلية ما في الكافي 6 : 258 / 3 ، الفقيه 3 : 216 / 1006 و 219 / 1011 ، التهذيب 9 : 75 / 320 و 76 / 324 ، الاستبصار 4 : 88 / 328 و 89 / 339 ، الخصال 2 : 434 / 19 وغيرها ، ومن الدالة على التحريم ما روي في التهذيب 9 : 77 / 325 ، الاستبصار 4 : 89 / 340 ، قرب الاسناد : 64 ، وغيرها.
33 ـ المجموع 1 : 244.
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
دراسة تستعرض آلام السجناء السياسيين في حقبة البعث المجرم في العراق
|
|
|