المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



مزايا القوانين القرآنية  
  
4054   05:15 مساءاً   التاريخ: 2-12-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القران
الجزء والصفحة : ج8 , ص 190- 209
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / الإعجاز البلاغي والبياني /

قبل كل شي‏ء نرى من اللازم أن نذكر هذه النكتة وهي : إنّ جميع هذه القوانين إنّما خرجت في محيط الحجاز، ذلك المحيط الذي لا يعرف للقانون معنى تقريباً، والأمر الوحيد الذي حكم بشكل قانوني في اوساط قبائله هي ‏العادات والتقاليد المحدودة والممتزجة بالخرافات، لذا فإنّ ظهور القوانين الإسلامية في مثل هذا المحيط يعدّ بحق ظاهرة عجيبة لا يمكن تبريرها وتصورها تصوراً طبيعيا وعادياً، ومن هنا فلابدّ أن نتعرف على خصائص القوانين الإلهيّة، وليس لنا سوى القبول والتسليم بأنّ ذلك كله صادر من اللَّه تعالى‏.

أولًا : الشمولية والسعة

بالرغم من أنّ القرآن نزل في محيط مغلق من جهات مختلفة، ومحدود في ارتباطه مع عالم ما وراء شبه الجزيرة العربية، وكان الطابع الذي يسود ارجاءه هو طابع القومية والعنصرية والحياة القبلية، فكان من الطبيعي حتماً أن يصطبغ مثل هذا المحيط بصبغة القومية العربية، بل بصبغة التعصب القبلي ممّا يلفت النظر إلى‏ أنّ القوانين لم تصطبغ بهذه الصبغة بأي شكل من الأشكال حتى‏ أنّه لم يرد الخطاب‏ ب (يا أيّها العرب) ولا مرّة واحدة في القرآن، بل إنّ الخطاب كان موجهاً إلى‏ عامة الناس في كل المواضيع والخطابات حيث‏ ورد بصيغة- يا بني آدم‏ (1) ويّا أيها الناس‏ (2) ويا أيّها الذين آمنوا (3) ويا عبادي‏ (4) ويا أيّها الإنسان‏ (5)- فالمخاطبين في القرآن هم جميع أهل العالم، وقوانينه ناظرة إلى‏ البشرية جمعاء.

وممّا يدل على‏ هذا المدعى‏ أيضاً هذه الآية : {وَمَا ارْسَلْنَاكَ الَّا رَحمَةً لِلعَالَمِينَ}. (الأنبياء/ 107)

والآية : {تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الفُرقَانَ عَلَى‏ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلعَالَمِينَ نَذِيراً}. (الفرقان/ 1)

والآية : {انْ هُوَ الَّا ذِكْرٌ لِّلعَالَمِينَ}. ونظائرها. (يوسف/ 104)

لقد نبذ القرآن التمييز العنصري- في ذلك المحيط العنصري- بحيث أولى‏ اهتماماً كبيراً وعناية فائقة للأواصر الأخوية ولجميع أبناء البشرية من خلال اطروحته الرائعة المتضمنة هذا المعنى‏ «أنتم جميعاً أبناء آدم وخلقتم من أب واحد وام واحدة» فأنتم جميعاً اخوة لُاسرة واحدة، يقول عزّ من قائل في هذا المضمار : {يَا ايُّهَا النَّاسُ انَّا خَلَقنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَانثَى‏ وَجَعَلْنَاكُم شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا انَّ اكْرَمَكُم عِندَ اللَّهِ اتْقَاكُم}. (الحجرات/ 13)

وفي موضع آخر ينفي كافة الارتباطات المحدودة ويبلور العلاقة القائمة بين المؤمنين في إطار الاخوة والصداقة التي هي من أقرب العلائق التي تقوم على‏ أساس المساواة والمواساة، إذ يقول عز من قائل : {انَّمَا المُؤمِنونَ إخوَةٌ}. (الحجرات/ 10)

وممّا يدعو إلى‏ الانتباه والالتفات إلى‏ ما في هذه الآية هو مجي‏ء كلمة «إنّما» التي تستعمل للحصر، هذا من جهة، ومن جهة اخرى‏ أحاطت هذه القوانين بشموليتها سائر أنحاء الحياة البشريّة بدءاً بأهمّ المسائل الاعتقاديّة (كالتوحيد) وانتهاءً بأبسط المسائل الأخلاقيّة والاجتماعية، (كالرد على‏ السلام وعلى‏ أي لون من ألوان التحية والاستقبال)، فعلى‏ سبيل المثال يقول تعالى‏ في أحد المواضع : {وَاذَا حُيِّيتُم بِتَحَّيةٍ فَحَيُّوا بِاحْسَنَ مِنْهَا اوْ رُدُّوها انَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى‏ كُلِّ شَىٍ‏ء حَسِيبَاً}. (النساء/ 86)

وقد ضمَّ القرآن الكريم بين دفتيه آيةً تُعدُّ من أطول الآيات القرآنية التي دار الحديث فيها حول كتابة الديون والحقوق، فقد ذكر فيما يتعلق بهذه المسألة عشرين حكماً إلهياً، وهي (الآية 282 من سورة البقرة) وهذا إن دل على‏ شي‏ء فإنّما يدل على‏ أن تطرق القرآن للمسائل المرتبطة بالعقائد والمعارف الإسلامية لا يتنافى بتاتاً مع بيانه للأحكام الضرورية العملية أيضاً، ولا نقصد من ذلك أنّه قد تمّ بيان جميع جزئيات الأحكام والقوانين على‏ صعيد الظواهر القرآنية، لأنّ ممّا لا يقبل الشك أنّ حجمها يعادل أضعاف حجم القرآن، وإنّما المقصود أنّه تعالى‏ قد بيَّن الاصول والقواعد الضرورية في كل مورد من الموارد القرآنية.

ولا يضير في هذا المجال أن نشير إشارات مختصرة إلى‏ مقتطفات من هذه الأصول :

1- أكَّدَنا أنّ القرآن الكريم استند في المسائل الاعتقادية قبل كل شي‏ء على (أصل التوحيد)، وقد ذكر هذا المفهوم مئات المرات في الآيات القرآنية، بحيث رسم الخطوط العريضة لأدقّ المفاهيم التوحيدية إلى‏ أن يقول في صدد الحديث عن ماهية اللَّه تعالى‏ :

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى‏ءٌ}. (الشورى/ 11)

وقد بين صفاته الجلالية والجمالية في مئات الآيات، ويمكنكك في هذا المجال مراجعة المجلد الثالث من هذا الكتاب (نفحات القرآن)، ولا يقتصر الأمر عند تعريفه بوحدانية اللَّه من كل جهة، بل يعتبر نبوة الأنبياء دعوة واحدة أيضاً، بحيث لا يرى‏ وجود الاختلاف والتفرقة بينهم، لذا يقول : {لَانُفَرِّقُ بَيْنَ احَدٍ مِّن رُسُلِهِ}. (البقرة/ 285)

وبالرغم من حمل كل واحدٍ منهم مسؤولية خاصة به وفقاً للمتطلبات الزمنية التي يعيش فيها كل نبي، إلّا أنّ حقيقة دعوتهم وجوهرها واحدة في كل المواقع. بالإضافة إلى‏ أن مسألة

التوحيد تفرض سيطرتها على‏ مرافق المجتمع الإنساني أيضاً، وكما قلنا سابقاً : يعتبر أفراد البشر أعضاء لأسرة واحدة، ويعبّر عنهم بالأخوة المولودين من أب واحد وأم واحدة.

2- «العدالة الاجتماعية» وتعتبر من أهم تعاليم الأنبياء يقول تعالى‏ : {لَقَدْ ارْسَلْنَا رُسُلَنا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسطِ}. (الحديد/ 25)

وتعقيباً لهذه الغاية فقد حرّض اللَّه تعالى‏ كافة المؤمنين على‏ هذا الأمر سواء كونهم كباراً أو صغاراً، شيباً أو شباباً، وبغض النظر عن انتمائهم العنصري أو اللغوي، فيقول : {يَا ايُّهَا الَّذينَ آمنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى‏ انْفُسِكُم اوِ الوَالِدَينَ وَالأَقرَبِينَ}. (النساء/ 135)

3- وأما على‏ صعيد «الروابط الاجتماعية» والاتفاقيات وكل عهد وميثاق فيدعو اللَّه الجميع إلى‏ الالتزام بهذا الأصل، ويقول : {يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اوْفُوا بِالعُقُودِ}. (المائدة/ 1)

ويقول أيضاً : {وَاوفُوا بِالعَهْدِ انَّ العَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا}. (الاسراء/ 34)

إنّ امتداد وسعة هذه الآيات شملت حتى المعاهدة والمفاوضة مع غير المسلمين، وفرضت سيطرتها على‏ العلاقات الاجتماعية والفردية والاتفاقيات الدولية أيضاً.

4- وعلى‏ صعيد «الوقوف بوجه الاعتداءات»، وتفادي الاحباطات، يقول تعالى‏ في عبارة مختصرة ودقيقة جدّاً : {فَمَنِ اعْتَدَى‏ عَلَيكُم فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَااعْتَدَى‏ عَلَيكُم وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا انَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ}. (البقرة/ 194)

5- وعلى‏ صعيد «الدفاع» يقدم اطروحة أصيلة ومتينة عامة متجسدة بقوله تعالى‏ :

{وَاعِدُّوا لَهُم مَّا استَطعتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم}. (الانفال/ 60)

وفي هذا الصدد يوصي «بإعداد القوة وتعبئة القوى‏ بصورة عامة»، وتجهيز القدرة الحربية لذلك العصر بصورة خاصة «بعنوان أحد المصاديق» وذلك من أجل الحد من وقوع الحرب، والارهاب، وإلقاء الرعب في قلوب الأعداء، وهذا من الأهداف المنطقية الكبرى‏ لتقوية البنية العسكرية.

6- وأما من ناحية المناوشات الكلامية والنزاعات‏ التي تقع بين أصحاب المذاهب والرقباء الاجتماعيين فله وصية اخرى‏ يقول فيها : بدلًا من المقابلة بالمثل وإعداد القوى‏ استخدموا أسلوب مقابلة الضد بالضد، وردّوا القبيح بالحسن كي تُقتلع بذرة النفاق والعداوة من جذورها، يقول عزّ من قائل : {ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ احْسَنُ فَاذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَانَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّهَا الَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا الَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}. (فصلت/ 34- 35)

7- أما بصدد «المصير الإنساني» يقول بصراحة : إنّ مصير كل شخص بيده، وموقوف على‏ جهده وسعيه : {كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}. (المدثر/ 38)

{وَان لَّيسَ لِلإِنَسانِ الَّا مَا سَعَى‏* وَانَّ سَعيَهُ سَوفَ يُرَى‏}. (النجم/ 39- 40)

8- وحول‏ «حرية العقيدة» وإنّه لا يمكن النفوذ في الحيز الفكري لشخص معين إلّا عن طريق الاستدلال وتوضيح معالم الدين يقول تعالى‏ : {لَا اكرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَّبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَىّ}. (البقرة/ 256)

وفي مجال‏ «حرية الإنسان» يقول : إنّ أحد الأهداف المهمّة لبعثة نبي الإسلام صلى الله عليه و آله هو اطلاق سراح الناس من قيود وسلاسل الأسر والعبودية : {وَيَضَعُ عَنْهُمْ اصْرَهُم وَالاغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيِهْم}. (الأعراف/ 157)

ولهذه الأغلال مفهوم واسع بحيث تشمل كافة أنواع سلب الحرية الإنسانية.

9- وفي صدد «عدم التدخل في الأمور الشخصية للآخرين»، والمحافظة على‏ كرامة الأفراد، وعدم هتك حرمتهم يقول تعالى‏ : {يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيرَاً مِّنَ الَظَّنِّ انَّ بَعضَ الظَنِّ اثمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَّعضُكُم بَعْضاً}. (الحجرات/ 12)

10- ومن المبادي‏ء التي أكد عليها القرآن الكريم هو مبدأ «التعايش السلمي» مع كافة الأفراد المسالمين الذين يعدونهم من أهل التفاهم والحوار في الأهداف المشتركة، أو على‏ الأقل من الذين اتخذوا طريق الحياد والاعتدال، لذا يقول تعالى‏ : {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَم يُقَاتِلُوكُم فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُم انْ تَبَرُّوهُم وَتُقسِطِوُا إِلَيهِم انَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ}، ثم يعقب على‏ ذلك بقوله : {انَّمَا يَنَهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلوُكُم فِى الدِّينِ‏ وَأَخرجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى‏ إِخرَاجِكُمْ انْ تَوَلَوْهُمْ وَمَن يَتَولَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. (الممتحنة/ 8- 9)

ثانياً : تقوية الروابط الاجتماعية

إنّ المجتمع البشري هو المصدر الرئيسي لكل تطور وتقدم علمي واجتماعي ويستطيع أن يصل إلى‏ هدفه المطلوب عندما تحكمه روابط وثيقة ومحكمة جدّاً، وفيما عدا ذلك فسوف يتحول إلى‏ جحيم لا يطاق يحمل في طياته مآسي وويلات اجتماعية، هذا فضلًا عن عدم استثماره لمعطياته ومكتسباته الذاتية، فمن جانب يؤكد على‏ الوحدة الشمولية للعالم البشري بصفتهم أعضاء لُاسرة واحدة، وإخوة من أب واحد وأم واحدة، كما جاء ذلك في سورة الحجرات الآية 13 وأشرنا إليه سابقاً.

ومن جانب آخر يعتبر المؤمنين أعضاء لكيان واحد بغض النظر عن الاختلافات الموجودة بينهم من الناحية اللغوية والعرقية، لذا يقول تعالى‏ : {بَعضُكُم مِن بَعْضٍ}. (آل عمران/ 195)

ويقول في موضع آخر : {وَالمُؤمِنونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم اوْلِيَاءُ بَعضٍ}. (التوبة/ 71)

ولم يكتفِ بهذا الأمر فقط، فبالإضافة إلى‏ العلاقات الإنسانية والإيمانية أوصى‏ وأكد على‏ الروابط الشخصية أيضاً والتي تتحقق في نطاق أضيق وأقرب.

ولذا يعتبر نقض هذا العهد والحلف جريمة كبرى‏، يقول تعالى‏ في هذا الصدد : {الَّذِينَ يَنقَضوُنَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعدِ مِيثَاقِهِ وَيَقطَعُونَ مَا امَرَ اللَّهُ بِهِ انْ يُوصَلَ وَيُفسِدُونَ فِى الارْضِ اولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ}. (البقرة/ 27)

ونقرأ في سورة محمد الآية 22 و 23 قوله تعالى‏ : {فَهَلْ عَسَيْتُم انْ تَوَلَّيتُم انْ تُفسِدُوا فِى الارضِ وَتُقَطِّعُوا ارحَامَكُم* اولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَاصَمَّهُم وَاعمَى‏ ابصَارَهُم}.

وبناءً على‏ ذلك يرى‏ أن قطع هذه العلاقات مقارن للفساد في الأرض، ومن دواعي فقدان البصيرة والجمود الباطني.

وتنبثق أهميّة هذه الروابط في الإسلام من أنّ كل ما يساهم في تحكيم العلاقات الاجتماعية يعتبر أمراً ضرورياً، حتى‏ أنّ الكذب الذي هو من أبشع الذنوب يعدّ جائزاً لأجل إصلاح ذات البين، وعلى‏ العكس من ذلك فإنّ كل ما يساهم في تضعيف هذه الارتباطات وتفككها يعتبر أمراً منبوذاً ومرفوضاً تحت أي عنوان وإسم كان.

ثالثاً : احترام حقوق الإنسان‏

إنّ القانون الناجح والممتاز هو القانون الذي يُقدم- بالإضافة إلى‏ امتيازاته الاخرى‏- أطروحة جامعة ودقيقة في مجال حقوق الإنسان، وبناءً على‏ هذه الحقيقة، كلما ألقينا نظرة حول الآيات القرآنية التي وردت في هذا المجال تجلّت عظمة هذه القوانين أكثر فأكثر.

فالقرآن حرص كثيراً على‏ مسألة حفظ النفس والمال والنواميس البشرية، بحيث وصل به الأمر إلى‏ أن يعتبر النفس الإنسانية الواحدة مساوية لنفوس الناس جميعاً، لنقرأ قوله تعالى : {مَن قَتَلَ نَفْسَاً بِغَيْرِ نَفْسٍ او فَسَادٍ فِى الارْضِ فَكَانَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَن احْيَاهَا فَكَانَّمَا احْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}. (المائدة/ 32)

ولا نجد لهذا التعبير مثيلًا في أي قانون آخر.

ويذهب القرآن في صدد مسألة حقوق الإنسان إلى‏ أنّ أصل العدالة يحتل مركز الصدارة على‏ جميع الأمور في إجراء الحقوق، ويحذر من أن تقضي النزاعات الشخصية أو العلاقات الحميمة إلى‏ عدم إجراء العدالة والعمل بها.

يقول تعالى‏ في محكم كتابه : {وَلَا يَجرِمَنَّكُم شَنَئَانُ قَومٍ عَلَى‏ الَّا تَعدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ اقْرَبُ لِلتَّقوَى‏}. (المائدة/ 8)

وفي مجال آخر يتعرض القرآن الكريم إلى‏ تأثير الصداقة على‏ إجراء العدالة حيث‏ يوجه هذا الانذار بقوله تعالى‏ : {يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بالقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى‏ انفُسِكُم اوِ الوَالِدَينِ وَالاقرَبِينَ انْ يَكُن غَنِيّاً او فَقِيراً فَاللَّهُ اولَى‏ بِهِمَا}. (النساء/ 135)

وتتضح هذه المسألة أكثر من خلال التأكيدات الكثيرة للقرآن على‏ مسألة رعاية الأيتام والمراقبة الدقيقة لأوضاعهم، والتعهد بكفالتهم إلى‏ أن يكبروا ويبلغوا سن الرشد، فيقول في هذا الصدد : {ان تَقُومُوا لِليَتَامَى‏ بِالقِسْطِ}. (النساء/ 127)

والجدير بالذكر أنّ القرآن الكريم جعل مسألة الحماية والرعاية للأيتام مرادفة للتوحيد وللمسائل الإنسانية والأخلاقية الاخرى‏، فيقول عزّ من قائل : {... لَا تَعبُدُونَ الَّا اللَّهَ وَبِالوالِدَينِ احْسَاناً وَذِى القُربَى‏ وَاليَتَامَى‏ وَالمَسَاكِينَ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسناً وَاقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}. (البقرة/ 83)

ومن طريف القول : إنّه تعالى قرر خمسة قوانين إنسانية لها علاقة بحقوق الإنسان في ضمن شعيرتين من أهم الشعائر الإسلامية على‏ صعيد الاعتقاد والعمل، ألا وهما- التوحيد والصلاة.

رابعاً : الحرص على‏ تأمين الحرية والأمن‏

من أهم الأمور التي اهتمت بها القوانين القرآنية هي : حرية العقيدة، وحرية الإنسان، واستقرار الأمن على‏ في الأصعدة والمجالات كافّة، وتشير إلى‏ هذا المعنى الآية الكريمة :

{لَآ اكرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَّبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَىّ}. (البقرة/ 256)

ومن الأهداف المهمّة لبعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله هي القضاء على الأسر والقيود والاغلال إذ يقول سبحانه : {وَيَضَعُ عَنهُم اصْرَهُم وَالاغلَالَ الَّتِى كَانَت عَلَيهِم}. (الأعراف/ 157)

وفي موضع آخر يخاطب المؤمنين بقوله : {يَاعِبَادِىَ الَّذِينَ آمَنُوا انَّ ارْضِى وَاسِعَةٌ فَايَّاىَ فَاعبُدُونِ}. (العنكبوت/ 56)

وينقل القرآن قصة عجيبة عن‏ «أصحاب الاخدود»، أولئك الذين كانوا يعذبون المؤمنين‏ ويلقونهم في حفر النيران لا لشي‏ء إلّا لأنّهم حملوا اعتقادات راسخة، لذا يصفهم بالقول : إنّ هذه الزمرة المتسلطة ما أقدمت على‏ عملها هذا إلّا لأجل سلب حرية العقيدة والإيمان، ثم يبين لهم أشد العقوبات الإلهيّة النازلة بحقهم لنقرأ قوله تعالى‏ : {انَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤمِنيِنَ وَالمُؤمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُم عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُم عَذابُ الحَرِيقِ}. (البروج/ 10)

وكثيراً ما يُشيد القرآن الكريم بنعمة «الأمن» بحيث يعتبره مقدماً على‏ أي شي‏ء آخر، ولهذا السبب حينما قدم إبراهيم الخليل عليه السلام على‏ الأرض القاحلة، ذات الحرارة المحرقة والخالية من النبات والشجر في مكة، وبنى‏ الكعبة، فإنّ أوّل حاجة طلبها من اللَّه تعالى‏ لساكني هذه الأرض مستقبلا هي نعمة الأمن كما ورد ذلك في القرآن : {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارزُق اهْلَهُ مِنَ الَّثمَراتِ}. (البقرة/ 126)

وقد ورد هذا الموضوع في مكان آخر من القرآن وبتعبير آخر، فيقول تعالى‏ : {رَبِّ اجعَلْ هَذًا البَلَدَ آمِناً وَاجنُبنى وبَنِىَّ ان نَّعُبدَ الاصنَامَ}. (ابراهيم/ 35)

ففي الآية الاولى‏ تقدم ذكر الأمن على‏ الأمور الاقتصادية، وفي الآية الثانية تقدم ذكره أيضاً على‏ مسألة التوحيد، ولعله إشارة إلى‏ عدم تحقق الضمان الديني والدنيوي للمجتمع بدون انتشار الواقع الأمني في المحيط القائم، بالإضافة إلى‏ أنّ القرآن يصف حالة انعدام الأمن بأنّها أسوأ حالًا من القتل وسفك الدماء، فيقول : {وَالفِتَنةُ اشَدُّ مِنَ القَتلِ}.

(البقرة/ 191)

وبالرغم من أنّ للفتنة معاني كثيرة، (كالشرك، والتعذيب والتنكيل والفساد)، ولكن لا يستبعد أن يكون مفهوم الآية شاملًا بحيث يستوعب كل هذه المعاني.

وعليه فإنّ إيجاد حالة من انعدام الأمن والفساد تفوق بمراتب حالة سفك الدماء لأنّها بالإضافة إلى‏ كونها مصدراً لسفك الدماء، هي مصدر للمفاسد الاخرى أيضاً.

وتجدر الإشارة إلى‏ هذه النكتة أيضاً وهي : إنّه قد تقرر في الإسلام نوع خاص من‏ «الأمن» لم يسبق له وجود في أي قانون من القوانين الدولية ألا وهو الحفاظ على‏ حيثية الأفراد وكرامتهم، حتى في دائرة أفكار الآخرين.

وبتعبير أدق : إنّ الإسلام لا يسمح لأي ‏مسلم أن يحمل في نفسه الظن السي‏ء والتفكير الخاطي‏ء تجاه الآخرين فيعمد إلى‏ خدش كرامة الآخرين وحرمتهم في دائرة التفكير الشخصي، وقد تجسد هذا المعنى‏ بقوله سبحانه في الآية : {يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيراً مِن الظَنِّ انَّ بَعضَ الظَنِّ اثمٌ وَلَا تَجَسَّسوُا}. (الحجرات/ 12)

إنَّ الإسلام يريد أن تسود حالة الامن والاطمئنان التام في المجتمع الإسلامي، ولا يقتصر الأمر على النزاعات الشخصية بين الآخرين فحسب، وإنّما يشمل المناوشات الكلامية، وأكثر من ذلك على‏ صعيد الاتجاهات الفكرية بين الأفراد مع بعضهم البعض، بحيث يشعر كل واحد منهم بأنّ أخيه لا يسدد باتجاهه سهام التهمة والافتراء، وهذه الحالة تمثل أعلى‏ مستويات الأمن ولا تتحقق إلّافي ظل وجود المجتمع الإيماني وسيادة القوانين الإسلامية.

والجدير بالذكر إنّه قد ورد النهي عن الكثير من الظنون، ولكن في أثناء بيان العلة يقول :

إنَّ بعض الظنون إثم، ولعل منشأ التفاوت في التعبير عائد إلى‏ أنّ الظنون السيئة تجاه الآخرين تطابق الواقع أحياناً، ولا تطابقه أحياناً اخرى‏، وبناءً على‏ أنّ النوع الثاني يعدُّ ذنباً من الذنوب، فلابدّ من الابتعاد عن كل الظنون السيئة الواقعة تحت عنوان‏ «كثيراً من الظن».

النكتة الأخيرة في هذا البحث : هي أنّ الإسلام انطلاقاً من اهتمامه الكبير بتحقيق الأمن الداخلي في المجتمعات الإسلامية أجاز التوسّل بالقوة والقدرة العسكرية لحل الاختلافات والمجابهات الداخلية في حالة فشل الأساليب والطرق السلمية، ونطالع هذا المعنى في قوله تعالى‏ : {وَانْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَاصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَانْ بَغَتْ احدَاهُمَا عَلَى‏ الاخَرَى‏ فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِى‏ءَ الَى‏ امْرِ اللَّهِ فَانْ فَاءَتْ فَاصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَاقسِطُوا انَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ}. (الحجرات/ 9)

إنّ مَن يمعن النظر جيداً في تعبير هذه الآية : يجد أنَّ كلَّ مقطع من المقاطع فيها يحكي عن تحديد صورة لمنهج دقيق يقضي بإنهاء أي شكل من أشكال الاضطراب والفتن‏ الاجتماعية وذلك من خلال استخدام أفضل السبل السلمية، أو اللجوء إلى‏ القوة في نهاية المطاف إذا لم تثمر الأساليب الاخرى‏.

ومن البديهي أنّ المقصودين بالخطاب في هذه الآية هم أفراد المجتمع الإسلامي، أو بعبارة اخرى‏ الحكومة الإسلامية.

خامساً : ضمانات تنفيذ القوانين القرآنية

إنّ وجود القوانين الدولية لا يمثل سوى‏ حبرٍ على ورق، وغاية ما تقوم به من تأثير ذاتي أنّها تنقل النصيحة والموعظة لكن بدون الاستناد إلى‏ أي دليل، وبعبارة اخرى‏ فإنّ القوانين بحد ذاتها لا تنطوي إلّا على‏ بعد ذهني وفكري، وحتى تكتسب قيمة اجتماعية تحتاج إلى‏ أن تستند إلى‏ قاعدة معينة تلزم أفراد المجتمع باتباعها والانصياع لها، وهذه القاعدة هي التي يطلقون عليها عنوان‏ «الضامن التنفيذي» أو «الضمانة التنفيذية».

يتضح جيداً من هذه المقدّمة أنّ قيمة القانون وصلاحيته متوقفة على‏ مدى قوّة الضمانات لتنفيذ هذه القوانين وقدرتها، فمتى‏ ما كانت الضمانة الإجرائية لأحد القوانين أقوى وأدق كانت قيمتُهُ الاجتماعية أعلى‏ وأكثر.

إنّ الكثير من الضمانات التنفيذية للقوانين تنطوي على‏ آثار سيئة للغاية، وتخلق مشاكل ومساوي‏ء على‏ صعيد المجتمع؛ وتؤدّي أحياناً إلى‏ الاصطدام وانعدام الثقة، وسوء الظن بين الأفراد، أو أنّها تعكس القانون بشكل صارم ورهيب وهذه بحد ذاتها تعتبر خسارة كبرى‏.

ولو كانت الضمانة التنفيذية تستند إلى‏ مجموعة من المباني الثقافية والأخلاقية والعاطفية، لما اشتملت على‏ أيٍّ من هذه المساوي‏ء.

إنّ العالم المعاصر ومن أجل تطبيق القوانين الوضعية يمر في دوامة قاتلة.

وهذه الدوامة ناشئة من عدم وجود ما يضمن تنفيذ هذه القوانين سوى العقوبات المادية والتي تشمل العقوبات الجسدية أو الغرامات المادية، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى‏ عدم سن القوانين التي تقضي بمعاقبة المجرمين بالإعدام عند ارتكابهم للجرائم والجنايات الفجيعة والتي يستحق فاعلها ذلك.

إنّ عدم وجود الوازع النفسي والوجداني الذي يضمن تنفيذ القوانين الوضعية، وكذلك ضعف الضمانات التنفيذية الخارجيه، أدّى‏ إلى‏ حصول الكثير من المخالفات القانونية وقد ترتب على ذلك ابتعاد الناس عن الضوابط والمقررات وتجذر حالة عدم المبالاة يوماً بعد يوم، والدليل على ذلك هو كثرة المؤسسات القضائية والسجون في العالم.

وهذا الوضع هو الذي يمكن أن يطلق عليه عنوان‏ «أزمة الضمانة التنفيذية»، وله نتائج وعواقب غير محمودة، الأمر الذي جعل المجتمعات الإنسانية بأسرها تدفع ضرائب ثقيلة، ويمكن الوقوف على‏ شواهد من هذا القبيل في أرقى الدول الصناعية في العالم.

ومن العقبات الاخرى‏ للضمانات التنفيذية في القوانين الدولية المعاصرة، هو الاقتصار على‏ الأحكام الجزائية وفقدان الجانب الإيجابي في الجزاء أي الاتكاء على العقوبة وترك المكافاة.

إنّ الإنسان يتمتع بقوتين «القوة الجاذبة والدافعة» أو بعبارة اخرى‏ : الميل للحصول على المنافع ودفع المضار، ولابدّ من الاستعانة بكلا الجانبين في إجراء القوانين، في حين أنّ عالم اليوم يحصر جلّ اهتمامه على‏ دفع المضار وفي دائرة محدودة أيضاً، والدليل على‏ ذلك واضح، لأنّ العالم المادي ليس في جعبته شي‏ء ليجعله بعنوان مكافأة تقديرية أزاء كل من يعمل ببنود القانون.

وعلى‏ ضوء هذه المقدّمات نعود إلى‏ مسألة «الضمانة التنفيذية للقوانين القرآنية» لنرى‏ اشتماله على‏ أقوى الضمانات التنفيذية وأجمعها، وهذا الامتياز ينفرد به دون غيره.

وقد أُخذت بعين الاعتبار ثلاثة أنواع من الضمانات التنفيذية في القرآن :

1- الضمانة التنفيذية المستمدة من الدولة الإسلامية.

2- الضمانة التنفيذية المستندة إلى‏ الرقابة العامة.

3- الضمانة الذاتية الداخلية أو بتعبير آخر، الضمانة الناشئة من الإيمان والاعتقاد بمبادي‏ء الإسلام والقيم الأخلاقية والعاطفية.

ففي المورد الأول تقع على‏ عاتق الدولة الإسلامية مسؤولية الوقوف بصورة حدّية بوجه أي شكل من أشكال المخالفة القانونية، فالخطوة الاولى التي أقدم عليها نبي الإسلام صلى الله عليه و آله بعد هجرته إلى‏ المدينة، وبعد التغلب على المشاكل العالقة، هي إرساء دعائم الدولة الإسلامية، وبيان معالم القوانين الإسلامية، وملاحقة أي نوع من أنواع الانحراف والشذوذ باعتباره من الذنوب التي تدخل في دائرة (العقوبة الجزائية).

لقد اعتبر الإسلام القوانين القرآنية حدوداً إلهيّة، ووجه العقوبة إلى‏ كل من يتجاوز هذه الحدود.

فمن جهة يُعرِّف المتخلفين بأنّهم ظالمون يقول تعالى‏ : {وَمَن يَتَعدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الَّظَالِمُونَ}. (البقرة/ 229)

ومن جهة اخرى‏ يؤكد على‏ محاربة الظالمين.

فحينما يذهب القرآن إلى‏ القول : {لَقَدْ ارْسَلنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَانزَلنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ وَانزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَاسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَّهُ مَن يَنْصُرهُ وَرُسُلَهُ بِالغَيبِ انَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ}. (الحديد/ 25)

فإنّ معناه : إن شَخْصَ نبي الإسلام صلى الله عليه و آله الذي هو خاتم الأنبياء وسيدهم هو الذي تقع على‏ كاهله هذه المسؤولية قبل أي شخص آخر.

هذا من جانب، ومن جانب آخر يدعو كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية إلى‏ المراقبة في اجراء القوانين الإلهيّة، ووفقاً لمبدأ «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، يلزم الجميع بأن لا يتهاونوا ويتخاذلوا في الوقوف بوجه الانحراف عن القوانين الربانية.

لذا يقول سبحانه في أحد المواضع : {وَالمُؤمِنُونَ وَالمؤمِنَاتُ بَعضُهُم اولِيَاءُ بَعضٍ‏ يَأْمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ويُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}. (التوبة/ 71)

وتتجلّى‏ الأهميّة القصوى‏ لهاتين الوظيفتين في الآية الكريمة من خلال تقديم ذكرهما على‏ الصلاة والزكاة وإطاعة اللَّه والرسول، والسر في ذلك يقع في أنّ أركان الصلاة والزكاة والطاعة لا تستقيم أعمدتها من دون هذه الرقابة العامة على‏ إجراء القوانين.

وفي موضع آخر حينما يعمد تعالى‏ إلى‏ طرح الصفات المختصة بالمجاهدين في سبيل اللَّه أولئك الذين اشتروا الجنّة من اللَّه تعالى بأموالهم وأنفسهم، يقول بعد بيان ست صفات من الصفات المتعلقة بهؤلاء المجاهدين : {الآمِرُونَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ والحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ}. (التوبة/ 112)

وممّا يلفت النظر : إنّه نظراً إلى‏ أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له مراحل مختلفة تبدأ من النصيحة والإرشاد والمواعظ الاخوية، وتشق طريقها حتى تصل إلى‏ مرحلة التشدد والحزم العملي، بناءً على‏ ذلك فقد قسمها القرآن إلى‏ قسمين، جعل القسم الأول في متناول الجميع، أمّا القسم الثاني فقد جعله في متناول جماعة خاصة تمارس أعمالها تحت إشراف الحكومة الإلهيّة، ولذا يشير إلى‏ هذا التقسيم بقوله تعالى‏ : {وَلتَكُن مِّنكُم امَّةٌ يَدعُونَ الَى‏ الخَيرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهوَنَ عَنِ المُنكَرِ واولَئِكَ هُمُ المُفلِحوُنَ} (آل عمران/ 104) .

 

ومن البديهي إنّ الامّة التي تأخذ على‏ عاتقها مسؤولية الرقابة، على‏ إجراء القوانين ويشاطرها في هذا الشعور بالمسؤولية كافة أفراد المجتمع، سيكون القانون في أوساطها معززاً مكرماً وصالحاً للتطبيق في الوقت المناسب.

وحينما نخرج من دائرة الرقابة العامة يأتي الكلام عن الرقابة الذاتية، والروحية والاعتقادية والوجدانية للأفراد على‏ حسن إجراء القوانين وهكذا رقابة تعتبر بحقّ أفضل أنواع الرقابات وذلك لوجود الرادع الذاتي للفرد.

أمّا «الإيمان بالمبدأ» أي بالله عزّ وجلّ الذي هو حاضر في كل حين وهو أقرب إلى‏ العباد من أنفسهم : {وَنَحنُ اقرَبُ الَيهِ مِن حَبلِ الوَرِيدِ}. (ق/ 16)

وسبحان الذي : {يَعلَمُ خَائِنَةَ الاعُينِ وَمَا تُخفِى الصُّدُوُر}. (غافر/ 19)

واللَّه الذي جعل الأرض والزمان وحتى أعضاء بدن الإنسان رقيباً عليه وشاهداً وشهيداً على‏ أفعاله‏ (6).

و «الإيمان بمحكمة القيامة الكبرى‏» بحيث لو كان في صحيفة أعمال الإنسان مقدار ذرة من عمل الخير أو الشر لا حضروها أمامه، ويلاقي حسابه وجزاؤه : {فَمَن يَعملْ مِثَقالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ* وَمَن يَعملْ مِثَقالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}. (الزلزلة/ 7- 8)

وليست الأمثلة السابقة هي التي تعكس آثار الإيمان بالمبدأ والمعاد فحسب، بل لدينا مئات الأمثلة من هذه الآيات في القرآن الكريم يعدّ الاعتقاد بها من أفضل الضمانات لتنفيذ القوانين الإلهيّة.

وكم هو الفرق بين من يرى‏ نفسه مراقباً من قبل القوى الامنية والعسكرية التي لا تتجاوز أعدادها الواحد بالألف وبما تمتلك من إمكانيات محدودة ونواقص كثيرة عندما تكون رقيبةً على‏ أعمال الآخرين، ومع ما تراه لازماً من اتخاذ الاستعدادات الكافية من أجل الدخول في الأماكن الهامة والمنازل العامة، وما أبعد الهوة بين هذا الشخص وبين من يرى‏ نفسه في كل الأحوال والأمكنة وبدون استثناء خاضعاً لرقابة اللَّه المستمرة والملائكة، ويعتقد أنّ الموجودات من حوله وحتى‏ أعضاء بدنه ستحتفظ بأعماله وتعلن عنها في حينه.

إنّ الضمانة التنفيذية لا أثر لوجودها في العالم المادي إطلاقاً، ولهذا السبب لم تتمكن الضمانات التنفيذية الاخرى‏ بأي شكل من الأشكال أن تقف حاجزاً أمام المخالفات الاخرى‏، في حين تنحسر هذه المخالفات القانونية في ظل الأجواء الدينية الواقعية التي يكون هذا الضامن التنفيذي فيها فعالًا، كما تحقق ذلك في زمن حياة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله ففي ذلك الزمان لم يكن لوجود السجون معنى على الاطلاق، وقلّما كانت تعقد المحاكم القضائية، فقد كانت شكاوى‏ الناس تتلخص بمجي‏ء بعض الأشخاص أحياناً إلى‏ محضر النبي صلى الله عليه و آله في المسجد ويطرحون دعاواهم، فيستمعون إلى‏ الأجوبة في المكان نفسه ويخرجون راضين بالحلول العادلة.

وفي الوقت الحاضر أيضاً تصل الجنايات والانحرافات إلى‏ الحد الأدنى‏ في المجتمعات الدينية خاصةً في المناسبات الدينية (من جملتها مناسبة شهر رمضان المبارك).

سادساً : إحياء القيم الروحية

بالرغم من أنّ الوجود الإنساني مركب من مادة وروح أو من جسم وروح، وحياة الإنسان متكونة من جانبين، جانب مادى وجانب معنوي، إلّا أن جميع القوانين في العالم المادي ناظرة إلى‏ القيم المادية، فأي عمل لا يتعارض مع المسائل المادية للمجتمع يعتبر جائزاً ومشروعاً في نظرهم، ويدخل في هذا المضمار تصويب الكثير من القوانين المخزية والتي يبعث ذكرها على‏ الاشمئزاز والتقزز، والحال أنّ هذا الفصل لا يوجه ضربة إلى‏ الشخصية الإنسانية المرموقة ويحطها إلى‏ مستوى الحيوان فحسب، بل يُعرض نفس القيم المادية للخطر أيضاً، وذلك لعدم إمكانية الفصل عملياً بين هذين الأمرين.

وانطلاقاً من كون القرآن منسجما مع الخلقة والفطرة الإنسانية فهو يأخذ بالاعتبار كلًا من القيم المادية والمعنوية معاً، فحينما يتطرق في حديثه إلى‏ اختيار الزوجة يقول : {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [النور: 3]

ويقول أيضاً : {قُلْ لَّا يَستَوِى الخَبِيثُ وَالَّطِيبُ وَلَوْ اعجَبَكَ كَثَرةُ الخِبيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا اولِى الالبَابِ لَعلَّكُم تُفلِحونَ}. (المائدة/ 100)

من الواضح إنّ ذكر الخبيث والطيب في هذه الآية إمّا ناظر إلى‏ الطهارة المعنوية وعدمها، وإمّا ناظر على‏ الأقل إلى‏ العموم فيشمل المعنى المادي والمعنوي معا، لذا فإنّ كثرة الأوبئة وانتشار الموبقات لا يمكن أن يكون دليلًا على‏ مشروعيتهم وحقانيتهم.

وتتبلور هذه المسألة أكثر في القوانين والدساتير المرتبطة بالزواج خاصة لأنّه يحدث كثيرا أن يقع كل من الجمال الظاهري والمعنوي على‏ طرفي نقيض، فيقترن جمال الظاهر مع‏ تلوث الباطن، وحسن الباطن مع عدم جمال الظاهر. ففي هذه الحالة يرجحِّ القرآن الكريم الكفة الثقيلة لجمال الباطن وجاذبية الروح والأخلاق والإيمان فيقول : {وَلَا تَنكِحُوا المُشرِكَاتِ حَتَّى‏ يُؤمِنَّ وَلَامَةٌ مُّؤمِنَةٌ خَيرٌ مِّن مُّشرِكَةٍ وَلَو اعجَبَتكُم وَلا تَنكِحُوا المُشرِكِينَ حَتَّى‏ يُؤمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤمِنٌ خَيرٌ مِّن مُّشرِكٍ وَلَو اعجَبَكُم اولَئِكَ يَدعُونَ الَى‏ النَّارِ وَاللَّهُ يَدعُوا الَى‏ الجَنَّةِ وَالمَغفِرَةِ بِإذنِهِ}. (البقرة/ 221)

ومن المؤسف حقّاً هو عدم الاهتمام بالقيم المعنوية في وضع القوانين والمقررات الاجتماعية في عالم اليوم حيث أصبح من العوامل المهمّة للكثير من المآسي والويلات، علاوة على‏ أنّ هؤلاء لا يجدون الطريق إلى‏ هذه القيم في الواقع، لأنّ الاعتراف بهذه القيم لا يتمّ بدون الاستناد إلى‏ رؤية معنوية للكون تقيم وزناً لها وتحتفظ بقيمتها، لذا أصبح العالم المادي عاجزاً عن الوصول إليها، وما يشاهد حالياً في المتون القانونية لعالم اليوم من قبيل حقوق الإنسان مثلًا فهو الآخر عرضة للتفاسير المختلفة دائماً، أو مبرر لتوجيه الابتزازات المادية، وغطاء للتستر على الأهداف اللامشروعة المنافية للأصول المنسجمة مع الإنسانية في كل الحالات.

سابعاً : الاصول الثابتة والمتغيرة

من المعلوم لدينا أنّ مسلمي العالم يعتقدون من خلال ما استلهموه من القرآن والأحاديث الإسلامية المعتبرة أنّ نبي الإسلام هو خاتم الأنبياء، وأنّ الدين الإسلامي هو الدين الخالد، ومع التسليم بهذا الاعتقاد يبرز هذا السؤال وهو : كيف يمكن الحفاظ على‏ بقاء الأحكام والمقررات الثابتة والخالدة مع حدوث التغييرات المستمرة للحياة الاجتماعية للجنس البشري، وكيف يتم حصول المتطلبات المتغيرة مع وجود قوانين ثابتة؟

إنِّ القوانين القرآنية عالجت هذه المشكلة وذلك من خلال تصنيف القرآن لهذه القوانين‏ إلى‏ صنفين : الصنف الأول منها هي القوانين الكلية التي أصلها ثابت، ومصداقها وموضوعها الخارجي في تغير وتبدل مع مرور الزمن، والصنف الثاني منها هي القوانين الخاصة والجزئية بالاصطلاح وهي غير قابلة للتغيير.

وتوضيح ذلك : يُؤخذ من خلال ما خاطب به القرآن المؤمنين بقوله : {يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اوفُوا بِالعُقُودِ}. (المائدة/ 1)

هذه هي إحدى الاصول العامة السائدة على‏ مرِّ العصور والأزمنة، وإن كان موضوعها ومصداقها في حالة تغير وتبدل، فمثلًا ظهرت مع مرور الزمن سلسلة من الارتباطات الحقوقية الجديدة والاتفاقيات المستحدثة بين أوساط الناس لم يسبق لها وجود في عصر نزول القرآن، فعلى سبيل المثال لم يكن يبدو للعيان شي‏ء اسمه «التأمين»، أو أنواع الشركات المختلفة في ذلك الزمن، والتي تحققت في عصرنا هذا حسب حصول المتطلبات اليومية، بيدَ أنّ القانون العام الآنف الذكر قد شمل كل هذه الأمور، فأي شكل من أشكال الاتفاقيات والمعاملات الجديدة والعقود والمواثيق الدولية، التي تظهر على‏ مسرح الوجود حسب المتطلبات إلى‏ نهاية العالم وتكون منسجمة مع الاتفاقيات الإسلامية تقع ضمن هذا الشمول، ونجد قسطاً وافراً من هذه القوانين في الإسلام بصورة عامة والقرآن بصورة خاصة.

ولننظر في قوله عزّ من قائل : {وَمَا جَعَل عَلَيكُم فِى الدِّينِ مِن حَرَجٍ}. (الحج/ 78)

بناءً على‏ ذلك إذا تعذّر أداء إحدى التكاليف الإسلامية في ظروف خاصة فإنّها تخرج من دائرة الوجوب والإلزام تلقائياً، فيتبدل الوضوء في ظروف قاسية إلى‏ التيمم، والصلاة من وقوف إلى‏ الصلاة من جلوس، والصلاة من جلوس إلى‏ الصلاة في حالة الاضطجاع، ويتبدل صوم الأداء إلى‏ صوم القضاء، ويرتفع الحج في مثل هذه الظروف.

وقد وردت إشارات إلى‏ «قاعدة لا ضرر» في موارد خاصة من آيات قرآنية متعددة تدل على‏ خطر الأمور التي تلحق الضرر والأذى‏ بشكل أو بآخر، ولذلك تحدد وتضيق دائرة الأحكام والمقررات التي بينت على‏ شكل حكم عام حينما تصل إلى‏ موارد الضرر والحرج.

يقول القرآن في موضوع النساء المطلقات : {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ}. (الطلاق/ 6)

ويقول في موضع آخر : {وَلَا تُمِسكُوهُنَّ ضِراراً}. (البقرة/ 231)

ويقول في مورد الوصية : {مِن بَعدِ وَصيَّةٍ يُوصَى‏ بِهَا او دَينٍ غَيرَ مُضَارٍ}. (النساء/ 12)

ويقول في مورد الشهود وكتاب السندات : {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ}. (البقرة/ 282)

إنَّ هذه القاعدة المطروحة بشكل أكثر تفصيلا في الروايات الإسلامية تعتبر من القواعد المهمّة التي تقوم بتطبيق الأحكام الإسلامية (من خلال التغيرات الطارئة على الموضوعات)، على‏ الاحتياجات والضروريات الواقعية لكل زمان، وقد تمّ شرح ذلك في كتب «القواعد الفقهية»، وعلى‏ أي حال فإنّ من الشواهد الاخرى‏ لهذا المدعى‏ هي : «قاعدة العدل والانصاف»، وقاعدة : «عدم تكليف مالا يطاق»، وقاعدة : «المقابلة بالمثل»، في المسائل المتعلقة بالجنايات والقصاص والاضرار المالية، وكلها لها جذور قرآنية، وخلاصة الكلام : إنطلاقا من «خاتمية نبوة نبي الإسلام صلى الله عليه و آله وفقاً للآية 40 من سورة الأحزاب» واستمرارية القرآن الكريم، فإنّ القوانين القرآنية طرحت من الدقة بمكان بحيث لم تسنح لظروف الزمان وتحولات الظروف والمتطلبات البشرية التي عفا عليها الدهر وعلاها غبار الزمن الغابر.

وفي الوقت التي كانت تسد الاحتياجات القانونية لعصر النبي صلى الله عليه و آله الذي هو عصر نزول القرآن كانت ناظرة أيضاً إلى‏ الأزمنة والقرون الآتية، ومن الأمثلة الرائعة والجلية هو ما نلاحظه في الآية المتضمنة لمفهوم (إعداد القوى‏) وتعبئتها حفاظاً على‏ بيضة الإسلام والمسلمين : {وَاعِدُّوا لَهُم مَّا استَطَعتُم مِّن قُوّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}. (الانفال/ 60)

فمن جهة يضع بصماته على‏ المستلزمات الضرورية لذلك العصر ويتحدث عن الخيول المُجرَّبة، ولكن من جهة اخرى‏ يُنوِّه إلى‏ أصل عام يتوافق مع ذلك العصر، ومع كل عصر حتى‏ قيام الساعة، وهذا الأصل هو تهيئة شتى‏ أنواع القوى‏ والقدرات التي تشمل كافة الوسائل القديمة والحالية والمستقبلية.

وأروع ما ورد في هذه الآية هو هذا المعنى : إنّ الغاية من كل هذه الأمور هو إلقاء الرعب في قلوب الأعداء ليقف ذلك حاجزاً دون وقوع الاعتداء والحرب، لا أن يؤدّي ذلك إلى‏ مزيد من إراقة الدماء.

__________________
(1) وردت 5 مرات.

(2) وردت 20 مرّة.

(3) وردت 80 مرّة.

(4) وردت 5 مرات.

(5) وردت مرّتين.

(6) الزلزلة، 4؛ ويس، 65؛ والنور، 24.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .