أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-2-2017
3301
التاريخ: 2024-01-23
1143
التاريخ: 2023-12-23
1076
التاريخ: 14-1-2017
1902
|
بلاد الحجاز واقعة على ساحل البحر الأحمر وتشتهر، على الخصوص، بأنها مهدُ الإسلام وبمكة والمدينة المقدستين اللتين يأتيهما، في كل سنة، ألوف الحجيج من أقصى نواحي العالم الإسلامي. وتشتمل بلادُ الحجاز على بقاعٍ خصبة، ولكن مُعظم بقاعها غيرُ ذي زرع، ونرى شريف مكة الأكبر، الذي يقيم بالطائف، هو الذي يقبض على ناصية الحكم فيها، وإن كانت تابعة لسلطان الآستانة بالاسم. ومكةُ من المدن الواقعة في وسط الصحراء، ولا نشاهد مثلَها في غير جزيرة العرب، ولا تفي أرَضُوها غيرُ الخصبة باحتياج سكانها، فيجلب هؤلاء السكان الحبوب، التي يضطرُّون إليها، من مدينة جُدَّة التي هي مرفأٌ لمكة واقعٌ على ساحل البحر الأحمر. وجَهِل الأوربيون مكة، التي سماها أهلوها بأمِّ القرى، زمنًا طويلًا، ولا يستطيع أوربيٌّ أن يدخلها من غير أن يُعرِّض نفسه للقتل، وما قدر عليه بعضُ السياح من زيارةٍ لها كان بفضل تَنَكُّرهم وتضلُّعهم من اللغة العربية، ولم يكن لدينا عنها، فيما مضى، غير رسوم ناقصة لا يُركن إليها عند البحث الصحيح، ونستطيع، اليوم فقط، أن نتمثلها تمثلًا صحيحًا بفضل الصور الفوتوغرافية التي التقطها أحد رجال الجيش المصري، صادق بك، والتي انتهت إلينا بأوربة في سنة 1881، فاستعنَّا ببعضها في هذا الكتاب. ولا تُفضَّل مكة على المدن العربية الأخرى بغير نظامها الكبير، ويندرُ الماء فيها، ويُجلب إليها أطيبُ الماء بقنواتٍ من ينابيع عَرَفَة التي تبعُد منها بضع ساعات، وتقول القصة: إن زوجة الخليفة الأشهر هارون الرشيد المفضَّلة، زبيدة، هي التي أنشأت تلك القنوات.
شكل 1: واحة الذهب على خليج أيلة (بلاد الحجر العربية، من تصوير مسيو دو لابورد).
وتصبح مكة في موسم الحج أغنى مراكز العالم الإسلاميِّ التجارية وأكثرها تنوعًا، ويقوم في وسطها المسجد الحرام الذي ذاعت بفضله شهرة (أم القرى)، وتقوم الكعبة الشهيرة، التي يقول مؤرخو الشرق إن إبراهيم هو الذي أنشأها، في المسجد الحرام، وتنافس الخلفاء والسلاطين والفاتحون منذ زمن محمد في تزيين المسجد الحرام بسائق التقوى، فلم يبقَ شيء من زخارفه الأولى. والمسجد الحرام مُرَبَّع الشكل، ويَجِدُ المرء نفسه، بعد أن يدخله من أحد الأبواب، في باحة فسيحة تحيط بها أقواسٌ قائمة على غابة من الأعمدة، وتعلو هذه الأعمدةَ قِبابٌ صغيرة كثيرة، وتقوم مآذنُ المسجد الحرام على مختلف أجزاء ذلك المُربَّع. واتُّخذ المسجد الحرام المكي مثالًا في إنشاء كثير من مساجد سورية على الخصوص، ورأيتُ في دمشق مساجد كثيرةً مبنية على طراز الحرم المكي، وتختلف مساجد القاهرة عنها بشكل مآذنها ودقائق زخارفها بعض الاختلاف. ويقع المعبد الصغير، الكعبة، في باحة الحرم المكي، والكعبة بناءٌ مكعَّبٌ ذو حجارةٍ سُمر، ويبلغ ارتفاعها أربعين قدمًا وطولُها ثمانيَ عشرةَ قدمًا وعرضُها أربع عشرة قدمًا على حسب رواية بركهارد، وليس للكعبة سوى باب واحد يرتفع عن الأرض سبع أقدام، ولا يُوصَل إليه إلا بسلَّم مُتنقِّل يَنْصِبُونه في موسم الحج، ويتألف داخل الكعبة من حجرة واسعة مُبلَّطةٍ بالرخام، ومُنَارةٍ بمصابيح مصنوعةٍ من الإبريز ومزخرفةٍ بالكتابات. وداخلُ الكعبة غنيٌّ بزخارفه في كلِّ زمن، ومن أقدم ما وُصف به هو ما جاء في رحلة ناصر خُسرو المفيدة التي قام بها في سورية وفلسطين وجزيرة العرب … إلخ. (1035م–1042م)، والتي نشرها حديثًا مديرُ اللغات الشرقية العالم، مسيو شِيفر، قال ناصر خسرو:
يُغَطِّي جُدُر الكعبة رُخَامٌ من شتى الألوان، وتُسمَّر بجدارها من الناحية الغربية ستةُ محاريب فضية طويلة بمقدار قامة الرجل مُكَفَّتةً بالذهب واللجين (1) المرقَّش باللون الأسود، ويبلغ ارتفاع الجُدُر في البدء أربعة سواعد من الأرض، فإذا عَدوتَ هذا الارتفاع وجدتَ ما فوقه حتى السقف مستورًا بصفائحَ من الرُّخام المزين بالزخارف العربية وبالنقوش المذهب معظمها. والحجر الأسود الأشهر مُدمَّجٌ في أحد جُدُر الكعبة الخارجية، ولا يزيد قطر الحجر الأسود، وهو الذي يقول العرب إن الملائكة أتوا به من الجنة؛ ليكون مَوْطِئًا لإبراهيم حين بنائه البيت الحرام، على سبعة قراريط، ولا نعلم شيئًا كرَّمه الناس زمنًا طويلًا كالحجر الأسود الذي كان موضع احترام وتبجيلٍ قبل ظهور محمد بقرون كثيرة. وتُكسَى الكعبة في كل سنة كسوةً سوداء تسترها كلها عدا موضع الحجر الأسود وبضع أقدام من أسفلها، ويُعصَب أعلى الكعبة، في أوائل مواسم الحج، بنطاق موشَّى بآيات قرآنية مكتوبة بحروف من ذهب.
شكل 2: مكة والمسجد الحرام (من صورة فوتوغرافية التقطها الكولونيل المصري صادق بك).
ويقوم في ساحة المسجد الحرام، أيضًا، بناءٌ مربع ساترٌ لينبوعٍ، تقول القصة: إن مَلَكًا فجَّره حين حَجَبَتْ هاجر وجهها لكيلا ترى — وهي هائمةٌ على وجهها في البادية — ولدها إسماعيل يموت عطشًا.
شكل 3: الكعبة في المسجد الحرام بمكة أيام الحج (من صورة فوتوغرافية).
ويجزِمُ مؤرخو العرب أنه كان يسكن مكة مائةُ ألف نفس في غابر الأزمان، ويرى بركهارد أنه لا يقطُن بها سوى عشرين ألف نفس في الوقت الحاضر. وتقع المدينة في الحجاز أيضًا، وهي أقدمُ عاصمة للدولة العربية، وتلي مكة في الشَّرف عند المسلمين من الناحية الدينية، فإلى المدينة هاجر محمد، وفيها تُوفِّي بعد أن وَطد دعائم دينه. وتحيط بالمدينة أرضٌ جديبةٌ كما تحيط بمكة، ولا تُنبت هذه الأرض ما يحتاج إليه أهلوها من الحبوب، فيجلب هؤلاء الأهلون ما يُضطرون إليه منها من ميناء ينبع الواقع على ساحل البحر الأحمر. وأصبحت المدينة ذات غنًى وثراء بفضل تقوى الحجاج وبرِّهم، وتتألف بيوتها، المبنية من الحجارة المنحوتة، من طبقتين على الأقل، وشوارعها مبلَّطةٌ، ويحيط بها سور مرتفع. وليس في المدينة مبانٍ قديمة، خلا مسجدها المشهور الذي دُفن فيه محمد بعد أن كان يُعلِّم الناس فيه أحكام الإسلام، وصارت المدينة، بفضل قبر الرسول، مكان حج وزيارة مهمٍّ مثل مكة تقريبًا.
...........................................
1- اللجين: الفضة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|