أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-04-2015
2331
التاريخ: 24-04-2015
2378
التاريخ: 25-04-2015
1567
التاريخ: 24-04-2015
3189
|
تمهيد :
من أجل أن نوضّح المعالم الأساسيّة والميزات الخاصّة التي تتميّز بها مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في التفسير ، لا بُدّ أن نُشير إلى نقطتين لهما أهميّة بهذا الصدد :
الأُولى :
نظرة أهل البيت (عليهم السلام) إلى القرآن الكريم .
الثانية :
نظرة أهل البيت (عليهم السلام) العامّة إلى طُرُق إثبات الحقائق ، والوصول إلى فهم القرآن الكريم والشريعة الإسلامية ، ومعرفة السُنّة النبويّة.
نقطتان مميّزتان للتفسير في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)
النقطة الأُولى : نظرة أهل البيت (عليهم السلام) إلى القرآن الكريم
في البداية لا بُدّ أن نشير إلى نظرة أهل البيت (عليهم السلام) المتميّزة في تقديس القرآن الكريم ، حيث يضعونه في المرتبة الثانية بعد الله تعالى ، وإلى اهتمامهم الخاص في حفظ وتعلّم القرآن الكريم وقراءته ؛ فإنّها أفضل العبادات ، واحترامه وأهميّته والتفاعل معه والتفكير والتدبّر في آياته من خلال مئات الأحاديث التي وردت عنهم (عليهم السلام) في الحث على ذلك ، وتقديرهم واحترامهم الخاص لحملة القرآن ودورهم في الحياة الاجتماعية وذكر مقاماتهم عند الله تعالى ، وبيان الأجر والثواب المترتِّب على كلّ هذه الأعمال المرتبطة بالقرآن ، فهو شفيعٌ ، يشفع يوم القيامة ، بل هو أفضل شفيع... (1) إضافةً إلى كلّ ذلك نذكر أمرين رئيسين :
أحدهما : ثبوت النص القرآني
إنّ القرآن الكريم المتداول بين المسلمين هو : مجموع ما نزل على النبي (صلّى الله عليه وآله) في مدّة نبوّته ورسالته ، باعتباره كلاماً إلهيّاً دون زيادةٍ أو نقصان ، وهو ما نسمّيه : بثبوت النص القرآني وسلامته من التحريف بالزيادة أو النقيصة ، وقد أوضحنا القرائن والأدلّة على هذه الحقيقة في بحثنا السابق : ثبوت النص القرآني.
وبهذا الصدد لا بُدّ أن نُشير إلى ظاهرتين مهمّتين توضحان الصورة والموقف تجاه قضيّة تحريف القرآن الكريم :
1 ـ إنّ المسلمين جميعاً سنّةً وشيعة ـ بالرّغم من اختلاف مذاهبهم الفقهية والكلامية ، وتعدّد آرائهم ، ومواقفهم في فهم التاريخ والسنّة وتفسيرهم للأحداث ـ متفقون على تداول نصٍّ واحدٍ من القرآن الكريم وفي جميع العصور ، بحيث لا نجد في جميع الأصقاع والأقطار الإسلامية أو غيرها ، وفي زوايا المكتبات القديمة والحديثة أيّ نصٍّ آخر للقرآن الكريم غير النص الذي يتداولونه بشكلٍ عام؛ الأمر الذي يؤكّد حقيقة سلامة النص القرآني ويبطل كل الشبهات والإثارات التي يتداولها بعض الأشخاص لاتهام فرقةٍ أو جماعةٍ من المسلمين بأنّهم يعتقدون بالتحريف.
ولا شكّ أنّ هذه الإثارات والشُبهات لها خلفية وأهداف سياسيّة أو اجتماعية أو مذهبيّة متعصّبة ، وإن كان بعض من يتداولها ممّن وقع في هُوّة التضليل والجهالة دون نيّةٍ سيئة.
2 ـ إنّنا نجد على مستوى الروايات والأحاديث ، وأحياناً على مستوى الأبحاث العلميّة والآراء النظريّة ما يمكن أن يُوهم بالتحريف والنقيصة ، سواء على مستوى علماء وحفّاظ جمهور المسلمين ، كالبخاري ومسلم وغيره ، أو مستوى حفّاظ وعلماء أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، الأمر الذي لا بُدّ من معالجته بالموقف الواضح والتسالم القطعي بين المسلمين ، على سلامة القرآن من التحريف أو تأويل هذه الروايات والأحاديث أو الآراء ، كما أشرنا إلى ذلك في بحث : ثبوت النص القرآني.
ولا يستفيد من مثل هذه الإثارات إلاّ أعداء الإسلام والقرآن من المستشرقين والمبشّرين والصهاينة والاستكبار العالمي الغربي ، أو الملاحدة والمرتدّين من أوساط المجتمعات الإسلامية .
ولكن لا بُدّ أن نُشير هنا إلى أنّ هذه الروايات والإثارات إنّما كانت إحدى النتائج الخطرة ـ التي تمّت الإشارة إليها في البحث السابق ـ بسبب عدم التمييز بين المستويين (العام والخاص) من التفسير ، وإبعاد أهل البيت (عليهم السلام) عن دورهم في المرجعية الدينية على المستوى الخاص ، وخصوصاً في التفسير ، الأمر الذي جعل الأُمور تختلط على المسلمين بهذا الشكل ، ولولا العناية الإلهيّة والاهتمام الخاص الذي أولاه النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وأهل البيت (عليهم السلام) وكبار الصحابة والمسلمون بشكلٍ عام ، في استظهار القرآن وحفظه ، لحدثت كارثةٌ بين المسلمين تشبه ما تعرّضت له الديانات الإلهيّة السابقة.
والآخر : القرآن الكريم هو المرجع العام للرسالة الإسلامية
إنّ القرآن الكريم هو المرجع الأوّل والمصدر العام للرسالة الإسلامية بكلّ أبعادها ـ والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ ومنها العقيدة والشريعة الإسلامية والسُّنن التأريخية والنظرة العامّة للكون والحياة والمجتمع والسلوك الإنساني.
والسنّة النبويّة وإن كانت تمثّل المرجع الآخر ، إلاّ أنّ القرآن الكريم يمتاز على السنّة النبويّة في ثبوته بنصّه يقيناً وفي قدسيته باعتباره الكلام الإلهي ، ومن ثمَّ يكون المرجع للسُّنّه عند الشك في ثبوت مضمونها أو نصّها ، ولا يقبل من الحديث إلاّ ما كان موافقاً للقرآن الكريم.
كما أنّ أهل البيت (عليهم السلام) ينظرون إلى السنّة النبويّة القطعية نظرة التقديس ، ويضعونها حكماً يمكن تمييز صحّة حديثهم من خلال موافقتها ، كما يمكن ردّ الحديث والحكم عليه بالبطلان من خلال مخالفته للسنّة النبوية فضلاً عن مخالفته للقرآن ، ولا يجدون أيّ مبرّرٍ للاجتهاد في مقابل النص القرآني ، ويمكن أن نحدّد ـ بشكلٍ إجمالي ـ نظرة أهل البيت إلى منزلة القرآن الكريم من هذه الزاوية في الأبعاد التالية :
1 ـ إنّ القرآن الكريم يمثّل شاهداً على الحق والباطل في مضمون الأحاديث والروايات التي تُنسب إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) أو أهل البيت (عليهم السلام) ، حيث يمكن من خلاله تمييز الحق من الباطل.
فقد روى ثقةُ الإسلام الكليني في الكافي : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) :
(إنّ على كلِّ حقٍّ حقيقة وعلى كلِّ صوابٍ نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه).
وقد رواه البرقي في المحاسن ، والصدوق في الأمالي بسندهما عن النوفلي والسكوني (2).
وفي روايةٍ أُخرى للكليني صحيحة السند عن هشام بن الحكم وغيره ، عن أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام) قال :
(خطب النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ بمنى ، فقال : (أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله)) (3).
وقد رواه البرقي في المحاسن أيضاً.
وفي صحيحةٍ أُخرى للكليني عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام) قال :
(الوقوف عند الشبهة خير من اقتحام الهلكة ، إنّ على كلِّ حقٍّ حقيقةً وعلى كلِّ صوابٍ نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه) (4).
2 ـ وقد ورد في بعض الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) أنّ لكلِّ شيءٍ في الشريعة الإسلامية أصلاً في القرآن الكريم ، ولكن لا يمكن لعامّة الناس أن يفهموه ويُرجعوه إلى القرآن الكريم؛ فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال :
(ما من أمرٍ يختلف فيه اثنان إلاّ وله أصلٌ في كتاب الله ولكن لا تبلغه العقول) (5).
وسيأتي مزيدٌ من التوضيح لهذا البُعد في هذا البحث.
3 ـ إرجاع جميع الشروط والالتزامات والعهود والعقود إلى القرآن الكريم ، بحيث لا يصح أن نقبل أيّ شيءٍ من هذه الالتزامات والعهود ، إذا كان مخالِفاً للكتاب.
وقد ورد هذا المعنى في الأحاديث المرويّة عن طُرق الفريقين ، وهو أمرٌ متَّفقٌ عليه بين عامّة المسلمين.
ففي حديثٍ عن الصادق (عليه السلام) :
(المسلمون عند شروطهم إلاّ كلّ شرطٍ خالف كتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز)
وفي حديثٍ آخر :
(وإن كان شرطاً يخالف كتاب الله عزّ وجلّ فهو ردّ إلى كتاب الله) (6).
4 ـ الرجوع إلى الكتاب لتمييز وترجيح أحد الحديثين المختلفين في حالة التعارض وذلك في الموارد التي يكون فيها الحديث مخصِّصاً أو مقيِّداً أو مبيِّناً للقرآن الكريم ، ولكن يوجد ما يعارضه في مضمونه ، فإنّ ما يكون موافِقاً للعامّ القرآني وإطلاق الكتاب الكريم يكون مقدَّماً ومرجَّحاً على الحديث الآخر.
فقد روى سعيد بن هبة الله الراوندي بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : قال الصادق (عليه السلام) :
(إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه...) (7).
كما روى الصدوق في عيون الأخبار بسندٍ صحيح ، عن محمّد بن عبد الله السمعي ، عن أحمد بن الحسن الميثمي أنّه سأل الرضا (عليه السلام) يوماً وقد اجتمع عنده قومٌ من أصحابه ، وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الشيء الواحد ، فقال ـ في حديث ـ :
(ما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجوداً حلالاً أو حراماً فاتبعوا ما وافق كتاب الله...) (8).
كما أنّ في الأحاديث التي وردت بصدد البُعد الأوّل ما يؤيِّد ويؤكِّد هذا المعنى.
النقطة الثانية : نظرة أهل البيت (عليهم السلام) العامّة إلى طُرُق الإثبات
إنّ من المُلاحَظ أنّ أهل البيت (عليهم السلام) قد أكّدوا في كثيرٍ من الروايات والنصوص أهمّيّة سلوك طريق العلم والمناهج العلمية في الوصول إلى حقائق الإسلام والقرآن.
وهنا يمكن أن يُثار هذا السؤال وهو : أنّنا نعرف بأنّ القرآن الكريم تناول هذا الموضوع بشكلٍ واسعٍ في مثل قوله تعالى :
{... إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس : 36]
وقوله تعالى :
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36].
وغير ذلك من الآيات الكثيرة.
كما أنّ السنّة النبويّة الثابتة لدى المسلمين جميعاً أكّدت ذلك أيضاً ، خصوصاً في مجال تفسير القرآن ، حيث ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله) : (أنّه من فسّر القرآن برأيه فقد كفر) ، فما هو السبب في شدّة تأكيد أهل البيت هذا الموضوع؟
وهل هو مجرّد انسجامٍ مع القرآن الكريم والسنّة النبويّة ، أو أنّ الأوضاع التي كان يعيشها المسلمون تقتضي هذا التأكيد؟
والذي يبدو من خلال مراجعة التأريخ الإسلامي وخصوصاً تأريخ تطوّر (علم الحديث) من ناحية ، والظروف التي مرّ بها العالم الإسلامي في الصدر الأوّل للإسلام ، من ناحيةٍ أُخرى ، والنصوص الكثيرة التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) ، أنّ هناك مجموعة من القضايا والمشاكل والظواهر شهدتها الأُمّة الإسلامية أدّت إلى هذه الإثارات والتأكيدات من قِبَل مدرسة أهل البيت ، منها :
1 ـ المنع الذي فرضه الخليفة الثاني عمر على تدوين الحديث ـ وقد استمرّ إلى عهد الخليفة الأُموي عمر بن عبد العزيز مع غضِّ النظر عن تفسير خلفيّاته وأسبابه ـ أدّى بطبيعة الحال إلى ضياع الكثير من السنّة النبويّة أو عدم ضبطها بشكلٍ مناسب ، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام حركة (الرأي) و (الظن) و (الاجتهاد) للوصول إلى الحكم الشرعي.
2 ـ المشكلات الجديدة التي واجهها العالم الإسلامي بسبب الفتح الإسلامي الواسع ، سواء على المستوى الاجتماعي والاقتصادي ، أو الحكم وإدارته ، أو على مستوى الفرد والجماعة والعلاقات السياسية والتي تحتاج إلى معالجةٍ على ضوء الشريعة الإسلامية.
3 ـ إضفاء الشرعيّة والحجّيّة ـ في القول والعمل ـ على كلّ من عاصر النبي أو سمع منه ولو لمدّةٍ بسيطة ، أو في الأماكن العامّة بحيث يكون مرجعاً للمسلمين في الشؤون الدينية ، استناداً إلى فكرة عدالة جميع هؤلاء الأفراد على الإطلاق ، دون وضع أُصول وضوابط في ذلك ، مثل : الورع ، والضبط ، والاستيعاب ، والإحاطة بالظروف الحاليّة والمقاليّة التي ورد فيها النص ، أو حتّى الاطّلاع على النصوص الأُخرى والمعالم المتعدّدة للسنّة النبويّة من أقوالٍ وأفعالٍ وإقرار ، والتي تُلقي الضوء على مضمون النص أو تفسيره وتوضيحه وتبيينه ، فكان شأن المسلمين حينذاك في كثيرٍ من الأحيان شأن من يحاول استنباط الأحكام الشرعية في العصور المتأخِّرة بمجرّد الرجوع إلى روايةٍ يجدها في أحد الكتب الحديثة دون الفحص عن الروايات الأُخرى أو رجال الحديث الذين رووا هذه الرواية.
إنّ صُحْبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شيءٌ مقدّسٌ ولها نتائج وإيحاءات روحيّة ومعنويّة عظيمة ، ولكنّ إضفاء هذا العنوان على كلِّ من عاصر رسول الله أو التقى به أو سمع منه ، مع أنّ فيهم (المنافق الذي مرد على النفاق) ، و (الأعرابي) ، و (الساذج) ، أو الذي خلط عملاً صالحاً بآخر سيّئ ، أو عرف من الإسلام مجرّد مفاهيم عامّة وشعارات وطقوس ، دون أن يدخل الإيمان إلى قلبه أو يتربّى على المعرفة والأخلاق والعقائد والآداب الإسلامية ، أو دون أن يعرف التقوى حقّ المعرفة ، أو كان ممّن بقيت في أعماقه رواسب العادات والأخلاق الجاهلية والأفكار الوثنيّة.
إنّ وجود مثل هذه الأصناف في المجتمع الإسلامي الذي عاصر الرسول (صلّى الله عليه وآله) حقيقةٌ لا يمكن لأحدٍ إنكارها ، حيث تحدّث عنها القرآن الكريم والسنّة النبويّة والتأريخ الإسلامي ، ودلت على هذه الحقيقة مُجْمل الأحداث والتصرّفات والمواقف والسلوكيات التي صدرت عن هؤلاء المعاصرين.
4 ـ الأغراض السيئة لبعض الجماعات والأفراد التي كان لها مواقع في المجتمع الإسلامي ، وخصوصاً في العهد الأُموي من دون فرْقٍ بين الأغراض السياسية ، أو النفعيّة الذاتية ، أو الأخلاقية التي تنطلق من الحسد والحقد أو النعرات الجاهلية في الصراعات القَبَليّة الموروثة.
إنّ هذه الأغراض كان لها دورٌ كبيرٌ ومهمٌّ في إيجاد الفوضى والاضطراب ، واستغلال الفراغ الذي تركه عدم تدوين السنّة النبويّة ، وعدم تشخيص المرجعية الدينية للمسلمين المتمثّلة بأهل البيت (عليهم السلام).
ولا نُريد بهذه المعالجة أن نشير إلى جميع هذه القضايا والمشاكل ، ولكن نريد أن نوضِّح الأوضاع والظروف التي وُلدت فيها حركة الرأي والاجتهاد والحدس الذي لا يعتمد على الضوابط والأُصول.
كما لا نريد هنا أيضاً أن نتناول قضيّة تمّ بحثها في علم الأُصول ترتبط بالأدلّة الظنيّة التي أنكرها أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ، مثل (القياس) و (الاستحسان) و (المصالح المرسَلة ( و (رأي الصحابي) وغيرها ، فإنّ بحث هذا الموضوع له مجالٌ آخر ، وإنّما نريد أن نُشير هنا إلى نقطةٍ محوريّةٍ في هذا البحث وهي : أنّ أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يرون أنّ طريق الوصول إلى حقائق الإسلام بقيَ مفتوحاً وميسوراً من خلالهم ، أي من خلال الإمام علي (عليه السلام) الذي هو باب مدينة العلم الذي اعتمده النبي (صلّى الله عليه وآله) وعلّمه القرآن وتفسيره ، حيث دوّن كلّ هذه المعلومات في صحيفةٍ جامعة ، اشتملت على جميع تفاصيل الشريعة حتّى أرش الخدش وأحاط بالقرآن الكريم :
في المضمون وفي العمق؛ فهو يعرف ظاهره وباطنه ومُحْكَمه ومُتشابِهه.
وفي نصِّه وآفاقه ، فهو يعرف ناسخه ومنسوخه وعامّه وخاصّه ومطلقه ومقيّده.
وفي الظروف المحيطة به والقرائن الحالية التي اقترنت بنزوله؛ فهو يعرف في أيّ وقتٍ نزلت وفي أيّ الأشخاص والجماعات ، ولأجل أيّ غرضٍ أو هدف.
وحتّى أُولئك الذين يرون صحّة الرجوع إلى القياس وغيره من الأدلّة الظنيّة إنّما يصح ذلك في رأيهم أو يقولون بحجيّة هذه الأدلّة إذا فقدوا الدليل والنص على الحكم الشرعي والمعرفة الإسلامية ، أي (إذا انسدّ باب العلم) إلى هذه الحقائق كما يعبِّر الأُصوليون.
وأمّا إذا كانت الفرصة قائمةً وموجودة للوصول إلى الحكم الشرعي والمعرفة ، من خلال طريق العلم ووسائل الإثبات اليقينيّة فلا يصح ذلك بالإجماع.
وهذا ما عناه وأكّده أهل البيت (عليهم السلام) في هذه الروايات الكثيرة وهو الذي كان سبباً رئيساً في هذا القدر من الإنكار والاستنكار على مدرسة الرأي.
والإيمان بصحّة هذا الأمر هو الذي دعا جماعةً كبيرةً من كبار فقهاء الجمهور في عصور الأئمّة المختلفة للرجوع إلى أهل البيت (عليهم السلام) من أجل أن يعرفوا هذه الحقائق اليقينية ، وتأثّروا بهم في مختلف مجالات المعرفة وخصوصاً في التفسير (9).
وهنا نُشير إلى بعض الروايات التي تعكس هذا التصوّر والفهم للموقف من قِبَل أهل البيت (عليهم السلام) :
1 ـ الرواية التي رواها ثقةُ الإسلام الكليني وكذلك الصدوق في العقائد عن سليم بن قيس والتي تقدّمت الإشارة إليها في هذا الموضوع.
2 ـ ما رواه ثقةُ الإسلام الكليني بسندٍ صحيحٍ عن أبي الصباح (الكناني) قال : والله قال لي جعفر بن محمّد (عليهما السلام) :
(إنّ الله علّم نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ التنزيل والتأويل ، فعلّمه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليّاً (عليه السلام) ، ثمّ قال : وعلّمنا ـ والله ـ الحديث) (10).
3 ـ عن موسى بن عقبة : إنّ معاوية (بن أبي سفيان) أمر الحسين (عليه السلام) أن يصعد المنبر فيخطب ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
(نحن حزب الله الغالبون وعترة نبيّه الأقربون ، وأحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثاني كتاب الله ، فيه تفصيلٌ لكلِّ شيءٍ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والمعوّل علينا في تفسيره لا نتظنى تأويله بل نتبع حقائقه ، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة ، إذ كانت بطاعة الله مقرونة؛ قال الله تعالى :
{... أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ...} [النساء : 59]
وقال : {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ...} [النساء : 83] ).
وروى الطبري نحوه في بشارة الإسلام بسنده عن الحسن بن علي (11).
4 ـ وروى الكليني بسندٍ صحيحٍ عن أبي عبيدة (الحذّاء) قال : قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) :
(من أفتى الناس بغير علمٍ ولا هدىً من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزْر من عمل بفتياه) (12).
وروى أيضاً بسندٍ مُعْتَبرٍ في حديثٍ عن أبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام)
قال : (ما لكم والقياس ، إنّما هلك من قبلكم بالقياس... ثمّ قال : إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به ، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها (وأومأ بيده إلى فيه) ثمّ قال : إنّ أبا حنيفة كان يقول : قال عليٌ (عليه السلام) وقلت ، وقالت الصحابة وقلت ، ثمّ قال : أكنت تجلس إليه؟ قلت : لا ، ولكن هذا كلامه ، فقلت : أصلحك الله ، أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال : نعم. وما يحتاجون إليه يوم القيامة. فقلت : فضاع من ذلك شيء؟ فقال لا هو عند أهله) (13).
معالم نظريّة أهل البيت (عليهم السلام) في التفسير :
بعد أن عرفنا منطلقات أهل البيت (عليهم السلام) إلى القرآن الكريم وتفسيره ، يحسن بنا أن نشير إلى عالم نظريّة أهل البيت في التفسير ، حيث يمكن أن نلخِّصها في المعالم الأربعة التالية :
الأوّل : الوحدة البيانيّة للقرآن
النظر إلى القرآن الكريم كوحدةٍ لفظيّةٍ وكلاميّةٍ متكاملة ، بحيث لا يمكن أن نفهم فقراته أو آياته إلاّ من خلال النظر إلى جميع أبعاد وجوانب هذه الوحدة اللّفظيّة ، وكذلك إلى جميع فقراتها.
ويعتمد هذا الفهم للقرآن الكريم على رؤيةٍ علميّةٍ وواقعيّةٍ مستنبطةٍ من القرآن الكريم وطبيعة الظروف التي أحاطت بنزوله.
فالقرآن الكريم كما نعرف هو : {... كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود : 1].
فهو (كلامٌ واحد) يعبِّر عن تصوّرٍ متكاملٍ وشاملٍ للكون والحياة والدين ، ولكن شاءت الحكمة الإلهيّة أن ينزل هذا الكلام بشكلٍ تدريجي و (منجّماً) لتحقيق أغراض عديدة تحدّثنا عنها في محلِّه من علوم القرآن ، كما أشار إليه القرآن الكريم نفسه (14).
وقد أحاطت بالنزول التدريجي هذا ظروفٌ وأحداثٌ تُلقي الضوء على معانيه وأهدافه من ناحية ، وكان لها تأثيرٌ في أُسلوب العرض والبيان والمقاصد أحياناً أُخرى.
فقد يأتي البيان في البداية (عامّاً) لمصلحةٍ سياسيّةٍ أو تربويّةٍ ، أو لرسم الأساس الفكري والمنطلقات النظريّة ، ثمّ يأتي تخصيص هذا (العام) وبيان الاستثناءات التي تقتضيها المصالح السياسية أو الاجتماعية ، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ بعض هذه التخصيصات جاءت من السنّة النبويّة الشريفة ، وهو شيءٌ يقبله جمهور علماء الإسلام استناداً لقوله تعالى :
{... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا... } [الحشر : 7].
أو يثبّت القرآن الكريم موقفاً سياسيّاً أو حكماً شرعيّاً مراعياً تطوّر الدعوة والرسالة وحركتها في أرض الواقع ، ثمّ (ينسخ) ذلك الموقف والحكم بعد أن تتغيّر الظروف وتتطوّر لصالح تثبيت حكمٍ آخر أكثر انسجاماً مع تطوّر المرحلة واستقرار الكيان السياسي أو الأوضاع الاجتماعية (15).
ومن هنا فلا يمكن أن يُفهم القرآن الكريم بشكلٍ صحيحٍ دون الإحاطة الكاملة بكلِّ هذه الأبعاد والجوانب (العام والخاص) و (الناسخ والمنسوخ)...
وفي جانبٍ آخر اقتضت الحكمة الإلهيّة في نزول القرآن الكريم أن يكون مشتمِلاً على الآيات (المُحْكَمة) التي هي أمّ الكتاب والأُخرى (المُتشابِهة) التي لا بُدّ من إرجاعها إلى الآيات المُحْكَمة لفهمها والاستفادة منها (16) حيث تعتمد عملية تقريب الصورة للمعاني القرآنية وإحاطتها بالإبعاد المتعدّدة للمعنى على هذه الآيات المتشابِهة ، إضافةً إلى أنّ طبيعة المداليل اللّفظية تقبل الاحتمالات المتعدّدة ـ كما سوف نشير إليه في بحثٍ قريبٍ ـ الأمر الذي يفرض التشابه في الكلام ومن ثمَّ يمكن تحديد الصورة وفهمها بشكلٍ كاملٍ من خلال الرجوع إلى المُحْكَمات أو المقارنة بين المُتشابِهات المتعدّدة.
وعلى هذا الأساس كان يوجّه أهلُ البيت الانتقاد إلى أُولئك المفسّرين الذين كانوا يمارسون عمليّة التفسير دون هذه الإحاطة.
ففي روايةٍ رواها البرقي في المحاسن عن أبي الوليد البحراني ثمّ البحري ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنّ رجلاً قال له : أأنت الذي تقول ليس شيءٌ من كتاب الله إلاّ معروف؟
قال : ( ليس هكذا قلت. إنّما قلت : ليس شيءٌ من كتاب الله إلاّ عليه دليلٌ ناطقٌ عن الله في كتابه ممّا لا يعلمه الناس... إلى أن قال : إنّ للقرآن ظاهراً وباطناً ومعانياً وناسخاً ومنسوخاً ومُحْكَماً ومُتشابِهاً وسنناً وأمثالاً وفصلاً ووصلاً وأحرفاً وتصريفاً ، فمن زعم أنّ الكتاب مبهمٌ فقد هلك وأهلك...) (17).
الثاني : الإحاطة بظروف النص القرآني
الإحاطة الكاملة بجميع ظروف النص القرآني سواء على مستوى الأحداث والوقائع التي اقترن بها نزول النص القرآني وما يُسمّى بـ (أسباب النزول) ، أو على مستوى العادات والتقاليد التي كان يعيشها المجتمع الجاهلي ، خصوصاً في مكّة والمدينة ، أو على مستوى الأوضاع السياسية والأخلاقية التي كان يعيشها المسلمون أنفسهم.
إذ من الواضح أنّ القرآن الكريم ، في الوقت الذي يمثّل الكتاب الإلهي الذي جاء لتبيان رسالة الأُمّة الخاتمة ، كذلك يمثّل الكتاب الذي استهدف تغيير الأُمّة التي نزل في أوساطها من الأُمّيّين وأبناء أُمّ القرى بشكلٍ مباشرٍ من أجل أن يخلق قاعدةً قويّةً ثابتةً قادرةً على تحمّل أعباء الرسالة ومسؤوليّة إبلاغها وإيصالها إلى الأمم والناس جميعاً (18).
ولذلك نجد القرآن الكريم راعى الظروف والأوضاع السياسية والاجتماعية والنفسيّة والعادات والتقاليد التي كان يعيشها المجتمع الجاهلي ، ولم يأت مجرداً عن كلِّ هذه الظروف؛ فهي بطبيعة الحال تُلقي بظلّها على فهم القرآن الكريم ومقاصده.
وفهمها ومعرفتها له دورٌ كبيرٌ في فهم القرآن وتفسيره.
إضافةً إلى أنّ فرز وتمييز المعاني أو الجوانب المرتبطة بالأحداث ، خصوصاً عن غيرها من المفاهيم ذات الطبيعة الشمولية ، تحتاج إلى هذه الإحاطة والاستيعاب الكامل لكلِّ هذه الظروف ، وهذا ما يؤكِّده أهل البيت (عليهم السلام) في بعض الروايات من خلال بيان معرفتهم بزمان نزول الآيات ومَن نزلت فيه و... (19) ، فإنّ هذا التأكيد لا يُراد منه مجرّد بيان سعة علمهم بالأحداث ، وإنّما لبيان ارتباط ذلك بفهم القرآن وتفسيره.
الثالث : الاعتماد على السنّة الصحيحة في التفسير
الأخذ المباشر في التفسير عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والاعتماد على السنّة النبويّة ، وتعليم رسول الله القواعد والضوابط التي يمكن من خلالها تفسير القرآن وفهمه ومعرفة مقاصده وأغراضه ، كل تلك الأُمور شدّد أهل البيت (عليهم السلام) على الالتزام بها في أحاديثهم انطلاقاً من نقطتين رئيستين :
الأولى :
ما أشرنا إليه من تعليم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام) تفسير القرآن بشكلٍ كاملٍ.
إضافةً إلى النصوص السابقة التي أشرنا إليها ، نجد بعض النصوص تؤكّد هذا المعنى بشكلٍ خاص.
الثانية :
إنّ القرآن الكريم والسنّة النبويّة قد استوعبا كلَّ القضايا التي يحتاجها الإنسان في حياته ؛ لأنّهما يمثِّلان الرسالة الخاتمة للبشريّة ، ولا بُدّ لهما من هذا الاستيعاب ، ولذلك فلا بُدّ من الرجوع إليهما في كلِّ هذه القضايا ، وعدم جواز الأخذ بالرأي والقياس والاجتهاد والظنون.
غاية الأمر أنّ الناس العاديين ليس لهم القدرة على فهم القرآن والسنّة ، بالشكل الذي يستوعب كلّ هذه القضايا ، أو لم يتلقوا من الرسول (صلّى الله عليه وآله) كلّ هذه الأُمور كما ذكرنا في النقطة الأُولى.
ومن هنا نجد أهل البيت (عليهم السلام) يؤكّدون هذه الشمولية والاستيعاب للقرآن الكريم والسنّة النبويّة ، ويرفضون أيّ طريقٍ آخر للوصول إلى الأحكام الشرعية ، ولا يسمحون حتّى لأصحابهم أن يسلكوا الطُرُق الاجتهادية : كالقياس من دون فرقٍ في ذلك بين الاستناد إلى الأحاديث العامّة أو الأحاديث الخاصّة التي عرفوها عن أئمّتهم.
فقد روى الكليني بسندٍ صحيحٍ عن أبي عبد الله (الصادق) ـ عليه السلام ـ قال :
(إنّ الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كلِّ شيءٍ حتّى ـ والله ـ ما ترك شيئاً يحتاج إليه العباد ، حتّى لا يستطيع عبدٌ أن يقول : لو كان هذا أُنزل في القرآن؟ إلاّ وقد أنزله الله فيه) (20).
وفي حديثٍ آخر مُعْتَبرٍ عن أبي عبد الله قال : سمعته يقول : (ما من شيءٍ إلاّ وفيه كتابٌ وسنّة) (21).
ويتحدّث أهل البيت (عليهم السلام) عن وجود صحيفةٍ جامعةٍ عند عليٍّ (عليه السلام) تشتمل على تفاصيل الشريعة وقواعدها وأُصولها :
روى الكليني بسنده عن أبي شيبة ، قال : (سمعت أبا عبد الله (الصادق) ـ عليه السلام ـ يقول :
(ضلّ علمُ (ابن شبرمة) ، عندنا (الجامعة) إملاء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وخطّ عليٍّ (عليه السلام) بيده : إنّ (الجامعة) لم تدع لأحدٍ كلاماً ، فيها علم الحلال والحرام ، إنّ أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس فلم يزدادوا من الحقِّ إلاّ بعداً ، إن دين الله لا يُصاب بالقياس)) (22).
ويؤكّد أهل البيت (عليهم السلام) أنّ حلال محمّدٍ حلالٌ إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، فلا بُدّ أن يكون كلّ ذلك مذكوراً ومعروفاً من قٍبَل رسول الله :
روى الكليني بسندٍ مُعْتَبرٍ عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله (الصادق) ـ عليه السلام ـ عن الحلال والحرام ، فقال :
(حلال محمّدٍ حلالٌ أبداً إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة ، لا يكون غيره ولا يجيء غيره ، وقال : قال عليٌّ (عليه السلام) : ما أحدٌ ابتدع بدعةً إلاّ ترك بها سنّة)) (23).
الرابع : القرآن تحدّث عن كلِّ عصرٍ وزمان
إنّ القرآن الكريم حيٌّ لا يموت ، تجري أحكامه وأمثاله ومفاهيمه في جميع الأزمان والعصور؛ فهو وإن كان قد نزل في عصرٍ معيّنٍ ، وعالج قضايا وأحداثاً خاصّةً ، وتحدّث عن أشخاصٍ معيّنين ماضين أو معاصرين في القصص ، أو أحداث نزول الرسالة وتطوّرها ممّا يرتبط بأسباب النزول ، وبنى قاعدةً بشريّةً قويّةً من خلال هذه المعالجة تحمّلت أعباء الرسالة الإسلامية ـ كما أشرنا سابقاً ـ إلاّ أنّ القرآن ـ مع ذلك كلِّه ـ هو الكتاب الإلهي للرسالة الخاتمة ، والمعجزة الخالدة للإسلام ونبيه الكريم ، يتحدّث إلى جميع الناس في مختلف العصور والأزمان.
وفي هذا المجال توجد نظرةٌ شموليّةٌ يتميّز بها أهل البيت (عليهم السلام) ، فإنّه بالرّغم من أنّ أكثر علماء الإسلام ذهبوا إلى مبدأ : (إنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السبب) ومن ثمَّ فهم يرون أنّ خصوص السبب لا يتقيّد بخصوص الأحداث والوقائع التي تحدّث عنها أو نزل فيها؛ لأنّ جميع هذه القضايا إنّما جاء بها القرآن الكريم للعِبرة والهداية والموعظة ، كما دلّت على ذلك الآيات الكريمة :
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف : 111].
{هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران : 138].
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا } [الإسراء : 89].
حيث نلاحظ أنّ القرآن الكريم ضرب الأمثال وتحدّث عن الأحداث والوقائع بروح التربية والتزكية والهداية؛ فكما أنّ هذا المثل له مصاديقه في عصر النزول ، فهو له مصاديق (يؤول) إليها في العصور الأُخرى.
وكما أنّ قصّة نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ، تمثّل حقائق عاصرها الأنبياء ، ولم يذكرها القرآن الكريم لمجرّد التسلية أو تسجيل حوادث التاريخ وتوثيقها؛ بل لأنّها تمثّل أيضاً حقائق وقعت في عصر نزول القرآن ، فكذلك هي ـ في نظر أهل البيت (عليهم السلام) ـ تمثّل حقائق متشابِهة ومطابقة لها في العصور والأزمنة الأُخرى التي تلت عصر الرسالة الإسلامية ، وفي كلِّ عصرٍ وزمان.
وهكذا الحال في الأحكام الشرعية والأخلاق الإسلامية والسُّنن التاريخية والحقائق الكونيّة كلّها تتحدّث عن مصاديق ونظائر ومفردات وتطبيقات لعصر الرسالة ، بل ولكلِّ عصرٍ وزمان.
ونحن هنا لا نريد أن نفصّل في الاستدلال على صحّة هذه (الرؤية) فإنّ لذلك مجالاً آخر ، وإنّما نريد هنا أن نذكر الجانب (التصوّري) لهذه (النظرية) من خلال ما ذكره أهل البيت (عليهم السلام).
ولعلّ هذا المَعْلَم يمثِّل أحد أهمّ المعالم التي تتميّز بها (رؤية) أهل البيت لتفسير القرآن الكريم بشكلٍ واضحٍ وأساسي عن بقيّة النظريات في المذاهب الإسلامية.
نظريّة أهل البيت (عليهم السلام) في فهم القرآن الكريم
لقد تناول هذا الموضوع عددٌ كبيرٌ من الروايات التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) ، كما ورد بعضها عن النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وذُكرت في كتب علماء أهل السنّة ، الأمر الذي يؤكِّد أهميّة الموضوع ودقته.
كما أنّنا نلاحظ أيضاً في هذه الروايات أنّها متفاوتةٌ في مضامينها ، بحيث قد تبدو أحياناً وكأنّها متناقضةٌ أو متضاربة أو مختلفة ، وفي نفس الوقت اختلفت آراء العلماء في تفسيرها والأخذ منها حتّى تباينت واضطربت.
وقد تركَّز البحث فيها حول موضوعين رئيسين :
أحدهما : بحث (المُحْكَم والمُتشابِه) والتفسير والتأويل الذي دار حول الآية السابعة من سورة آل عمران ، وهي قوله تعالى :
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران : 7].
والآخر : بحث (التفسير بالرأي) الذي ورد النهي عنه في أحاديث مسلّمة عند المسلمين ، وجاء فيها الوصف بالكفر لمن صنع ذلك في القرآن الكريم؛ حيث وقع الخلاف في تحديد معنى (الرأي) هذا.
ولعلّ من أفضل الأبحاث استيعاباً وتحليلاً واختصاراً وفائدةً ، هو ما ذكره العلاّمة الطباطبائي (قُدِّس سرّه) في كتابه : (الميزان في تفسير القرآن) والذي استنبط فيه النظرية القرآنية التي تبنّاها أهل البيت (عليهم السلام) في هذا المجال ، واستند فيها إلى الآيات الشريفة والسنّة النبويّة المرويّة عن النبي وأهل بيته الكرام (24).
ومن أجل أن تتّضح صورة هذا المَعْلَم من التفسير ، نُشير إلى مجموعةٍ من الروايات والنصوص التي تدلّ أو تُشير إلى وجود مستويين من تفسير القرآن والأخذ منه :
الأوّل :
تفسير القرآن على مستوى الظاهر أو المُحْكَم أو التنزيل... حسب ما ورد في التعبير عنه في هذه النصوص.
الثاني :
التفسير على مستوى الباطن أو المُتشابِه أو التأويل...
حيث يبدو من هذه النصوص وغيرها أنّ المستوى الأوّل من التفسير يمكن تناوله لعامّة الناس ، بعد الإحاطة الكاملة بالقرآن الكريم ومفاهيمه وآياته.
وأمّا المستوى الآخر من التفسير فهو ممّا اختصّ به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام.
وهذا المستوى (الكامل) يمكن أن نراه في أحد الخطوط التالية التي أشارت إليها الروايات والأحاديث من هذه الطائفة :
أ ـ المعلومات القرآنية التي تجري مجرى المعلومات الغيبية في مستقبل الأحداث التي تمرّ بالإنسان والحياة ، والتي يمكن استنباطها من القرآن الكريم.
ب ـ المعلومات المرتبطة بتفاصيل الشريعة الإسلامية ذات العلاقة بالموضوعات الشرعيّة التي تناولها القرآن الكريم ، أو التي لها علاقة بالأُمور المستجدّة والمستحدثة في الحياة الإسلامية ، والتي تعلّمها الإمام علي (عليه السلام) وأولاده الأئمّة المعصومون من رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
ج ـ التطبيق الدقيق للمفاهيم والسّنن والأحداث التي أشار إليها القرآن الكريم والتشخيص الكامل للمصاديق والمفردات الخارجية لها ، والتي (تؤول) إليها الأوضاع الاجتماعية والسياسية في حركة المجتمع الإسلامي في مختلف العصور والأزمنة.
د ـ التمثيل والتشبيه للمضامين القرآنية والأمثال والمفردات التي وردت في القرآن الكريم ، نظير الأمثلة التي ضربها القرآن الكريم مفهوميّاً ، أو من خلال الإشارة لأحداث سابقةٍ بشكلٍ ينطبق على أحداث الرسالة ، حيث قام الأئمّة ـ أيضاً ـ بضرب هذه الأمثلة من خلال النصوص القرآنية وتطبيقها على أحداث كانت في عصر الرسالة أو بعدها ، فإنّ علم هذا النوع من التفسير مختصٌّ بالنبي والأئمّة من أهل بيته (عليهم الصلاة والسلام).
وهنا نشير إلى مجموعةٍ من الروايات ذات العلاقة بهذه الطائفة من الأخبار :
1 ـ روى محمّد بن الحسن الصفّار في بصائر الدرجات بسندٍ مُعْتَبرٍ عن فضيل بن يسار ، قال : سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الرواية : ما من القرآن آية إلاّ ولها ظهر وبطن ، قال :
(ظهره وبطنه تأويله ، ومنه ما قد مضى ومنه ما لم يكن ، يجري كما تجري الشمس والقمر كلّما جاء تأويل شيءٍ يكون على الأموات كما يكون على الأحياء ، قال الله : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } [آل عمران : 7] نحن نعلمه) (25).
2 ـ روى الصفّار أيضاً في بصائر الدرجات بسندٍ مُعْتَبرٍ (26) عن إسحاق بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول :
(إنّ للقرآن تأويلاً ، فمنه ما قد جاء ، ومنه ما لم يجئ ، فإذا وقع التأويل في زمان إمامٍ من الأئمّة عرفه إمام ذلك الزمان) (27).
3 ـ عن جميل بن درّاج ، عن زرارة ، عن أبي جعفرٍ (عليه السلام) قال :
(تفسير القرآن على سبعة أوجه ، منه ما كان ، ومنه ما لم يكن بعد ، تعرفه الأئمّة ـ عليهم السلام ـ ) (28).
4 ـ روى الصدوق في معاني الأخبار بسنده عن حمران بن أعين قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ظهر القرآن وبطنه ، فقال :
(ظهره الذين نزل فيهم القرآن ، وبطنه الذين عملوا بأعمالهم ، يجري فيهم ما نزل في أُولئك) (29).
ملاحظات واستنتاجات عامّة
وفي ختام هذا الحديث يحسن بنا أن نسجِّل بعض الملاحظات العامّة والاستنتاجات حول مجموع ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) بشأن تفسير القرآن :
الملاحظة الأُولى : توثيق الروايات سنداً ومضموناً
إن هذه الروايات التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) تحتاج إلى بحثٍ علميٍّ دقيق ، طبقاً للضوابط والأُصول المحقّقه في علم الحديث.
ذلك أنّ حديث أهل البيت ، قد تعرّض إلى مجموعةٍ من المشاكل الأساسيّة والمهمّة التي ألقت بثقلها على هذه الروايات ، باعتبار أهميّة القرآن الكريم من ناحية ، والارتباط الوثيق بينه وبين أهل البيت من ناحيةٍ ثانية ، وتعرّض القرآن إلى التفسير بالرأي؛ لتحقيق أغراض سياسيّةٍ أو ذاتيّة ، أو لمجرّد ضعف التقوى والإيمان والتساهل في الدين ، أو لأيّ سببٍ آخر من الأسباب التي أشرنا إليها سابقاً من ناحيةٍ ثالثة.
ثمّ تصدّى أهلُ البيت باعتبار شعورهم بالمسؤوليّة تجاه الإسلام والأُمّة الإسلامية لكلِّ هذه القضايا ، وما تعرّضت له الأُمّة الإسلامية من مشكلاتٍ ثقافيةٍ أو عقائديةٍ أو سياسية.
ويمكن أن نلخِّص أهمَّ هذه المشكلات التي تعرّض لها حديث أهل البيت (عليهم السلام) بالأُمور التالية :
1 ـ الدسّ والوضع والتزوير في حديثهم ، حيث تعرّض حديثهم لذلك في زمن الأئمّة فضلاً عن العصور المتأخّرة عنهم.
ويمكن أن نلاحظ هذه الظاهرة بوضوحٍ من خلال مراجعة ترجمة بعض الأشخاص في كتب الرجال ، ولعلّ من أطرف الروايات في هذا المجال ما رواه الكشي عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، قال ابن عبيد :
(إنّ بعض أصحابنا سأل يونس بن عبد الرحمن وأنا حاضر ، فقال له يا أبا محمّد ما أشدّك في الحديث ، وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا ، فما الذي يحملك على ردّ الأحاديث؟! فقال : حدّثني هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد الله (الصادق) ـ عليه السلام ـ يقول :
(لا تقبلوا علينا حديثاً إلاّ ما وافق القرآن والسنّة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة ، فإنّ المغيرة بن سعيد ـ لعنه الله ـ دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي ، فاتقوا الله ولا تقولوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالى وسنّة نبيّنا محمّد ـ صلّى الله عليه وآله) فإنّا إذا حدّثنا قلنا : قال الله عزّ وجلّ وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (30).
(قال يونس : وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفرٍ (الباقر) ـ عليه السلام ـ ووجدت أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) متوافرين ، فسمعت منهم وأخذت كتبهم ، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله (عليه السلام) ، وقال لي :
(إنّ أبا الخطّاب كذب على أبي عبد الله (عليه السلام) ، لعن الله أبا الخطّاب ، وكذلك أصحاب أبي الخطّاب ، يدسّون في هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أبي عبد الله (عليه السلام) ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ، فإنّا إن تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنّة...)) (31).
2 ـ الغلو والتطرّف في حب أهل البيت (عليهم السلام) والاعتقاد بهم؛ حيث كان لهذه الحركة السياسية والعقائدية أسبابها وظروفها المختلفة السياسية والاجتماعية والنفسيّة والثقافية ، وانعكست على الأخبار في فهمها أو تزويرها وتحريفها.
وكتب رجال الحديث فيها عدداً من تراجم من كان يُرمى بالغلو ، أو ممّن طردهم أئمّة أهل البيت من حوزتهم ومصاحبتهم وأعلنوا البراءة منهم.
3 ـ الانحرافات والانشقاقات التي كانت تحصل في جماعة أتباع أهل البيت ، بسبب الظروف السياسية أو الأخلاقية والاجتماعية ، كما حصل في ظهور الزيديّة والإسماعيليّة والواقفيّة وغيرهم ، حيث استمرت هذه الظاهرة إلى زمن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وبعده.
4 ـ ظروف الاضطهاد والمطاردة والسريّة في العمل والحركة ، الأمر الذي كان سبباً مهمّاً لاختفاء البيانات الواقعيّة أو للدس والتزوير تحت شعار (التقيّة) (32) حيث استغلّ أعداء أهل البيت أو الفاسدون من الأشخاص الذين يتظاهرون بالارتباط بهم هذه الظروف؛ لتمرير الكثير من الأحاديث أو تشويهها وتزويرها.
5 ـ التعصّب والنصب والعداء وعملات كتمان الحقائق أو التشويه وإلصاق التهم الباطلة ونشر الإشاعات ، حيث كان كل ذلك سبباً لنشر الكثير من الأحاديث ووضعها وتضليل البسطاء من المسلمين بها ، وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ هذا العداء والتعصّب كان سبباً لكتمان الكثير من أسباب النزول المرتبطة بأهل البيت (عليهم السلام).
6 ـ عدم الدقّة في النقل ، أو سوء الفهم في التلقّي والأخذ عن الأئمّة ، ولذلك نجدهم (عليهم السلام) يؤكّدون الضبط وأهمّيّته من ناحية ، وأنّ في أحاديثهم المُحْكَم والمُتشابِه من ناحيةٍ أُخرى ، كما سوف نوضِّح ذلك.
7 ـ الجمود على نصوص الألفاظ وفصل بعضها عن بعض.
8 ـ ضياع الكثير من القرائن الحاليّة والمقاليّة التي كانت تقترن بالروايات والأحاديث وتوضّح المقصود منها (33).
إنّ هذه الطوائف والأخبار يجب أن تخضع للبحث والتمحيص والغربلة العلميّة سواء على مستوى السند أم المضمون والدراية ، وكذلك إلى المقارنة بين بعضها وبعضها الآخر لمعرفة المُحْكَم من المتشابِه منها ، والعام من الخاص ، والمطلق من المقيّد ، والراجح من المرجوح ، إلى غير ذلك من الموازين العلميّة.
وهنا لا بُدّ أن نشير إلى أنّه لا يوجد في (مدرسة أهل البيت) (عليهم السلام) (حديث) لا يقبل الدرس والمناقشة والتمحيص إلاّ النادر من الأحاديث المتواترة ، ولذلك فهم يخضعون كلّ هذه الأحاديث وغيرها مهما كانت الكتب التي دوّنتها ، أو الرجال الذين رووها إلى الدرس والتمحيص.
نعم يوجد اتجاهٌ بين العلماء من الإخباريين من يحاول أن يضفي صفة الاعتبار والصحّة على جميع ما في الكتب الأربعة المعروفة ، وهي الكافي للشيخ الكليني ، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ، والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي ، ولكن الاتجاه العام والسائد عند علماء مدرسة أهل البيت لا يقبل مثل ذلك (34).
ومن هذا المنطلق نجد سيّدنا الأستاذ الشهيد الصدر (قُدِّس سرّه) يرفض الأخبار التي تقول بأنّ فهم القرآن مختصٌّ بأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بعد أن يسلم دلالتها؛ لأنّها مخالفةٌ للقرآن الكريم والسنّة النبويّة القطعيّة؛ ولأنّ رواتها ضعفاء متّهمون بالغلو (35).
ولكنّ العلاّمة الطباطبائي ـ كما عرفنا ـ يحاول أن يؤوّل هذه الأخبار ، بأنّها بصدد بيان أنّ (الأئمّة) لهم دور التعليم والدلالة إلى طريق التفسير ، لا أنّ القرآن لا يفهمه إلاّ الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام). ولكنّنا يمكن أن نحمل هذه الروايات على أنّهم (عليهم السلام) مختصّون بمستوىً خاصٍّ من التفسير.
الملاحظة الثانية : التفسير مفهومٌ واسع
إنّ التفسير في نظر أهل البيت له مفهومٌ واسعٌ يشمل فهم الظهور القرآني ، كما يشمل معرفة المصاديق والأمثلة والتفاصيل المرتبطة بالقرآن الكريم ، سواء كانت في قصص الأنبياء أم الأمثال المضروبة أم الأحكام التفصيليّة للشريعة ، أم الأحداث التي اقترنت بنزول القرآن الكريم ، أم التطبيقات التي يمكن أن تتحقّق في مستقبل الأيّام ، كما أوضحنا ذلك قبل الحديث عن الملاحظات.
وهذا الفهم للتفسير يعتمد على عدّة منطلقات ـ أشرنا إليها سابقاً ـ مثل تعرّض القرآن وبيانه لكلِّ شيء (36) ، وكذلك ثبوت تفسير النبي (صلّى الله عليه وآله) للقرآن الكريم بهذا الشكل الواسع وتعليمه للإمام علي (عليه السلام) بشكلٍ خاص (37) ، أو ارتباط بقاء القرآن الكريم حيّاً ونوراً هادياً على مرّ العصور والأجيال بهذا الفهم الواسع للتفسير (38).
وهذا الفهم لشموليّة التفسير لا ينافي ـ أيضاً ـ ما عرفناه في بعض الأخبار والنصوص من هداية القرآن ، وأنّه مبيّن وبيان وهداية ورحمة ، وقد حثّ أئمّةُ أهل البيت على الأخذ به والرجوع إليه والعرض عليه ، فإنّ ذلك لا شكّ أمرٌ قائم وموجود في القرآن ، حيث يمكن للناس في كلّ عصرٍ وزمانٍ أن يفهموا ظاهره ومحكمه ، ويتعرّفوا على مصاديقه بالمقدار الذي آتاهم الله من العلم والفهم وما اكتسبوه من التعلّم واتّصفوا به من الطهارة ، ولا يجب أن يعرف كلّ واحدٍ من الناس جميع الأبعاد والوجوه الأُخرى.
خصوصاً إذا عرفنا أنّه لا يوجد أيّ منافاةٍ بين الظاهر والباطن أو المُحْكَم والمتشابِه ، أو التنزيل والتأويل ، بل كلّ واحدٍ من الظاهر والمُحْكَم والتنزيل يدل على الباطن والمتشابه والتأويل بنحوٍ من الدلالة ، غاية الأمر أنّ بعض هذه الدلالة لا يعلمها إلاّ الله تعالى والراسخون في العلم بعد أن علّمهم الله تعالى إيّاها ، أو بما وفّقهم إليه من الطهارة والنقاوة والمعرفة.
وشأن ذلك شأن الحوادث المستجدّة أو المكتشفات العلميّة الحديثة أو الموضوعات الشرعيّة الجديدة الحادثة التي يمكن أن نفهم مضمونها والإشارة إليها أو إلى حكمها من القرآن الكريم مع أنّها لم تكن معلومةً سابقاً ، وكانت بالنسبة لإنسان عصر النزول من عوالم الغيب وعرفها اللاّحقون فكانت من عالم الشهود ، فمعرفة كلّ ذلك يمثّل تفسيراً للقرآن الكريم كان يعلمه أهل البيت (عليهم السلام).
أو شأن ذلك شأن تأويل الأحاديث الذي أشار إليه القرآن الكريم في قصّة يوسف (عليه السلام) ، حيث أمكن ليوسف أن يفهم من الرؤيا التي رآها الملك هذا المعنى الخاص الذي يمثّل باطناً للصورة الظاهرية التي انعكست في ذهنه عند الرؤيا ، فالبقرات العجاف والسنابل اليابسة هي سنين القحط ، والبقرات السمان والسنابل الخضراء هي سنين الرخاء ، وكذلك الرؤيا التي رآها السجينان في السجن ومداليلها الباطنية.
الملاحظة الثالثة : التأويل في نظر القرآن وأهل البيت (عليهم السلام)
إنّ أهل البيت (عليهم السلام) ركّزوا بشكلٍ واضحٍ في هذه الروايات ـ على اختلافها ـ على قضيّة التأويل والظاهر والباطن ، وهذا الموضوع ممّا أجمع المسلمون على صحّته ونسبته للقرآن الكريم وإن اختلفوا في تحديد مفهومه.
ومن أجل أن تتّضح الفكرة الأساسية في نظريّة أهل البيت بشكلٍ أفضل ، بحيث تنسجم مع ما ورد في القرآن الكريم من نصوص من ناحية ، ومع المضمون الإجمالي للروايات السابقة من ناحيةٍ أُخرى ، يحسن بنا أن نقف عند كلمة (التأويل) بعض الشيء ، ويمكن من خلالها أن نفهم الباطن والمتشابِه أيضاً إضافةً إلى التوضيحات التي قدّمها العلاّمة الطباطبائي في بحثه السابق (39).
لقد اختلف علماء الإسلام والقرآن بشكلٍ خاص ، حول تحديد المقصود من كلمة التأويل ، خصوصاً المعنى المصطلح لها ، ونحن هنا لا نريد أن نعالج الجانب الاصطلاحي ولا حتّى الجانب اللُّغوي المفهومي لها ، إذ يمكن معرفة ذلك من خلال بحثنا السابق في التفسير والتأويل.
وإنّما نريد أن نعالج هنا مدلول الكلمة قرآنيّاً على مستوى (تفسير المعنى) وتشخيص المصداق ، من خلال مراجعة الآيات الشريفة التي وردت في القرآن الكريم وسياقها.
وفي هذا المجال يمكن أن نرى أمامنا إرادة المصاديق التالية من القرآن الكريم :
1 ـ في سورة يوسف الآيات (6 و 21 و 36 و 37 و 44 و 45 و 100 و 101) حيث يبدو منها أنّها وردت في بيان تفسير وتأويل الأحلام والرؤى في المنام ، بمعنى بيان مصاديقها وتجسيداتها الخارجية.
2 ـ في سورة الكهف الآيتان (78 و 82) حيث يُراد بالتأويل منهما بيان سلامة وصحّة سلوك (العبد الذي آتاه الله من لدنه علماً) وانسجامه مع الحق والعدل والمصلحة ، مع أنّه كان يبدو بحسب الظاهر الذي كان يراه موسى (عليه السلام) (40) أنّه غير منسجمٍ مع الشرع والمصلحة العقلائية ، ولذا أثار استغرابه وتعجّبه وتساؤله.
3 ـ في سورة يونس الآية (39) جاء التأويل فيها بمعنى تحقّق ما ذكره القرآن الكريم من تصديق الرسالات السابقة وتفاصيل الشريعة والرسالة ، وما يمكن أن يتحقّق في مسيراتها بعد ذلك من أحداث.
4 ـ في سورة الأعراف الآية (53) جاء التأويل فيها بمعنى تحقّق ما أخبر به الكتاب أو القرآن الكريم بما يقع يوم القيامة من العذاب والثواب ومصائر الناس ، حيث يصدّق الإنسان ما جاءت به الرسل عن الله تعالى من حقائق هذا اليوم.
5 ـ في سورة آل عمران الآية (7) جاء التأويل فيها بمعنى الأخذ بالمتشابِه بتطبيقه على أحد مصاديقه التي تؤدّي إلى الفتنة والزيغ ، بدون الرجوع إلى المُحْكَم من القرآن لتشخيص المصداق الصحيح.
6 ـ في سورة النساء الآية (59) جاء التأويل فيها بمعنى بيان الموضوع أو تشخيص نوع الحكم الشرعي عند الاختلاف فيه.
7 ـ في سورة الإسراء الآية (35) جاء التأويل فيها بمعنى الالتزام بالضوابط والموازين في تشخيص الحقائق ومعرفة المقادير.
وإذا أردنا أن نجمع بين مصاديق هذه الموارد ، نرى بوضوحٍ أنّ التأويل هو بيان الحقيقة والواقع الذي يغيب عن نظر الإنسان عادةً ، كالأُمور الغيبية أو الدقيقة التي قد يحصل الاختلاف فيها ، وإن كان هناك ما يدل عليها ويومئ إليها مثل الرؤى والصور في المنام ، أو الإخبارات الغيبيّة بواسطة الوحي الإلهي ، أو الأفعال الصادرة عن أهل العلم والحكمة والدين ، أو الموازين والضوابط الشرعيّة ، كالرجوع إلى مصدر الشريعة والمرجع فيها ، أو الموازين العقلائية كاستخدام الكيل أو الوزن لمعرفة المقادير.
ويؤكّد هذا الفهم لمعنى التأويل الأحاديث الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) ، حيث تشير أيضاً إلى أنّ التأويل في الغالب هو تطبيق مفاهيم القرآن على المصاديق المستقبلية ، كما يفهم ذلك من رواية الفضيل بن يسار المعتبرة ، ورواية المرزبان عن إسحاق بن عمار المعتبرة أيضاً ، ورواية زرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) والتي مرت الإشارة إليها.
أو يكون التأويل هو اتّباع الضوابط في تشخيص موارد الاختلاف والوجوه المتعدّدة ، مثل : رواية العيّاشي عن عبد الرحمن السلمي : (أنّ عليّاً مرّ على قاضٍ فقال له : (أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال : لا. قال : هلكت وأهلكت ، تأويل كلّ حرفٍ من القرآن على وجوه)) (41).
أو رواية النعماني في تفسيره عن إسماعيل بن جابر في قول الصادق (عليه السلام) :
(ذلك بأنّهم ضربوا القرآن بعضه ببعض ، واحتجّوا بالمنسوخ وهم يظنون أنّه الناسخ ، واحتجّوا بالخاص وهم يقدرون أنّه العام ، واحتجّوا بأوّل الآية وتركوا السنّة في تأويلها ، ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام وإلى ما يختمه...) (42).
وكذلك حديث أبي داود عن أنس بن مالك ، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) :
(يا علي أنت تعلّم الناس تأويل القرآن ممّا لا يعلمون؛ فقال علي : على ما أُبلغ رسالتك من بعدك يا رسول الله؟ قال : تخبر الناس بما يشكل عليهم من تأويل القرآن) (43).
إذاً فالتأويل عمليّة تطبيق وتشخيص تنسجم مع الظاهر والتنزيل والمحكم ، وتعتمد على المعلومات والقواعد والضوابط العامّة أو الخاصّة التي يتلقّاها الإنسان الصالح من الله تعالى ، كما في قوله تعالى :
{... وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } [الكهف : 82].
وكذلك قوله تعالى في أوّل سورة يوسف :
{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ...} [يوسف : 6].
وقوله تعالى في وسطها :
{قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ...} [يوسف : 37].
وقوله تعالى في آخرها :
{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...} [يوسف : 101].
أو تعتمد على الضوابط والقوانين والقواعد اللُّغوية أو القرائن الحاليّة والمقاليّة أو المعلومات العلميّة أو الحسيّة أو الشرعيّة أو الطبيعة أو غير ذلك من قوانين العلم والتوثيق.
الملاحظة الرابعة : اختصاص أهل البيت (عليهم السلام) بهذا العلم
انّ أهل البيت (عليهم السلام) وهم رسول الله محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة الاثنا عشر (عليهم السلام) والصديقة الزهراء (عليها السلام) يختصّون من بين المسلمين بامتيازاتٍ كثيرة ، أحدها هي أنّهم يعلمون تنزيل القرآن وتأويله وظاهره وباطنه ومُحْكَمه ومُتشابِهه.
ومع غض النظر عن مصدر هذا العلم (44) فإنّه لا بُدّ أن نشير في هذا المجال إلى عدّة نقاط :
الأُولى :
إنّ المراد من اختصاصهم بهذا العلم كما هو مقتضى الجمع بين هذه الروايات هو اختصاص العلم بـ (جميع) تفسير القرآن و (كل) القرآن بهذا المعنى الواسع الذي أشرنا إليه ، لا أنّ القرآن لا يفهمه غير أهل البيت (عليهم السلام) ، ولذا جاء التعبير بهذا الاختصاص مقروناً ـ أحياناً ـ بكلمة (كل) و (جميع) (45) ، وجاء هذا التعبير مقروناً ـ أحياناً أُخرى ـ ببيان تفصيل أبعاد هذا العلم (46).
وهذا المعنى لا ينافي ـ كما ذكرنا ـ أن يكون القرآن هادياً للبشريّة ولجميع الناس؛ حيث يمكن للناس أن يفهموا القرآن ويرجعوا إليه فيما يعرفونه من معانيه ، وفق الضوابط والقوانين العلميّة الصحيحة.
الثانية :
إنّ أهل البيت في الكثير من هذه الروايات كانوا يحاولون معالجة الواقع الخطير الذي كان عليه بعض المفسّرين للقرآن ، الذين اعتمدوا على الرأي والظنون دون الرجوع إلى الضوابط العلميّة والسنّة المرويّة والعترة الطاهرة التي جعلها النبي الأكرم مرجعاً للمسلمين والثقل الآخر الذي لا يفترق عن القرآن الكريم.
فأهل البيت أنكروا على بعض المسلمين العدول عن العلم إلى الظن ، وهذا غير جائزٍ بإجماع المسلمين.
الثالثة :
إنّ من الطبيعي أن يكون أهل البيت (عليهم السلام) لهم هذا النوع من الاختصاص إذا أخذنا التفسير بمعناه الواسع الذي أشرنا إليه.
فكما صحّ أن يكون هذا النوع من الاختصاص ليوسف (عليه السلام) وهو من أنبياء بني إسرائيل ، أو يكون لعبدٍ من عباد الله الصالحين آتاه الله العلم والمعرفة ، يمكن أن يكون هذا الأمر للأئمّة الطاهرين وهم ورثة النبي في علمه.
وهذا النوع من المعلومات لا دليل على وجود قواعد وضوابط يمكن من خلالها الاطّلاع عليها وتعلّمها ـ كما يحاول أن يذهب إلى ذلك العلاّمة الطباطبائي ـ بل قد تكون هي من الأُمور الغيبيّة التي يكون علمها عند الله ـ تعالى ـ وهو الذي يلقيها ويعلّمها للأنبياء ، أو لهم وللأوصياء والأولياء الذين يختارهم ـ تعالى ـ ويصطفيهم عندما تقتضي حكمته ذلك ، أو يحجبها عنهم عند اقتضاء الحكمة ذلك.
ولعلّ هذا هو وجه الجمع بين الالتزام بالوقف على قوله تعالى :
{... وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ...} [آل عمران : 7] وبين قوله تعالى : {... لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ..} [الواقعة : 79].
فالراسخون في العلم لا يعلمون التأويل الذي هو من الغيب بل يؤمنون به {...يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا...} [آل عمران : 7] ، ولكنّهم في نفس الوقت يعلمون التأويل بتعليم الله تعالى لهم عندما يكونون من المطهّرين كما أشار إلى ذلك العلاّمة الطباطبائي نفسه.
فأهل البيت (عليهم السلام) يختصّون بعلم (جميع) تفسير القرآن ، وهذا الاختصاص أمرٌ طبيعي بعد أن كان هذا الجانب من العلم من الأُمور الغيبيّة التي علّمهم الله ـ تعالى ـ إيّاها.
كما أنّهم في نفس الوقت يشاركون الناس ، بل أهل المعرفة بالعلم بظواهر القرآن الكريم ، بل هم أحد الضوابط والموازين المهمّة في هذه المعرفة العامّة للناس.
وبهذا يمكن ـ أيضاً ـ أن نجمع بين روايات اختصاص تفسير القرآن بأهل البيت (عليهم السلام) وما ورد من الآيات والروايات التي تدلّ على أنّ القرآن ميسّر الفهم لجميع الناس؛ حيث يكون القرآن ميسّر الفهم طبقاً للضوابط العامّة للُّغة التي يمكن للعلماء أن يعرفوها ، ولكن في الوقت نفسه يكون هناك جانب من الاختصاص يرتبط بتطبيق مفاهيم القرآن على الأُمور الغيبية وتفاصيل الشريعة وغيرها ، كما أشار إلى ذلك العلاّمة الطباطبائي ، فلا نحتاج إلى ردّ هذه الروايات بسبب مخالفتها للقرآن كما قد يُفهم ذلك من الشهيد الصدر في بحوثه الأُصولية التي أشرنا إليها.
____________________
(1) راجع ما ذكره صاحب كتاب جامع أحاديث الشيعة الجزء : 15 ، فإنه ذكر أكثر من سبعمائة حديث تتناول مختلف هذه الأبعاد.
(2) وسائل الشيعة 18 : 78.
(3) المصدر السابق : 79 الحديث 15.
(4) وسائل الشيعة 18 : 86 الحديث 35 و 37.
(5) المصدر السابق 17 : 581 الحديث 3.
(6) المصدر السابق 12 : 353 الحديث 2 و 4.
(7) وسائل الشيعة 18 : 84 الحديث 29.
(8) المصدر السابق : 82 الحديث 21.
(9) تناولنا هذا الموضوع في كتابنا : (دور أهل البيت في الحياة الإسلامية) الذي نأمل منه تعالى أن يوفّقنا لإكماله وطبعه.
(10) وسائل الشيعة 18 : 135 الحديث 19.
(11) وسائل الشيعة 18 : 144 الحديث 45.
(12) المصدر السابق : 9 الحديث 1 ولاحظ أحاديث هذا الباب والتأكيد الذي ورد عن أئمّة أهل البيت بعدم الفتيا أو القضاء بغير علم ، وأهميّة التعلّم ووجوبه.
(13) وسائل الشيعة 18 : 23 حديث 3. راجع أيضاً حديث 5 و 16 و 18 و 33 و 41 و 49 وغيرها من أحاديث الباب 6 من أبواب صفات القاضي ج18.
(14) تحدّثنا عن هذه الظاهرة وأغراضها في أبحاث علوم القرآن.
(15) تحدّثنا عن تفسير النسخ وأهدافه وكذلك الغرض من العموم والخصوص والإطلاق والتقييد في أبحاث علوم القرآن.
(16) ذكرنا السبب في اشتمال القرآن الكريم على الآيات المتشابِهة في بحث : المُحْكَم والمُتشابِه.
(17) وسائل الشيعة 18 : 141 الحديث 39 ، 142 الحديث 40 و 42 ، وص 138 الحديث 31 ، وص 141 الحديث 38.
(18) أوضحنا هذه الفكرة في كتابنا : (الهدف من نزول القرآن الكريم).
(19) راجع النص السابق الذي رواه الكليني عن سليم بن قيس ، في الصفحة 260.
(20) الكافي 1 : 59 الحديث 1.
(21) المصدر السابق ، الحديث 4.
(22) المصدر السابق : 57 ، الحديث 14 وص 238 ، الحديث 1 وص 241 ، الحديث 5 و 6 و 7.
(23) الكافي 1 : 58 الحديث 19 راجع أيضاً الحديث 1 و 2 و 3.
(24) راجع الميزان 3 : 19 ـ 87 لمعرفة تفصيل حديثه.
(25) وسائل الشيعة 18 : 145 الحديث 49.
(26) اعتبار السند؛ لأنّ المرزبان بن عمر روى عنه صفوان بن يحيى فيكون معتمَداً؛ لأنّ صفوان من الثلاثة التي أجمعت الصحابة على تصحيح ما يصح عنهم ، كما ذكر الشيخ الطوسي في العدّة وهم : محمّد بن أبي عمير وأحمد بن محمد بن أبي نصر وصفوان بن يحيى.
(27) وسائل الشيعة 18 : 145 الحديث 47.
(28) المصدر السابق : 145 الحديث 50.
(29) بحار الأنوار 92 : 83 الحديث 14.
(30) بحار الأنوار 2 : 249.
(31) رجال الكشي : 146.
(32) بحثنا موضوع التقيّة في كتابنا : (الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين) وبحث التقيّة في نظر الشيخ المفيد ،
حيث وضع أهل البيت ضوابط لتمييز موارد التقيّة عن غيرها.
(33) للمزيد من الاطّلاع والوضوح راجع بحث سيّدنا الأستاذ الشهيد (قُدِّس سرّه) في بحوث علم الأُصول ، تقريرات آية الله السيّد محمود الهاشمي 7 : 28... وكذلك كتب الرجال مثل كتاب : الخلاصة ، للعلاّمة الحلّي ، قسم الضعفاء.
(34) راجع معجم رجال الحديث للسيّد الخوئي 1 : 22 ـ 36.
(35) بحوث في علم الأُصول 4 : 284.
(36) الأنعام : 38 ، ويوسف : 111 ، والإسراء : 12 ، والنحل : 89 ، وغيرها.
(37) راجع فصل مرجعيّة أهل البيت في هذا البحث.
(38) راجع الروايات التي ذكرناها سابقاً عند التعرّض لنظريّة أهل البيت في التفسير.
(39) راجع الميزان 3 : 80 ـ 87.
(40) لم يصرّح القرآن أنّ موسى هو النبي موسى (عليه السلام) ، ولكنّ المفسّرين يستظهرون ذلك إذ لم يأت في القرآن ذكرٌ لموسى آخر غير النبي ، مع أنّه تحدّث كثيراً عن موسى النبي.
(41) وسائل الشيعة 18 : 149 ، الحديث 65.
(42) المصدر السابق : الحديث 62.
(43) المصدر السابق : 144 ، الحديث 46.
(44) يوجد بحثٌ كلاميٌّ وروائيٌّ في أنّ هذا العلم هل هو من باب التلقّي عن الرسول (صلّى الله عليه وآله)؟ أو من باب الإلهام والإلقاء من الله تعالى؟ أو من باب العلم بالغيب الذي اطلع الله تعالى بعض عباده عليه؟ أو هو من جميع هذه المصادر؟ ولا يهمّنا الآن الدخول في هذا البحث .
(45) الكافي 1 : 228 ، الحديث 1 و 2 وص 229 ، الحديث 5 وص 257 ، الحديث 3.
(46) وسائل الشيعة 18 : 135 ، الحديث 23 وص 136 ، الحديث 25 وص 141 ، الحديث 39.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|