أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-1-2017
12012
التاريخ: 2024-02-21
1023
التاريخ: 2024-03-31
823
التاريخ: 2024-08-23
332
|
يفتتح هذا الحكيم كتابه معددًا لابنه ما تحمله نصائحه من فوائد، وما سيعود عليه منها لو اتبعها فيقول: «إنى مخبرك بكل فاضل، وبما يجب أن تعيه في لبك، فاعمل به، وبذلك تكون محمودًا، ويبتعد عنك كل شر … وسيقال عنك — إذا اتبعت ما أقول: «إنه على خلق عظيم»، ولن يقال: «إنه قد أتلف، وإنه بليد»، وإذا تقبلت كلماتي فإن كل شر سيبتعد عنك«.
ثم يتلو هذه النصيحة الأولى عدة نصائح أخرى في الحذق في الكلام وقلته، وعدم التفاخر بالقوة، غير أنها كلها قد استعصى علينا فهمها، إلى أن نصل إلى نصح حكيمنا لابنه في أن يتخذ لنفسه زوجة، وهو لا يزال في ريعان الشباب ليكون له خلف صالح يسعد بهم، ويربيهم في حياته، فيقول:
اتخذ لنفسك زوجة، وأنت لا تزال شابًّا لتنجب لك ولدًا، ويجب أن تنتجه لك، وأنت لا تزال صغير السن، ويجب أن تعيش لتراه قد صار رجلًا (؟)، فما أسعد الرجل الكثير النسل؛ فهو يُحترم بسبب أولاده.
وبعد أن تكلم لابنه عن تأسيس الأسرة أراد أن يذكره بجانب ذلك بتقوى الله، وأداء ما عليه من الواجبات نحوه فيقول:
احتفل بعيد إلهك، وإن الله يغضب على من يستخف به، واجعل شهودًا يقفون عند قربانك التي تقرِّبها لله؛ فإنه لأحسن شيء لمن يؤديه؟ وإن الغناء والرقص والبخور لمتعلقة بخدمته (؟)، أمَّا تقبله الاحترام فمن حقوقه، فقدمها للإله حتى تعظم اسمه.
وجاء في القرآن الكريم: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ.
ينتقل بنا بعد ذلك «آني» إلى تعليم ابنه المعاملات الاجتماعية، فيعلمه أولًا أدب الزيارة، فلا يدخل بيتًا إلا بعد استئذان، وعندما يدخل يغض طرفه عن كل عيب، ولا يتكلم عن شيء رآه معيبًا في زيارته، فيقول:
لا تدخلنَّ بيت غيرك … ولا تمعنن في النظر إلى الشيء المنتَقد في بيته؛ إذ يمكن لعينك أن تراه، ولكن الزم الصمت، ولا تتحدثن عنه لآخر في الخارج؛ حتى لا تصبح جريمة كبرى تستحق الإعدام عندما تُسمع (؟).
وبهذه المناسبة يحذره الزنا، ويذكره بأن المرأة لغز ملتوٍ فلا ينخدع بإغرائها، وبأن ارتكاب الفاحشة يعاقب عليه بالقتل أمام القانون، فيقول:
خذ حذرك من المرأة الأجنبية، تلك التي ليست معروفة في بلدتها، ولا تغمزن لها بعينك، ولا تبغ معها (؟)؛ فهي ماء عميق لا يعرف الرجال التواءاته (تياراته). والمرأة البعيدة عن زوجها تقول لك كل يوم: «إنى جميلة»؛ ولذلك عندما تكون بعيدة عن أعين الرقباء تقف أمامك لتوقعك في حبائلها … وإن ذلك «الزنا» لجرم عظيم يستحق الإعدام عندما يرتكبه الإنسان، ثم يعلم بذلك الملأ؛ لأن الإنسان يسهل عليه بعد ارتكاب تلك الخطيئة أن يرتكب كل ذنب.
يتحدث بعد هذا «آني» في فقرة صغيرة عن سمعة الرجل أمام القضاء بعد أن تكلم عن سمعته أمام الناس بالنسبة للمرأة فيقول:
لا تدخلنَّ وتخرجنَّ في قاعة العدل (المحكمة) حتى لا يفوح اسمك — من كثرة القضايا، ولا تتكلمن كثيرًا، وكن صامتًا لتكون سعيدًا، ولا تكن ثرثارًا.
ويطالعنا بعد ذلك بتعليم ابنه معنى التقوى الحقيقية نحو الله، ثم نحو أبويه، فيقول:
إن بيت الله يمقت الهرج، فصلِّ بقلب محب، ولا تجهر بصلاتك، وبذلك ستقضي كل حوائجك، وسيسمع الله ما تقول، ويتقبل قربانك.
هذا عن الإله، أما عن الأبوين فيقول:
قرِّب الماء لأبيك وأمك اللذين يسكنان في وادي الصحراء (الجبانة) … ولا تنسَ أن تؤدي هذا حتى يعمل لك ابنك بالمثل.
ثم نرى «آني» يحض ابنه على الابتعاد عن المسكرات، شارحًا له في صورة حية ناطقة ما يبدو على السكير من سوء الحال، فيقول:
لا تلزمن نفسك — من باب الفخر — بأنك تستطيع أن تشرب إبريقًا من الجعة، فإنك بعد ذلك تتكلم ويخرج من فيك قول لا معنى له، وإذا سقطت وكُسرت ساقك فلن تجد أحدًا يمد إليك ليساعدك، أما إخوانك في الشراب فيقفون قائلين: «أبعدوا هذا الأحمق»، وإذا حضر إنسان ليبحث عنك ليستجوبك وجدك طريح الثرى، ومثلك في هذا كالطفل الصغير.
ثم يذكره بعد هذا بألا يتردد على البيوتات المريبة، فيقول:
لا تخرج من بيتك إلى بيت لا تعرفه (؟)، واجعل كل بيت تحبه معروفًا؛ حتى لا يرتاب أحد في سلوكك.
وبعد أن تكلم عن كل هذه الأشياء الفاضلة التي يجب على ابنه أن يرعاها في الحياة، انتقل إلى تذكيره بالموت، وأنه يجب عليه أن يعد لنفسه قبرًا ليُثوى فيه. وهذا أمر كان يهتم به كل مصري قديم طوال حياته؛ إذ كان إعداد القبر في المنزلة الأولى، فيقول:
أعد لنفسك مأوًى جميلًا في وادي الصحراء، وهي الحفرة التي ستواري جثمانك، فاصنعه أمام عينيك في مشاغلك … مثل السلف العظام الراقدين في مدافنهم (؟)، وإن الذي يبني القبر لنفسه لن يقابل باللوم على ذلك، وإنه لجميل أن تعد لنفسك كذلك على هذا النحو قبرًا، وسيأتي إليك الرسول (الموت)، وسينصب نفسه أمامك فلا تقولن: «إنى لا زلت صغيرًا جدًّا لتختطفني»؛ لأنك لا تعرف حتفك، والموت يأتي، ويختطف الطفل الذي لا يزال يرضع ثدي أمه، كما يختطف الرجل عندما يصبح مسنًّا.
يأتي بعد هذه الفقرة فقرة طويلة بعض الشيء ينصح فيها «آني» ابنه بأن يكون يقظًا في المعاملات الاجتماعية، غير أن معظمها غير مفهوم لنا تمامًا:
تأمل! إني أقص عليك أشياء أخرى طريفة يجب عليك أن تعيها في لبك، فأدها؛ وستكون بذلك سعيدًا، وسيبتعد عنك كل سوء …
ثم يشير على ابنه بعد هذه المقدمة بأن يتخير صديقه بعد التجربة على ألا ينزل إلى طبقة العبيد، ويأخذ منهم صديقًا، فيقول:
ابتعد عن الرجل المعادي، ولا تتخذنه خدنًا لك، بل اصطفِ لنفسك صديقًا مستقيمًا عادلًا، وعندما ترى ما فعله (؟) … ولا تتخذن لنفسك صديقًا كان عبدًا لآخر سيئ السمعة … فإذا اقتفى أثره إنسان ليقبض عليه، وليأخذ من كان في بيته — أي العبد — صرت تعسًا، وتقول: ما العمل؟
وينصح بعد ذلك «آني» ابنه بألا يغتر بالمال، وأنه ليس مصدر سعادة، وألا يعتمد على مال غيره، ولا يبني قصورًا على ما سيرثه من مال جده، فيقول:
يبني الإنسان بيتًا لنفسه، وَهَبْ أن قطعة أرض صارت ملكًا لك، وقد حوطت بسياج من النبات المزهر أمام حقلك الخصب، وغرست فيها شجرة الجميز … وأنك قد ملأت يدك بكل الأزهار التي تتصورها العين، ولكن مع كل هذه الأشياء قد يكون الإنسان شقيًّا … لا تتكلن على مال إنسان آخر، واحذر أن تفعل هذا، ولا تعتمدنَّ على متاع الآخر … ولا تقولنَّ: «إن والد أمي له بيت» … لأنه إذا جاءت القسمة مع إخوتك فإن نصيبك لا يكون إلا مخزنًا، «وإذا أراد الله أن يولد لك طفل …»
ثم يحض حكيمنا ابنه على احترام غيره فيقول:
لا تقعدنَّ إذا كان غيرك أكبر سنًّا واقفًا، أو آخر يشتغل في مهنة معك زمنًا أقدم منك.
وينتقل بنا «آني» إلى موضوع المعرفة، ومكانتها في المجتمع، والكاتب وسمو حرفته، فيقول:
إذا كنت ماهرًا في الكتابة فإن الناس أجمع يفعلون كل ما تقوله؛ إذن خصص نفسك للكتب، وضعها في لُبك، وبذلك يكون كل ما تقوله ممتازًا، كل وظيفة يُعيَّن فيها الكاتب فإنه لا بد يستشير فيها الكتب؛ وبذلك يلازمه النجاح، فليس هناك ولد لملاحظة الخزانة، ولا وارث لملاحظة الحصن … الوظائف لا أولاد لها … وفي هذه الحالة يحصل عليها الأكفاء الذين تعلموا كثيرًا.
ثم يعود «آني» إلى تحذير ابنه ليكون محترسًا في كلامه؛ خوفًا من الخطل في القول، ويعلمه أن جوفه يتسع لحفظ كل ما يريد أن ينطق به لسانه، فيقول: «لا تفضينَّ بما في قلبك إلى … رجل … فإن كلمة خاطئة خرجت من فيك إذا أعادها من سمعها جعلتُ لك أعداء، وإن الإنسان ينزل به الخراب من جراء لسانه. وإن بطن الإنسان أوسع من مخزن الغلال؛ فهو مفعم بكل أنواع الأجوبة، وعليك أن تنتخب خير الكلام، وتتحدث به، واجعل القبيح سجينًا في بطنك، وفي الحق ستكون دائمًا معي، وستجيب من يضرني بقول الكذب، ومع ذلك فإن الله يحكم في صالح الحق، وعندئذ سيأتي عقابه، ويلحق به (يظهر أن المؤلف يشير إلى عدو قد ألحق به ضررًا. وقد ذكر في الجزء المفقود من نصائحه في أول الكتاب).» وبعد ذلك يعود مرة ثانية إلى العلاقة التي يجب أن تكون بينه وبين ربه، فيحثه على تقديم القربان، وعلى ألا يغتال حقوقه، ولا يسأل عن صورة ربه، ولا يمشي الخيلاء في موكبه؛ مما يذكرنا بقوله — عز وجل: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا، وإن الله هو الذي يجعل من يشاء عظيمًا، ثم يشير من طرف خفي إلى أن الله واحد ممثل في الشمس، وأما الآلهة الذين على الأرض فهم صور مختلفة له فيقول:
قدم قربانًا لآلهتك، واحفظ نفسك من التعدي على حقوقه، ولا تسأل عن صورته، ولا تمشِ الخيلاء حينما يخرج في موكبه (أي الإله)، ولا تتزاحم على حمله في الموكب … ودع عينك تعرف قيمته، واحترم اسمه؛ لأنه هو الذي يعطي القوة ملايين المخلوقات، وسيقصر العظمة على من يجعله هو عظيمًا، إن إله هذه الأرض هو الشمس التي في الأفق، ولكن صورته على الأرض، فليقرِّب إليها البخور كل يوم.
وبعد أن عرَّف حكيمنا ابنه كيف يعامل ربه انتقل به إلى معاملة الوالدة، وما لها من فضل عليه في حمله وتربيته؛ مما يذكرنا بقول الله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، فيقول: «ضاعف مقدار الخبز الذي تعطيه والدتك، واحملها كما حملتك، ولقد كان عبؤها ثقيلًا في حملك، ولا تتركه لي قط أبدًا، وحينما ولدتك حملتك كذلك ثانية بعد شهور حملك حول رقبتها، وقد أعطتك ثدييها ثلاث سنوات، ولم تشمئز من برازك، ولم تكن متبرمة ولم تقل «ماذا أفعل أنا»، ولقد ألحقتك بالمدرسة عندما تعلمت الكتابة، وقد وقفت هناك يومًا (خارج المدرسة) … بالخبز والجعة من بيتها، وحينما تصبح شابًّا وتتخذ لنفسك زوجة، وتستقر في بيتك اجعل نصب عينيك كيف وضعتك أمك، وكيف ربتك بكل الوسائل، فليتها لا تضرك بألا ترفع أكف الضراعة إلى الله، وليته لا يسمع عويلها«(1). ثم عرج بعد ذلك الحكيم ناصحًا لابنه أن يكون شفيقًا على الناس كذلك، وألا يثق بالثروة؛ لأنها كمجرى الماء لا يبقى على حال، فمن يكون غنيًّا اليوم قد يصبح فقيرًا في الغد، فيقول: «لا تأكلنَّ الخبز إذا كان هناك آخر يتألم من عدمه دون أن تمد يدك إليه بالخبز، فواحد غني وواحد فقير … ومن كان غنيًّا في السنين الخوالي قد أصبح هذا العام سائسًا، ولا تكن شرهًا فيما يختص بملء بطنك. وإن مجرى الماء الذي كان يجري فيه الماء في السنة الماضية قد يتحول هذا العام إلى مكان آخر، وقد أصبحت البحار العظيمة أماكن جافة، وأصبحت الشواطئ هوات (أي بحارًا) «...
ثم يعود «آني» ثانية إلى التحدث عن الزيارة وآدابها، فيقول لابنه:
لا تذهبن إلى بيت إنسان بحرِّية، بل ادخله فقط عندما يؤذن (2) لك، وحينما يقول هو لك (أي رب البيت) أهلًا بك بفمه … (وتأتي بعد ذلك جملة مبهمة) أعطه الإله، وأعطه يومًا ثانيًا للإله والغد مثل اليوم، وسترى ما يفعله الإله إذا لطخ اسم الذي لطخك.
ويحتمل أن هذا الكلام يشير هنا إلى إنسان قد ارتكب خطيئة، وسيتولى الله عقابه عليها.
وينصح بعد ذلك «آني» ابنه بأن يتجنب الشغب، فيقول:
لا تدخلنَّ في زحام إذا رأيت أنهم مستعدون للضرب … حتى لا تُلام في المحكمة أمام القضاء بعد تأدية الشهادة (؟)، ابتعد عن أهل الشر …
ثم ينصح ابنه بعد أن أصبح رب بيت أن يكون حكيمًا في سلوكه مع زوجه؛ حتى يبتعد عن كل شجار، أو خلاف، فيقول:
لا تمثل دور الرئيس مع زوجك في بيتها إذا كنت تعرف أنها ماهرة في عملها، ولا تقولنَّ لها: أين هي، أحضريها لنا إذا كانت قد وضعتها في مكانها الملائم، واجعل عينك تلاحظ في صمت حتى يمكنك أن تعرف أعمالها الحسنة، وأنها لسعيدة إذا كانت يدك معها … وبذلك يتجنب الرجل تحريك الشجار في بيته.
ثم يذكر «آني» في الوقت نفسه ابنه بأن يحذر النساء الأجانب فيقول:
لا تذهبن وراء امرأة حتى لا تتمكن من سلب لبك.
ولم يفُت «آني» أن يضع لابنه الخطط في معاملة الرئيس حتى يكون سعيدًا معه، فيقول:
لا تجيبن رئيسًا في حال غضبه، بل ابتعد من أمامه، واذكر حلو الكلام حينما ينطق بمرِّه لأي إنسان، واعمل على تهدئة قلبه؛ فإن الأجوبة الشديدة تحمل غضبًا — تؤدي إلى ضربك، وبذلك تنهار قواك. وإن الغضب يصوِّب نفسه نحو أعمالك فلا تنغصن نفسك على أن الرئيس سيلتفت ويثني عليك بسرعة بعد فوات ساعته المخيفة (ساعة غضبه)، وإذا كانت كلماتك مهدئة للقلب، فإن القلب يميل لاستيعابها، وجد في أن تكون صامتًا، واخضع لما يفعل.
وبعد أن رسم له الطريقة الرشيدة في معاملة رئيسه لم يفُته أن يلفت نظره إلى أن يكون على وفاق مع رجال الشرطة، فيقول:
اتخذ من شرطة شارعك صديقًا، ولا تجعلنه يثور عليك، وأعطه من طرائف بيتك حينما يكون منها في بيتك (في أيام العيد)، ولا تتغاض عنه وقت صلاته، بل قل له: «المديح لك.»6
يتلو ذلك قطعة غير مفهومة، ثم محادثة هي خاتمة الكتاب، وبعد أن فرغ «آني» من إلقاء نصائحه على ابنه أجابه ابنه بأنه يتمنى أن يكون مثله، ولكن شتان ما بينه وبين والده الذي كان صاحب همة عالية، ومطامح سامية، وأنه ربما يتعذر عليه أن يصر إلى ما وصل إليه «آني» فيقول:
آه، يا ليتنى مثلك … حتى أعمل حسب تعاليمك، وحتى يرقى الابن إلى مرتبة والده … إنك رجل صاحب مطامح عالية، فكل كلماتك مختارة، وإن الوالد الذي يتصور خبثًا في نفسه يقول … في الكتب … إن كلماتك مريحة لقلبي، ولبي يميل إلى استيعابها، وإن قلبي لفرح، ولكن لا تجعلن نصحك يتجاوز الحد في غزارته … إن الولد لا يعمل حسب التعاليم التي ثقفته حتى لو كانت كل الكتب على لسانه (3).
غير أن الوالد لما سمع هذا الجواب من ابنه أخذ القلق يساوره، وأخذ يضرب له الأمثلة الطريفة في الطاعة، ويحثه على اتباع ما ألقاه عليه من النصائح، فيقول «آني» مجاوبًا ابنه «خنسوحتب «:
ولا تثقنَّ في هذه الأشياء (؟) الخطرة، وتجنب أن تعود إلى الشكوى؛ فإن قلبي لا يصغي إليها، فإن الثور المحارب الذي قتل ما في الحظيرة من ثيران لا يمكنه أن يغادر الحلقة؛ إذ يجب عليه أن يأخذ أوامره من سائقه، وكذلك الأسد المفترس يخفف من ثورته، ويمر بكابة على الحمار، والجواد يخضع لنيره … والكلب يصغي للكلام، ويتبع سيده، والحيوان «كيري» يحمل … إناء الذي لم تتحمله والدته، والأوزة تحط على البركة الباردة حينما تُصاد، وبذلك تنتفض في الشرك (حزنا)، والعبيد قد تعلموا الكلام المصري، وكذلك السوريون، وكل الأجانب، وقد تكلمت كذلك عن كل الحِرف التي يمكن أن تسمع عنها، وأعرف ما يجب أن يفعل.
أما الجواب الذي أجاب به «خنسوحتب» أباه فمُبهم، ومن المحتمل أنه يشير إلى الحقيقة القائلة: بأن كل الناس لا قيمة لهم. فيقول:
إن هناك جمًّا غفيرًا من الأدنياء، وليس هناك فرد يعرف تعليمه، وإذا وجدت إنسانًا حازمًا فإن الأكثرية أغبياء.
(ومن المحتمل إذن أن يعاهد والده على الطاعة) فيقول:
كل كلماتك ممتازة … وإني أعطيك المواثيق بأن أضعها على طريقتك التي رسمتها.
وعلى ذلك يجيب الكاتب «آني» على ما قاله ابنه ببعض أمثال حكيمة لا تزال تأخذ بالألباب، وتستهوي النفوس؛ لأنها تنفذ إلى الأعماق فيقول:
أدِر ظهرك لتلك الكلمات الكثيرة التي ينبو عنها السمع، فإن العصا المعوجة الملقاة في الحقل، والمعرضة للضِّح والفيء يحضرها الصانع، ويجعلها مستقيمة، ويصنع فيها سوطًا للشريف، ولكن قطعة الخشب المستقيمة هي التي يُصنع منها لوحًا للكتابة. آه، أيها القلب الذي لا يمكنه أن يتبصر في العواقب، هل كانت آراؤك في أن تعطي المواثيق أو أن تفشل (4)؟
.......................................
1- قد جاء في القرآن الكريم:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا) الآية.
2- وهذا ما يقابل عند المسلمين قول الإنسان «حرمًا «.
3- ومعنى هذه الفقرة أن الولد يقول لوالده لا تغال في طلباتك، وإلا فعلى الرغم من أني أعي حكمتك في فمي، فلن يتسنى لي أن أعمل على حسب ما جاء فيها.
4- ويقصد الكاتب أن الانسان يمكنه أن يثقف كل إنسان وإن كانت النتيجة تختلف، وبقي أن نعرف هل الحكيم يفضل السوط الجميل أو اللوح؟
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|