أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-9-2016
1852
التاريخ: 20-9-2016
913
التاريخ: 20-9-2016
1278
التاريخ: 21-9-2016
2350
|
هذا وأما أن مفادها هو الحكم شرعا بالميتة لا التنزيل فيتضح ببيان مقدمة نافعة:
وهي التفرقة بين باب التنزيل وباب الحكومة الواقعية، وبعبارة اخرى الحكومة على صعيد الدلالة وعلى صعيد المدلول، وذلك حيث أن الأول تصرف على صعيد اللفظ وشأن من فنون الكلام، وهو ما يقال عنه في علم البيان التشبيه، والذي يكون بين طرفين، اما مع ذكر أداة التشبيه ووجه الشبه أو مع عدمهما وفيه يقع الترديد بين أن يكون التنزيل والتشبيه بلحاظ مطلق الآثار أو بعضها وأهمها كما في الطواف بالبيت صلاة.
وهذا بخلاف الثاني فانه نحو من الجعل والانشاء وعلى صعيد المدلول والمعنى، اما بتوسعة طبيعة الموضوع أو تضييقه، أي بالحكم على الطرف الاول انه مصداق الطرف الآخر والطبيعة والعنوان، فيكون الفرد غير التكويني للطبيعة فردا جعليا للطبيعة أي بالاعتبار والتقنيين، وبتوسط هذا الجعل تترتب جميع آثار الطبيعة على ذلك الفرد.
والعكس عند التضييق، أي الاخراج للفرد التكويني للطبيعة عنها جعلا، كما في لا ربا بين الوالد وولده، فتنفي جميع آثار طبيعة الربا عنه، ففي الحكومة الواقعية - اي التي من سنخ الجعل والانشاء- لا ترديد في مقدار الاثار المترتبة عند التوسعة أو المنتفية عند التضييق.
نعم يقع الاختلاف في كثير من الموارد أنه من قبيل التنزيل أو الحكومة، مثل ما في (عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة) (1) ، اذ على الأول القدر المتيقن من التنزيل هو في باب القصاص والديات فعمده كلا عمد، أو فيما كان للخطأ أثر فينزل العمد منزلته، بخلافه على الثاني فانه من الحكم على عمد الصبي بانه خطأ وهو يتناول كل الابواب فتصبح عبارته مسلوبة القصد في باب الإنشاء في المعاملات مطلقا، وهو ما ذهب اليه المشهور.
والضابطة في معرفة النحو الأول من الثاني أن في الأول قد يؤتى بأداة التشبيه، كما انه غالبا ما يكون في الطرفين التكوينيين الذين يظهر منهما أن المناسبة المذكورة بينهما تنزيلية لا جعل احدهما مصداقاً الآخر، وأما الثاني فانه كثيرا ما يكون في الطرفين اللذين أحدهما وجوده اعتباري، متقوم بالانشاء فيكون الطرف الأول موضوعا والآخر الاعتباري محمولا مجعولا كقضية شرعية.
ويعد وضوح ذلك يظهر أن المقام من قبيل الثاني حيث أن التذكية بمعنى المسببي أي النقاوة والطهارة الخاصة لما كانت من الاحكام الوضعية، وكان لها موضوع وهو السبب للذكاة من فري الأوداج والتسمية والاستقبال وغير ذلك، كذلك ما هو ضد له وهو عنوان الميتة فهو من الأحكام الاعتبارية الوضعية له موضوع وهو عدم وقوع سبب التذكية فغير المذكى بهذا المعنى موضوع لحكم الشارع بالميتة، في قبال التذكية وموضوعها.
ولا يدفع ذلك ان الميتة معنى تكويني خارجي لا اعتباري جعلي، اذ ان المعاني التكوينية يلحظ بموازاتها وجودات اعتبارية لها كما هو الحال في الطهارة والنجاسة والقذارة.
والميتة بمعنى زهوق الروح مطلقا أو بنحو خاص وهو ما مات حتف أنفه وان كانت تحققها تكوينياً، الا أنها بالمعنى المقابل للمذكى تحققها اعتباري كما قدمناه في بحث التذكية (في بول وغائط مشكوك اللحم) وانها بالمعنى المزبور كانت متداولة في البناء العقلائي كبناء قانوني لديهم في قبال المذكى لا كارتكاز لغوي بحت فقط.
فكما أن في البناء العقلائي يوجد التقنين في الحكم الاصولي كحجية الظواهر وخبر الواحد والبراءة العقلية، ويوجد الحكم الفقهي كثبوت الضمان بالاتلاف والتغرير، كذلك لديهم مثل هذا الحكم الوضعي وهو الحكم بالتذكية والميتة، فلم تكن حقيقة شرعية ولا بتأسيس من الشرع وانما هو امضاء غاية الأمر الامضاء غالبا فيه تقييد من جهة للاعتبارات القائمة عند العقلاء أو توسعة من جهة أخرى.
إن قلت: على القول بان التذكية اسم السبب لا المسبب وتقابلها الميتة بمعنى زهوق الروح الخاص أي من غير سبب شرعي تكون الميتة حينئذ ذات وجود تكويني لا أمر اعتباري فليس من موضوع ومحمول في البين.
قلت: يرد عليه:
أولا: أن التذكية بمعنى المسبب وهو النقاوة أو الطهارة الخاصة كما دللنا عليه سابقا، فما هو مضاد له في رتبتها، وليس هو الزهوق الخاص بل عنوان الميتة الاعتباري.
ثانيا: أن التذكية حكم شرعي وضعي بالاتفاق، فكذا ما هو مضاد له كما هو ظاهر ألسنة الروايات المتقدمة.
ثالثا: أن الميتة اذا كانت بمعنى زهوق الروح الخاص فلا تضاد التذكية بمعنى المسبب حيث أن السبب هو موجب القتل الخاص الشرعي من فري الأوداج وغيره.
وان جعلت التذكية بمعنى زهوق الروح بالسبب الخاص الشرعي فهي وإن قابلت الميتة بمعنى زهوق الروح بغير السبب الشرعي، إلا أنه على ذلك لا تكون التذكية مجعولة شرعا مع أن الفرض هو جعلها كما في قوله (لا ذكاة إلا بحديدة) (للبقر الذبح وما نحر فليس بذكى) و (إذا تحرك الذنب أو الطرف أو الاذن فهو ذكى) (ذكاته (الجنين) ذكاة أمه) (إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته) (السمك ذكاته اخراجه حيا من الماء).
هذا مضافا الى ما دللنا عليه في بحث التذكية أنها والميتة من الاحكام الوضعية، ومن هنا كان كل من ذهب في معنى الميتة الحرام والنجسة الى المقابل للتذكية فيلزمه الالتزام بانها حكم وضعي موضوعه عدم وقوع سبب التذكية.
الثاني: الحكم بأن كل ما اختلت شرائطه فهو ميتة عند الجميع ما عدا القائل بالمسلك الثالث في معنى الميتة الذي تقدم في المقام الأول بحسب الحكم الواقعي من اختصاص الميتة والنجاسة واقعا بما مات حتف أنفه دون مطلق المذبوح- مع أن أكثر أدلة شرائط التذكية في الذباحة والصيد هي بلسان النهي عن أكل فاقد الشرط أو الحكم على الفاقد بانه ليس بمذكى.
ومع ذلك فالكل في مقام الحكم الواقعي استفاد منها الحكم تعبدا على عدم المذكى واقعا بأنه ميتة، وان كان مذبوحا بغير الشرائط ولم يمت حتف أنفه، وليس هذا إلا جعلًا وحكومة في الموضوع بانه كل ما ليست بمذكى هو ميتة.
الثالث: ما تقدم من روايات القول الثاني والتي كان المحصل من مفادها هو الملازمة بين عدم التذكية وعنوان الميتة، حيث أن هذه الملازمة ليست عقلية ناشئة من تلازم حكم الشارع بعدم التذكية وبالميتة في عرض واحد على الحيوان وان موضوع كلا العنوانين هو الحيوان، بل الملازمة شرعية ناشئة من ترتب عنوان الميتة على الحيوان غير المذكى، فالطولية محفوظة بين العنوانين بلا ريب.
إن قلت: ان ما تثبته الوجوه الثلاثة المتقدمة هو ارادة المعنى الأول من معاني الميتة المتقدمة في صدر الكلام في مقام الحكم الواقعي، وهو مطلق غير المذكى في قبال ما مات حتف أنفه أو مطلق ما زهقت روحه، غاية الأمر هو عنوان وجودي منتزع من عدم التذكية، لا أن هناك ترتباً محمولًا وهي الميتة على الموضوع وهو عدم التذكية، فيكون عدم المذكى ملازما للميتة لا عينها فلا تحرز بالاصل في الأول بعد كون الميتة عنوانا بسيطا في الماهية المدركة وحدانيا.
قلت: فيه:
أولا: انه مخالفة لظهور الادلة السابقة المرتبة لعنوان الميتة على عدم السبب وعدم شرائط التذكية من دون موجب لرفع اليد عن ذلك.
ثانيا: هذا الانتزاع مقتضاه عدم جعل عنوان الميتة بالذات بل جعل منشأه، ومن ثم جعله بالتبع، وهذا مما لا يقرّه القائلون بالمثبتية.
ثالثا: ان التذكية كما تقدم هي اسم للمسبب وهي النقاوة الخاصة الحاصلة من السبب ذي الاجزاء، والمفروض أن الميتة حسب ما تقدم من الأدلة عنوان مضاد للتذكية التي هي المسبب، وقد تقدم انهما عنوانان امضائيان لا تأسيسيّان غاية الأمر شأنهما شأن بقية العناوين الامضائية تقيد أو توسّع.
وهما في الاعتبار العرفي السابق على الشرع مترتبان على وجود السبب وعدمه، فكما أن التذكية مسببة عن السبب الذي هو عبارة عن فري الأوداج والاستقبال والتسمية وبقية الشرائط، فكذلك الميتة مسببة عن عدم السبب، قضية التضاد الذي بينهما فليسا انتزاعيين بل مسببين عن السبب وعدمه.
فتفسير الميتة بعدم التذكية هو باللازم العقلي باعتبار ارادة المعنى المسببي من التذكية المضاد وهو من تلازم عدم أحد الضدين مع الضد الآخر، وأما إن اريد المعنى السببي فعدمه موضوع الميتة وهما متلازمان بملازمة شرعية هي ملازمة المحمول لموضوعه، لا بملازمة عقلية بتبع جعل الميتة على ذات الحيوان في عرض اتصافه بعدم وقوع سبب التذكية كما ذكر في الاشكال السابق.
ونظير: هذا الاشكال المزبور القول بأن عنوان الميتة مسبب عن الاسباب غير الشرعية فهو ملازم عقلا لعدم التذكية.
ووجه الدفع: ان اعتبار عنوان الميتة على السبب غير الشرعي- اي على عدم السبب الشرعي، اي على عدم التذكية بمعنى السبب- ليس تسببا تكوينيا بل بجعل الشرع، فعنوان الميتة مسبب شرعا عن ذلك، نعم هو ملازم لعدم التذكية- بمعنى المسبب- بمقتضى التقابل، ومنشأ التلازم- التلازم العقلي- هو الجعل الشرعي المزبور، فحينئذ ينجع اجراء الاصل العدمي في السبب.
وبذلك صحّ ما اطلق في كثير من كلمات المتأخّرين ومن بعدهم أن عدم المذكى بحكم الميتة في النصوص، أي انه محكوم بالميتة فتترتب عليه، وليس بتنزيل كي يبحث أنه بلحاظ مطلق الآثار أو بعضها.
وأما مخالفة صاحب المدارك والحدائق فليس في ذلك وانما هو في حجية الاستصحاب في نفسه أوفي مقابل أصالة الطهارة، وكل من الوجهين حرّر ضعفه في محلّه.
ومن ذلك يتضح أن باصالة عدم التذكية لا مجرى لاصالة عدم الميتة لانه مسببي، هذا مع انه سيأتي تقريب إمارية سوق الكفار على الميتة، لكنه في خصوص المشكوك المجلوب من عندهم.
________________
(1) التهذيب، ج 10، ص 233 .
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
البحرين تفوز بجائزة أفضل وجهة للمعارض والمؤتمرات
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|