المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9117 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

مكونات الشمس الرئيسية
6-12-2016
فذلكة عمر ونظرة تأمل فيها
12-4-2016
أحمد بن علي أصغر بن حسين البرغاني.
26-7-2016
مراتب الصبر
18-8-2016
Howard Hathaway Aiken
18-9-2017
محمد بن عثمان بن سعيد العمري
3-08-2015


إحياء ذكرى كربلاء  
  
331   09:22 صباحاً   التاريخ: 2024-08-17
المؤلف : معهد سيد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسيني
الكتاب أو المصدر : دروس عاشوراء
الجزء والصفحة : ص299-312
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / قضايا عامة /

الإمام السجّاد عليه السلام وبكاؤه الشجيّ

كان الإمام السجّاد عليه السلام هو الشاهد والراوي لحوادث عاشوراء الدامية, وكان أيضاً رسول تلك الثورة, فبعد تلك الحادثة المضرّجة بالدماء ظلّ يبكي أكثر من 30 سنة[1]. لم يكن بكاؤه هذا بكاء أسى وغمّ, بل كان بكاء لهيب الثورة.

تدبير الإمام السجّاد عليه السلام لإحياء كربلاء

لقد (حمل) الإمام السجّاد عليه السلام حادثة عاشوراء بما قام به من تبليغ طوال هذه المدّة إلى كلّ العالم الإسلاميّ, ولم يدع هذه الواقعة تنتهي في طيّ الانزواء والغربة, لأنّه كان يعلم أنّ جهاز بني أميّة كان يريد لجهاز الإمام الحسين عليه السلام أن يُطمس ويندثر في مكانه في كربلاء. استُشهد الإمام الحسين عليه السلام مع أقرب أصحابه وأوفى أبنائه وعائلته هناك, ثمّ قالوا في الكوفة: إنّ هؤلاء قد خرجوا[2], هؤلاء قوم قاموا بأعمال مخالفة, ثاروا ضدّ الخلافة وضدّ الحكومة, ومن يَثُر ضدّ الحكومة الإلهيّة فحكمه معروف.

وقد أسروا عياله حتّى لا يدعوها تحيي له اسماً أو ذكرى, إلّا أنّ الإمام السجّاد عليه السلام من خلال تدبيره وإدارته أحيى مسألة عاشوراء في سوق الكوفة[3] وفي مجلس ابن زياد[4] وفي الشام[5] وفي المدينة[6] وفي مناسبات عديدة.

تلك القضيّة التي حدثت في إحدى بقاع صحراء الغربة- وفي العادة لا يتحدّث النّاس عنها - التهبت شعلتها, وقد حاول خلفاء بني أميّة وبني العبّاس من بعدهم أن يطفئوا هذه الشعلة بنحو من الأنحاء فلم يستطيعوا. وكلّما تقدّم الزمن أضحت أكثر اشتعالاً, إلى حدّ وصل الأمر أن أصبح زوّار كربلاء عقبة ومشكلة لجهاز الخلافة, يقطعون الأيدي, الأرجل, الرؤوس, يودعونهم السجون[7] حتّى يمتنع النّاس عن المجيء إلى كربلاء فلا تزداد هذه الشعلة إلّا توقّداً. كانوا يخافون من عواقب ذلك, لكنّهم لم يستطيعوا شيئاً.

جهاد أهل البيت عليهم السلام: في طريق إحياء كربلاء

لا زال تاريخ البشريّة إلى الآن ينهل من دماء أبي عبد الله الحسين عليه السلام, سيّد شهداء التاريخ, المسفوكة بغير حقّ, ذلك أنّ وارثي هذه الدماء قاموا باستخدام أكثر الوسائل تدبيراً وأكثرها بلاغة لإحياء هذه الدماء.

فـفي بعض الأحيان, لا تقلّ الجهود والمساعي لإبقاء دماء الشهيد حيّة عن الشهادة نفسها. وإنّ المشقّة التي تحمّلها الإمام السجّاد عليه السلام لثلاثين أو أربعين سنة, وكذلك عمّته زينب الكبرى لعدّة سنوات, كانت من هذا القبيل. لقد جاهدا وسعوا لحفظ هذه الدماء. وبعدهما بقيّة الأئمّة عليهم السلام الذين تحمّلوا العناء والنَصب في هذا السبيل حتّى عصر الغيبة[8].

عندما تدقّقون في التاريخ سترون أنّه, في مرحلة ما, عزم الجهاز الإعلاميّ لبني أميّة وبني العبّاس فيها على طمس حوادث كربلاء التي هي إحدى معارف الزمان بشكل تامّ ليقولوا إنّها لم تحدث من الأساس. لا تتصوّروا أن ذلك لم يقع, لقد حدث. نحن نرى الآن في زماننا أموراً عندما كنّا نقرأ في السابق أحداث صدر الإسلام وقضاياه ونرى أشباهها كنّا نتعجّب. والآن نراها أمامنا, أبداً, فلا عجب فيه, وهو ممكن تماماً. يمكنهم التعامل مع ما جرى في كربلاء, مع ما لها من عظمة, على أنّها حادثة قتل وجناية حصلت في أحد الأطراف النائية من الصحراء, إلّا أنّ الأئمّة عليهم السلام, هم وشعراؤهم, قد أبقوا هذه الواقعة حيّة.

يُروى أنّه جاء رجل إلى الإمام الصادق عليه السلام. قال له الإمام: "أنشدني في الحسين شعراً"[9]. فما هو سبب ذلك؟ ألم تكن هناك مجالس رثاء؟ أراد الإمام من هذا الشخص عندما يرجع أن ينقل هذه القضيّة ليعرف الجميع, أي ليكون مصباحاً مضيئاً على الدوام. تلاحظون؟ هكذا تمّ الحفاظ على هذه المعارف حيّة. لذا نرى اليوم أنّه لو اجتمع كلّ مؤرّخي العالم وتكاتفوا وعملوا لمائة عام لما استطاعوا القضاء على هذه المعارف، لماذا؟, لأنّها قد أثبتها التاريخ.

ألقت دماء الحسين عليه السلام الطاهرة التي أُريقت على رمال الغربة في كربلاء أكبر مسؤوليّة على عاتق الإمام السجّاد والسيّدة زينب عليهما السلام, ومنذ اللحظة الأولى التي تَلَقّى فيها هذه الرسالة عمل على نقلها إلى أرجاء العالم الإسلاميّ بأشكال مختلفة. وكانت هذه الحركة من أجل إحياء الدّين الحقيقيّ ودين الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام والهدف الذي استشهد من أجله أمراً ضروريّاً ولازماً. بالطبع كان هناك أجر إلهيّ محفوظ بالنسبة إلى الإمام الحسين عليه السلام, وكان بإمكانهم (أي الأئمّة) التزام الصمت. لماذا كان الإمام السجّاد حتّى آخر عمره - حيث عاش أكثر من 30 سنة بعد الإمام الحسين[10]- يأتي على ذكر اسم الحسين ودماء الحسين وشهادة أبي عبد الله (صلوات الله عليه) عند أيّ مناسبة, ويذكّر النّاس به؟ لماذا كان هذا السعي؟ بعضهم تخيّل أنّ ذلك كان بهدف الانتقام من بني أميّة, مع أنّ بني أميّة قد اندثروا بعدها. لماذا طلب الإمام الرضا عليه السلام - وهذا بعد مجيء بني العبّاس - من الريّان بن شبيب أن يقرأ مصيبة أبي عبد الله؟[11]. وبنو أميّة في ذلك الوقت كانوا قد هزموا وتشتّتوا. لقد كان هذا العمل من أجل أن يصبح طريق الإمام الحسين ودماؤه رايةً للحركة العظيمة للأمّة الإسلاميّة نحو الأهداف الإسلاميّة, وينبغي أن تبقى هذه الراية مرفوعةً, وقد بقيت إلى اليوم مرفوعة وشامخة، ولا زالت تقود النّاس وتهديهم.

خلود عاشوراء, مقتضيات السنّة الإلهيّة

برأيي إنّ زينب الكبرى عليها السلام هي التي شيّدت بناء حفظ الوقائع بالأدب والفنّ. ولولا حركة وجهود السيّدة زينب, ومن ثمّ بعد تلك السيّدة العظيمة أيضاً لولا أعمال الأئمّة عليهم السلام: الإمام السجّاد وبقيّة الأئمّة عليهم السلام, لم تكن لتبقى حادثة عاشوراء على مرّ التاريخ.

نعم, إنّ السنّة الإلهيّة تقضي أنّ مثل هذه الحوادث والوقائع تخلّد في التاريخ, إلّا أنّ كلّ السنن الإلهيّة, تقتضي أن تتحقّق نتيجتها من خلال طرق وآليّات محدّدة. وإنّ آليّة (وطريق) بقاء هذه الحقائق في التاريخ هما أن يضع أصحاب السرّ وأهل الألم والأمناء (عليها) والذين اطلعوا على هذه الدقائق, أن يضعوها بين النّاس.

والبيان الفنّي هو الأصل, مثلما كانت خطبة زينب عليها السلام في مدينة الكوفة[12], وفي مدينة الشام[13] هو من ناحية جاذبيّة البيان وجماله آية في البيان الفنّي, بالنحو الذي لا يمكن, أساساً, لأي شخص التغاضي عنه. فعندما يسمع أيّ مخالف أو خصم هذا الخطاب سينزل عليه كالطلقة القائلة وكالسكين القاطع, شاء أم أبى, سيفعل هذا العمل فعله. وإنّ تأثير الفنّ لا علاقة له بمشيئة الشخص الذي هو مخاطب بالفنّ. فهو شاء أم أبى سيترك هذا الأثر. فالسيّدة زينب والإمام السجّاد عليهما السلامفي خطبتيهما البليغتين في مسجد الشام[14] قد فعلا هذا الأمر.

تثبيت سنّة الزيارة وإحياء ذكرى كربلاء في الأربعين

من أين تأتي أهمّيّة الأربعين؟ ما هي خصوصيّة مرور أربعين يوماً؟ إنّ خصوصيّة الأربعين هي حياة ذكرى شهادة الحسين عليه السلام وهذا الأمر بالغ الأهمّيّة. افرضوا أنّه حصلت هذه الشهادة العظيمة في التاريخ, أي استشهاد الحسين بن عليّ عليهما السلام وبقيّة شهداء كربلاء, لكنّ بني أميّة - مثلما أنّهم في ذلك اليوم قتلوا الحسين بن عليّ عليهما السلام وأصحابه وأزالوهم وأخفوا أجسادهم المطهّرة تحت التراب - استطاعوا أيضاً محو ذكراهم من أذهان جيل النّاس في ذلك اليوم وفي الأيّام اللاحقة, فما هي فائدة هذه الشهادة بالنسبة إلى العالم الإسلاميّ؟! أو إذا ما تركت أثراً في ذلك اليوم, فهل سيكون لهذه الذكرى بالنسبة إلى الأجيال الآتية أثر مبين وفاضح للظلمات والظلم والآلام والمرارات وفاضح لليزيديّين في حقب التاريخ التي ستلي؟ إذا ما استُشهد الإمام الحسين عليه السلام, ولم يفهم أهل ذلك اليوم والنّاس والأجيال الآتية أنّه قد استُشهد, فما هو الأثر والدور الذي يمكن أن تتركه هذه الخاطرة في رشد وبناء وتوجيه وحثّ الشعوب وتحريك المجتمعات والتاريخ؟ تعرفون أنّه لن يكون له أثر.

نعم, يصل الإمام الحسين عليه السلام بشهادته إلى أعلى عليّين, هناك شهداء لا يعرفهم أحد وقد مضوا في الغربة وطواهم الصمت والسكوت, هم سيصلون إلى أجرهم في الآخرة, وستنال أرواحهم الفتح والرحمة في المحضر الإلهيّ, لكن كم ستكون درساً وأسوة؟؟

فـإلى أيّ حدٍّ يصبح الشهداء أسوة؟ تصبح سيرة ذلك الشهيد درساً عندما تعرف وتسمع الأجيال المعاصرة والآتية بمظلوميّته وشهادته. يصبح ذلك الشهيد أسوة ودرساً عندما يفور دمه ويصبح سيّالاً في التاريخ. يمكن لمظلوميّة أمّة أن تبلسم جرح جسد مظلوم وترفع السياط عن أمّة وتداوي جراحها, وعندما يتسنّى لهذه المظلوميّة أن تنادي وتصدح, وأن تصل إلى مسامع النّاس الآخرين, ولهذا السبب فإنّ المستكبرين في عصرنا الحاضر يصدحون ويرفعون أصواتهم تترى حتّى لا يرتفع صوتنا, ومن أجل ذلك هم حاضرون لصرف الأموال الطائلة حتّى لا تفهم شعوب العالم لماذا كانت الحرب المفروضة على الجمهوريّة الإسلاميّة, وما هي الدوافع والأسباب والأيدي المحرّكة لها.

في ذلك اليوم كانت الأجهزة الاستكباريّة على استعداد لبذل كلّ ما لديها حتّى لا يبقى ولا يعرف اسم الحسين ودم الحسين وشهادة عاشوراء كدرس لناس ذلك الزمان وللشعوب التي ستأتي فيما بعد. بالتأكيد هم في بداية الأمر لم يفهموا قيمة هذه المسألة وكم هي عظيمة, لكن مع مرور الوقت عرفوا ذلك. حتّى إنّهم في أواسط العهد العبّاسيّ دمّروا قبر الحسين بن عليّ عليهما السلاموأجروا الماء عليه وأرادوا أن لا يبقى له أثر[15].

وهذا هو دور ذكرى الشهداء والشهادة. فـالشهادة من دون خاطرة وذكرى ومن دون غليان دماء الشهيد لا تؤثّر أثرها, والأربعون هو ذلك اليوم الذي بدأ فيه رفع علم رسالة شهادة كربلاء عالياً ويوم تخليد ذكرى ورثة الشهداء. وهنا, سواء أتتْ عائلة الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء في الأربعين الأوّل[16] أم لم تأتِ[17].

أمّا الأربعون الأوّل فهو اليوم الذي جاء فيه الزوّار العارفون بالإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء للمرّة الأولى[18]. فقد جاء إلى هناك جابر بن عبد الله[19] الأنصاريّ, وعطيّة[20], وهما من صحابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وحواريي أمير المؤمنين عليه السلام. وكما جاء في الأخبار والروايات أنّ جابراً كان كفيفاً وأخذ عطيّة بيده ووضعها على قبر الحسين.

لمس القبر وبكى وتكلّم مع الحسين عليه السلام. فبمجيئه وكلامه قد أحيا ذكرى الحسين بن عليّ عليهما السلام, وثبّت سنة زيارة قبر الشهداء. إنّ يوم الأربعين هي على هذا القدر من الأهمّيّة[21].

إنّ توجّه عائلة الإمام الحسين عليه السلام في أي مكان كانوا - من المدينة أم من الشام - إلى كربلاء لأجل إحياء واقعة عاشوراء, كانت حادثة مقاومة وحادثة شهادة[22].

الأربعون, حركة امتداد عاشوراء

سأذكر لكم جملة واحدة في مسألة الأربعين. لم يكن مجيء أهل بيت الإمام الحسين عليه السلام إلى أرض كربلاء - أصل مجيئهم هو محلّ اتفاق, لكن غير معلوم أنّ ذلك هل كان في السنة الأولى أم الثانية - بهدف بثّ لواعج القلوب وتجديد العهد مثلما يتردّد أحياناً على بعض الألسنة, فالمسألة أرفع من ذلك بكثير, فلا يصحّ حمل أعمال شخصيّة كالإمام السجّاد أو كزينب الكبرى عليهما السلام على هذه المسائل العاديّة الرائجة في الظاهر. إذ ينبغي البحث في أعمال وتوجّهات شخصيّات بهذه العظمة عن أسرار أكبر.

ففي الحقيقة كانت مسألة القدوم إلى مزار سيّد الشهداء امتداداً لحركة عاشوراء. فقد أرادوا من خلال هذا العمل أن يفهموا أتباع الحسين بن عليّ عليهما السلام وأصحاب عائلة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين الذين وقعوا تحت تأثير هذه الحادثة أنّها لم تنته, وأنّ المسألة لا تنتهي بالقتل والدفن والأسر, ومن ثمّ تحرير الأسرى, بل هي مستمرّة. تُذكّر الشيعة أنّ هنا محلّ اجتماعكم, وهنا الميعاد الكبير الذي سيعيد التذكير بهدف المجتمع الشيعيّ والهدف الإسلاميّ الكبير لمجتمع المسلمين. وإنّ تشكيل النظام الإسلاميّ والسعي في سبيله ولو اقتضى الشهادة هو بذلك الوضع! وهو الشيء الذي لا ينبغي أن يذهب من ذاكرة المسلمين وأن تبقى ذكراه حيّة دائماً. لقد كان مجيء آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والإمام السجّاد وزينب الكبرى عليهما السلام إلى كربلاء لهذا الغرض.

الأربعون, بداية تفجّر ينابيع المحبّة الحسينيّة

لقد تفتّح أوّل البراعم العاشورائيّة في الأربعين. وظهر أوّل الينابيع الفوّارة للمحبّة الحسينيّة التي أجرت على الدوام شاطئ الزيارة خلال كلّ تلك القرون. ولقد جذب المغناطيس ذو الجاذبيّة العالية القلوب الأوائل نحوه في الأربعين. وكان ذهاب جابر بن عبد الله وعطيّة لزيارة الإمام الحسينعليه السلام في يوم الأربعين بداية حركة تفيض بالبركة حيث أصبحت خلال القرون وإلى يومنا هذا متّصلة وغدت شيئاً فشيئاً أكثر عظمة وغاية في الجذب وأكثر هيجاناً وحياة وأصبح اسم الحسين وذكره يوماً بعد يوم أكثر حياة في العالم.

الأربعون, بداية الاجتذاب الحسينيّ للقلوب

سواء أكان قدوم عائلة الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء - الذي تحدّثت عنه بعض الروايات[23] - صحيحاً أم لا, يظهر أنّه لا شكّ في أنّ جابر بن عبدالله الأنصاري قد طوى هذاالطريق برفقة أحد التابعين - واسمه عطيّة[24] أو عطا[25], وهو على كلّ حال من التابعين الكبار, كان يسكن في الكوفة[26] - وقد وصلوا في هذا اليوم[27] إلى القبر المطهّر لسيّد الشهداء. كانت بداية جاذبيّة المغناطيس الحسينيّ في يوم الأربعين, فقد أيقظت جابر بن عبدالله من المدينة وسحبته إلى كربلاء. وهذه الجاذبة المغناطيسيّة هي نفسها اليوم التي تجذبنا أنا وأنتم بعد مضي قرون متمادية. فـالذين استقرّت في قلوبهم معرفة أهل البيت عليهم السلام يحيا عشق كربلاء وشغفهم بها دائماً في قلوبهم. وهذا قد بدأ منذ ذلك اليوم, عشق التربة الحسينيّة ومرقد سيّد الشهداء عليه السلام.

كان جابر من مجاهدي صدر الإسلام الأوّل, من أصحاب بدر[28], أي أنّه كان في خدمة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قبل ولادة الإمام الحسين عليه السلام, وجاهد إلى جانبه, وكان قد شهد بعينه طفولة الحسين, ولادته, نموّه, نشوءه. ومن المتيقّن به أنّ جابراً كان قد رأى مرّات عديدة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يحضن الحسين عليه السلام ويقبّل عينيه ووجهه ويطعمه بيده ويسقيه, من المحتمل بقوّة أنّ جابر بن عبدالله قد رأى بعينه كلّ هذا, ومن المحتوم أنّ جابراً قد سمع من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الحسن والحسين هما سيّدا شباب أهل الجنّة[29], ثمّ فيما بعد, أي بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كانت أمام ناظريه: شخصيّة الإمام الحسين عليه السلام ومكانته وموقعيّته - سواء في عهد الخلفاء أم في عهد أمير المؤمنين عليه السلام أم في الكوفة أم المدينة - كلّ ذلك كان أمام ناظريه.

لمّا سمع جابر أنّ الحسين عليه السلام قد استشهد, أنّ فلذة كبد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قتل عطشانَ. خرج من المدينة, ورافقه عطيّة من الكوفة. يروي عطيّة أنّ جابراً اقترب من شطّ الفرات, اغتسل ووضع عمامة بيضاء نظيفة على رأسه, ثمّ تقدّم بخطوات متثاقلة وبكامل الاحترام نحو قبر الإمام الحسين عليه السلام.

وفي الرواية التي رأيتها يقول: عندما وصل إلى القبر قال ثلاث مرّات بأعلى صوته: الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, أي أنّه عندما رأى كيف قُتل فلذة كبد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على أيدي مهاجمين أعمتهم الشهوات بتلك المظلوميّة, كبّر. ثمّ قال: أُغشي على جابر - من كثرة البكاء والنحيب على قبر الإمام الحسين عليه السلام - ووقع على الأرض. لا نعرف ماذا جرى حينها, لكن يقول في هذه الرواية إنّه عندما أفاق بدأ بالحديث مع أبي عبدالله عليه السلام: "السلام عليكم يا آل الله السلام عليكم يا صفوة الله[30]".

 

[1] كامل الزيارات, ص213, بحار الأنوار, ج45, ص149.

[2] المنتخب للطريحيّ, ج2, ص464, بحار الأنوار, ج45, 114.

[3] الاحتجاج, ج2, ص31-32, بحار الأنوار, ج45, ص112-113.

[4] تاريخ الطبريّ, ج4, ص350, الإرشاد, ج2, ص116-117, بحار الأنوار, ج45, ص117-118.

[5] أنساب الأشراف, ج3, ص220, روضة الواعظين, ص190-191, بحار الأنوار, ج45, ص161-162.

[6] مثير الأحزان, ص90-91, بحار الأنوار, ج45, ص148-149.

[7] تاريخ الطبريّ, ج7, ص365, الأمالي, الطوسيّ, ص329, بحار الأنوار, ج45, ص403-404.

[8] كلمته في عناصر دوريات - حرس ثار الله والعاملين في البلديّة.

[9] الأمالي, الصدوق, ص205, بحار الأنوار, ج44, ص282-283.

[10] يوجد اختلاف في شهادة الإمام السجّاد عليه السلام فقد ذُكر أنّ فترة حياته بعد والده في محرّم 61هـ كانت: 31,32,33,38,39 و40 سنة- التاريخ الصغير, ج1, ص242, أنساب الأشراف, ج10, ص237-238, الثقات, ج5, ص63. الأمالي, الصدوق, ص204, الإرشاد, ج2, 137, التمهيد, ج9, ص158, تاريخ دمشق, ج41, ص414, بحار الأنوار, ج46, ص151-154.

[11] عيون أخبار الرضا, ج2, ص268-269, بحار الأنوار, ج44, ص285-286.

[12] الفتوح, ج5, ص121-122, الاحتجاج, ج2, ص29-31, بحار الأنوار, ج25, ص164-166.

[13] بلاغات النساء, ص20-23, الاحتجاج, ج2, ص33-34, بحار الأنوار, ج45, ص133-135.

[14] الفتوح, ج5, ص132-133, مناقب آل أبي طالب, ج3, ص305, بحار الأنوار ج45, ص164-166.

[15] مقاتل الطالبّيين, ص478-479, مناقب آل أبي طالب, ج2, ص53, بحار الأنوار, ج45, ص394-395.

[16] الآثار الباقية عن القرون الخالية, ص422.

[17] العدد القويّة, ص219, بحار الأنوار, ج98, ص334-335.

[18] رجال الطوسيّ, ص31-32, الاستيعاب, ج1, ص219-220.

[19] قاموس الرجال, ج7, ص209-211.

[20] تنبيه الغافلين, ص90, مقتل الحسين, الخوارزميّ, ج2, ص190-191, بحار الأنوار, ج65, ص130-131.

[21] في لقاء اتحادات الطلبة الإسلاميّة في مختلف مناطق البلاد, 12/8/1364ش- 3/11/1986 م.

[22] الآثار الباقية عن القرون الخالية, ص422, مثير الأحزان, ص86, بحار الأنوار, ج98, ص335-336.

[23] الآثار الباقية عن القرون الخالية, اللهوف, ص114, بحار الأنوار, ج98, ص130-131.

[24] بشارة المصطفى, ص124-126, بحار الأنوار, ج65, ص130-131.

[25] بحار الأنوار, ج98, ص329.

[26] قاموس الرجال, ج7, ص209-211, الاعلام, ج4, ص237.

[27] العدد القويّة, ص219, بحار الأنوار, ج98, ص334-335.

[28] التاريخ الكبير, ج2, ص207, اختيار معرفة الرجال, ج1, شرح الأخبار ج3, ص205-208.

[29] المعجم الكبير, ج3, ص39, شرح الاخبار, ج3, ص76, بحار الأنوار, ج27, ص119.

[30] بحار الأنوار, ج98, ص329.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.