أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-1-2017
1717
التاريخ: 2024-08-23
272
التاريخ: 2023-06-26
1394
التاريخ: 2023-09-10
1226
|
ويمكن الباحث أن يستخلص بعض التفصيلات الجغرافية بالنسبة للجبانة من متون أوراق البردي، وبخاصة من ورقة إضراب العمال، وهو ذلك الإضراب الذي حدث في السنة التاسعة والعشرين من حكم «رعمسيس الثالث «.
وكان العمال وقتئذ قد أظهروا سخطهم لقلة الجرايات التي تُصرف لهم، ويُقال إنهم بسبب ذلك كانوا في مناسبات عديدة قد اخترقوا جدران الجبانة الخمسة، واتجهوا نحو المعابد الجنازية الكبيرة احتجاجًا، فذهبوا إلى معبد «تحتمس الثالث»، وإلى معبد «مرنبتاح»، وإلى معبد «رعمسيس الثاني»، وفي مناسبة واحدة ذهبوا إلى معبد «رعمسيس الثالث». وقد أُرخت هذه الورقة التي يُطلق عليها «ورقة الإضراب» بالسنة التاسعة والعشرين من عهد هذا الفرعون. وتدل شواهد الأحوال من هذه الفقرات على أن العمال قد غادروا الجبانة التي كانت محاطة بخمسة جدران ودخلوا هذه المعابد التي كانت خارجها، وكذلك يحق لنا أن نستنبط من بعض ما جاء في هذه الوثيقة (P. and R. XLV, 9) أن حصن الجبانة كان على شاطئ النهر، وعلى ذلك فإن لم يكن هذا الحصن منعزلًا تمامًا عن الجبانة نفسها فلا بد إذن أنها كانت — الجبانة — تمتد حتى النهر، وعلى ذلك يدخل في حيزها المعابد الجنازية، وأن هؤلاء المضربين عندما تخطوا الجدران الخمسة كانوا قد دخلوا الجبانة لا أنهم غادروها. والواقع أننا نقرأ في إحدى فقرات هذه الوثيقة (P. and R. XLIII, 7) ما يأتي:
إن العمال قد تعدوا الجدران وجلسوا في الجبانة.
ولا بد أن هذه الجدران كانت مقامة بالقرب من قرية العمال؛ لأنه جاء في نفس الورقة (P. and R. XLIV, 11):
لقد ذهب العمال ليعبروا الجدران التي خلف القرية.
وعلى أية حال فإن هذا موضوع غامض حتى الآن، وربما تكشف عنه الحفائر القائمة في هذه الجهة. وقد كان العمال يشتغلون لحساب الدولة. ويدل ما لدينا من معلومات حتى الآن على أنهم لم يتسلموا أجورًا، بل كانت الحكومة تمدهم بالجرايات كما لاحظنا ذلك في حالة العمال الذين كان يستعملهم «رعمسيس الثاني» في قطع الأحجار من محاجر الجبل الأحمر، فكان يمدهم بكل ما يلزمهم من طعام وملبس — حتى العطور (راجع مصر القديمة الجزء السادس) (1). وعلى أية حال فإن هذه المواد كانت في العادة تحتوي على حبوب تُصرف من مخازن الغلال يوزعها الفرعون بوساطة الوزير، وكذلك السمك والخضر والزيت والملابس الخ. وتوزيع هذه المواد كان يجري بطريقة منظمة في الأوقات العادية التي لا يسودها قلق أو اضطراب. ولكن في عهد الأسرة العشرين الذي خرجت فيه البلاد من حروب طاحنة، وسبقها احتلال أجنبي كان توزيع الجرايات فيه مختلًّا؛ إذ كان يُصرف تارة وتارات ينقطع. وقد كان جواب العمال الذين ليس لهم مصدر رزق إلا هذه الجرايات هو التوقف عن العمل والإضراب حتى تأتيهم أرزاقهم، وقالوا:
ليس لدينا ملابس ولا زيت ولا سمك ولا خضر، أرسلوا للفرعون سيدنا العظيم بخصوص هذه الأشياء، وكذلك أرسلوا للوزير رئيسنا حتى يمدنا بما نعيش به.
وقد كانت أمثال هذه الشكاوى تُقابَل في العادة بصرف بعض ما يستحقه العمال، فكان ذلك يهدئ من ثورة العمال لبضعة أيام ثم يعودون إلى الإضراب عن العمل إذا جاعوا. وقد تسبب عن ذلك أن ضاعت على الحكومة عدة أيام بدون عمل بسبب جوع العمال إلى درجة تجعلهم في غاية الضعف عن القيام بأي عمل. وقد زاد في ضياع الوقت والارتباك الداخلي وجود عناصر أجنبية معادية في البلاد، وبخاصة «النوبيين» و«اللوبيين» و«المشوش» الذين كانوا قد بدئوا يعيثون في الأرض فسادًا، ويضطهدون الأهلين، ويستولون على أمتعتهم اغتصابًا.
وقد كان من واجبات كُتاب الجبانة أن يقيدوا في يوميات محفوظة عندهم الحوادث الهامة، وقد وصلت إلينا أجزاء من هذه اليوميات يرجع تاريخها إلى الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين. ومن هذه اليوميات والأوراق الخاصة بالسرقات التي وصلت إلينا نستطيع أن نكوِّن فكرة لا بأس بها عن نظام هذه الجبانة وحياة العمال فيها.
وكانت طائفة العمال على ما يظهر تتألف من عشرين ومائة عامل في العادة، وكانوا يُقسمون قسمين: قسم اليمين، وقسم الشمال. وكان كل قسم تحت سلطة رئيس عمال، وكان لكل كاتب وظيفته وهي حفظ سجل للحسابات، ولا نعرف أصل هذا التقسيم، غير أنه كان شرطًا أساسيًّا، وكانت أمور كل قسم محفوظة على حدة تمامًا. وكان لكل قسم وكيل ربما كان يحل محل الرئيس إذا غاب، وكذلك كان للعمال مفتشون كان لهم على ما يظهر عمل معين؛ إذ نجد في ورقة الإضراب عاملًا يقول لأحد الكتبة ولأحد رؤساء العمال:
إنكم رؤساؤنا، وأنتم مفتشو الجبانة.
وكان بعض العمال يوصفون بالألقاب التي تدل على واجباتهم الخاصة؛ فمثلًا نجد من بينهم من يُميزون بأنهم نحاتون، أو حفارون، أو صناع، أو قاطعو أحجار، أو صُناع جبس وهم الذين يُعتبرون أحيانًا بنائين، أو صانعي فخار.
وكان يقوم بعمل الشرطة في الجبانة جنود المازوي، وكانوا في قديم الزمان من النوبيين، غير أنهم في نهاية الأمر أصبحوا من المصريين كما ذكرنا من قبل (راجع مصر القديمة الجزء الخامس)، وكان على رأسهم ضابطان.
وكانت وظيفة كل من رئيس العمال والكاتب من الأهمية بمكان في الجبانة، ولهما ميزات خاصة؛ فمثلًا نجد في توزيع الجرايات أنه كان للواحد منهما ضعف (2) ما للعامل العادي أحيانًا. ولدينا ورقة من الأوراق قد سُجل فيها تقسيم زيت، فقد تسلم رئيسان «هنًا» لكل منهما، في حين أن سبعة عشر رجلًا كان نصيب الواحد منهم (2٫5 هنًا) من الزيت، وثمانية آخرون كل واحد منهم تسلم هنًا ونصف هن.
وتدل شواهد الأحوال على أن وظيفة الكاتب كانت وراثية؛ إذ في مقدورنا تتبع وراثة هذه الوظيفة في هذه الجبانة الملكية بدون انقطاع في خلال الأسرتين العشرين والواحدة والعشرين.
ويجدر بنا بهذه المناسبة أن نذكر شيئًا عن هذه الأسرة، إذ هي في الحقيقة تمثل لنا صفحة من تاريخ هذا العصر الغامض، وبخاصة في هذه الجبانة وما جرى فيها من أحداث جسام. كان الكاتب «بوتهامون» بن «تحتمس» الموجودة موميته وتابوته في «متحف بروكسل» الآن من أسرة كتبة مكلفين بملاحظة وإدارة العمال الذين كانوا ينحتون في الصخور في «وادي الملوك» مقابر ملوك الدولة الحديثة. ويرجع الفضل في الوقوف على معرفة ستة من أعضاء هذه الأسرة المرتبين ترتيبًا تاريخيًّا إلى «تحتمس» هذا؛ فقد نقش أسماءهم على صخرة، وهؤلاء كانوا على التوالي كتبة للقبر الملكي في عهد الأسرة العشرين. وكل هؤلاء معروفون لنا من الكتابات التي تركوها إما على البردي، وإما على الاستراكا. وهذه الوثائق تمكننا من تتبع تاريخ هذه الأسرة. وعلى الرغم من أنه هزيل في كثير من تفاصيله يلقي ضوءًا على الحوادث الكبيرة والصغيرة التي وقعت في جبانة «طيبة» وتصف لنا ما تقلب فيه عمالها من أحداث.
وأول عضو معروف لنا في هذه الأسرة يحمل لقب كاتب هو «موت نخت» وقد عاصر الفرعون «رعمسيس الثالث» وأخلافه المباشرين. أما والده «إبوي» الذي كان يُذكر غالبًا في المتون فلم يحمل ألقابًا قط. وعلى ذلك لم يكن كاتبًا. ومن المحتمل أنه موحد مع العامل الذي كان يحمل نفس الاسم، وهو الذي صادفنا اسمه بين العمال العاديين للقبر الملكي في نهاية الأسرة التاسعة عشرة وبداية الأسرة العشرين. أما توحيده مع «إبوي» صاحب المقبرة الجميلة التي تقع في «دير المدينة» (رقم 217) فأمر فيه شك كبير. وقد عُين «آمون نخت» كاتبًا للقبر الملكي في السنة السادسة عشرة من عهد «رعمسيس الثالث» بقرار من الوزير «تا»، وقد أظهر «آمون نخت» اعترافه بالجميل لهذا الوزير دائمًا لهذا التعيين حتى إنه سمى ابنه «تا» عرفانًا وولاء لوزيره. ونعرف من أسرة هذا الكاتب غير ابنه «تا» اسم زوجه «تاورت محب» وابنه «حورشرى» الذي ورث والده في وظيفة كاتب، وكذلك نعرف ابنة نجهل اسمها غير أنها قد عُرفت بأنها سارقة لجلبابين، وقد كشف عن سر هذه السرقة وحي تمثال الإله في السنة الخامسة على ما يُظن من عهد الفرعون «رعمسيس الرابع» خلف «رعمسيس الثالث» على العرش. وقد كان «آمون نخت» يظهر غالبًا بوصفه شاهدًا في الخصومات والمعاملات التجارية التي تجري بين العمال، وقد لعب دورًا هامًّا في الاضطرابات التي حدثت في السنة التاسعة والعشرين من عهد «رعمسيس الثالث» حيث كان العمال يتسلمون جراياتهم التي يعيشون عليها بطريقة مرتبكة غير منظمة كما ذكرنا، مما أدى في نهاية الأمر إلى الإضراب عن العمل، فقد ترك العمال أعمالهم وتجمهروا على مقربة من المعابد الملكية الجنازية. وقد بذل «آمون نخت» كل ما في وسعه لتهدئة خواطرهم مع إظهار عطفه على قضيتهم، كما أظهر ولاءه في الوقت نفسه لرئيسه الوزير. وقد كانت السنين الأولى من حكم «رعمسيس الرابع» يعتروها الاضطراب والقلق بسبب صعوبات داخلية، وعندما ساد السلام وعاد النظام إلى ربوعه وجدنا «آمون نخت» يرحب بهذا العهد الجديد في قصيدة وصلت إلينا منقوشة على قطعة خزف (استراكا) محفوظة الآن في «تورين»، وقد وجدنا أن «آمون نخت» كان لا يزال على قيد الحياة في السنة الثانية من عهد «رعمسيس الخامس»، ويظهر أنه ودع هذه الحياة في السنة السابعة من حكم ملك لم يسمَّ باسمه، ويحتمل أنه «رعمسيس السابع»؛ لأن تركته في هذه السنة قد قُسمت بين المواطنة «تاورت محب» زوجه وبين أولاده. وقد ورث «حورشرى» والده «آمون نخت» في وظيفة كاتب القبر الملكي، وقد كان في حياة والده يعمل رسامًا، وكان عمله الهام رسم وتلوين المناظر والنقوش على جدران القبر الملكي، وكذلك نعلم أنه قد أنجز أعمالًا مختلفة للعمال وغيرهم من سكان جبانة «طيبة» فكان يصنع — ويلون على وجه خاص — التوابيت الخشبية. ولا يزال لدينا عدة قوائم حساب للكاتب «حورشرى» تظهر أن عمله كان مصدر دخل عظيم جدًّا له، وقد وجدنا أنه طلب رشوة في مرة من والد كان يرغب في ترقية ابنه. وفي السنة السادسة عشرة من حكم الفرعون «رعمسيس التاسع» نجد «حورشرى» وزميلًا له يقومان بنشر فضيحة عظمى في «طيبة» وذلك برفع تظلم أمام عمدة «طيبة» الشرقية المسمى «باسر» بخصوص سرقات ارتكبت في المقابر الملكية في غربي «طيبة»، وقد سمع «باسر» لما قالا وألقى المسئولية على عمدة «طيبة» الغربية «باورا» الذي كان يكرهه. وقد استمرت القضية مدة طويلة، والوثائق التي وصلت إلينا تظهر أن الرأي كان يميل إلى إخفائها والتغاضي عنها. وقد تظلم «باورا» من هذين الكاتبين لأنه كان الواجب عليهما أن يقدما تقريرهما لرئيسهما المباشر وهو الوزير لا إلى عمدة «طيبة» الشرقية. ولا نزاع في أن «حورشرى» وزميله كانا مخطئين، غير أن اتهامهما له كان حقًّا؛ ولذلك لم يجسر أحد على إلحاق أي ضرر بهذين الكاتبين. وقد استمر «حورشرى» يشرف في سلام على أمور عمال القبر الملكي في السنة السابعة عشرة من عهد «رعمسيس التاسع» ونرى بجانبه ابنه «خعمحزت»، وقد كان يشرف فعلًا مع رئيسي العمال على فرقة عمال القبر الملكي. وبعد ذلك نجد «خعمحزت» هذا يظهر وحده في السنة الثالثة من عهد «رعمسيس الثالث»، غير أن معلوماتنا عنه ليست وافية؛ لأن ما لدينا عنه من وثائق قليل جدًّا، أما الوثائق التي عن ابنه «تحتمس» فهي على العكس، مهمة نسبيًّا، وكثيرة.
فقد كان «تحتمس» في صباه يشتغل عاملًا عاديًّا في فرقة العمال قبل أن يصبح كاتبًا، وفي السنة الثانية عشرة من عهد «رعمسيس الحادي عشر» نجد أنه قد ارتقى إلى وظيفة كاتب للقبر الملكي، وجباية العشر من الحصول عند الفلاحين في الإقليم الواقع جنوبي «طيبة». وفي السنة الثامنة عشرة من حكم هذا الفرعون نقرأ أنه كان يشرف على النجارين الذين كانوا يشتغلون في قارب الوزير مرات عديدة. وقد دُوِّن اسم بيت «تحتمس» في بردية محفوظة الآن «بالمتحف البريطاني»، وتحتوي هذه القائمة على أسماء بيوت «طيبة» الغربية. وكان هذا البيت واقعًا بجوار معبد مدينة «هابو» حيث كانت قد نقلت وقتئذ قرية عمال القبر الملكي، أما مكانها الأصلي القديم في «دير المدينة» الحالية فلم يكن في مأمن بسبب الغزوات التي قام بها «اللوبيون» في عهد «رعمسيس التاسع». وقد ذكر «تحتمس» هذا مرات عدة في سلسلة وثائق هامة مؤرخة بعهد النهضة — الذي يؤلف جزءًا من عهد «رعمسيس الحادي عشر» — ولها علاقة بالسرقات الجديدة في جبانة «طيبة». وقد كان «تحتمس» هذا وزميله الكاتب الثاني للقبر الملكي المسمى «نسأمنمؤبى» حاضرين عند التحقيق مع اللصوص، وكانا أحيانًا يوجهان أسئلة للمتهمين لتوضيح تفاصيل كان يُخيل إليهما أنها غامضة.
وعلى أثر موت «رعمسيس الحادي عشر» أعلن الكاهن الأكبر «حريحور» نفسه ملكًا على مصر، ونصب ابنه «بيعنخي» وزيرًا؛ وبذلك أصبح «بيعنخي» رئيس «تحتمس» وابنه «بوتهامون» الذي شغل مدة وظيفة كاتب القبر الملكي في وقت واحد مع والده، وقد كان كل منهما على اتصال وثيق مع «بيعنخي» ووالدته الملكة «نزمت»، وكانا غالبًا ما يكلفانهما بمأموريات سرية. وقد استقينا معلوماتنا عن اتصالهما مع «بيعنخي» ووالدته من سلسلة رسائل تتألف منها الرسائل التي كتبها «تحتمس» — الذي كان يُسمى أحيانًا «زروى» — ومن رسائل «بوتهامون». ومن المحتمل أن هذه الرسائل المشتتة الآن في متاحف العالم كانت في الأصل في بيت «بوتهامون» القائم حتى يومنا هذا خلف معبد مدينة «هابو» على مقربة من جدار السور العظيم. وقد ترك لنا كل من «تحتمس» و«بوتهامون»، وبخاصة الأخير منهما عددًا كبيرًا من النقوش على صخور جبل «طيبة». ونجد أن الكاتب عادة كان يكتفي بذكر اسمهما، وأحيانًا يضيف لنا التاريخ وسبب الزيارة أو يحفر لنا صلوات قصيرة.
وقد قام «بوتهامون» بنقل الموميات الملكية إلى الخبيئة التي أمر كهنة «آمون» العظام بنقلها فيها حفظًا لها من اللصوص الذين كانوا لا ينفكون يحفرون قبور الفراعنة طلبًا للكنوز، وإقلاق راحة الأموات.
والسنة الثالثة عشرة كما هو المظنون من عهد الملك «بسونيس الأول»، وقد وُجدت مكتوبة على لفائف الملك «رعمسيس الثالث»، هي آخر تاريخ تصادف فيه اسم الكاتب «بوتهامون». وكان ابنه يُدعى «عنخفنآمون» وهو الذي خلف في وظيفة كاتب للقبر الملكي. ولكن ليس لدينا من الوثائق عنه إلا نقش كتبه على جدار قبر «بدير المدينة» وهذا النقش يحتوي صلاة لوالده المتوفى، والكاتب «عنخفنآمون» هو آخر عضو نعرفه في هذه الأسرة، وقد عاش في النصف الأخير من الأسرة الحادية والعشرين.
وقبل أن نختم كلامنا عن جبانة «طيبة» نجد لدينا سؤالًا واحدًا تجب الإجابة عنه، وهو: من هم الموظفون الخارجون عن دائرة الجبانة الذين نسمع عن علاقتهم بها في ورقة الإضراب؟ والواقع أننا إذا حكمنا عليهم من ناحية الاسم فقط أمكننا أن نقول على وجه الحدس إنهم كانوا أشخاصًا أخذوا بنصيب من العمل في الجبانة أو الحياة فيها، وفي الوقت نفسه قد لا يكونون متصلين أو عائشين في نفس الحي، أو أنهم قد أُتي بهم تحت رياسة موظفي الجبانة لتوزيع الجرايات أو لحفظ النظام. وهذه النظرية تتفق تمامًا مع الحقائق المعروفة عن هؤلاء الأفراد، والكلمة المصرية «سمدت» يظهر أنها تعني هيئة موظفين لمؤسسة. ولا بد أنه كان هناك نظريًّا هيئة داخلية، كما كان هناك هيئة خارجية. والواقع أنه كان هناك هيئة غير أنها لم تكن معروفة بهذا الاسم، بل كانت تُعرف بكلمة تدل على طائفة عمال وحسب. وورقة الإضراب تحتوي يوميات هامة لها علاقة بهذه النقطة، فقد جاء فيها:
السنة التاسعة والعشرون، الشهر الثالث من فصل الفيضان، اليوم الثاني (؟) تفصيل عن تشغيل طائفة عمال الجبانة.
ثم تأتي بعد ذلك اليومية التالية: «طائفة العمال بأكملها.» ويتبع ذلك العنوان حملة الماء ويُذكر معهم ستة أشخاص، ثم «حملة الخضر» ويُذكر ستة أسماء كلهم يُلقبون بستانيين أو نواب بستانيين. وبعد ذلك «جالبو سمك» ويُذكر أربعة أسماء.
ومن ذلك يظهر أن كل هيئة العمال كانت من القرية نفسها وليسوا غرباء وكانوا يقومون بتوريد الماء والخضر والسمك.
هذه نظرة عامة عن الحياة في جبانة «طيبة» الغربية التي كانت تُعد في الواقع بمثابة جزء من مدينة «طيبة» الكبرى. وسنرى في عهد الملوك الذين خلفوا «رعمسيس الثالث» تفاصيل عن بعض الموضوعات التي ذكرناها هنا باختصار على أن الحياة التي كانت تدب في أنحاء هذا البلد الأمين أخذ مصباحها ينطفئ دفعة واحدة وهجرت، ولم يعد الملوك يحفرون مقابرهم فيها، أو يشيدون معابدهم في ربوعها، ومن ثم انتقل عمال القبر الملكي إلى مكان آخر، أو استغنى عنهم، وقد كان من جراء ذلك أن اختفت عن أعيننا أسرة الكتبة، وكذلك العمال الذين أحيوا تاريخ «طيبة» وجبانتها التي كان المصري يسميها «بيت الحياة» مدة قرن ونصف قرن. وقد انتقلت هذه الأبهة، وهذه العظمة إلى الشمال في «تانيس» العاصمة الدينية حيث حفر الفراعنة قبورهم التي كُشف عنها حديثًا.
.......................................
1- راجع كذلك ما عمله «سيتي» لعماله الذين كانوا يذهبون لقطع الأحجار (مصر القديمة الجزء السادس).
2- راجع مصر القديمة الجزء السادس؛ حيث نجد الفرق بين عصري «سيتي الأول» و«رعمسيس الثالث» من حيث المأكل والملبس ومعاملة العمال ورؤسائهم.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|