أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-3-2016
5975
التاريخ: 22-3-2016
4168
التاريخ: 17-3-2016
4131
التاريخ: 7-5-2019
2912
|
الإمام الحسين عليه السلام ملهم الفداء
إنّ الإمام الحسين عليه السلام إضافة إلى أنّه ابن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وإمامنا, فهو ملهم حركتنا الثوريّة هذه, هو ملهم التضحيّة لشبابنا وأبنائنا وهو من علّمهم الشهادة أيضاً، هذه الشهادة التي كانت هي الضامنة لانتصار الإسلام والمسلمين.
تضحية أبي عبد الله عليه السلام لأجل بقاء الحقّ
في ذلك اليوم، عندما أخذ الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام بيد أعزّ أعزّائه وقادهم نحو ميدان الخطر، تعجّب كثيرون، ولامه كثيرون وحاول كثيرون منعه[1] من ذلك, لكنّ هؤلاء لم يكونوا يدركون أنّه لولا قيامه عليه السلام بهذا العمل العظيم، لم يبق الحقّ حيّاً في الدنيا، لقد ضحّى عليه السلام ليبقى الدّين.
في ظروف كهذه, قام الإمام الحسين عليه السلام بالعمل ذاته الذي قام به النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في يوم المباهلة مع نصارى نجران - حيث أخذ معه - حسب نقل القرآن[2]: أبناءه, نساءه ونفسه. لقد أخذ الإمام الحسين عليه السلام أعزّ ما لديه وكلّ ما لديه معه إلى المعركة من أجل الدفاع عن الحقيقة والقيام لله.
التضحية لأجل الدّين، رسالة الإمام الحسين عليه السلام الخالدة
كان انتصار الإمام الحسين عليه السلام ببقاء رسالته على مدى التاريخ. وكانت رسالته أنّه أظهر للمسلمين وللشعوب المسلمة أنّه كلّما تعرّض أساس هذا الدّين للخطر، أصبحَتِ الحركة القويّة والشاملة والتضحويّة أمراً لازماً ومطلوباً, حتّى لو اقتضى الأمر الحركة الاستشهاديّة, وهذا ما أظهره الإمام عليه السلام نفسه. كانت هذه هي الأجواء السائدة ذلك اليوم، وكان هذا هو خطاب الإمام الحسين عليه السلام ورسالته ومفهوم حركته.
أكبر الدروس التي قدّمها لنا شهر المحرّم
شهر المحرّم هو من عرّفنا على شخص بعظمة الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام، صاحب النفس العزيزة، ذلك الإنسان الذي وُجدَت الدنيا بتمامها ببركته, هذا الإنسان بتلك العظمة وتلك البركات الكبرى، أخذ معه أفضل أهل زمانه: حبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة وبقيّة شهداء كربلاء, ومعهم أبناؤه وأعدّ نفسه وكلّ هؤلاء للتضحية. وأكثر من ذلك فهو أحضر نساءه وبناته وحرم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لتُسبى كما تُسبى نساء الكفّار والغرباء، ويُدار بهنّ من بلد إلى بلد[3].
كان الإمام الحسين عليه السلام يرى ذلك بوضوح في مرآة قلبه المشعّ بالضّياء وهو يعلم أنّه سيحدث ذلك[4], ومع ذلك أخذهم معه جميعاً إلى مصارعهم, حتّى الإمام السجّاد عليه السلام أخذه معه بيد أنّ الله تعالى قد ادّخر الإمام السجّاد عليه السلام للإمامة - أصبح هذا درساً - هذا هو الدرس الأوّل. وهو أكبر درس من دروس شهر المحرّم، أنّ على كلّ إنسان مؤمن بالله والإسلام أن يعرف تكليفه ووظيفته.
وعندما تدعو الحاجة إلى الدفاع عن الإسلام، يجب إعداد الأنفس للتضحية والقربان وترخص حتّى أعزّ الأرواح والأنفس.
التضحية والجهاد، ضروريّان لحفظ الإسلام
لا شيء يتحقّق في الدنيا بدون تضحية، بدون جهاد، بدون تعب وألم، حتّى لو كان صغيراً, لا في الدنيا ولا في الآخرة, فالنتائج الأخرويّة تحتاج إلى تعب وجهد, وكذلك النتائج الدنيويّة. من الطبيعي أنّه سيكون أمامنا على هذا الطريق وبإزاء هذه النتائج تعب ونصب، وآلام وشدائد وخسارات. ففي طريق الإسلام تُبذل النفوس العزيزة, فمئات الشباب عندنا ليسوا بشيء أمام عليّ الأكبر, والآلاف، بل الملايين من النّاس لا يضاهون سيّد الشهداء عليه السلام، ولولا أنّ الإمام الحسين عليه السلام جاهد وضحّى لما بقي الإسلام طوال هذه القرون الأربعة عشر, وعليكم أن تقدّروا هذا جيّداً، قدّروا تضحيات الإمام الحسين عليه السلام, مع كلّ ما لتلك الذات الشريفة والمقدّسة وذلك الجوهر الثمين من قيم, أتدرون أنّه قد بذل لنا ذلك الجوهر الثمين ليبقى الإسلام خلال 14 قرناً.
التضحية, من لوازم اتّباع الإمام الحسين عليه السلام
أيّها الإخوة، لو أنّنا نُقتل اليوم، أو نُشلّ، أو يُقتل منّا اثنان أو ثلاثة من البيت الواحد نفسه، أو عانينا من قلّة الإمكانات في الجبهة, إنّ أيّة مصيبة قد تصيبنا اليوم[5], فكلّ ذلك سيكون أقلّ بكثير من مصيبة الحسين بن عليّ عليهما السلام.
لقد تحمّل الإمام عليه السلام أكبر المصائب حتّى يعلّمنا أن نتحمّل المصائب في سبيل الله. هذا هو الدرس! أي نقول: إنّ عمل الحسين بن عليّ عليهما السلام كان درساً..
أنّ, شخصٌ يأتي ويقول: أنا مسلم، ومن أتباع الحسين عليه السلام, فهذه هي المعركة وهذا هو الميدان! هذا هو معنى الاتّباع! وإلّا فأنْ أجلس أنا هناك وقائدي ومقتداي يتقدّم ويقوم بعمل ليبيّن لي ما ينبغي القيام به, فأقول له: أنا مطيع لكم، ومريد لكم، موافق لكم، لكن هذا العمل الذي قمتم به أنا لا أقوم به! فهذا ليس من الإمامة! وليس اتّباعاً. لقد ضحّى الحسين عليه السلام بنفسه من أجل الدّين, ذلك النوع من التضحية وتقديم الفداء! فكيف يكون شخص من أتباع الحسين عليه السلام ولكنّه ليس مستعدّاً للتضحية؟! ليست التضحية في هذا العصر وفي كلّ العصور بعظمة وشدّة مصيبة أبي عبد الله عليه السلام ولن تكون.
المسلم الواقعيّ (الحقيقيّ)
يقدّم شهر المحرّم لمن يريد أن يتعرّف إليه أشياء عديدة. فهو أوّلاً، يظهر لجميع مسلمي العالم والذين استطاعوا أن يفهموا درس المحرّم أنّه على الإنسان مهما كان شأنه ومقامه, أن يسترخص بذل روحه في سبيل الدفاع عن القرآن والإسلام. هناك أناس يدّعون أنّهم أتباع الإسلام, لكنّهم ليسوا على استعداد لتلقّي صفعة واحدة في سبيل الدفاع عن الإسلام, وليسوا على استعداد للتخلّي عن مصالحهم الشخصيّة للدفاع عن القرآن, هؤلاء لا يمكنهم الادّعاء بأنّهم مسلمون حقيقيّون.
ضرورة التضحية للدفاع عن الدّين في أحلك الظروف
قَدِم الإمام الحسين عليه السلام مع أصحابه وأهل بيته إلى العراق للدفاع عن الإسلام والدّين، واتّجهوا ناحية الكوفة، واستقرّوا في منطقة يقال لها كربلاء[6].
كان هدف الإمام الحسين عليه السلام هو تشكيل الحكومة الإسلاميّة, كان يريد أن يعيد الإسلام الذي انحرف عن مساره إلى جادّته الأساسيّة, هذا هو الهدف.
فالحسين عليه السلام يعلم جيّداً أنّه سيواجهه في طريق هذا الهدف، كلّ تلك الأخطار الكبرى, وهو على يقين أنّ الشهادة في سبيل الله تعالى لا تنتظره لوحده وحسب، إنّما هي مصير حتميّ لكلّ أصحابه وعائلته وأقربائه, ومع ذلك فقد أقدم وهذا هو الدرس، هو أحد الدروس الكبرى التي تُستفاد من عاشوراء.
الإمام الحسين عليه السلام إمامنا, يعني بما أنّنا شيعة الحسين بن عليّ عليهما السلام يجب أن نعتبر أنفسنا مكلّفين باتّباع هذا العظيم.
أحد دروس عاشوراء هو أنّه كلّما شعر الإنسان أنّ الإسلام في خطر وكلّما شعر أنّ العدوّ قد رسم مشروعاً خطيراً للقضاء على الإسلام، يجب عليه النزول إلى الميدان وأن يعدّ نفسه لتحمّل هذا الخطر. مهما كان هذا الخطر, حتّى لو بلغ حدّ القتل! فهذا القتل شهادة في سبيل الله وفخر, وهو مصدر العزّة والسعادة.
رسالة الشهيد: ضرورة التضحية في سبيل الأهداف الإلهيّة
الرسالة التي كان يحملها هؤلاء الشهداء ويفترض بنا استلهامها منهم, هي أنّ من يبتغي مرضاة الله، ويطمح لأن يكون وجوده نافعاً في سبيل الله وعلى طريق تحقيق الغايات الإلهيّة السامية في عالم الوجود، فعليه أن ينكر ذاته في مقابل الأهداف الإلهيّة. وليس هذا من نوع التكليف الذي لا يُطاق. فأيّما فئةٍ مؤمنة تمسّكت بهذه السمة انتصرت كلمة الله، وحيثما ارتعدت فرائص المؤمنين، كانت الغلبة - بلا جدال - لكلمة الباطل.
المباهلة العمليّة للإمام الحسين عليه السلام في كربلاء
يوم المباهلة هو اليوم الذي جاء فيه رسول الإسلام الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأعزّ النّاس لديه إلى الساحة. النقطة المهمّة في المباهلة هي: ﴿وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ﴾[7]. حيث اختار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أعزّ النّاس لديه وجاء بهم إلى الساحة للمحاجّة التي يُراد فيها أن يظهر المائز بين الحقّ والباطل والشاخص البيّن أمام أنظار الجميع.
لم يسبق أن أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في سبيل تبليغ الدّين وبيان الحقيقة، أعزّاءه وأبناءه وابنته وأمير المؤمنين[8] - وهو أخوه وخليفته[9] - عليهم السلام وأتى بهم إلى وسط الساحة. هذا هو الطابع الاستثنائيّ ليوم المباهلة, أي ما يدلّ على مدى أهمّيّة بيان الحقيقة وإبلاغها. يأتي بهم إلى الساحة ليقول: تعالوا نبتهل فمن كان على حقّ يبقَ, وليحلّ العذاب الإلهيّ بمن هو على خلاف الحقّ.
وقد حصل نظير هذه القضيّة أيضاً في شهر محرّم بشكل عمليّ, بمعنى أنّ الإمام الحسين عليه السلام أحضر، من أجل بيان الحقيقة والتنوير على طول التاريخ، أعزّ أعزّائه إلى الساحة. والإمام الحسين عليه السلام الذي كان يعلم كيف ستنتهي الواقعة, أخذ زينب وأخذ زوجاته وأبناءه وإخوته[10] الأعزّاء.
هنا أيضاً كانت القضيّة قضيّة تبليغ الدّين, التبليغ بالمعنى الحقيقيّ للكلمة, إيصال الرسالة، وتنوير الأجواء, هكذا يمكن فهم أبعاد قضيّة التبليغ ومدى أهمّيّتها. في تلك الخطبة: "من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله.. ولم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله"[11], أي حينما يلوّث (السلطانُ) الأجواء بهذا الشكل وحينما يخرِّب بهذا الشكل، يجب النزول إلى الساحة والقيام بالتوعية إمّا بالفعل أو بالقول. وقد قام الإمام الحسين عليه السلام بهذه المهمّة وبهذه التكاليف الباهظة, فأخذ معه إلى وسط الميدان عياله، وزوجاته، وأعزّاءه، وأبناء أمير المؤمنين عليه السلام، وزينب الكبرى عليها السلام[12].
كانت عاقبة هذا الطريق متوقّعة وواضحة بناء لحسابات الإمام الحسين عليه السلام الدقيقة ورؤية الإمامة, إلّا أنّ المسألة على قدر كبير من الأهمّيّة من هذا الجانب, وهو أنَّ شخصاً يمتلك روحاً بعظمة روح الإمام الحسين عليه السلام يقف في مواجهة هذه القضيّة, عليه التضحية بالنفس مخلصاً, وجرّها إلى ساحة الحرب، وهذا يعتبر درساً عمليّاً بالنسبة إلى المسلمين إلى يوم القيامة، وليس درساً نظريّاً يُكتب ثمّ يُمحى.
التضحية الاستثنائيّة
اختيار الزمان, (أي) في أيّ زمان يكون الفداء والتضحية؟ وأين, وفي أيّ ميدان؟ هذا مهمّ جدّاً. لقد اختار الحسين بن عليّ عليهما السلام الزمان بدقّة، فتحرّك عند الحدّ الذي فيه موت الإسلام وحياته. فإلى هذا الجانب كان موت الإسلام, وفي الجانب الآخر كانت حياة الإسلام، والإمام الحسين عليه السلام بحركته, أبقى الإسلام حيّاً. هذه هي المسألة, وهي أنّه من أجل بقاء الإسلام حيّاً, يستفيد الإنسان من الإمكانات كلّها في سبيل التضحية, من أجل التضحية والفداء في حدّه الأعلى. لو أنّ الإمام الحسين عليه السلام في ذلك اليوم لم يقم في وجه يزيد لن تكون النتيجة أنّ الإسلام سينقص منه شيء أو سيبُتلى بالانحراف وحسب, إنّما كانت المسألة أنّه لن يبقى من الإسلام شيء. وقف الإمام الحسين عليه السلام كوليّ في مواجهة هذه الحركة التي كانت بدأت من قبل جهاز السلطة آنذاك للقضاء على الإسلام. ذلك الأمر الذي أدّى به إلى التضحية والفداء. وقف ولم يتراجع، وجعل نفسه المدافع عن الإسلام في وجه المصاعب والابتلاءات التي تواجهه، فكان - من جهة طبيعة التضحية - استثنائيّاً وكبيراً, ومن حيث المصيبة فريداً، وردّة الفعل التي تركها في ذاكرة ذلك اليوم وذاكرة الغد على مرّ التاريخ, قد أحيت الإسلام. في الحقيقة هذا هو المعنى الصحيح في الحديث المرويّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم "حسين منّي وأنا من حسين"[13]. وأنّ مضمون هذا الحديث بالنسبة إليَّ واضح وضوح الشمس. فمن الواضح أنّ: عظمة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وبقاء دينه وبقاء جهوده، وعدم ضياع منجزاته وتضحياته, لم تكن إلّا بالحسين بن عليّ عليهما السلام, أي بذلك العمل الذي قام به الحسين عليه السلام. إنّ مصيبته ونوع مصيبته لا مثيل لهما... فشهادة الإمام الحسين وكربلاء ذلك اليوم مختلفة عن الكربلاءات الأخرى من الأرض إلى السماء، مختلفة عن شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، شهادة الإمام الحسن عليه السلام ومختلفة عن بقيّة الشهادات. حيث قالوا عليهم السلام "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله الحسين"[14]. فلا يوم كيوم عاشوراء, حصار مطلق، غربة مطلقة بالنسبة إلى المقاتلين، مع أنّ كلّها ذخائر الإيمان الحقيقيّ كانت تُسرع لتساعد ذلك الشخص ولتشارك في الفداء. وهو نفسه قال في ليلة عاشوراء: "ما وجدت أصحاباً أوفى وأبرّ من أصحابي"[15].
التضحية في ظروف صعبة جدّاً واستثنائيّة
لم تكن شهادة الحسين بن عليّ عليهما السلام شهادة عاديّة. فأمير المؤمنين عليه السلام قُتل في سبيل الله, الإمام الحسن عليه السلام كذلك، والكثير من أنبياء الله عليهم السلام وأئمّة الهدى: استشهد الكثير من الأولياء الكبار والأصحاب الأخلّاء في سبيل الله. ففي معركة أحد[16] استشهد الكثيرون، وفي معركة بدر[17] وبقيّة الغزوات. في ذلك العصر حصلت شهادات كثيرة في عالم الإسلام, إلّا أنّها اختلفت كثيراً عن شهادة الحسين بن عليّ عليه السلام, لقد كانت شهادة صعبة وقاسية وفي منتهى الغربة!
يقف المجاهد في المعركة - العاديّة - بكلّ ثقة وحماس مع ما لديه من إمكانات في مواجهة عدوّ أمامه، ولديه أمل بالنصر والتوفيق في إنجاز هدفه، ليس لديه خوف على العيال والأولاد، فهناك من يرعى شؤونهم إذا احتاجوا إلى الطعام وإلى أيّ شيء في حياتهم, ثمّ لو جرح هناك من يداويه ويسهر على جراحه من الممرّضين والأطبّاء, ولو استُشهد فهناك من يشيّعه ويحمله على الأكفّ بعزّة وافتخار, فالحمزة مثلاً استُشهد, لكنّه يعرف أنّ رسول الله سيجلّله ويقدّره, وهكذا حصل. فقد خيّم العزاء على المدينة كلّها عند استشهاد حمزة[18], كشهدائنا الحاليّين[19] في مدننا وقرانا, عندما يُستشهد أحد القادة في أيّ مدينة تخيّم حالة واحدة من الحماسة والاندفاع على المدينة. وهذا النحو من تقبّل الخطر يختلف كثيراً عن شخص في صحراء ملتهبة وحيداً غريباً، ولا يوجد في العالم الإسلاميّ كلّه أحد أو قوّة أو جماعة تقف خلفه، والذين كانوا إلى جانبه لم تكن لديهم القدرة على التنفّس، ليس هو وحسب، بل كلّ أبنائه، حتّى مع ابنه ذي الأشهر الستّة. ولم يحصل ذلك أيضاً مع وجود إمكانات متاحة له، بل مع انعدام كلّ الإمكانات، من جوعٍ وعطش ونصب وحرٍّ كما إنّ ذلك لم يحصل له ونساؤه وأطفاله في مأمن، بل كانت النسوة والأطفال على بعد أقدامٍ فقط من ساحة الحرب، كانت بناته وأخواته وعياله تحت مرمى نيران الأعداء المجنونة الغاضبة.
انظروا كم كانت هذه الشهادة عظيمة! انظروا ماذا فعل الحسين عليه السلام! لقد أعدَّ نفسه لهذه المصيبة ولهذا البلاء على هذا النحو. لذا، وعندما سُمَّ الإمام الحسن عليه السلام وقف الإمام الحسين عليه السلام عند رأسه وبكى, فقال له الحسن عليه السلام: أخي! لا تبكِ! "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله"[20].
الإسلام, أعزّ من نفس الحسين عليه السلام
الإسلام أعزّ من أيّ عزيز لدينا, ولأنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام وعليّ الأكبر عليه السلام وأبا الفضل العبّاس عليه السلام هم أفضل من أبنائنا، وهم قد بذلوا أنفسهم بسخاء وطمأنينة في سبيل الإسلام, فالإسلام إذاً أعزّ من أبنائنا وشبابنا. نقدّم القرابين ليبقى الإسلام، نقدّم القرابين ليبقى شرف إسلام هذا الشعب, ولكسر سلطة المستكبرين.
ببركة هذه الدماء الطاهرة، حفظ الله تعالى دينه طوال التاريخ. فـلدين الله عزّة عزيزة رفيعة. وعلينا جميعاً أن نغدو - واقعاً - قرابين لهذا الدّين وبقاء الشريعة ورفعة الإسلام. فللإسلام ذاك القدر من العزّة, حتّى يُستشهد من أجله شخص كالنبيّ أيضاً, وكالإمام الحسين عليه السلام. بالطبع هؤلاء لن يفهموا ذلك, ليس لديهم كلّ هذا الإيمان وكلّ هذا الاستعداد.
أعزّاؤنا هم أعزّ ما لدينا, إلّا أنّ مبادئنا أعزّ. فقِيَم الشعب والأهداف الإسلاميّة لهذه الثورة هي أمور قد استُشهد لأجلها وفي سبيلها الحسين بن عليّ عليهما السلام. القرآن أعزّ أم الحسين عليه السلام؟ الحسين بن عليّ وجه إنسانيّ لا نظير له, ففي كلّ التاريخ منذ البداية وحتّى آخر الزمان لن نجد شخصاً كالحسين بن عليّ عليهما السلام, إلّا أنّ الإسلام أعزّ والقرآن أعزّ حتّى ينبغي أن يقتل من أجله الحسين بن عليّ عليهما السلام وأبناؤه وأصحابه، وينالوا المجد والفخر بشهادتهم (في سبيل ذلك), فطريقٌ كهذا هو طريق الدّين والإسلام والدافع.
إنّ ذلك الشيء الذي أعطاه الله في مقابل الأرواح والأنفس التي بذلها الإمام الحسين عليه السلام وشهداء صدر الإسلام وكلّ الذين ضحّوا بأنفسهم، هو أعزّ من أنفسهم. وإنّ ما افتدى الإمام الحسين عليه السلام به نفسه ليحفظه للبشريّة هو أعزّ من الحسين عليه السلام نفسه, إنّه الإسلام والقرآن اللّذان بذل الإمام الحسين عليه السلام نفسه قرباناً لهما.
وشهداؤنا الأعزّاء هم هكذا. ذهبوا إلّا أنّهم حفظوا الثورة وصانوا الأهداف.
الإمام الحسين عليه السلام يبذل كلّ ما لديه في سبيل الدفاع عن الدّين إنّ واقعة حركة الإمام الحسين عليه السلام وذلك الدرس الذي علّمه للنّاس منذ البداية، هما من العجائب الملهمة, وهما لا يزالان حيَّيْن ومتجدِّدَيْن. لدينا كلّ هؤلاء الشهداء, لقد سطر بلدنا، وشعبنا، ومدننا، أعظم الملاحم, إلّا أنّ حادثة كربلاء ما زالت هي الأسوة لنا, بجميع كلماتها, وينبغي علينا الآن أن نتعلّم من كلّ مقطع وكلّ تفصيل في ذلك التاريخ، وما زال لدينا الكثير لنتعلّمه ولنصل إليه. بقي الإمام الحسين عليه السلام وحيداً مع جمع من أفراد عائلته! جاء معه أبناؤه, ابنه, ابن أخيه، ابن عمّه، أبناء أخته، خاصّته وجماعة من أقرب الأصحاب إليه, وبعضهم لم يكن لديه عهد بالحرب, وشيخ كبير قضى سنوات وسنوات إلى جانب أمير المؤمنين عليه السلام[21] شاهراً سيف[22], والآن أصبح شيخاً طاعناً في السنّ قد انسدل شعر حاجبيه على عينيه. وممّن جاء أيضاً رجل آخر راوٍ للحديث[23] وآخر مفسّر للقرآن تأتيه النّاس لتستفيد من علمه ومواعظه. هؤلاء الخلّص هم من كانوا أصحاب الإمام الحسين عليه السلام.
أولئك الـ 72 رجلاً[24]، وبالطبع إلى جانبهم المرأة والطفل والأخت والزوجة والبنت وحرائر الرسالة ومن أقارب الإمام الحسين عليه السلام[25]. لقد أخذ الإمام الحسين عليه السلام كلّ ما لديه وجعلهم معه في قبال المجرمين من أعداء الإسلام والقرآن, لأنّه يعلم أنّه بهذه التضحية سينفتح الطريق. كانت حركة الإمام الحسين عليه السلام حركة ملهمة، يريد أن يُذكّر كلّ العالم ويُفهم النّاس جميعاً أنّه عندما تكون الظروف على هذه الحال: يحكم الظلم، ويُهجر القرآن، ويتولّى الحكم رجال غرباء عن الدّين وعن الله ويقومون بحرف قطار الدّين المنتظم عن مساره, فعلى كلّ شخص يعتبر الإمام الحسين عليه السلام إمامَه, بل على كلّ شخص يعتبر النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم نبيّه، أن ينهض ويثور. لذلك ينقل الإمام عليه السلام عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "أيّها النّاس, إنّ رسول الله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان.."[26].
(مفاد هذا الحديث) المروي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه على النّاس أن تنهض وتتحرّك. نحمد الله تعالى أنّ الإمام الحسين عليه السلام ابن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم استطاع أن ينوّر وجه الإسلام ويضيئه.
تضحية الأولياء في سبيل الإسلام والأهداف
الشخص لا معنى له بحسب الرؤية الإسلاميّة, كلّ الأشخاص فداء للأهداف والمبادئ, حتّى شخص النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. لقد ضحّى الإمام الحسين عليه السلام بنفسه فداء لأيّ شخص؟ هل ضحّى بنفسه من أجل النّاس؟ لا، هذا خطأ, لقد ثار فداءً للدّين, وللأهداف والقيم, حتّى تبقى حيّة.
ارتباط قيمة التضحية والشهادة بالأشخاص والظروف
تختلف أنواع الشهادة فيما بينها, فالشهادة في موقعها ووقتها لها قيمتها العُليا, لذلك تتميّز شهادة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام بقيمة أعلى وفضل أكبر, إلى أن نصل إلى شهادة أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. فالظروف تختلف، والشهداء ليسوا دائماً مثل بعضهم، وكذلك الشهادة.
ففي معركة أُحد استشهد كثيرون[27]، لكنّ حمزة عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم صار هو سيّد الشهداء. لماذا؟ لماذا كان لحمزة عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هذا القدر من الأهمّيّة والقيمة حتّى سمّاه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد استشهاده بـ "سيّد الشهداء"؟[28].
من أسباب ذلك أنّ الشعوب عادةً تقدّم الشهداء من أبناء الطبقات العاديّة في المجتمع ولا تُقدِّم من النخب العلميّة، أو أصحاب العناوين والاعتبارات, غالباً ما تقلّ الشهادة بين المسؤولين والقادة من المجتمع، وهي كثيرة بين عامة النّاس, والسبب أنّ الذين هم في الطبقات العليا لم يكن باستطاعتهم أن يُظهَّروا في العمل, إلى جانب النّاس, كلّ ذلك الصدق والحميمية والصفاء والتضحية والمثل التي دعوا إليها وروّجوا لها, فالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يفتخر بالشهيد الذي يسقط أمام أعين المسلمين وهو من عناصر الطبقة الأولى في ذلك المجتمع. فحمزة سيّد الشهداء, هو قائد بإمكانه أن يحرّك المجتمع وأن يدير الجيوش ويمكن أن يكون مؤثّراً في مصير ذلك المجتمع. لقد شارك بنفسه في ساحة المعركة بكلّ فداء، وضع نفسه في ظروف تمكّنه من الشهادة وقد نال الشهادة.
شهادة قادة الدّين, الأداة المعنويّة للانتصار على الباطل
يدّخر الإنسان رأس المال في مكان آمن. وهذا يختلف عمّا لو فرّط به, فعندها سيفتقده, لكنّه عندما يدّخره لن يضيع من يده. لذلك ترون عظماء وشهداء ذوي شأنٍ رفيع من قبيل القادة الدّينيّين، الأنبياء، الأئمّة والأولياء، والحسين بن عليّ عليهما السلام وآخرين من الذين ينتفع الإسلام والمسلمون, بل البشريّة جمعاء, بأرواحهم وأنفسهم, ووجودهم مفيد, عندما يتهيّؤون للشهادة وللتضحية في سبيل الله فإنّهم يقدّمون هذه النفس على طبق الإخلاص ويسترخصونها في سبيل الحقّ, معنى ذلك أن ما يعود بشهادة هؤلاء على الإسلام والمسلمين بالنفع ليس بأقلّ ممّا سيعود عليهم من خلال بقائهم أحياءً, ولعلّه أكثر من ذلك. وفي عصرنا وزماننا الأمر كذلك أيضاً.
لا شيء يمكنه أن يردع أعداء الإسلام وأدواتهم المجهّزة ويجبرهم على التراجع غير قوّة الإيمان لدى الشعب المسلم. هذا هو العامل الوحيد الذي يمكن من خلاله إجبار أعداء الدّين والثورة، والذين يرفضون استقلال هذا الشعب, على التراجع, بحيث يُسقط في أيديهم. يمكن للوسائل الماديّة أن يُنافس بعضُها بعضاً, إلّا أنّه عندما يكون عنصر الإيمان وقوّة المعنويّات عند الإنسان المؤمن حاضراً، فلا يمكن لأيّة وسيلة ماديّة أن تتغلّب عليه.
فلو لم يكن الأمر كذلك, لما بقيت الحقيقة والعدالة والدّين الحقّ على طول التاريخ. انظروا كيف تمّت مواجهة طريق الحقّ وفكر الحقّ على طول التاريخ, وقف كلّ أصحاب القدرة والمستكبرين في مقابل الحقّ، ونهض كلّ الجبابرة لمواجهته واستخدموا ما حازوا عليه من قدرات ومال وذهب حتّى لا يبقى الحقّ, وليزيلوا فكر الحقّ من الدنيا. إنّ الذي ساهم في بقائه على طول التاريخ وبين النّاس وأبقاه حيّاً، هو هذا. هناك أداة ووسيلة تجعل كلّ قوّة المال والذهب والسلطة والفرعونيّة والتجبّر عديمة الفعاليّة, وهذه هي قوّة الإنسان المؤمن ذاتها. عندما يقتحم الإنسان (المؤمن) ميدان العمل بالإيمان, تُعطّل الوسائل الماديّة.
وإذا ما كان لهذه القوّة أن تتبلور وتتجسّم, فمن الطبيعيّ أن يقدّم عدد من النّاس أنفسهم قرابين في سبيل هذا الهدف المقدّس، وأن يصبح الأفضل والصفوة من هؤلاء قرابين على الدوام, ولقد كانت الصفوة دائماً هي الفداء لطريق الحقّ وسبيل الله.
وفي زمن الإمام الحسين عليه السلام, هل كان هناك شخص تحت السماء أكثر قرباً من الله وأعزّ وأكرم من الإمام عليه السلام بالمعايير الإلهيّة؟ لا أحد! دائماً ما يكون الأعزّاء هم القرابين في سبيل الله, يجعلون صدورهم دروعاً لنجاة الآخرين, مثلهم كمثل رجل قويّ في جماعة من الضعفاء فإذا ما هاجمهم العدوّ كان هو المبادر إلى الدفاع.
التضحية الواعية
كان الإمام الحسين عليه السلام يرى ذلك بوضوح في صفحة قلبه المشعّة بالضّياء وهو يعلم أنّه سيحدث ذلك, هو لم يأتِ مغمض العينين, كان يعلم ماذا سيحدث في هذه الصحراء المحرقة. كان يعرف العطش والجوع, عطش الأطفال والبنات والنساء, كان يعلم أنّ العائلة ستبقى وحيدة بعد شهادة الرجال, كان يعلم أنّ هؤلاء الأعداء - عديمي الشرف ذوي الطبائع الوحشيّة - سيهجمون على الخيم بعد قتل الرجال, كان يعرف كلّ ذلك. ولكن مع ذلك كلّه فقد أقدم الإمام الحسين عليه السلام بشجاعة تامّة. ليس لأنّه لم يكن يعرف ثمّ وقع في الفخّ أو المصيدة, لا، القضيّة ليست كذلك.
كان واضحاً بالنسبة إليه ماذا سيحصل, لكن لأنّ الدفاع عن الدّين والدفاع عن القرآن وبقاء الإسلام وبقاء اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت على المحكّ على طول التاريخ، فكان عليه السلام حاضراً لتقديم هذه التضحيات كلّها.
ثمن حفظ الإسلام برأي الإمام الحسين عليه السلام
لو ضحّى الإمام الحسين عليه السلام بروحه الطاهرة المباركة الغالية - وهي أسمى الأرواح في العالم - في سبيل هذه الثورة، لما كان هذا في نظره ثمناً باهظاً. ولو تمّت التضحية بأرواح خيرة النّاس وهم أيضاً أصحاب الإمام الحسين عليه السلام لما كانت ثمناً باهظاً في نظره عليه السلام. فأَسْرُ آل الله وحُرَم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, بل وأن تغدو شخصيّة كزينب سبيّةً بأيدي الأجانب, هذا كلّه لم يكن بنظر الإمام الحسين عليه السلام ثمناً باهظاً ومرتفعاً بالنسبة إلى هذا الغرض السامي الذي يريد أن يحقّقه, وقد كان عليه السلام يعلم أنّه حينما يُقتل في تلك الصحراء فسوف يُقدم هؤلاء على أسر هذه السيّدة وهؤلاء الأطفال. الثمن الذي ندفعه يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار في ضوء ما يتحقّق مقابله للإسلام والمسلمين والأمّة الإسلاميّة وللمجتمع.
التضحية هي كلمة السرّ للوصول إلى الهدف
لماذا كان على الأخ، والابن، وابن الأخ، أن يأتوا ويضعوا أنفسهم في لجّة بلاء الإمام الحسين عليه السلام, مع أنّهم كانوا على يقين بأنّهم سيُقتلون؟ هذه هي التضحية العظيمة، الكبيرة والفريدة. هذه التضحية درس لنا بأنّه يجب علينا أن نضحّي. فمن دون التضحية وروح الإيثار لن يتحقّق أيّ هدف, ولن تتقدّم أيّة حركة, فهذا غير ممكن!
وقد خاطب أمير المؤمنين عليه السلام - في زمن خلافته - بعض النّاس الذين أظهروا ضعفاً وتراخياً فقال: "ولعمري, لو كنّا نأتي ما أتيتم ما قام للدّين عمود ولا اخضرّ للإيمان عود"[29]. لو كنّا نعمل على النحو الذي كنتم تعملون، لما استقرَّ للدّين أساس وبناء، ولَما اخضرَّتْ أغصان هذه الشتلة. إذاً التضحية لازمة.
التضحية, المفتاح لتحقّق أهداف النظام الإسلاميّ السامية
عن الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام في وصيّته لأخيه محمّد بن الحنفيّة: "إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً, وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي محمّد, أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر, وأسير بسيرة جدّي"[30]. وعنه عليه السلام أنّه قال: "من كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا, فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله"[31].
إنّ النقطة التي تخطر ببالي حول هذين الحديثين لسيّد الشهداء عليه السلام هي أنّه يفهم من تقارنهما أنّ أهداف النظام الإسلاميّ العليا غير قابلة للتحقّق إلّا بالتضحية والاستعداد والجهوزيّة المطلقة.
إنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام هي ثورة ملهِمة للدروس وحركة تجسّد التكليف الإسلاميّ، هذه الثورة كانت من أجل هذه المقاصد, وكان عليه السلام أيضاً قد قال في الطريق ما جاء في الجملة الثانية: "من كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه"[32], أي أنّه لا يتصورنّ أحد أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعنى الحقيقيّ وأنّ إصلاح المجتمع والمحيط وإصلاح العالم يمكن أن يتحقّق عمليّاً من دون هذه الأشياء. بذل المهجة في سبيل الله أمر لازم ومطلوب. توطين النفس على لقاء الله أمر لازم, لو خلت القلوب من هذه النيّة فمن غير الممكن أن تصل إلى شيء.
وإذا ما حلَّت أهداف أخرى مكان هذه الأهداف الإلهيّة فليس بإمكان من هم في هذا السبيل وهذه الحركة الوصول إلى ذلك المقصود. هذا بالنسبة إلينا درس.
نتائج التضحية, القريبة والبعيدة الأمد
ليس من السهولة بمكان اختصار الحوادث التاريخيّة, فذلك يحتاج إلى وقت وإلى رؤية عميقة وبصيرة. فكثيراً ما يحكم الإنسان على حادثة معيّنة بنظرة سطحيّة, ولكن بمرور الزمن واتضاح جوانب القضيّة تتبدّل الأحكام. فالكثير من الحوادث على مرّ التاريخ كان على هذا النحو. ففي الشهادات الكبرى لأولياء الدّين, يكون هناك حكم معيّن على حادثة ما بالنظر إلى النتائج القريبة المدى, وبالنظر إلى النتائج البعيدة المدى - للحادثة نفسها - يكون هناك حكم آخر. يوجد أيضاً بعدٌ آخر من الحكم في باب المسائل التاريخيّة, بمعنى أنّ القضاء والحكم أحياناً قد يكون صحيحاً وليس خطأً, ولكنْ ذلك بالالتفات إلى النتائج القريبة، أمّا بالالتفات إلى النتائج البعيدة المدى يوجد حكم آخر فيما يتعلّق بالقضيّة ذاتها.
عندما ننظر إلى شهادة الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام, فالحكم الأوّليّ والمتّصل بالأفق القصير المدى هو "فإنّ الدنيا بعدك مظلمة"[33], لكنْ بالالتفات إلى النتائج البعيدة المدى لهذه الحادثة ذاتها نرى أنّه لو لم تكن هذه الشهادة، ولولا ذلك الفداء وتلك المقاومة، لأصبح العالم كلّه مظلماً بفقدان القرآن ونور الإسلام. والأمر ذاته أيضاً بالنسبة إلى حوادث زماننا الحاضر. فإذا أراد شعب أن يتعلّم من حوادث التاريخ وأن يحكم بشكل صحيح ودقيق على هذه الحوادث، ينبغي عليه النظر إلى كلا البعدين, الطويل كالمدى والقصير المدى.
كما إنّنا ينبغي أن نعلم أنّ الحوادث التي تقع, مهما كانت مرّة وقاسية، فإنّها عندما تكون لله، فلن يكون هناك بالنسبة إلى ضحايا تلك الحادثة سوى الفائدة والمنفعة. هذا أيضاً الوجه الآخر لهذه الصفحة, الذي ينبغي علينا الالتفات إليه.
[1] الطبقات الكبرى, الخامسة 1, ص444-447, أنساب الأشراف, ج3, ص163, الأخبار الطوال, ص228-229, تاريخ الطبريّ, ج4, ص253, و 286-287, الفتوح, ج5, ص16-17, و70و99, العقد الفريد, ج5, ص123, مروج الذهب, ج3, ص67, مناقب آل أبي طالب, ج3, ص56 و60, دلائل الإمامة, ص182, الإرشاد, ج2, ص71-72, إعلام الورى, ج1, ص459, الثاقب, ص340-341, مقتل الحسين, الخوارزميّ, ج1, ص271-273, تاريخ مدينة دمشق, ج14, ص201-202, وج65, ص127, الخرائج, ج1, ص253-254, مناقب آل أبي طالب, ج3, ص248, الكامل في التاريخ, جزء 4, ص50, مثير الأحزان, ص17, تذكرة الخواص, ص227, اللهوف, ص40, تهذيب الكمال, ج6, ص421, بحار الأنوار, ج44, ص364.
[2] الآية: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾, آل عمران, 61.
[3] الفتوح، ج5، ص120 و 127, اللهوف، ص84 و 59، 100, بحار الأنوار، ج5، ص107-124.
[4] الفتوح، ج5، ص84, دلائل الإمامة، ص182, بحار الأنوار، ج42، ص364.
[5] بالإشارة إلى سنوات الدفاع المقدّس والحرب المفروضة 80 - 88 -.
[6] الأخبار الطوال، ص252, النهوض، ص49, بحار الأنوار، ج44، ص381.
[7] سورة آل عمران, الآية: 61.
[8] تفسير فرات الكوفيّ, ص88-89, الكامل في التاريخ, ج2, ص293, بحار الأنوار, ج21, ص345-346.
[9] الأمالي, الصدوق, ص678-679, تاريخ مدينة دمشق, ج42, ص42-43, بحار الأنوار, ج23, ص320.
[10] الطبقات الكبرى, الخامسة 1, ص451, الأخبار الطوال, ص228, إعلام الورى, ج1, ص435, بحار الأنوار, ج44, ص326.
[11] تاريخ الطبريّ, ج4, ص304.
[12] الطبقات الكبرى, الخامسة 1, ص451, الأخبار الطوال, ص228, إعلام الورى, ج1, ص435, بحار الأنوار, ج44, ص326.
[13] مسند أحمد، ج4، ص172, الإرشاد، ج2، ص127, بحار الأنوار، ج43، ص271.
[14] مناقب آل أبي طالب، ج3، ص238, بحار الأنوار، ج45، ص218.
[15] تاريخ الطبريّ، ج4، ص317, الإرشاد، ج2، ص91, بحار الأنوار، ج44، ص315-316.
[16] أنساب الأشراف، ج4، ص328-334, بحار الأنوار، ج19، ص260.
[17] دلائل النبوّة، البيهقيّ، ج3، ص123, بحار الأنوار، ج19، ص260.
[18] أنساب الأشراف، ج4، ص287-289, إعلام الورى، ج1، ص183, بحار الأنوار، ج79، ص105.
[19] شهداء الدفاع المقدّس خلال الحرب المفروضة على الجمهوريّة الإسلاميّة 1981 م-1988 م- .
[20] الهدف، ص18-19, بحار الأنوار، ج45، ص218.
[21] رجال البرقيّ، ج1، ص4, لسان الميزان، ج2، ص173, بحار الأنوار، ج44، ص200.
[22] إبصار العين, ص101, الإعلام, ج2, ص166.
[23] رجال الطوسيّ، ص55.
[24] الأخبار الطوال، ص256, الهداية الكبرى، ص202, بحار الأنوار، ج45، ص4. 3.
[25] الأخبار الطوال، ص228, الإرشاد، ج2، ص32, بحار الأنوار، ج44، ص313.
[26] تاريخ الطبريّ، ج4، ص304.
[27] تاريخ اليعقوبيّ، ج2، ص48, بحار الأنوار، ج91، ص319.
[28] المستدرك، ج3، ص195, ذخائر العقبى، ص176, بحار الأنوار، ج22، ص275.
[29] نهج البلاغة، خطبة 56, بحار الأنوار، ج3، ص328-329, وجاء الحديث في مصادر أهل السنّة: "ولعمري لو كنّا نأتي مثل الذين أتيتم ما قام الدّين ولا عزّ الإسلام...". وقعة صفّين، ص520-521.
[30] بحار الأنوار، ج44، ص329.
[31] اللهوف، ص38, كذلك انظر: نزهة الناظر، ص86, بحار الأنوار، ج44، ص367.
[32] اللهوف، ص38, كذلك انظر: نزهة الناظر، ص86, بحار الأنوار، ج44، ص367.
[33] مقتل الحسين عليه السلام, المقرّم, ص337.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|