المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7984 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


ادلة قاعدة الكفر  
  
176   02:17 صباحاً   التاريخ: 2024-09-07
المؤلف : الشيخ محمد السند
الكتاب أو المصدر : بحوث في القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج1 ص 328
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / نجاسة الكافر وعدمها - كل كافر نجس /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-9-2016 237
التاريخ: 2024-09-08 119
التاريخ: 2024-09-07 177
التاريخ: 2024-09-08 153

أدلة القول بالنجاسة:

أولا بالآيات الكريمات :

الأولى: قوله تعالى (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ )) (1)

وتقريب الدلالة اجمالًا: أن في حصر المشركين في النجاسة نحواً من التأكيد والتشديد على بالغ نجاستهم، مضافا إلى كون الأخبار بوصف المصدر مبالغة في اتصافهم بذلك كما في زيد عدل، أي عين العدل مبالغة.

وأما الموضوع فيعم أهل الكتاب، إمّا لصدق العنوان عليهم، أو لكونه كناية عن مطلق الكفار لما يأتي من القرائن.

الإشكال على دلالة الآية: وأشكل تارة في المحمول- مفاد النجاسة- وأخرى في عموم الموضوع.

أما المحمول (مفاد النجاسة):

فأولا: بأن المعنى الاصطلاحي للنجاسة لم يثبت وروده في الآية الكريمة ولم يتعارف استعماله، بل هو بالمعنى اللغوي وهو القذارة أي الشرك وهو المناسب للتفريع بمنعهم عن دخول المسجد الحرام لعدم حرمة ادخال الأعيان النجسة ما لم يكن هتكا، إذ المسجد محل عبادة وذكر للّه لا يناسب الشرك والكفر، ويعضد ذلك ندرة استعمال اللفظة في الأحاديث النبوية (2).

ثانيا: أن حمل المصدر على الذات لا يصحّ فلا بد من التقدير ل-- (ذو) أو استعمال المصدر بمعنى الصفة ويصح الاتصاف حينئذ لأدنى ملابسة، وهو عدم توقيهم من النجاسات والاحداث فالتوصيف بلحاظ ذلك.

ثالثا: لو كان المعنى الاصطلاحي هو المراد لاشتهر علما وعملا عند المشافهين بالنزول بل على العكس فان المراد عندهم هو القذارة المعنوية ونحوها، إلا ما ينسب (3) إلى ابن عباس أنّ مفادها (أن أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير)، ومن التابعين الحسن البصري (أن من صافح مشركا توضأ) وعمر بن عبد العزيز وهو على فرض صحة النبسة لا يشكل تبادرا في الارتكاز العرفي المحاوري حينذاك (4).

رابعا: أن النجاسة عند ما تحمل على شيء تارة تحمل عليه كصفة ابتدائية للجسم، وأخرى بما هو متصف بصفة قائمة بالجسم غير قابلة للسريان بالملاقاة، وثالثة كصفة للنفس والمعنى.

ولك أن تقول أنها تارة قذارة حسية للجسم، وثانية قائمة بالجسم غير قابلة للتعدي كالاسكار للخمر، وثالثة قائمة بالجسم والمعنى كالجنابة والحيض، حيث ورد التعبير بأن تحت كل شعرة جنابة.

ففي الأولى القذارة تكون متعدية، وفي الثانية لا تتعدى كما ورد أن الثوب لا يسكر، وفي الثالثة لا تتعدى كما ورد أن الثوب لا يجنب وان الجنابة والحيض حيث وضعهما الله تعالى، ثمّ أن كلا من هذه الأقسام الثلاثة تنقسم إلى حقيقية واعتبارية، والمناسب للحصر في الآية هو النجاسة الحقيقية المعنوية لا الاعتبارية، مضافا إلى أن احتمال ارادة المعنى الحقيقي اللغوي أي القذارة والوساخة ممكن فلا موجب لحملها على الاعتبارية (5).

دفع الإشكال الأول على دلالة الآية: وتدفع:

أما الأول: فبأن سورة التوبة المتضمنة للآية من أواخر السور نزولا بل قيل أنّها نزلت بعد سورة المائدة عام تسع من الهجرة، وقد شرّع نجاسة البول والغائط والمني وغيرها من النجاسات ولزوم الغسل منها كما يظهر من الآيات والروايات في تلك العناوين.

وأما ندرة استعمال اللفظة فلو سلّم ذلك فبعد تشريع المعنى هو كاف في حدوث الاصطلاح، إذ المعنى المزبور له ألفاظ مترادفة قد يكثر استعمال بعضها ويقلّ الآخر، وهو غير مضر بعد ترادفها في المعنى، والوجه في ذلك أنّ المعنى الاصطلاحي ليس يباين المعنى اللغوي في الماهية والذات المقررة كما قدمنا في صدر كتاب الطهارة وانما الوضع الشرعي يتعلق بالمصاديق والتطبيق للمعنى الكلي، فليس هومن أحداث أصل المعنى بل الجعل في المصاديق.

كما تقدم في طي مباحث التذكية أنّ في البناء العقلائي انحاء من الجعل المتفق عليه بينهم أي المتعلق بالحكم الوضعي والتكليفي والطريقي الظاهري، والأول كالتذكية والميتة والطهارة والنجاسة والملكية واللزوم العقدي والجواز وغيرها، والثاني الواجبات العقلية في العقل العملي، والثالث كحجية خبر الواحد والظهور وغير ذلك، وعلى هذا يكون الجعل الشرعي امضائياً في بعض موارده كما في الغائط والبول ونحوهما من القذارات في الجعل العقلائي، وفي البعض الآخر تأسيسياً كالكلب والخنزير والكافر والخمر ونحوها وستأتي تتمة لذلك في الجواب عن الاشكال الرابع.

وبذلك يتضح أن الاستعمال الشرعي للفظة لا يغاير اللغوي في المعنى المستعمل فيه بل في مورد الاستعمال والمسند اليه في بعض الموارد كما في المقام.

ويتضح أن الشرك لم يكن من القذارات العرفية كي تكون النجاسة حقيقية لديهم فلا بد ولا محيص عن كون الآية في صدد الجعل التأسيسي بعد كون الوصف علة منعهم من الاقتراب.

إمضاء المعنى العرفي للنجاسة:

هذا مع أنّ الصحيح كثرة ورودها في الاستعمالات النبوية من طرق الخاصّة والعامّة في القذارة المادية، ويظهر من رواية القمي في تفسيره آية أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ ... (6) أن تنحية المشركين كان من شريعة ابراهيم (ع)، بل ان تشريع نجاسة المشركين كان في التوراة أيضا كأحد أحكام النجاسة.

فمن طرق الخاصة: قوله (ص) (الميتة نجس وان دبغت) (7)، وقوله (ص) (الماء لا ينجسه شيء) (8)، وقريب منه قوله (خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء، الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه) (9).

وما رواه في البحار (10) عن الخرائج عن الصادق (ع) أنّه قال: (لما قتل علي (ع) عمرو بن عبد ود اعطى سيفه الحسن (ع) وقال: قل لأمك: تغسل هذا الصيقل فردّه وعلي (ع) عند النبي (ص) وفي وسطه نقطة لم تنق، قال: أليس قد غسلته الزهراء؟ قال: نعم قال: فما هذه النقطة؟ قال النبي (ص): يا علي سل ذا الفقار يخبرك، فهزّه وقال: أليس قد غسلتك الطاهرة من دم الرجس النجس؟ ... الحديث)، بل هذه الرواية شاهدة على دلالة الآية في تمام مفادها كما لا يخفى حيث أنّه (ع) في صدد بيان شدة التقذر من دمه بإضافته إلى نجاسته.

وقوله (ص) في بيان انتقاله في الأصلاب (ثم قذفنا في صلب آدم ثمّ أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، ولا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر) (11)، وما رواه في البحار (12) عن الواقدي أنّ عبد المطلب أراد أن يمسح بدن النبي (ص) بالات والعزى لتسكن دمدمة وغضب قريش لما رأوا من آيات ولادته فجذب من ورائه فالتفت إلى ورائه فلم ير أحدا، فتقدم ثانية- وهكذا- ثمّ تقدم ثالثة فجذبه الجاذب جذبة شديدة حتى أقعده على عجزه وقال: يا أبا الحارث أتمسح بدنا طاهرا ببدن نجس؟، والنجاسة في حجارة الأصنام بلحاظ ما يراق عليها من دماء القرابين لها أو ملاقاتها لأيدي المشركين.

وما روي فيما امتن الله به على أمّته كرامة له (ص) في الحديث القدسي (وكانت الأمم السالفة إذا أصابهم أدنى نجس قرضوه من أجسادهم، وقد جعلت الماء طهورا لأمّتك من جميع الأنجاس) (13).

 

وما روي في خبر ولادته (ص) (فأخذ جبرئيل رسول الله (ص) وغسله وميكائيل يصب الماء عليه فغسلاه وآمنة في زاوية البيت قاعدة فزعة مبهوتة، فقال لها جبرئيل: يا آمنة لا نغسله من النجاسة فإنّه لم يكن نجسا ولكن نغسله من ظلمات بطنك) (14).

وقوله (ص) إذا أراد دخول المتوضأ (اللهمّ اني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم، اللهمّ امط عني الأذى وأعذني من الشيطان الرجيم) (15)، بناء على أن الموصوف بالرجس النجس هو الغائط والتعوذ منه ومن الشيطان من دون ذكر حرف العطف، أو أن الموصوف هو الشيطان الا أن الوصفين الأولين وصفا له بلحاظ وجوده المادي والاخيرين بلحاظ مرتبة وجوده المجرد.

وقوله (ص) (جنبوا مساجدكم النجاسة) (16)، وغيرها مما يجدها المتتبع.

وأما من طرق العامّة: فقد استفاض عندهم عنه (ص) قوله (ان المؤمن لا ينجس وان المسلم لا ينجس) (17)، في جوابه (ص) لتوهم بعض الصحابة نجاسة بدن الجنب.

وكذا استفاض عندهم قوله (ص) (ان الماء طهور لا ينجسه شيء) (18)، و (ان الماء لا ينجسه شيء)، وكذا استفاض عندهم قوله (ص) (انّها ليس بنجس) عن الهرة جوابا لتوهم بعض النساء نجاسة سؤرها.

وكذا استفاض عندهم قوله (ص) (إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء) (19)، وتقريره (ص) لسؤال السائل إنّا نريد المسجد فنطأ الطريق النجسة ثم قوله (ص) (الارض يطهر بعضها بعضا) (20)، وما رووه عنه (ص) في النهي عن لحوم الحمر وتعليلها ب-- (فإنّها رجس

أو نجس) (21)، وغيرها ممّا يعثر عليه بالفحص.

هذا فضلا عما يوجد في كتب السير والتواريخ عنه (ص)، وفضلا عما يوجد عن أمير المؤمنين (ع) سواء من طرقنا أو طرق العامّة، وكذا عن الصحابة فانه يتوفر بذلك كم هائل من استعمال اللفظة في القذارة المادية، بل بالامكان الحصول على شواهد أنّ اللفظة مستعملة في المادية قبل الإسلام (22).

مضافا إلى كلّ ذلك أنّ استعمال اللفظة كما تقدم إنما هو في ماهية القذارة لا بما هي متقيدة برتبة وجود معين كالنفسي مثلا كما في سائر ألفاظ الطبائع، فعند اسناد المصدر إلى الذات يعطي كما حرر في البلاغة أنّ الذات متمثلة بقالب مجسم من أفراد المصدر كما في زيد عدل، والمفروض أن الذات ليس مقتصرة على الروح والنفس بل مجموع مشتمل عليهما وعلى البدن، إذ لم يسند المصدر إلى الشرك بل إلى المشرك أي الذات المتصفة به، كما ان الاتيان باداة الحصر لحقيقة المشرك في المصدر والصفة تأكيد ومبالغة أخرى في كونهم بتمام ذاتهم قذرين فهل يتناسب كل ذلك مع الاسناد المجازي فيكون الاسناد لا إلى ذواتهم بل إلى نفوسهم.

وأمّا المناسبة المذكورة فلا تقتضي عدم نجاسة أبدانهم المعلولة للشرك، وعدم حرمة ادخال بقية النجاسات ما لم يكن هتكا، فلا شهادة فيه على ذلك بعد اختصاص كل عين نجسة بأحكام وان اشتركت كلها في أحكام أخرى، فالمناسبة المذكورة موجبة للاختصاص بالحكم المزبور لا

لحصر القذارة بالمعنى، بل ان ارادة النجاسة المعنوية في هذا التعبير أي وصف ذواتهم بعين المصدر والقذارة مع حصر حقيقتهم بذلك هومن البشاعة بمكان كما قيل، إذ كيف تتناسب المبالغة في وصف ذات شيء بأنّه عين القذر كما في زيد عدل ثم يقال بأن بدنه طاهر كسائر الأعيان الطاهرة.

دفع الإشكال الثاني:

أما الثاني: فقد حرر في علم البلاغة أنّ الوصف بالمصدر أبلغ فلا حاجة للتأويل والتقدير، ولذلك وقع الاصطلاح الفقهي على اطلاق المصدر على الأعيان النجسة والمشتق على الأجسام المتنجسة بتلك الأعيان، هذا مضافا إلى مناسبة الحصر والمبالغة في التوصيف بالمصدر إلى كون المشركين كملا روحا وبدنا بذلك الوصف.

دفع الاشكال الثالث:

وأمّا الثالث: ففيه مضافا إلى ما تقدم في دفع الأول أنّه لا اختلاف في المعنى المراد من اللفظة كما تقدم، ويشهد لذلك ما يذكر عن كثير من الصدر الأول (23) من أن مفادها هو القذارة المادية، غاية الأمر لا يسندونها إلى أبدانهم بالذات بل يسندونها إليهم بلحاظ تلوثهم ببقية النجاسات وعدم توقّيهم عنها، وبلحاظ الحدث الذي لا يغتسلون منه من الجنابة وغيرها.

فالإختلاف عند الأكثر في استظهار المسند إليه هل هو النفس أو البدن بلحاظ الذات أو بلحاظ القذارات العرضية، نعم اسنده البعض منهم إلى النفس بلحاظ الشرك وهو أيضا ليس قذارة عرفية كما تقدم فالقذارة شرعية عند الكل حتى لو كانت بلحاظ الشرك حيث أن الفرض انه رتب عليها حكم المنع من اقترابهم للمسجد الحرام.

ومما يشهد بأن الظهور يحتمل اسناد النجاسة إلى الأبدان ما رواه الطبري عن جماعة بقوله (وقال آخرون معنى ذلك ما المشركون إلا رجس خنزير أو كلب وهذا قول روي عن ابن عباس)، وحكاه عن الحسن البصري وغيره.

وليس هذا الاختلاف في هذا الجهة من الظهور فقط، فقد اختلف في جهات أخرى أيضا من عموم الدلالة لكل المساجد كما ذهب إليه مالك من العامة خلافا لأبي حنيفة والشافعي، ومن عموم الدلالة لكل الكفار كما ذهب إليه مالك والشافعي خلافا لأبي حنيفة، ومن عموم الدلالة لمطلق الدخول للمسجد الحرام خلافا لأبي حنيفة حيث ذهب إلى المنع عن خصوص الحج والاعتمار.

فهل ترى أن هذا الاختلاف في الاستظهار يسقط الظهور عن الحجية أو ظهورها في مفاد هذه الجهات ويصنفها في المجملات، وكم من اختلاف في مفاد الآي في الكتاب العزيز مع كونها غير محدودة في المتشابه.

بل ان الباعث لهم على تحوير الظهور في الآية هو توهم عامتهم دلالة آية الطعام على طهارتهم وحلّية ذبائحهم، والثانية من سورة المائدة التي عرفت بكونها ناسخة غير منسوخة، فارتكبوا ذلك التأويل جمعا بين المفادين وابتعادا عن النسخ لحكم المنع عن اقترابهم، اذ هو بالاتفاق غير منسوخ.

وهذا نظير ما ارتكبوه من الخطأ في فهم قول النبي (ص) في الشاة الميتة (هلّا انتفع أصحابها بجلدها) ان جلد الميتة يطهر بالدباغة مع انه (ص) أراد بأن يذبحوها ويذكوها ومن ثم ينتفعون بها، وغير ذلك من الموارد التي حرّفت فيها الأحكام، وسيأتي أن محط نظر الروايات على اختلاف ألسنتها هي لتخطئتهم في ذلك ومن ثم تخطئة ما بنوا عليه من تحوير آية نجس المشركين ومن قلب مفادها.

دفع الإشكال الرابع:

وأمّا الرابع: فقد تقدم في دفع الاول والثالث أنّ الاطلاق والاستعمال لا يغاير المعنى اللغوي وانما يغايره في المورد والتطبيق وأنّه شرعي على كل حال، وأمّا الترديد بين الاعتباري أو الحقيقي فهو نظير الترديد في النجاسة في حكم الشرع انها اعتبار أو حقيقة كشف عنها الشارع، فكذلك الترديد في حكم العرف، والصحيح انها مع الطهارة حكمان وضعيان في البناء العقلائي وان كان منشأهما ما يوجب النفرة ونحوهما من الدنس أو الخلوص من ذلك وان كان لهما مصاديق حقيقية تكوينية، حيث أنك ترى اختلافاً في الانظار العرفية في مصاديقها وذلك حسب اعتباراتهم وحسب احراز ملاك الاعتبار المزبور، ويدل على ذلك أيضا انهم يرتبون الآثار من التغسيل وغيره.

فكذلك في المقام حيث رتب في الآية النهي عن اقترابهم، مع أن عناية الحصر والمبالغة في الوصف انما يتم بقذارتهم بنفوسهم وأبدانهم ولو بني على كونها في المقام حقيقية، حيث أنّه تقرير من الشرع بذلك.

وأمّا التقسيم الثلاثي المذكور فغير مطرد فقد حكم على البول والغائط من الحيوان الجلّال بالنجاسة المتعدية وان كان الحيوان من الأنعام الثلاثة وغيره من مأكول اللحم بالذات، وكذا حكم على عرق الجنب من الحرام وعرق الابل الجلالة بالنجاسة المتعدية على قول المشهور فيهما، ولا أقل من مانعيتهما للصلاة، وكذا على الميتة الذي هو زهوق الروح، مع ان هذه الموارد لم يكن الحكم الا بتوسط صفة قائمة بالجسم غير قابلة للسريان أو بالاسناد إلى النفس كما في الجنب من الحرام، كما قد حكم على ابن الزنا بالقذارة غير المتعدية مع أنّه يندرج في القسم الأول.

هذا: مضافا إلى موافقة الاعتبار وتجويزه الحكم بنجاسة متعدية في القسمين الاخيرين فيما كانت شديدة والعكس في القسم الأول فيما كانت خفيفة.

المؤيدات للمختار:

ويمكن تأييد ما تقدم- من عموم القذارة للبدن والنفس- والاستئناس إلى ذلك بما يلي:

أولا: الحكم في موارد أخرى أيضا يظهر منها الارتباط بين القذارة المعنوية والقذارة البدنية:

كغسل الميت من الحدث يطهّر بدنه، كما أن مسّه قبل غسله يوجب الحدث.

وكتنجس بدن الحيوان الآدمي وغيره مما له نفس سائلة بخروج الروح بخلاف ما ليس له نفس وبخلاف الذي خرجت روحه بالشهادة أو التذكية.

وكغسل الجنب من الحرام رافع لنجاسة أو مانعية عرقه للصلاة.

وكذا التعليل الوارد في غسل البدن من الجنابة (من أجل أنّ الجنابة من نفس الانسان بخلاف الغائط فان يدخل من باب ويخرج من باب (24) أو لان فيه لذة وشهوة (25) وهما نفسيتان.

وكاستعمال الماء في رفع الحدث الأكبر يسلب الماء طهوريته، وكذا لزوم طهورية الماء للطهارة عن الحدث، وكذا عدم طهورية الماء عن الحدث إذا كان مستعملا في الخبث.

ثانيا: ما تقدم استظهار القذارة بما يشمل البدن من الآية ما ورد التعبير باللفظة المزبورة عن أهل الكتاب في موثق ابن أبي يعفور (26) بمقتضى الاشتراك المفهوم في مفاضلة الناصب والكلب عليهم.

ثالثا: ما تقدم في مفاد اللفظة، وما ورد في المقابل في المؤمن في روايات الوضوء (ان المؤمن لا ينجسه شيء انما يكفيه مثل الدهن) (27).

رابعا: قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (28)، فقد وردت الروايات المعتبرة ان سبب نزولها هو في الانصاري الذي ابتدع الاستنجاء بالماء، فالاطلاق في الآية بلحاظ البدن، وأيضا كما في روايات أخر بلحاظ النفس فلا غروان يكون كذلك في المقابل وهو النجس.

خامسا: قوله تعالى (( أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ )) (29)، ومثله قوله تعالى في سورة الحج (30)، والمستفاد منها عموم الامر بالتطهير سواء من الاشراك والاصنام أو المشركين أومن بقية القذارات حيث كان المشركون يرمون فيه القذارات.

كما وقد دلت على ارادة عموم الأمر بالتطهير الروايات الصحيحة الواردة (31) في ذيل الآية وأنّه بمقتضى الأمر فيها ينبغي للعبد والمرأة أن لا يدخلا إلّا وهما طاهران قد غسلا عنهما العرق والاذى وتطهّرا.

بل عن تفسير القمي قال الصادق (ع) يعني نحّ عن المشركين وقال: لما بنى إبراهيم (ع) البيت وحجّ الناس شكت الكعبة إلى الله تبارك وتعالى ما تلقى من أيدي المشركين وأنفاسهم، فأوحى الله إليها قرّي كعبتي فاني أبعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر ويتخللون (32).

ولا يتوهم اشعار ذيل الرواية بكون المفاد للآية انهم ذو نجس لأجل عدم تطهرهم عن القذارات إذ اطلاق التوصيف في الآية يفيد ثبوت الوصف مطلقا للذات، كما أن الموضوع هي ذواتهم بنحو مطلق، مع أنّه على هذا المعنى لا موجب لاختصاصهم بالتنحية، وكذلك صدر الرواية المزبورة حيث اطلق الأمر بتنحية المشركين، مضافا إلى اشتمال الذيل في أحد متونه على الشكوى من ملاقاة أيديهم، مع أنّها تغسل في العديد من الأوقات فهو كالصريح في النجاسة الذاتية.

___________________

(1) سورة البراءة، الآية: 28 .

(2) بحوث في شرح العروة، السيد الصدر، ج 3، ص 259، التنقيح، السيد الخوئي، ج 3، ص 44 .

(3) نسب ذلك لابن عباس الزمخشري في تفسيره الكشاف.

(4) فقه الامامية، ج 1، ص 331 .

(5) بحوث في شرح العروة، ج 3، ص 257، والمستمسك، ج 1، ص 310 .

(6) سورة البقرة، الآية: 125 .

(7) مستدرك الوسائل، ج 2، ص 592. بحار الانوار، ج 77، ص 80. دعائم الاسلام، ج 1، ص 126 .

(8) مستدرك الوسائل، ج 1، ص 179. المقنعه، ص 63. عوالي اللآلي، ج 1، ص 76 .

(9) وسائل الشعية، ج 1، ص 135. مستدرك الوسائل، ج 1، ص 202. بحار الانوار، ج 77، ص 9 .

(10) بحار الانوار، ج 20، ص 249 .

(11) بحار الانوار، ج 15، ص 7. علل الشرائع، ص 80 .

(12) بحار الانوار ج 15 ص 296 .

(13) بحار ج 77 ص 150 .

(14) بحار الانوار، ج 15، ص 287. الفضائل، ص 18 .

(15) وسائل الشيعة، ابواب احكام الخلوه باب 5، ح 5 .

(16) الوسائل، ابواب احكام النجاسه، باب 24، ح 2 .

(17) البخاري، كتاب الغسل، باب 23. مسلم 29/ 556 وغيرهما.

(18) مسلم، كتاب الطهارة، باب 30. وغيرها.

(19) ابن ماجه، كتاب الطهارة، 75/ 510 .

(20) سنن الدارمي، 79/ 525 .

(21) مسلم، كتاب الصيد، باب 40 .

(22) كما هو في التوراة.

(23) لاحظ تفسير الطبري وغيره.

(24) وسائل الشيعة، ابواب الجنابه، باب 2، ح 4 .

(25) المصدر، باب 1 .

(26) وسائل الشيعة، ج 1، ص 220 .

(27) وسائل الشيعة، ج 1، ص 438، باب 31 من ابواب الوضوء، ح 11 .

(28) سورة البقرة، الآية: 222 .

(29) سورة البقرة، الآية: 125.

(30) الحج: 26 .

(31) البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص 326. التفسير الصافي، ج 1، ص 187. تفسير القمي، ج 1، ص 59. وغيرها.

(32) تفسير القمي، ج 1، ص 59.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.