أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-16
890
التاريخ: 2024-05-29
680
التاريخ: 2024-05-21
704
التاريخ: 2024-01-27
1089
|
وقد أتحفنا «رعمسيس» نفسه بلوحة مؤرخة بالسنة الثامنة من حكمه عثر عليها في منشية الصدر (راجع Hamada A. S. XXXVIII, p. 217. ff.) تحدثنا عن الأعمال المختلفة التي كانت تجري في الأحجار المتنوعة، وعن شغف «رعمسيس» العظيم بالحصول على محاجر جديدة تساعده على إقامة آثار باضطراد متزايد، كما تخبرنا عن الهدايا التي كان يوزعها على مهرة عماله وصناعه. ومن جهة أخرى تظهر لنا شغف العمال بإنتاج أعمال غاية في الإتقان، ثم تتحدث لنا النقوش كذلك عن الأوضاع المختلفة التي كانت تمثل فيها تماثيل العصر، وعن المعابد التي كانت تهدى إليها هذه التماثيل، ثم تنتقل النقوش إلى الكلام عن أنواع الأطعمة المختلفة التي كانت تقدم للعمال في المحاجر؛ وفضلًا عن كل ذلك تكشف لنا هذه اللوحة عن مقدار القوة والسلطان، والثروة التي كان يتمتع بها «رعمسيس»؛ فكان في مقدوره أن يصدر الأوامر لآلاف من العمال بنحت تماثيل له، وليس له غرض من هذا إلا إشباع رغباته، وصلفه، وحب العظمة الذي كان يطغى على كل مشاعره لدرجة أنه ألَّه نفسه، وعبد صورته، ويمكن أن يدل إغفال ذكر أسماء المفتنين الذين كانوا يعملون للفرعون على تفسير الفكرة السائدة وقتئذ، وهي أنه لا يوجد فرد في الأمة صاحب مكانة أو قدر إلا الفرعون الذي كان يمثل نظام «ماعت» في الأرض، وهو النظام الذي وصفه والده «رع» أول ملك حكم على الأرض، وقد بني على العدل، والحق، والصدق، وأداء الواجب.
هذا مغزى ما جاء في هذه اللوحة، وتدل شواهد الأحوال على أنه من المحتمل جدًّا أن هذا هو الدافع الحقيقي إلى عدم ذكر أسماء المفتنين، غير أنَّا وجدنا هذه الظاهرة سائدة في كل عصور التاريخ المصري، اللهم إلا شواذ قليلة نجد الكثير منها في عهد «إخناتون»، ولما كان هذا المتن يكشف لنا عن حقائق ممتعة عن العمل والعمال والفن، فضلًا عن أطماع «رعمسيس»، فإنا سنورده هنا، فاستمع لما جاء فيه:
السنة الثامنة، الشهر الثاني من فصل الشتاء، اليوم الثامن من حكم ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع بن رع رعمسيس محبوب آمون»، في هذا اليوم عندما كان جلالته في «هليوبوليس» يقوم بأداء الأحفال لوالده «حور اختي»، وللإله «آتوم» رب «هليوبوليس»، وحينما كان جلالته يسير في صحراء «هليوبوليس» جنوبًا من معبد «رع»، وشمالًا من معبد التاسوع، وأمام معبد «حتحور» سيدة الجبل الأحمر؛ إذ ذاك عثر جلالته على قطعة حجر ضخمة في محاجر «بيا» لم يوجد مثيلها منذ زمن رع، وكان ارتفاعها أعظم من ارتفاع مسلة من الجرانيت الأحمر، وقد كان الكاشف لها هو جلالته نفسه عندما كانت تسطع مثل أفقه، وعندئذ سلمها جلالته لنخبة رجال مهرة في السنة الثامنة، الشهر الثالث من فصل الصيف، اليوم الواحد والعشرين. وفي السنة التاسعة، الشهر الثالث من فصل الصيف، اليوم الثامن عشر — أي مدة سنة — قد تم تمثال عظيم ﻟ «رعمسيس محبوب آمون»؛ وبذلك أصبح الإله في عالم الوجود لأجله، وعلى ذلك كافأ جلالته المشرف على العمال هذا، والصناع الشجعان الذين كانوا يصنعونه بكثير من الفضة والذهب، وبالعطف الملكي، ولما كان جلالته يحميهم دائمًا فإنهم كانوا يعملون لجلالته — أي ملك الوجه القبلي والوجه البحري رب الأرضين «رعمسيس محبوب آمون» — بقلوب مُحبة، وعندما وجد جلالته بجواره (أي الحجر) محجرًا آخر (صالحًا) لعمل تماثيل من حجر «بيا» الذي يفوق شجرة الصنوبر (في متانته)، فإنه أهداه لمعبد «بتاح»، وقد أطلق عليهم اسم جلالته العظيم أي «رعمسيس محبوب آمون» بن «بتاح»، وقد أهدى بعض تماثيل أخرى منه لمعبد «آمون رعمسيس مري آمون»، ولمعبد «رعمسيس مري آمون»، في مدينة «بررعمسيس». وقد ملأت معبد «رع» بتماثيل «بو الهول» عديدة، وبالتماثيل التي نُحتت في وضع تقدم فيه الزيت، ومقربة طبقًا فيه طعام.
وهذا ما يقوله «وسر ماعت رع ستبن رع رعمسيس مري آمون»: أنتم يأيها العمال الشجعان المهرة الذين يقطعون لي آثارًا بكل كمية؛ وأنتم يا من يعشقون العمل في الحجر الثمين الممتاز، ويا من يتعمقون في شغل الجرانيت الأحمر، والمتمرنين على حجر «بيا»، ومن هم أصحاب شجاعة وقوة في صنع الآثار لأملأ بها كل معابدي التي أبنيها مدة حياتهم، أنتم يأيها الرجال الطيبون، يا من لا يعرفون التعب، ويا حراس العمل طول الوقت، ويا من ينفذون تمامًا وبإتقان واجباتهم، وأنتم يا من يقولون إننا نعمل بعد التروي للذهاب لهذه الخدمات في الجبال المقدسة، لقد سمع ما يقوله بعضكم لبعض، وإن فيكم لبركة؛ لأن الأخلاق تظهر على حسب الكلام، وإني «رعمسيس مري آمون» الذي ينشئ الشباب بإطعامهم، والأغذية وفيرة أمامكم، وليس بينكم من يرغب فيها بشدة، والطعام غزير حولكم، ولقد كفيت حوائجكم من كل وجه صحيح حتى تعملوا لي بقلوب محبة، وإني دائمًا المحافظ على حوائجكم، وإن المؤن قد أصبحت لديكم أثقل من العمل نفسه؛ لأجل أن تتغذوا وتصبحوا عمالًا صالحين للعمل؛ لأنى أعرف تمامًا وجيدًا عملكم الذي يمكن أن ينشرح له كل من يعمل فيه عندما يكون البطن مملوءًا، فالمخازن مكدسة بالغلال لكم حتى لا يمر عليكم يوم تحتاجون فيه للطعام، وكل واحد منكم عليه عمل شهر، ولقد ملأت لكم المخازن من كل شيء من خبز، ولحم، وفطائر، ونعال، وملابس، وعطور لتعطير رءوسكم كل أسبوع (الأسبوع عشرة أيام)، ولأجل كسائكم كل سنة، ولأجل أن تكون أخمص أقدامكم صلبة دائمًا، وليس من بينكم من يمضي الليل يئن من الفقر، ولقد عينت خلقًا كثيرًا ليموِّنوكم من الجوع، وكذلك سماكين ليحضروا لكم سمكًا وآخرين بمثابة بستانيين لينبتوا لكم الكروم، وصنعت أواني واسعة على عجلة صانع الفخار، مسويًا بذلك أوعية لتبريد الماء لكم في فصل الصيف، والوجه القبلي يحمل لكم حبًّا للوجه البحري، والوجه البحري يحمل للوجه القبلي حبًّا وقمحًا وملحًا وفولًا بكميات وفيرة، ولقد قمت بعمل كل هذا لأجل أن تسعدوا وأنتم تعملون لي بقلب واحد. وعندما ذهبت إلى «إلفنتين» انتخبت جبلًا طيبًا لأجل أن أسلم لكم العمل في محجره، ثم أمرتكم أن تعملوا في المحجر الذي يحمل اسمي، ويسمى محجر «رعمسيس مري آمون المحبوب مثل رع»، وقد عثرت لكم على محجر بجواره فيه جرانيت أسود يصلح لعمل تماثيل كبيرة منه، وتيجانها المزدوجة تكون من حجر «بيا»، وهو الذي يسمى محجر «رعمسيس مري آمون حاكم الأرضين»، وعثرت لكم على محجر آخر يحتوي على … لونه مثل الفضة النظيفة، ويسمى محجر «رعمسيس الثاني مري آمون المحبوب مثل بتاح»؛ أي ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع رعمسيس مري آمون معطي الحياة«.
تعليق: ولسنا في حاجة إلى التعليق على ما جاء في هذا النص عن نشاط «رعمسيس» في إقامة التماثيل، والمعابد، ومعاملته لطبقة العمال الذين يعملون لحسابه، ولن نكون مبالغين إذا قلنا إن هذه المعاملة هي التي تصبو إليها نفوس عمال أرقى دول العالم؛ إذ هي في الواقع معاملة نموذجية، فالغذاء والكساء، والتشجيع الأدبي، والراحة بالتناوب كانت كلها متوفرة بدرجة لا يكاد الإنسان أن يصدق وجودها في تلك الأزمان العتيقة، ولا غرابة إذن في أن نجد الإنتاج في عصر «رعمسيس الثاني» قد ضرب الرقم القياسي في كل عصور التاريخ المصري القديم، ويرجع الفضل في ذلك إلى توفير كل أسباب السعادة لطبقة العمال الذين كانوا يعملون له بقلوب مفعمة بالحب والإخلاص العميق، وقد كان كلما بالغ «رعمسيس» في راحتهم والسهر على مصالحهم؛ ازداد إنتاجهم؛ مما شجع الفرعون من جهة أخرى على البحث لهم عن محاجر جديدة في طول البلاد وعرضها ليصنعوا له ولآلهته التماثيل، ويقيموا لهم من المعابد ما يجلب رضاهم، ويرفع من شأن الفرعون نفسه. وإذا صدقنا كل ما جاء في هذه اللوحة من حسن معاملة العمال، فإن ما ينسبه الخلف من سخرة وظلم للفراعنة يصبح لا أساس له من الصحة.
ويدل ما لدينا من الآثار على أن «رعمسيس الثاني» لم يكن يستخدم في نحت تماثيله عمالًا مصريين وحسب، بل لدينا من مظاهر الفن نفسه، وما حدث فيه من تغيير ما يدل على أنه استخدم مفتنين أجانب من البلاد الأجنبية التي جاء منها الآلهة العديدون الذين نشاهد «رعمسيس الثاني» يتعبد إليهم في عاصمة ملكه الدينية «تانيس»؛ ولذلك سنتكلم هنا عن تأثير الفن الأسيوي في نحت تماثيله، وقرنه بالفن المصري الأصيل.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|