المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17644 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



منهج تفسير القرآن بالقرآن  
  
254   08:24 صباحاً   التاريخ: 2024-09-15
المؤلف : مركز نون للترجمة والتأليف
الكتاب أو المصدر : اساسيات علم التفسير
الجزء والصفحة : ص173-182
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / مناهج التفسير / منهج تفسير القرآن بالقرآن /

منهج تفسير القرآن بالقرآن

تعدّ طريقة تفسير القرآن بالقرآن من أقدم الطرق في تفسير القرآن، وهي أحد أقسام المنهج النقليّ(1). وقد استحسن جميع المفسّرين والمتخصّصين إلّا ما شذّ هذه الطريقة في التفسير، واستفادوا منها في كثير من الموارد، بل إنّ بعضهم عدّها من أفضل الطرق في التفسير(2).

 

تعريف منهج تفسير القرآن بالقرآن

هو الطريق الذي يسلكه المفسّر في عمليّة التفسير، من خلال مقابلة الآية بالآيات الأخرى، وجعل بعضها شاهداً على بعضها الآخر، بغية الكشف عن معاني القرآن الكريم ومقاصده(3).

 

نشأة منهج تفسير القرآن بالقرآن وتاريخه

يُعدّ تفسير القرآن بالقرآن من أقدم طرق التفسير، ويرجع استخدامه إلى زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقد استخدمه الأئمّة عليهم السلام وبعض الصحابة والتابعين. وفيما يأتي بعض الأمثلة على ذلك:

  • سُئل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن معنى "الظلم" في الآية الكريمة: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] ، فأجاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، بالاستناد إلى قوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] بأنّ المقصود بالظلم في الآية الأولى هو الشرك المذكور في الآية الثانية(4).

ب- استنتج الإمام عليّ عليه السلام من خلال الآيتين: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] ، {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ، بأنّ أقلّ مدّة للحمل هي ستّة أشهر، بلحاظ أنّ مدّة الرضاع سنتان، كما تشير الآية الأولى، ومدّة الحمل والرضاع معاً ثلاثون شهراً، كما تشير الآية الثانية، والجمع بينهما يقتضي كون أقلّ الحمل ستّة أشهر(5). وهذا نوع من تفسير القرآن بالقرآن.

 

وقد استخدم مفسِّرو الشيعة هذا المنهج بعد ذلك مع ظهور تفاسير، مثل: التبيان للشيخ الطوسي، ومجمع البيان للشيخ الطبرسي، وكذلك مفسِّرو أهل السنّة.

 

وقد حظي هذا المنهج باهتمام واسع، خاصّةً عند المفسِّرين في القرن الأخير، كما يتّضح ذلك في تفسير الميزان للعلّامة الطباطبائي، وآلاء الرحمن للشيخ البلاغي،...

 

أدلّة القائلين بحجّيّة تفسير القرآن بالقرآن

اعتمد أصحاب هذا المنهج على عدّة أدلّة للاستدلال على جواز بل لزوم هذا التفسير، هي الآتية:

أ- الدليل القرآنيّ:

- قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89] ، بتقريب: أنّه حاشا أن يكون القرآن تبياناً لكلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه(6).

- قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } [النساء: 174] ، بتقريب: أنّه كيف يكون القرآن هدى وبيّنة وفرقاناً ونوراً مبيناً للناس في جميع ما يحتاجون إليه ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشدّ الاحتياج؟!(7).

- قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] ، بتقريب: أنّ هذه الآية قسّمت آيات القرآن إلى مجموعتين: محكمات ومتشابهات. وكلمة "المحكم" من "الإحكام" بمعنى "المنع"، ولهذا يقال للمواضيع الثابتة القويّة محكمة، لأنّها تمنع عن نفسها عوامل الزوال. كما أنّ كلّ قول واضح وصريح لا يعتريه أيّ خلاف يقال له "قولٌ محكم"، وعليه، فإنّ الآيات المحكمة هي الآيات ذات المفاهيم الواضحة والّتي لا مجال للخلاف والجدل حولها. وأمّا الآيات المتشابهة فهي الآيات ذات المعنى المعقّد، أو الّتي تحتمل معاني متعدّدة، والّتي لا يتّضح معناها المقصود إلّا في ضوء الآيات المحكمة. وقد أطلق على الآيات المحكمة "أُمُّ الكتاب"، أي هي الأصل والمرجع للآيات الأخرى، وبعبارة أخرى: لا بُدّ من إرجاع الآيات المتشابهات إلى المحكمات لكي يتّضح معناها. وهذه الطريقة هي أحد أنواع تفسير القرآن بالقرآن(8).

 

- لكي نفهم بعض الآيات الواردة في القرآن، لا بدّ من مراجعة الآيات المشابهة، فقد جاء ذكر قصّة النبيّ موسى عليه السلام وفرعون في أكثر من سورة(9)، ولا يمكن تفسير هذه الآيات ورفع الإبهام عنها ما لم يتمّ مراجعة هذه السور بآياتها المتعلّقة بموضوع النبيّ موسى عليه السلام وفرعون.

 

ب- الدليل الروائيّ:

- السنّة العمليّة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، حيث استخدموا هذه الطريقة عمليّاً.

 

- الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام بصدد الإشارة إلى هذه الطريقة في التفسير، ومنها: ما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ القرآن ليصدّق بعضه بعضاً فلا تكذبوا بعضه ببعض"(10). وعن الإمام عليّ عليه السلام: "وكتاب الله بين أظهركم ناطق لا يعيى لسانه، وبيت لا تُهدم أركانه،

 

وعزّ لا تهزم أعوانه...  كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به، وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض، ولا يختلف في الله، ولا يخالف بصاحبه عن الله"(11).

 

ج- السيرة العقلائيّة:

ويمكن تقريب الاستدلال بالسيرة العقلائيّة على حجّيّة تفسير القرآن بالقرآن من خلال المقدّمات الآتية:

- قامت سيرة العقلاء في مقام التفهيم والتفاهم على مراعاة القرائن الموجودة في الكلام عند فهم أيّ كلام، فإذا جاء ذكر أحد المطالب بصورة مطلقة وعامّة، وفي مكان آخر بصورة مقيّدة وخاصّة، فلا بدّ من النظر إلى الكلام بصورة كلِّيّة باعتباره مجموعة كاملة، وهذه هي طريقة العقلاء في فهم أيّ كلام.

 

- نزل القرآن الكريم بلغة العرب: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [يوسف: 2] ، بهدف إيصال مقاصده للناس جرياناً على أسلوب العرب في مقام التفهيم والتفاهم. لذا، فالقرآن الكريم غير مستثنى من القاعدة العقلائية المتقدّمة، لجهة الاستفادة من بعض الآيات بوصفها قرائن لفهم آيات أخرى وتفسيرها. وهذا هو نفسه المراد بتفسير القرآن بالقرآن.

 

- لم يخترع الشارع طريقة معيّنة غير الطريقة المذكورة ويوجبها في مقام فهم كلامه من قِبَل الناس.

 

- لم يمنع الشارع المقدّس الناس في مقام فهمهم للقرآن من الجريان وفق هذه الطريقة العقلائية، بل قام بتأييدها وبالجري وفقها، فعندما نراجع سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام نجد أنّهم استخدموا هذه الطريقة، أي الاستفادة من بعض الآيات في فهم آيات أخرى. وكذلك جرى المتشرّعة من بعدهم على هذه الطريقة، من الصحابة والتابعين ومفسِّري القرآن على طول التاريخ إلى عصرنا الراهن. ومن خلال ذلك نستدلّ على جواز هذا المنهج، بالإضافة إلى عدم وجود منع من الشارع.

أدلّة القائلين بعدم حجّيّة تفسير القرآن بالقرآن

استدلّ القائلون بعدم حجّيّة تفسير القرآن بالقرآن بمجموعة من الأدلّة والتقريبات، أبرزها الآتية:

أ- إنّ فهم القرآن مختصّ بأهله، وهم المخاطبون الحقيقيّون به، وهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام.

 

ب- إنّ القرآن يحتوي على مضامين عالية وعميقة لا يفهمها إلّا الراسخون في العلم، ولا تنالها الأفكار العاديّة للناس.

 

ج- إنّ القرآن الكريم يشتمل على آيات متشابهة وهو ما يؤدّي إلى المنع عن اتّباع ظواهر الكتاب.

 

د- إنّنا نعلم علماً إجماليّاً بوجود مخصِّصات ومقيّدات لكثير من ظواهر القرآن الكريم ممّا يعني عدم إمكانيّة التمسّك بالظواهر القرآنية.

 

وفي مقام الجواب عن هذه المقاربات، يمكن القول:

- إنّ المقصود من اختصاص فهم القرآن بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام، وأنّهم المخاطبون الحقيقيّون هو الفهم الكامل للقرآن أعمّ من المحكم والمتشابه، والمنع من الاستقلال بالفتوى من دون مراجعة الروايات، وأمّا بعد مراجعة القرائن النقليّة، أو بعد البحث وعدم العثور على روايات معتبرة، فلا يوجد مانع من الأخذ بظواهر القرآن الكريم. إضافة إلى ذلك، فإنّ الروايات نفسها قد أرجعتنا إلى القرآن والاستدلال به، كما في رواية عبد الأعلى مولى آل سام، قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام: عثرت فانقطع ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال عليه السلام: "يُعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزّ وجلّ، قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] امسح عليه"(12).

- لا يوجد تعارض بين وجود مضامين عالية وصعبة الفهم في القرآن، والرجوع إلى الظواهر الواضحة والاستدلال بها.

 

- إنّ ظواهر القرآن ليست من المتشابهات، أي إنّ المقصود من المتشابهات هنا هو الآيات المجملة، ولكنّ ظواهر القرآن ليست مجملة ولا متشابهة.

 

- إنّ الأخذ بظواهر القرآن يكون بعد مراجعة المخصِّصات والمقيِّدات والروايات الأخرى، وعندها ينحلّ العلم الإجمالي، ويرتفع حينئذ المانع من الأخذ بالظواهر.

 

تطبيقات منهج تفسير القرآن بالقرآن

يعدّ "تفسير القرآن بالقرآن" منهجاً كلّياً يتضمّن تحته مصاديق وطرقاً فرعية متعدِّدة يستفيد منها المفسِّرون في التفسير، وإنّ معرفة هذه الطرق تساعد المفسِّر على تقديم تفسير جامع لآيات القرآن الكريم.

 

ولكي تتوضّح صورة الاستدلال عند المفسِّر للقرآن بالقرآن، سوف نشير إلى أهمّ هذه الطرق وأكثرها شيوعاً، مع إيراد أمثلة ونماذج توضيحية لهذا المنهج:

أ- إرجاع المتشابهات إلى المحكمات:

تنقسم آيات القرآن إلى آيات محكمة ومتشابهة، وتعدّ الآيات المحكَمة هي الأساس والمرجع للآيات القرآنية، ولا بُدّ من إرجاع الآيات المتشابهة إليها لكي يتّضح معناها، أو يتعيّن أحد احتمالاتها.

 

مثال: يوجد بعض الآيات في القرآن يدلّ ظاهره على التجسيم، مثل الآيات الّتي تصف الله سبحانه وتعالى بأنّه: "سميع" و {بَصِيرٌ} [الشورى: 27] ، والآية الشريفة {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] ، ولا بد من إرجاع مثل هذه الآيات إلى الآيات المحكمة مثل الآية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] حيث يتّضح معناها في ضوء هذه الآية وأمثالها، فعندما نقارن الآيات المذكورة مع الآيات

 

المحكمة، فسوف يتبيّن أنّ المقصود باليد هنا ليس هو اليد الجسمانية بل هو كناية عن شيء آخر كالقدرة مثلاً. وعلى هذا يمكن تفسير الآية: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] ، بمعنى قدرة الله.

 

ب- الجمع بين الآيات المطلقة والمقيّدة:

جاء بعض الآيات بصورة مطلقة بدون قيد في حين ذُكرت آيات أُخرى مقيّدة ببعض القيود، فتفسير الآيات المطلقة بدون النظر في الآيات المقيّدة غير صحيح ولا يكشف عن المراد الجدّي للمتكلِّم، وبعبارة أخرى إنّ الآيات المقيِّدة مفسِّرة للآيات المطلقة، فمثلاً جاء ذكر الصلاة في بعض الآيات بصورة مطلقة { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43] ، في حين قُيّد هذا الإطلاق بزمان خاص في آيات أخرى كما في الآية: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } [الإسراء: 78].

 

ج- الجمع بين العامّ والخاصّ:

جاءت ألفاظ بعض الآيات على جهة العموم والشمول لأفراد كثيرين، وذلك باستعمال بعض ألفاظ العموم، مثل كُلّ، في حين خصَّصَت آيات أخرى هذا العموم. وبما أنّ تفسير القرآن هو تعيين المراد الإلهيّ وتوضيح الآية بصورة كاملة، فإنّ هذا لا يحصل إلّا بوضع الخاصّ بجانب العامّ. وبعبارة أخرى إنّ الآيات الخاصّة تُفسِّر وتبيِّن العموم في الآيات الأخرى، فمثلاً جاء ذكر الزواج بصورة مطلقة في الآية: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } [النساء: 3] واستثنيت موارد خاصّة في الآية الكريمة: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] ، ففي الآيات الأولى وردت الرخصة في الزواج من جميع النساء، أمّا في الآيات الأُخرى فقد استثنيت الأم والأخت وزوجة الأب و...

 

د- توضيح الآيات المجملة بواسطة الآيات المبيّنة:

ورد بعض الآيات في القرآن الكريم بصورة مختصرة ومجملة، فيما جاء بيان هذا الموضوع بصورة مفصّلة في مكانٍ آخر. فالمجموعة الثانية من الآيات تُفسِّر الآيات الأولى. وقد لا يُفهم المعنى والمراد من الآيات المجملة دون الرجوع إلى الآيات المبيّنة، وحينئذٍ لا يكون التفسير صحيحاً. مثال: أشار القرآن الكريم إلى مسألة أكل لحوم الحيوانات بقوله: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1] ، وقال في آية أخرى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } [المائدة: 3].

 

ففي الآية الأولى جاء تحليل لحوم بعض الحيوانات بصورة مجملة، وأنّه سوف يأتي تحريم بعض أنواع اللحوم في المستقبل، وقد بُيّنت هذه الموارد في الآية الأخرى، فهنا تكون الآية الثانية مفسِّرة للآية الأولى.

 

هـ- الاستفادة من سياق الآيات:

قال تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان: 43 - 46].

 

وقد جاء في نهاية هذه الآيات: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1]. فإذا أخذنا بظاهر هذه الآية دون الالتفات إلى سياق الآيات المتقدّمة لفُهِم منه أنّ الله سبحانه وتعالى يخاطب شخصاً محترماً وعزيزاً، أمّا إذا أخذنا بنظر الاعتبار الآيات المتقدّمة فسوف يتبيّن أنّ هذا الشخص (الذي اعتُبر عزيزاً كريماً في ظاهر الآية) ما هو إلّا ذليل حقير.

 

و- تحديد معاني الاصطلاحات القرآنية بالاستعانة بالآيات الأخرى:

توجد في القرآن الكريم اصطلاحات خاصّة خارجة عن معناها اللغويّ، فلا يمكن تفسيرها بمراجعة كتب اللغة، بل يجب مراجعة الآيات الأخرى ومعرفة لغة القرآن. مثال: مصطلح الجنّ: المعنى اللغويّ هو "المستور، المخفيّ" وفي اصطلاح القرآن الجنّ موجودات عاقلة لا تُرى بالعين.

ز- جمع الآيات الناسخة والمنسوخة:

لقد جاء بعض الآيات ليبيّن بعض الأحكام ثمّ أُنزلت آيات أخرى (على أساس المصلحة والشرائط الجديدة) ونسخت الآيات السابقة وشرّعت أحكاماً جديدة. وثمّة اختلاف بين المختصِّين في علوم القرآن في عدد الآيات المنسوخة. وعلى المفسِّر حين يشرع في تفسير الآية أن يأخذ بنظر الاعتبار الآيات الناسخة والمنسوخة، وإلّا فسوف يكون تفسيره تفسيراً ناقصاً. مثال: ورد الأمر في سورة المجادلة بأنّ على المؤمنين أن يتصدّقوا في حالة وجود كلام خصوصيّ لهم مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يعمل بهذا الحكم إلّا الإمام عليّ عليه السلام، وقد نُسخ هذا الحكم في الآيات الأخرى، في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [المجادلة: 12، 13] ، وعلى هذا فبيان الحكم الأوّل بدون ذكر الناسخ في الآية الأُخرى يكون تفسيراً ناقصاً.

 

ح- الالتفات إلى الآيات المشابهة (من حيث اللفظ أو المحتوى):

القرآن الكريم كتاب هداية وتربية، فقد يطرح الموضوع الواحد في عدّة سور، وتتناول كلّ سورة من السور جانباً من جوانب هذا الموضوع بصور قد تتشابه في التفسير، فإذا أراد المفسِّر الشموليّة في فهم الموضوع، عليه أن يضع الآيات بعضها مع بعضها الآخر حتّى يتّضح معناها. فقد تأخذ هذه الطريقة في الواقع اسم التفسير الموضوعيّ، كما فعل ذلك آية الله مكارم الشيرازي في كتابه التفسيريّ (نفحات القرآن)، وآية الله السبحانيّ في كتابه (مفاهيم القرآن)، أو قد تأخذ طابع التفسير الترتيبيّ فيما إذا قام المفسِّر بجمع آيات الموضوع الواحد في موارد مختلفة من التفسير، كما استخدم العلامة الطباطبائي هذه الطريقة في تفسير الميزان، مثال: قام العلامة الطباطبائي في الآية (29) من سورة البقرة بدراسة المباحث المتعلّقة بإعجاز القرآن والآيات الّتي جاءت حوله.

 

أبرز التفاسير التي تعتمد منهج تفسير القرآن بالقرآن

توجد مجموعة كبيرة من التفاسير التي تعتمد منهج تفسير القرآن بالقرآن، منها:

- الميزان في تفسير القرآن: السيد محمد حسين الطباطبائي (20 جزءاً).

 

- تفسير المنار: محمد رشيد رضا (وأستاذه الشيخ محمد عبده) (12 جزءاً).

 

- الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة: الدكتور محمد الصادقي الطهراني (30 جزءاً). وله – أيضاً -: التفسير الموضوعي بين الكتاب والسنّة (22 جزءاً).

 

- آلاء الرحمن في تفسير القرآن: الشيخ محمد جواد البلاغي (جزءان/ غير مكتمل).

 

- التفسير القرآني للقرآن: عبد الكريم الخطيب (16 جزءاً).

 

- تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن: محمد أمين بن محمد مختار.

 

- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي. وله - أيضاً -: نفحات القرآن (6 أجزاء).

 

- تفسير تسنيم: الشيخ عبد الله جوادي آملي (36 جزءاً حتى الآن، وما زال يصدر).

 

- مفاهيم القرآن: الشيخ جعفر السبحاني (10 أجزاء).

 

- معارف القرآن: الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (10 أجزاء).

 

________________
1.ينقسم المنهج النقلي إلى قسمين: تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنّة.

2.لمزيد من التفصيل في هذا المنهج وتطبيقاته، انظر: الرضائي، مناهج التفسير واتّجاهاته، م.س، ص47-87، معرفة، التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب، م.س، ج2، ص539-543، السبحاني، المناهج التفسيريّة، م.س، ص143-149.

3.انظر: الرضائي، مناهج التفسير واتّجاهاته، م.س، ص49.

4.انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج4، ص99-100، ابن حنبل، مسند أحمد، م.س، ج1، ص378.

5..انظر: المجلسي، بحار الأنوار، م.س، ج40، ص180.

6.انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج1، ص11.

7.انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج1، ص11.

8.انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج3، ص20-23.

9.انظر: سورة الأعراف، الآيات 105-136، سورة طه، الآيات 9-98، سورة الشعراء، الآيات 10-67، سورة النمل، الآيات 7-14.

10.المتّقي الهندي، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، م.س، ج1، ح2861، ص619.

11.الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج2، الخطبة 133، ص16-17.

12.الكليني، الكافي، م.س، ج3، كتاب الطهارة، باب الشكّ في الوضوء...، ح4، ص33.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .