أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-09-2014
8025
التاريخ: 13-12-2015
7641
التاريخ: 24-11-2014
7468
التاريخ: 24-09-2014
8109
|
هناك تعابير تبدو عند تفسيرها لأوّل وهلة وكأنّها نوع من الذنب، وردت حول هذا النبي العظيم الذي يتميّز بمكانة خاصّة حتّى من بين الأنبياء عليهم السلام، من حيث الإيمان والإخلاص والإيثار والشجاعة والصبر والإستقامة، نقر أ في القرآن الكريم أنّه القي القبض عليه بعد تحطيمه للأصنام وَمَثُلَ في المحكمة فسألوه : {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ}؟
(الانبياء/ 62- 63)
فأجاب : {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ}.
وهنا يرد إشكال وهو : كيف نسب ابراهيم عليه السلام عمله هذا إلى كبير الأصنام، أليس هذا كذباً؟!
وفي نفس هذه الحادثة وعندما طلب منه المشركون الخروج معهم خارج المدينة للإحتفال بعيد الأصنام، إعتذر من الذهاب معهم بقوله : {إِنِّي سَقِيمٌ} (الصافات/ 89).
ومع أنّه لم يكن مريضاً، فكيف يتناسب هذا الكلام مع منزلة عصمته؟ كما نقرأ في القرآن الكريم أنّ إبراهيم يصرّح بأنّه يتمنّى غفران ذنوبه ويقول : {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (الشعراء/ 82).
ألم يكن هذا الإعتراف دليلًا على صدور الذنب من ذلك النبي العظيم؟
كما وأشكلوا عليه أيضاً أنّه عليه السلام لماذا اتفق موقفه مع عبدة النجوم والقمر والشمس بالرغم من إيمانه الخالص المنزه من أي شائبة من شوائب الشرك حيث قال بمقولتهم {هَذَا رَبِّي} (الأنعام/ 76 و 77 و 78).
هذه هي المواضع الأربعة الواردة في القرآن المجيد والتي أثار كلّ واحد منها بدوره جدلًا حول منزلة وعصمة إبراهيم وتنزيهه من الذنب والمعصية.
الجواب :
ذكر كبار المفسّرين ورواة الحديث ادلة ومواضيع جمّة للإجابة عن هذه الإستفسارات الأربعة، ولكن بعض تلك المطالب ليس لها أسانيد معتبرة، والجواب الذي سنذكره هنا هو أنسب تلك الأجوبة وأكثرها اعتماداً :
أمّا فيما يتعلّق بالسؤال الأوّل، فإنّ إبراهيم لم يقل : إنّ كبير الأصنام قد فعل هذا، إنّما قال :
{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ}.
هذه العبارة يمكن أن تكون من باب «القضيّة الشرطية»، أي أنّ إبراهيم قد نسب هذا العمل إلى كبيرهم بشرط نطقهم، ولا يخفى عدم وجوب الكذب في هذه القضيّة الشرطية.
هذا هو نفس ما نقل عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث أنّه قال : «ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم، وحينما استفسر السائل عن كيفية ذلك؟ قال عليه السلام قال إبراهيم : (فاسألوهم إن كانوا ينطقون فكبيرهم فعل، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئاً، فما نطقوا وما كذب إبراهيم)» «1».
كما أنّ نسبة إبراهيم عليه السلام هذا العمل إلى كبير الأصنام إنّما جاء من باب الكناية، التي هي أفضل من التصريح، فلقد أراد أن يوقف عبدة الأصنام على خرافة عقائدهم عن هذا الطريق، ويفهمهم أنّ هذه الأحجار والأخشاب الجامدة عاجزة حتّى عن التفوّه ولو بجملة واحدة وأنّها محتاجة إلى عبدتها، فكيف يمكنها والحالة هذه من حلّ مشاكلهم؟
وبعبارة اخرى، فالكذب إنّما يكون فيما لو لم تكن هناك قرائن تدلّ على أنّ المقصود كناية، وهنا تشير كلّ القرائن إلى أنّ إبراهيم لم يكن جدّياً في كلامه هذا، بل كان يسخر من أفكارهم، وما أكثر أمثال هذه التعابير في المحاورات اليومية، كما لو فرض وقوع سرقة ما في محيط محدود يقطن فيه أشخاص معينين، وعند التحقيق ينفي كلّ منهم هذا الإتّهام عن نفسه، فيقول المحقّق، أنت لم تفعل هذا وذاك لم يفعله و ... حتماً قامت به ملائكة السماء! وبديهي أنّ هذا الكلام لا يعتبر كذباً، بل الهدف منه هو تكذيب أقوالهم الواهية التي لا أساس لها.
هناك احتمال ثالث أيضاً، وهو أنّ جملة «بل فعله» مطلقة، وهي في الواقع إشارة إلى تحليل منطقي مطابق لعقائد الوثنيين، وهو أنّه : ألا تعتقدون أنّ حادثة تحدث داخل المعبد لا يمكن أن تكون بفعل من خارج المعبد، وذلك لهيمنة الأصنام على كلّ شيء وكلّ فرد، ومهما كان فهو داخل المعبد، وحيث إنّ كبير الأصنام أكثرهم قوّة ومنعة، بالإضافة إلى وجود الفأس في عنقه (يقال أنّ إبراهيم وضع الفأس على رقبته)، فضلًا عن كونه الصنم الوحيد الذي لم يلحق به أي أذى.
إذن بناءً على هذا فالقرائن تشير إلى أنّه من فعل كبيرهم، وهذا نظير التحاليل التي يستخدمها المحقّقون لمعرفة الجاني عن طريق تتبّع آثاره وبصمات أصابعه، حينما يدخلون في محيط قد وقعت فيه جريمة، وكما قلنا فإنّ هذا التحليل كان مطابقاً لعقائد الوثنيين لغرض إدانتهم بما يعتقدون.
وفيما يتعلّق بالآية الثانية فلا دليل أصلًا على أنّ إبراهيم عليه السلام لم يكن مريضاً حقّاً، فهناك علّة في بدنه، غاية الأمر أنّها لم تكن بتلك الخطورة التي تقعده عن نشاطه البدني بالمرّة، وتستفحل عليه بحيث تمنعه حتّى عن تحطيم الأصنام، وما أكثر المرضى المشغولين بأعمالهم طول النهار، خصوصاً تلك التي تبعث على ترسيخ العقيدة كتحطيم الأصنام لبطل التوحيد إبراهيم! هذا أوّلًا.
وثانياً مع أنّ «السُقم» و «السَقم» هو المرض المختصّ بالبدن، لكنّه قد يكون في النفس أيضاً كما صرّح به البعض من أصحاب اللغة، وبديهي أنّ روح إبراهيم كانت متعبة وكالمريضة في ذلك الجو المليء بالشرك، إذن فقوله انّي سقيم إشارة إلى الجانب النفسي.
ثمّ إنّ الأمراض النفسية حين تشتدّ وطئتها تظهر مضاعفاتها السلبية حتّى على البدن أيضاً، وقد أصبحت هذه المسألة اليوم من المسلّمات، والقرآن الكريم أيضاً يخاطب النبي الأكرم صلى الله عليه و آله : {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفا}.
(الكهف/ 6)
كما أنّ بعض المفسّرين قال : إنّ لإبراهيم عليه السلام مرضاً (كالحمى المزمنة) ينتابه بين الفينة والاخرى، وأنّ مراده من جملة، (إنّي سقيم) هو اقتراب زمن هذا المرض فانا معذور من مرافقتكم، كما أنّ الجملة التي قبلها : {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النُّجُومِ} (الصافات/ 88) دليل على هذا المدّعى، لأنّ النظر إلى النجوم إنّما يكون لحساب الوقت أي للوقوف على زمن ظهور ذلك المرض.
وفيما يتعلّق بالآية الثالثة، فالجواب هو نفس ما تقدّم تفصيله في الآيات المتعلّقة بآدم عليه السلام، وهو أنّ مراد إبراهيم من «الخطيئة» هو «الذنب النسبي» و «ترك الأولى» و «حسنات الأبرار سيّئات المقربين» «2».
لكن ما هو «ترك الأولى» بالنسبة لإبراهيم يا ترى؟ قال البعض : إنّ المراد به هو كلّ تلك الحالات التي تتسبّب في غفلة الإنسان عن اللَّه تعالى بأي نحو كان، كالاشتغال بشؤون الحياة مثل الأكل والشرب وأمثالها التي يعتبرها أولياء اللَّه ذنباً لغفلتهم عن اللَّه تعالى ولو بهذه الدرجة «3».
وفيما يتعلّق بالآية الرابعة، أي إشارة إبراهيم إلى النجم والقمر والشمس، ووصفه إيّاها «هذا ربّي» فللمفسّرين فيه أقوال وآراء كثيرة أيضاً، أقواها أن نقول : إنّ إبراهيم كان في مقام الحوار والاستدلال مع المشركين من عبدة النجم والقمر والشمس (بقرينة الآيتين اللتين تحفّان بهذه الآية، واللتين تتعرّضان لحوار إبراهيم واحتجاجه على الوثنيين).
وبناءً على هذا فقد وقف إبراهيم عليه السلام بوجه هذه المجاميع الثلاث كلّ على حدة، إذ وافقهم على آرائهم في أوّل الأمر، وعلى سبيل الفرض لحين أُفول هذه الكواكب السماوية لكي يتبيّن لهم خطأهم، بالضبط مثلما نواجه القائلين بسكون الأرض وحركة الشمس حول الأرض فنقول لهم حسناً، كما تقولون، لكن هل تعلمون أيّة دائرة عظيمة يستلزمها كلامكم هذا لكي تتمكن الشمس التي تفصلها عن الأرض تلك المسافة البعيدة، وأي سرعة عظيمة تحتاج للدوران حول الأرض دورةً كاملة كلّ 24 ساعة، وثبوت هذه السرعة لمثل هذا الجرم السماوي من المستحيلات، إذن، يتّضح من ذلك بطلان فرضيتكم، (فتأمّل جيّداً).
هذا هو أحد أفضل الطرق التي يمكن استخدامها لإبطال نظريات الخصم، أي الوقوف معه أوّلًا، وموافقته (على سبيل الفرض)، دون إثارة روح التعصب والعناد عنده، ثمّ إيقافه على نتائجها الباطلة، كما قال البعض أيضاً : إنّ استخدام جملة «هذا ربّي» أمام هؤلاء القوم كان بمثابة «استفهام»، ذلك الاستفهام الذي يعدّ مقدّمة لإبطال نظرياتهم عند غروب وافول تلك الكواكب.
أمّا القول : إنّ إبراهيم عليه السلام قد نطق بهذه الجمل للتحقيق بنفسه ولا مانع من قبول الإنسان لمختلف الآراء مبدئيّاً واختبارها، فلا يبدو صحيحاً لأنّ جملة : {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِىءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} (الانعام/ 78) دليل على أنّه كان بمثابة الإحتجاج على هؤلاء المشركين لا التحقيق بنفسه.
وقول البعض تأييداً لهذا الإدّعاء : إنّ إبراهيم لم ير السماء إلى تلك اللحظة بصورة جيّدة، لأنّ والدته كانت قد خبأته في غار خارج المدينة خوفاً من عيون نمرود، فيبدو كلاماً بعيداً جدّاً، إذ كيف يعقل أن يبقى إبراهيم في الغار طوال سنين عديدة منذ طفولته وحتّى ريعان شبابه ولا يخرج منه ولو لمرّة واحدة، لا ليلًا ولا نهاراً؟! هذا الكلام أقرب إلى الاسطورة من الواقع «4».
فضلًا عن أنّ هذه الآيات قد وردت على الفور، بعد الآية التي تتعرّض للحوار الجدّي لإبراهيم مع آزر حول مسألة تسفيه اعتقاده بالأصنام، أي أنّ إبراهيم عليه السلام كان قد بلغ مقام التوحيد الرفيع واليقين الراسخ قبل ذلك، وأنّ اللَّه تعالى كان قد أطلعه على ملكوت السماوات، وقد بدأ إبراهيم عليه السلام بعده بدعوة الآخرين لا التحقيق لنفسه.
الملاحظة الجديرة بالاهتمام هي : إنّ إبراهيم ولبيان بطلان ربوبية هذه الكواكب الثلاثة، أورد دليلًا يعدّ من أدقّ البراهين الفلسفية، في الوقت الذي يسهل على الجميع استيعابه، فيقول في هذا الدليل : إنّ «الربّ» يجب أن يبقى على اتّصال دائم بمخلوقاته، وبناءً على هذا فالموجود الذي يغرب فينقطع نوره وبركاته لساعات طوال، لا يمكن أن يكون ربّاً لهذه الموجودات.
فضلًا عن أنّ الشروق والغروب المستمرين لهذه الأجرام السماوية، دليل على خضوعها لقانون ما، وكيف يتسنّى للموجود الواقع في قبضة القوانين الكونية، والطبيعية أن يكون حاكماً على هذا العالم وخالقاً له؟!
بالإضافة إلى أنّ «الحركة» بذاتها موجود «حادث»، وبناءً على هذا فالشيء المتحرّك مخلوق وحادث حتماً، ومثل هذا لا يمكن أن يكون موجوداً أزليّاً أبديّاً (هذا هو نفس الشيء الوارد في البراهين الفلسفية تحت عنوان «العالم متغيّر» و «كلّ متغيّر حادث»).
وبناءً على هذا فقد كان لحوار إبراهيم ثلاثة مفاهيم مختلفة ومثيرة، ولا يمكن الإستغناء عنها لإبطال الوهية النجم والقمر والشمس.
_________________________
(1) تفسير نور الثقلين ج 3، ص 434، ح 84؛ بحار الأنوار، ج 11، ص 76، ح 4 (باب عصمة الأنبياء).
(2) مع أنّ «الخطيئة» مأخوذة من مادّة «الخطأ» والتي تعني في الأصل الزلّات الصادرة من الإنسان لكنّها اتّسعت تدريجيّاً لتطلق على كلّ ذنب يشمل العمد وغيره، واستعمالها في الذنب غير العمد واسع جدّاً، لكن «الإثم» يطلق على الذنوب العمدية، وهو يعني في الأصل : الشيء الذي يثني الإنسان عن عزمه، وحيث إنّ الذنب يحول دون بلوغ الإنسان للمنزلة الرفيعة ويمنع عنه الكثير من الخيرات والبركات فقد سمّى «إثماً».
(3) تفسير الميزان، ج 15، ص 285.
(4) وقد جاء ذلك في عيون أخبار الرضا عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام أنّ إبراهيم خرج من مخبئه والتقى بثلاث طوائف من المشركين (تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 735).
يعدّ في ذاته دليلًا على خلاف هذا الإدّعاء فضلًا عن دعمه له «تأمّل جيّداً».
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|