تعتبر الجغرافية الحيوية فرعا من فروع الجغرافية الطبيعية. وما من شك في أن تحديد المجال الذي تتفاعل فيه الجغرافية الحيوية، يعد مدخلا هاما للتعرف من خلاله على الأبعاد المختلفة والمتكاملة لهذا الموضوع. وبالرغم من أن الكثير من الجغرافيين قد اجتهدوا في وضع تعريف محدد لمفهوم الجغرافية الحيوية، إلا أنه من المستبعد وضع تعريف محدد وواضح يتفق عليه جمهرة من الجغرافيين في مثل هذه الأحوال. إذ كثيرا ما تختلف وجهات النظر من خلال تباين الرؤى لكل منهم من حيث الهدف الذي يرمون إليه. فبعضهم يوسع من مجال مفهوم هذا الموضوع، ومنهم من يضيق هذا المجال كثيرا حتى يقصرها على مجرد دراسة لتوزيع النبات والحيوان على سطح الأرض.

وحتى نستطيع الوقوف على حقيقة مفهوم هذا الموضوع، فسوف نستعرض بعض التعاريف التي وردت في بعض الكتب التي عالجت هذه الدراسة، ومنها: مجد الأستاذ باري كوكس وزملاؤه Barry Cox and Others يرون أن الجغرافية الحيوية، هي دراسة أصل الكائنات الحية وتوزيعها وتأقلمها، على المستوى المكاني والزماني في بيئة ما (1) وهي دراسة يحاول فيها البيوجرافيون اكتشاف العوامل البيئية المختلفة، والتي تقف وراء التوزيع الجغرافي للكائنات الحية وخصائصها. ويقتضي هذا الوضع الاهتمام بفروع كثيرة من المعرفة تتضمن جيولوجية المكان ومناخه وتربته وتضاريسه ليسهل التعرف على الأحياء كظاهرة جغرافية.

كما يرى الأستاذ دي مارتون De Martonne، أن الجغرافية الحيوية هي دراسة لتوزيع الكائنات الحية على سطح الأرض، وتعليل هذا التوزيع. ويرى الأستاذ ديفيد واتس David Watts أن الجغرافية الحيوية هي الدراسة التي تبحث في أنماط أشكال الحياة الحالية المتعددة والمختلفة على سطح الأرض، في غلافها الجوي أو المائي. كما تهتم الجغرافية الحيوية في الميكانيكية التي يمر بها تنظيم الأحياء نفسها داخل مجموعات مميزة. إنها تقوم بتحديات على البيئة ومدى استجابة الكائنات الحية المختلفة لهذا التحدي. كما تهتم بوجه خاص بتأثير التغيير البيئي الذي يمكن أن يعدل بشكل واضح كل العلاقات العضوية خلال فترة زمنية محددة أو قصيرة .

أما السيدة مارجريت أندرسون Anderson.فتذهب في تعريفها لهذا الموضوع أبعد مما ذكر هؤلاء، حيث تقول: ليست فقط دراسة توزيع النبات والحيوان على سطح الأرض، إنما أيضا هذا التوزيع على الإنسان، وكذلك دراسة العلاقة الحيوية بين الإنسان وبين كل ما يحيط به من مظاهر الطبيعة الحية وغير الحية.

وعليه، فالمعنى الواسع للجغرافية الحيوية في نظرها لا يقتصر فقط على دراسة النبات والحيوان فحسب وإنما يشمل دراسة الإنسان أيضا.

أما الأستاذ روبنسون Robinson . فهو يرى أن الجغرافيين التقليديين كانوا يركزون دراستهم للجغرافية الحيوية، ولمدة طويلة على وصف أنماط النبات الطبيعي، ورسم خرائط توزيع هذه الأنماط بصورة عامة. وكانوا يفصلون ولمدة طويلة بين جغرافية النبات Phyto geography وجغرافية الحيوان Zoo Geography. ولكن يتبنى البيوجرافيون المحدثون منهج التبيل أو النظم الأيكولوجية Ecosystem approach كأساس لدراساتهم. وهم بذلك يحاولون أن يعرفوا عن الأحياء متى ولماذا وكيف إلى جانب أين .

ويتفق هذا المنهج لحد كبير مع المفهوم الحديث، والمتطور للجغرافية والقائم على الربط والتحليل والتعليل، ثم التقويم للظواهر الجغرافية المختلفة. فالأحياء كظاهرة جغرافية يجب أن تخضع في دراستها لهذا الأسلوب العلمي السليم، وصولا إلى المعرفة الكاملة لطبيعة هذه الظاهرة وقيمتها البيئية والإقتصادية، بما يحقق الهدف المتطور من الدراسات الجغرافية، وهو هدف يربط بين الجغرافية والأسلوب الأمثل لاستغلال موارد البيئة الحيوية بهدف صيانتها والحفاظ عليها، وتحقيق التوازن البيئي Environmental Equilibrium or Balance والذي يعتبر سر استمرار الحياة على سطح الأرض دون مشكلات أو ماسي. وخلاصة القول، إن تعريف ماهية الجغرافية الحيوية والتربة، ينصب بالدرجة الأولى على دراسة للأحياء برية النشأة في بيتتها بكل أبعاد هذه الدراسة، وما يشملها من توزيع وتحليل وتقويم، بما يفسر طبيعة العلاقة المتداخلة والمتشابكة بين الأحياء وبيئاتها. أو بمعنى آخر، هي دراسة أيكولوجية للمحيط الحيوي. وعليه يتوجب على دارس الجغرافية الحيوية الاهتمام بالكشف عن الكيفية التي تستجيب بها الاحياء للضوابط البيئية،واثرهذه الضوابط في اكساب الاحياء خصائص معينة،وتوزيع جغرافي معين .كما يهتم ايضا بتوضيح دورالتدخل البشري الذي بدأ يتعاظم،وخاصة منذ النصف الثاني من القرن العشرين الماضي في احداث الكثير من التغييرات الحيوية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) Barry Cox & Lan, N. Healey & Peter, D.

(2) Barry Cox & Lan, N. Healey & Peter, D. Moore; Biogeography, An Ecological and Evolutionary Approach, 1976

(3)Moore; Biogeography, An Ecological and Evolutionary Approach, 1976

(4) Robinson, H.; Biogeography, 1977.pPP 5-35

 David, W.; Principles of Biogeography, 1971.(5)

د. زين الدين عبد المقصود: الجغرافية الحيوية، الاسكندرية، 1984م.(6)