أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-12
1035
التاريخ: 2023-11-22
1141
التاريخ: 2024-01-04
975
التاريخ: 2023-10-27
948
|
منذ ان تسلم لويس الرابع عشر الحكم عهد الى كولبير أبرع اقتصادي في ذلك العصر، بوزارة المالية. فوضع كولبير خطة شاملة لإصلاح ما أفسده مازاران في الحقل المالي وما تطلبته الحروب واخضاع الفتن والرشاوى والاسراف من مصروفات أوقعت خزانة الدولة في عجز خانق. ساهم كولبير منذ تسلمه مقاليد المالية بتحويل اقتصاد فرنسا من اقتصاد زراعي (اقطاعي) الى اقتصاد رأسمالي بتشجيعه للصناعة والتجارة. فاستهل عمله بتخفيض الفوائد على ديون الدولة وتخفيف ضريبة التاي (Tallle) عن كاهل الشعب وهي أبغض الضرائب لديه. وحظر الاستيلاء على مواشي الفلاح أو عرباته وفاء للدين ولو كان ديناً للتاج نفسه كما منع الصيادين من الصيد في الحقول المبذورة بالحب وقدم الاعفاءات الضريبية لمن يصلحون الاراضي المهجورة.
وانطلاقاً من سياسة التصنيع التي بدأها كولبير بحيث لم توجد قبله في اوروبا عامة في القرن السادس عشر سياسة صناعية بالمعنى المعروف حتى في انكلترا نفسها. اذ كان من الشائع القول من يسيطر على البحر يسيطر على التجارة، ومن يسيطر على تجارة العالم يمتلك ثروته بل يمتلك العالم نفسه (1). لقد اخضع كولبير بعض الصناعات لسيطرة الدولة النقابية وشجع المشروعات الصناعية الجديدة بالإعفاءات الضريبية وتقديم القروض. فازدهرت صناعة النسيج والسجاد والحرير وصناعة المرايا والصلب بعد ان كانت فرنسا تستورد معظمها. ومحافظة منه على هذا النشاط الصناعي أصدر المراسيم التي ترفع رسوم الواردات على الصناعات التي تنافس المنتجات المحلية وحاول سنة 1664 الغاء المكوس الداخلية التي كانت تسبب في تأخير التجارة (2) منطلقاً من المبدأ القائل بان التجارة هي حرب المال مؤمناً بان غنى البلاد لا يتم
الا بالتصدير الكثير والاستيراد القليل وفعلاً كانت عمليات التصدير مفتاح غنى فرنسا في عهد كولبير (3). ولهذا ايضاً بنى السفن وأصلح المرافئ واحواض السفن واسس الشركات التجارية ومنحها امتيازات الحماية. فأسس شركة الهند الغربية سنة 1664 والشركة الصينية سنة 1698 وشركة غينيا سنة 1701. فانتعشت بوردو ونانت وسان مالو ولاروشال وغيرها من مدن فرنسا التجارية. كما انه شق الطرق لتسهيل التجارة الداخلية. وحفر قناة لانغدوك الكبرى (Languedoc) وشجع الاكتشافات الجغرافية وأنشأ المستعمرات فانتشر المستعمرون الفرنسيون في كندا وغرب افريقيا وجزر الهند الغربية والهند وسيلان وتأسست ديترويت واستكشف لاسال المسيسي وسيطرت فرنسا على وادي سان لوران والمسسبي.
هذه الاصلاحات لم يستفد منها بطبيعة الحال سوى بعض الفئات وظلت الضرائب الملكية والسيدية والكنسية تنوء تحت عبئها الطبقات الفلاحية كما ان أجور العمال الذين ساهموا في تطوير الصناعة كانت ضئيلة ولم يكن يسمح بالاضطراب والشكاوى خاصة تلك التي تنادي بتخفيض سـاعـات العمـل اليومي التي كانت اثنتي عشرة ساعة.
أ - السياسة الدينية:
لقد آمن لويس الرابع عشر ان الوحدة السياسية لفرنسا لا يمكن ان تتحقق الا بقيام الوحدة الدينية ايضاً. ومع ذلك فطالما ظل البروتستانت ملتزمين بالولاء التام لسياسة الدولة العليا، كما حصل ايام الفروند، فانه حافظ على حريتهم الدينية التي اعطاها لهم مرسوم نانت الذي اصدره جده هنري الرابع الا ان لويس الرابع عشر كان يأمل بارتداد البروتستانت الى حظيرة الكنيسة الكاثوليكية إذا اخذهم بسياسة العنف وابعدهم عن مناصب الدولة العليا. كتب في مذكراته يقول: «اما عن ذلك العدد الكبير من رعاياي الذين يدينون بما يسمونه المذهب الاصلاحي، وهو شر ... انظر اليه
بحزن ... فيخيل الى ان اولئك الذين ارادوا استعمال ضروب عنيفة لم يفطنوا الى طبيعة هذا الشر، الذي نجم بعضه عن حرارة في العقول، والذي يجب ان يترك ليذوي ويموت دون ان يحس به أحد، بدلاً من اثارته من جديد بمثل هذه المقاومات العنيفة ... وقد آمنت بأن خير سبيل للخفض من عدد الهيغونوت في مملكتي تدريجياً هو أولاً عدم الضغط عليهم اطلاقاً بأي قيد صارم جديد، والأمر بمراعاة ما حصلوا عليه من اسلاقي دون منحهم أكثر منه، وحتى قصر تنفيذه داخل اضيق الحدود التي تجيـزهـا العدالة واللياقة: (4).
وامام الحاج رجال الدين الكاثوليك وهباتهم السخية باتخاذ موقف متشدد تجاه البروتستانت، اذ اشار مجمع 1660 الاكليركي أن يغلق الملك الكليات والمستشفيات الهيغونوتية. كما طلب مجمع 1670 بقانونية انكار اطفال الهيغونوت الذين بلغوا سن السابعة، لمذهبهم البروتستانتي. أصدر لويس الرابع عشر سلسلة من المراسيم تتعارض كلياً مع مفهوم مرسوم 1661 حرم على بروتستانت مقاطعة جكس (قرب سويسرا) العبادة وكانت تضم هذه المقاطعة سبعة عشر ألفاً من البروتستانت مقابل اربعمائة كاثوليكي. وفي سنة 1664 اصبحت الترقية الى فئة معلمي الحرف مستحيلة على البروتستانت، وفي سنة 1665 سمح للصبيان في الرابعة عشرة والبنات في الثانية عشرة بقبول اعتناق الكاثوليكية وترك ابائهم. وفي سنة 1666 حرم على الهيغونوت انشاء كليات جديدة وفي سنة 1669 أصدر مرسوماً يعاقب بموجبه الهيغونوت المهاجرين وفي سنة 1679 أصدر امراً بنفي جميع المرتدين عن الكاثوليكية ومصادرة أملاكهم.
وهكذا تتابعت حملات الاضطهاد ضد الهيغونوت في فرنسا فأغلقت وهدمت معظم كنائسهم واخذ الجنود الخيالة ينزلون في مساكنهم للمضايقة وازدادت مع الزمن اعمال العنف ضدهم حتى انكرت مدن كثيرة مذهبها الكلفيني كمونبيليه ونيم ... وهاجرت اعداد ضخمة عبر الحدود حتى ان الجمعية العامة للاكليروس التمست من لويس الرابع عشر سنة 1684 الغاء نانت بعد ان خلت فرنسا من الهيغونوت فنزل الملك عند طلب الجمعية وأصدر أمراً سنة 1685 الغى بموجبه مرسوم نانت باعتباره مرسوماً لا لزوم له بعد ان اصبحت فرنسا بأجمعها تدين بالكاثوليكية. فعاد اضطهاد الهيغونوت أكثر مما كان عليه الحال قبل صدور مرسوم نانت فأغلقت مدارسهم المتبقية وامكنة عبادتهم وأرغم رجال الدين منهم بالهجرة من فرنسا. بعض الاقاليم قاومت سياسة الاضطهاد بشدة الا ان فرنسا كادت تخلو من الهيغونوت الذين كان عددهم قبل الاضطهاد حوالي مليون ونصف المليون فغادر منهم فرنسا حوالي اربعمائة ألف وأكره أكثر من اربعمائة ألف آخرين على اعتناق الكاثوليكية.
لقد ادى الغاء مرسوم نانت ليس الى اضطراب الحالة السياسية فحسب بل ايضاً الى تأخر اعمال الصناعة والتجارة في فرنسا. اذ عرف عن الهيغونوت انهم كانوا حرفيين مهرة وتجاراً بارعين انعشوا الاقتصاد الفرنسي الذي مني بخسائر جسيمة بعد هجرتهم وكل ذلك لقاء تحقيق اهواء ملك لم يكن حتى التسامح ليرتضيه اذا كان ينتقص من ارادته التي ارادها مطلقة حتى على العيادة.
اما سياسة لويس الرابع عشر ازاء الجانسينست (5)، فلم تكن تقل عن سياسته ضد الهيغونوت. فظل يلاحقهم في اديرتهم حتى خضعوا له. وانطلاقاً من تصميم لويس الرابع عشر على تركيز السلطة الدينية بيديه اخذ يعين الاساقفة ورؤساء الاديرة معتبراً أن سلطته المستمدة من الله لا تقل عن السلطة الروحية للبابا نفسه. ولهذا فلا يحق للبابا ان يتدخل بشؤون كنيسة فرنسا. وبالتالي ان يحل الرعايا من قسم الوفاء للملك. فسلطة المجامع العامة تفوق سلطة البابا المقيدة بالأعراف كما رفض عصمة البابا في مسائل الايمان جاعلاً الحكم الاول للكنيسة وحدها (6). ويعرف هذا الموضوع بالغاليكانية (Gallicanisme) وهي مسألة سياسية تختص بالعلاقة بين الكنيسة والبابا والملك. والكنيسة الغاليكانية الاسقفية خضعت للملك واعترفت بأولوية روما في الكنيسة وليس على الكنيسة. مؤكدة سلطة المجامع على البابوية (أسقف روما) ومؤكدة ايضاً استقلالية الاساقفة في اسقفياتهم (7). وقد أكد مجمع الاساقفة المنعقد سنة 1882 على اعلان من أربع مواد يتناول أسس الغاليكانية. وقد نصت هذه المواد على ان سيادة الكرسي الرسولي ما هي سيادة روحية وان سلطة المجمع المسكوني هي فوق سلطة البابا. هذا الموقف تجاه البابا جعله يمتنع عن التقليد المفترض للاساقفة حتى أصبح عدد الاسقفيات الشاغرة في فرنسا حوالي خمس وثلاثين اسقفية (8).
هكذا مهد لويس الرابع عشر بسياسته الاستبدادية والغاء امام البورجوازية الفرنسية لخوض معاركها على ارضية سياسية. وهي صيغة مناسبة جداً للبورجوازية المتقدمة بدلاً عن الدين.
............................................
1- ZELLER, G: Aspects de la politique françalse sous l'ancien régime. Presses Universitaires de France. Paris 1964. P 335
2- كان يبلغ عدد نقط المكوس بين سويسرا والمانش 32 نقطة جميعها تتقاضى رسوماً على التجارة.
3- METHIVIER. H: Op. Clt P 103
4- دیورانت: قصة الحضارة الجزء (31) ص 111
5- ينسبون إلى جانبسينيوس وهم من أنصار مذهب الغفران والحتمية وهي بدعة تخالف تعاليم الكنيسة بما خص الخطيئة والنعم. انظر: كلود دلماس تاريخ الحضارة الاوروبية. ترجمة توفيق وهبه مكتبة الفكر الجامعي. منشورات عويدات 1970 ص 56.
6- رولان روسینیه: تاريخ الحضارات الجزء الرابع ص 334.
7- METHIVIER. H: Op. Cit P 82
8- Ibid: P 84
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|