الفصل الرابع عشر 

 قواعد المقارنة

Benchmarking

تعد قواعد المقارنة بحق النشاط المهم والرئيسي لمنظمات الأعمال المعاصرة والمنفتحة على البيئة في عالمنا اليوم. وبالتالي فان الهدف الأولي الذي يرجى منها، هو تقييم الإجراءات المناسبة في كيفية تقديم المنتج (سلع، خدمات) بشكل مماثل لما  يفعله المنافسون الذين لهم مكانة وقوة أفضل في مستوى الأداء والإنتاج، وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه دون أجراء المراجعة والمقارنة الداخلية والخارجية لجميع البيانات المتعلقة بالأداء وباتجاه بلوغ المستوى الأفضل فضلاً عن عملية التحليل لكيفية  وصول الآخرين الى ذلك المستوى من الرقي في الأداء الذي يمكن أن يقتدي به الآخرين. وفي هذا الفصل سيتم التركيز على استعراض الجوانب التالية:

1- التعريف بماهية ومعنى قواعد المقارنة كمصطلح حديث ومعاصر في عالم أدارة الأعمال وبخاصة في أدبياتنا العربية.

2- التعرف على تجارب عالمية رائدة سواء كان لشركات أو منظمات عامة أو دول، وما يمكن أن يتيحه المجال للاسترشاد بها في اجراء دراسات مقارنة لمنظماتنا العربية.

3 ـ إشاعة ثقافة قواعد المقارنة أكاديمياً وبما يمكن أن ينعكس بالتالي على منظمات الأعمال، لكي تعي وتدرس وتتعلم عن أنشطة المنظمات الرائدة في مجال عملها. وان ترتقي في أدائها الى ذلك المستوى الذي يمكن أن يجعلها مبدعة ومحققة لأهدافها بشكل أفضل.

4- التعريف بالخطوات الممكن اعتمادها في تطبيق قواعد المقارنة وتسليط الضوء على وجهة الاختلاف أو التوافق بينها وبين مصطلحات مشتركة تصب في خدمة أعمال المنظمة، وتتمثل بإدارة الجودة الشاملة، أعادة الهندسة، تقييم الأداء.

تعريف قواعد المقارنة Benchmarking definition

تعزى التغيرات الكثيرة الحاصلة في استخدامات منظمات الأعمال في أمريكا وأوربا للطرق والأساليب التقنية في أعمالها وما تحقق من نجاحات واضحة في مجالاتها التنافسية المختلفة وبخاصة في أعقاب عام  1999 ، إلى استخدام تلك المنظمات لقواعد المقارنة وكما أشارت الى ذلك الكثير من الدراسات. ويقصد بمصطلح قواعد المقارنة بشكل عام على انه تعبير عن العمليات المتعلقة بالبحث والتبني لافضل الممارسات التي يمكن ان تسهم في تطوير وزيادة كفاءة المنظمة" (575.Ratchaniphen Phonyiam ,2012,p). وهذا يعني بأن قيام المنظمة بهذا الأمر من شأنه ان يمكنها من ادراك نقاط ضعفها قياسا بالآخرين، وهو ما يشجعها على تحسين وتطوير قدراتها التنافسية وبما يتوافق مع قدرات المنظمات المنافسة الأخرى. 

ففي دراسة أجريت عام 1994 على أفضل 1000 شركة في المملكة المتحدة، وجد بان 74% منها تعتمد على قواعد المقارنة في تطبيقاتها وأعمالها المختلفة. ولترتفع هذه النسبة في عام 1996 الى 85% ، ولتكون بذلك أكبر مما هو عليه في الولايات المتحدة الأمريكية ( 225.Ahmed&Rafiq, 1998, p) بل أن الأمر لا يتوقف عند هذا المؤشر الرقمي والذي يعبر عن حقبة تاريخية سابقة نسبياً ، أنما نرى الأمر بوضوح ومتمثل في شركة Xerox التي تعد بحق الرائدة في اعتمادها لهذا المنهج العلمي التطبيقي، ولا زالت تعتمده كمسار في عملها لمقارنة موقعها التنافسي قياسا بما هو عليه من المنافسين الأخريين. (.et.al.2001.p.281   Fernadez) .
وقد يكون من الصعب ابتداء تبني تعريف محدد لقواعد المقارنة ولعل ذلك يرجع لأسباب كثيرة، وفي مقدمتها هو الزاوية التي ينظر من خلالها الى مفهوم وأبعاد ودور قواعد المقارنة وتطبيقاتها في المنظمة وما ينجم عنه من تشابك وتداخل في تحديد الاتفاق الكلي على التعريف . وكذلك انعكاس الاختلاف ما بين تخصص منظمات الأعمال فيما أذا كانت صناعية ، تسويقية ، خدمية، غير هادفة للربح، حكومية... الخ، على تحديد التعريف لهذا المصطلح. فضلاً عن كونه يتسم بالمعاصرة والحداثة قياساً بغيره من المواضيع التي تم طرحها في مجال أدارة الأعمال^(*).

وعليه فانه سيكون لزاماً علينا أن نستعرض عدد من التعاريف التي يمكن أن نبين من خلالها التباين في وجهات النظر حيال التعريف وبما يتيح لإعطاء تفاصيل أو مضامين لهذا التعريف أو ذلك. فقد عرفت بشكل مبسط ابتداء على أنها الأداة المتاحة نحو تحديد الأهداف الضرورية والتعلم من المنافسين للبحث عن أفكار جديدة            ( 28.Balm,1996,p ) وهذا التعريف يتضح بأنه قد فسر معنى قواعد المقارنة في مرحلة تعبر عن المنافسة، وكونها أداة لمواجهة المنافسين عبر البحث عن أفكار جديدة والتعلم من الآخرين لكي تبقى وتتطور في عملها. وبهذا المعنى فقد عرفت أيضا على أنها " البحث عن أفضل التجارب التي يمكن اعتمادها وتبنيها في أداء عمل المنظمة أو التركيز الخارجي نحو تحقيق الأنشطة الداخلية الوظائف والعمليات لانجاز وتحقيق التحسين المستمر" ( 410.Delepachitra & Beal ,2002,p ) وهذين التعريفين رغم كون كل واحد منهما يركز على جانب معين، ألا أنهما يتكاملان مع بعضهما لتحديد تعريف اشمل وأوسع لقواعد المقارنة، يؤشر حالة الترابط الموضوعي ما بين ما هو خارج المنظمة من متغيرات ومنافسين ، وما هو داخل المنظمة من أنشطة وفعاليات حاكمة نحو تحقيق الأهداف المنشودة.

وبالتالي فقد عرفت وتأسيساً على ذلك على أنها " التطابق والتنفيذ لأفضل التجارب لتحقيق نتائج ذات قيمة اكبر للزبون والمستوى أداء الأعمال" ( 180.George & Weimerskirch ,1998,p .). وهذا التعريف ينصب على النظر إلى كون قواعد المقارنة بأنها أداة قوية للارتقاء بمستوى الجودة, لكونها ستكون علامة دالة لمدى تطور أعمال المنظمة. وبذات الوقت يمكن تشبيهها على أنها عين رقابية على تلك الأعمال المنجزة، ومن خلال مؤشر مهم يتمثل في مدى تحقيق القيمة الأكبر للزبون.

بتعريف وفي تعريف يمكن أن نراه شامل ومتضمن لأبعاد مهمة في ذلك هو ما جاء Michael Spendolinivt في كونها " العمليات النظمية المستمرة لتقييم المنتجات والخدمات وأداء العمل في المنظمة للتعرف وتوضيح أفضل التجارب التي يمكن أن تعتمدها المنظمة لغرض التطور والتقدم". ( 474.p,2002, Mc Gaughey وهذا التعريف يتضمن في طياته العناصر الأساسية التالية :

ـ التقييم Evaluation  وهو الهدف الرئيسي من اعتماد قواعد المقارنة لكونها تنصب على تقيم الأداء المستهدف وقياسه وتأشير مستوى النجاح أو الفشل المتحقق منه.

ـ الاستمرارية Continuous  طالما عمل المنظمة مستمر والمنافسة قائمة

ومتجددة في سوق الأعمال، أذن فأن قواعد المقارنة يجب أن تتصف بالاستمرارية لمواكبة حالة العمل المستمر، لكون المنافسين لا ينتظرون أو يتوقفون لحين وصول الآخرين أليهم.

ـ أفضل التجارب Best practices تركز قواعد المقارنة على التجارب والنشاطات الناجعة أكثر مما تركز على تحليل المنافسة. لكونها لا تنصب على ماذا What ينتج المنافسون ؟ بل كيف How يقومون بذلك. وبطبيعة الحال هذه التجارب الأفضل لا تنحصر في حدود المنتج المقدم أو الخدمة، بل يمتد إلى العمليات المتحققة في ذلك.

ـ النظمية Systematic لا تعني قواعد المقارنة على أنها عملية المصادقة على الطريقة التي يمكن أن تعتمد في جمع المعلومات، بل هي أكثر من ذلك في كونها طريقة نظمية ومهيكلة وخطوات متعاقبة في عمليات تقييم الطرق والأساليب الحاصلة في سوق المنافسة.

ـ التطوير Improvement تمثل الهدف المهم لقواعد المقارنة في كونها تنصب على تطوير العمليات في المنظمة وبما يحقق ذلك التأثير الفاعل نحو انتقالها الى مستوى أفضل قياساً بالمنافسين سواء كان ذلك على الأمد القصير أو الطويل.

وأخيرا وليس أخر، ففي تعريف اتفقت علية اغلب المراجع المعتمدة في هذا البحث والذي قدماه 2003 Dattakumer & Jagadeesh على أنها " العمليات المستمرة لقياس منتجات وخدمات وكلف أعمال الشركة وتجاربها المنفذة والتي يمكن مقارنتها مع منظمات مشابهه لها ورائدة في ذات المجال من العمل".                               ( 162.Southard & Parente, 2007, p ).

وهذا التعريف أو مضمونه في الحقيقة لا ينظر الى قواعد المقارنة على أنها تعني مقارنة المنتجات والخدمات التي تقدمها الشركة قياساً بالمنافسين فحسب، بل أنها تركز أيضاً على مسألة أجراء المقارنة في العمليات والتجارب ما بينها، والعوامل المعيارية في مستوى الأداء من سرعة ووقت محدد للانجاز ، فضلاً عن كونها تمثل ثقافة Culture لأنها تنصب على الاقتداء بنجاحات الآخرين والتعلم Learning لاعتماد ذلك كأساس في التغير بالعمليات، لتقديم مخرجات أفضل مما كان عليه قبل اعتماد قواعد المقارنة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) لا يقتصر الأمر على هذا فحسب بل أن الترجمة العربية لازالت موضع تجاذب واختلاف، حيث يمكن تسميتها على أنها.... قواعد المقارنة ،قوائم المراجعة ،القواعد المرجعية .... الخ.. ولكننا نتفق مع التسمية قواعد المقارنة للابتعاد عن كلمة المراجعة التي قد تنحصر في حدود الأداء المحاسبي والمنصب على عملية التدقيق أو على كونها قواعد ثابتة يتم على ضوئها مراجعة أداء المنظمة. وبالتالي يكسبها صفة السكون والثبات وعدم التأثر بالمتغيرات الأخرى المحيطة بهذا المفهوم وامتداده البيئي وكما سيتضح من التفاصيل