أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-3-2016
1914
التاريخ: 16-10-2014
1701
التاريخ: 2024-09-27
210
التاريخ: 9-5-2017
3728
|
القواعد الأصولية للتفسير
تقدَّم خلال بحث الشروط العلميّة والمعرفيّة للمفسّر وجه حاجته في عمليّة التفسير لبعض القواعد المبحوثة في علم أصول الفقه، ومن أبرز هذه القواعد الآتي(1):
قاعدة العناية بالأُصول اللفظيّة
ويُراد بالأُصول اللفظيّة القواعد التي يُرجع إليها لإثبات مقصود المتكلّم ومراده عند الشكّ فيه، وتسمّى بالأصول المراديّة، وهي: أصالة الحقيقة، وأصالة العموم، وأصالة الإطلاق، وأصالة عدم التقدير، وأصالة عدم القرينة، وأصالة الجدّ، (أو أصالة عدم الهزل)، وأصالة عدم الغفلة، وأصالة عدم الإهمال، والإجمال.
فإذا وقع الشكّ في إرادة المعنى الحقيقيّ أو المجازيّ من اللفظ، بأن لم يعلم وجود القرينة على إرادة المجاز مع احتمال وجودها، فحينئذ يقال: الأصل الحقيقة، أي: إنّ الأصل أنْ نحمل الكلام على معناه الحقيقيّ، فيكون حجّة فيه للمتكلّم على السامع، وحجّة فيه للسامع على المتكلّم، فلا يصحّ من السامع الاعتذار في مخالفة الحقيقة بقوله: لعلّك أردت المعنى المجازيّ، ولا يصحّ من المتكلّم أن يقول للسامع: إنّي أردت المعنى المجازيّ.
وإذا ورد لفظ عامّ، وشكّ في إرادة العموم منه أو الخصوص، أيْ: شكّ في تخصيصه، فيقال حينئذ: الأصل العموم، فيكون حجّة في العموم على المتكلّم والسامع.
وإذا ورد لفظ مطلق، له حالات وقيود يمكن إرادة بعضها منه، وشكّ في إرادة هذا البعض، لاحتمال وجود القيد، فيقال: الأصل الإطلاق، فيكون حجّة على المتكلّم والسامع.
وإذا أُحتمل التقدير في الكلام، وليس هناك دلالة على التقدير، فالأصل هنا عدم التقدير.
ويمكن إرجاع هذه الأُصول إلى أصل واحد، وهو أصالة الظهور، ومفادها: إذا كان اللفظ ظاهراً في معنىً خاصٍّ لا على وجه النصّ فيه الذي لا يحتمل معه الخلاف، بل كان يحتمل إرادة خلاف الظاهر، فإنّ الأصل حينئذ أنْ يحمل الكلام على الظاهر فيه(2).
قاعدة العناية بالعامّ والخاصّ
ويُراد بها العناية بوجود العامّ والخاصّ في الآيات القرآنيّة، والالتفات إلى الفهم الصحيح منهما، والتوجّه إلى ما أراد الله تعالى من كلامه، لأنّ الخاصّ قرينة على بيان المراد من العامّ الذي يشمل بمفهومه جميع ما يصلح انطباق عنوانه عليه في ثبوت الحكم له. ولا فرق في تأخّر ورود الخاصّ على العامّ وتقدّمه. وللعموم ألفاظ تخصّه دالّة عليه: إمّا بالوضع، أو بالإطلاق بمقتضى الحكمة. وهي: إمّا تكون ألفاظاً مفردة، مثل: (كلّ) وما في معناها، مثل: (جميع) و(تمام)، و(أيّ)، و(دائماً)، وإمّا أنْ تكون هيئات لفظيّة كوقوع النكرة في سياق النفي والنهي، وكون اللفظ جنساً محلّى باللام، جمعاً كان أو مفرداً(3).
ومن الأمثلة على تخصيص العامّ بالخاصّ: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } [البقرة: 228] ، فإنّه عامّ، يخصّصه قوله عزّ وجلّ: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].
وقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] ، فإنّه عامّ، يخصّصه قوله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: 191].
وفي تخصيص القرآن الكريم بما ورد في السنّة الشريفة، فهو جائز في صورة لو ثبتت حجّية خبر الواحد بدليل قطعيّ(4).
قاعدة العناية بالمطلق والمقيّد
ويُراد بها العناية بوجود المطلق والمقيّد في الآيات القرآنيّة، والالتفات إلى الفهم الصحيح منهما، كي نفهم مراد الله تعالى من كلامه، حيث يكون المقيّد وهو لحاظ خصوصيّة زائدة على الطبيعة قرينة على التصرّف في ظهور المطلق الذي هو عدم لحاظ الخصوصيّة الزائدة. ولا فرق في تأخّر ورود المقيّد على المطلق وتقدّمه. ويكمن الفارق بين العامّ والمطلق في أنّ العامّ يدلّ على الشمول بواسطة وضع اللفظ، وألفاظه هي الكلّ والجميع وأمثالهما. وأمّا المطلق فلم يكن بواسطة اللفظ، بل هو مستفاد من العقل ببركة مقدّمات الحكمة (إمكان الإطلاق والتقييد + عدم نصب القرينة على التقييد + كون المتكلّم في مقام بيان تمام المراد)(5).
قاعدة العناية بدلالة المجمل والمبيّن
ويُراد بها العناية بوجود المجمل والمبيّن في الآيات القرآنيّة، والالتفات إلى الفهم الصحيح منهما، والتوجّه إلى ما أراد الله تعالى من كلامه، حيث يكون المبيّن وهو ما كان له ظاهر يدلّ على مقصود قائله أو فاعله على وجه الظنّ أو اليقين، قرينة على المجمل وهو ما لم تتّضح دلالته، أيْ: ما جهل فيه مراد المتكلّم ومقصوده إذا كان لفظاً، وما جهل فيه مراد الفاعل ومقصوده إذا كان فعلاً(6).
ونطاق هذه القاعدة يشمل الآيات القرآنيّة التي تكون مجملة (تتساوى فيها المعاني)، سواءٌ أكانت في العقائد والمعارف، أو في الأخلاق، أو في الأحكام، وإنْ كانت في الأحكام أحوج من الآخرَين.
مثال الإجمال في المعارف، قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [الفاتحة: 7] ، فإنّ نعم الله كثيرة، والمنعمون عليهم كثيرون، فأيّهم أراد الله في هذه الآية الكريمة؟ فتبيّن إجماله بقوله تعالى: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69].
ومثال الإجمال في الأخلاق، قوله سبحانه: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] ، أي: جعل كلمة التقوى مع المؤمنين بحيث لا تنفكّ عنهم، فإنّه مبيّن بقوله عزّ وجلّ: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [الفاتحة: 22].
ومثاله في الأحكام، قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] ، فإنّ اللمس يستعمل في اللمس باليد والجماع، ولم يعلم أيّهما أُريد به في الآية، فبيانه جاء في قوله جلّ وعلا: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } [آل عمران: 47] ، كما جاء في قوله تعالت أسماؤه: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] ، فإنّ المسّ هو الجماع، ونصف المهر بإزائه.
قاعدة العناية بدلالة المفاهيم
ويُراد بها العناية بدلالة المنطوق في الآيات القرآنيّة، والبحث عن وجود دلالة للمفهوم، حيث إنّ كلّ كلام من أيّ لغة كان قد يقترن بقيود احترازيّة من شأنها تضييق دائرة الحكم عند وجودها، وتوسعة نطاق الحكم عند فقدانها، كبعض الشروط والأوصاف، وقد يقترن بقيود يوجب وجودها ثبوت حكم للموضوع، وعدمها موجب لانتفاء ذلك الحكم، كالقيود الزمانيّة والمكانيّة والعدديّة، وكذا الصفات والشروط وغيرها. والقرآن الكريم لمّا نزل بلسان عربيّ، كان بذلك مشتملاً على هذه الخصيصة(7).
ودلالة المفهوم بالنسبة للمنطوق على نحوين:
- دلالة موافقة:
وهي ما كان الحكم في المفهوم فيها موافقاً في السنخ للحكم الموجود في المنطوق، كدلالة الأولويّة في مثل قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] ، على النهي عن الضرب والشتم للأبوين، ونحو ذلك ممّا هو أشدّ إهانة وإيلاماً للتأفيف المحرّم بحكم الآية، وقد يسمّى "فحوى الخطاب".
- دلالة مخالفة:
وهي ما كانت الدلالة فيها التزاميّة، والحكم فيها مخالفاً في السنخ للحكم الموجود في المنطوق.
ومن موارد تطبيق القاعدة على الآيات القرآنيّة، قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، وقوله سبحانه: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } [الحجرات: 6] ، وقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 239] ، فإنّه يدلّ بمنطوقه على جواز أداء الصلاة رجالاً أو ركباناً في حالة الخوف، ويدلّ بمفهومه على صحّة الصلاة إلاّ قائماً أو قاعداً.
قاعدة العناية بالدلالات المختلفة
ويُراد بها العناية بدلالة الكلام على نحو الاقتضاء والتنبيه والإشارة(8).
ومن موارد دلالة الاقتضاء في القرآن، قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } [المائدة: 3] ، وقوله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء: 23] ،
فإنّ التحريم لا يتعلّق بالأعيان، وإنّما يتعلّق بالأفعال ذات الصلة بالأعيان، فتتوقّف استقامة المعنى المقصود على تقدير فعل مناسب ليدلّ على المعنى المسكوت، وهو في الأوّل أكل الميتة أو بيعها، وفي الثاني تحريم نكاحهنّ. وكذا قوله عزّ وجلّ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] ، أي: الحجّ أشهره أشهر معلومات.
ومن موارد دلالة التنبيه والإيماء، قوله جلّ وعلا: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] ، فإنّه يدلّ على أنّ مسّ القرآن مشروط بالطهارة.
ومن موارد دلالة الإشارة، قوله جلّ شأنه: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الفاتحة: 15] ، فإنّه يدلّ بالدلالة المطابقيّة على تعب الأُمّ في الحمل، والفصال مدّة ثلاثين شهراً، فإذا لوحظ مع قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] الذي يدلّ بالدلالة المطابقيّة على وجوب الرضاع حولين كاملين، ينتج أقلّ مدّة الحمل، وهي ستّة أشهر، وذلك بطرح أربعة وعشرين شهراً من الثلاثين.
وكذا قوله تعالت أسماؤه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } [البقرة: 228] ، فإنّه دلّ بعبارته على مدّة العدّة، كما دلّ بإشارته على إباحة تزوّج المرأة المطلّقة بعد انقضاء العدّة.
وكذا قوله عزّ من قائل: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، فقد دلّ نصّ هذه الآية على وجوب نفقة الأُمّ المرضعة ووليدها على الأب وحده، كما دلّ بإشارته على شدّة اتّصال الولد بأبيه، وأنّ للوالد أن يأخذ من مال ولده ما يحتاج من غير إذنه ورضاه، لدلالة اللام في "له" على الملك.
____________________
1.لمزيد من التفصيل في هذه القواعد، انظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن، م.س، ج2، النوع 32، 41-42، 45، السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، م.س، ج2، النوع 45-46، 49-50، 57، الميبدي، قواعد التفسير لدى الشيعة والسنّة، م.س، ص175-265، الرجبي، بحوث في منهج تفسير القرآن الكريم، م.س، ص211-218.
2.نظر: المظفّر، أصول الفقه، م.س، ج1، ص29-30.
3.نظر: المظفّر، أصول الفقه، م.س، ج1، ص139-140، الصدر، دروس في علم الأصول الحلقة الثالثة-، م.س، ص92-98.
4.نظر: الخوئيّ، البيان في تفسير القرآن، م.س، ص399-402.
5.انظر: المظفّر، أصول الفقه، م.س، ج1، ص171-184، الصدر، دروس في علم الأصول الحلقة الثالثة-، م.س، ص77-91.
6. انظر: المظفّر، أصول الفقه، م.س، ج1، ص195.
7. انظر: المظفّر، أصول الفقه، م.س، ج1، ص109، الصدر، دروس في علم الأصول الحلقة الثالثة-، م.س، ص99-111.
8. انظر: المظفر، أصول الفقه، م.س، ج1، ص119-122.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|