المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9103 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

المرأةُ في شَريعةِ النبي
16-9-2019
الأصول العملية المحرزة
9-9-2016
أسباب داء السكري Aetiology of Diabetus
2024-04-13
ظهور غريم جديد بعد قسمة أموال الشركة
11-3-2020
Positioning
2023-04-20
كُثَير عَزّة
30-12-2015


الصبر في عاشوراء  
  
364   02:06 صباحاً   التاريخ: 2024-08-11
المؤلف : معهد سيد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسيني
الكتاب أو المصدر : دروس عاشوراء
الجزء والصفحة : ص133-144
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / قضايا عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-4-2016 3745
التاريخ: 2024-08-23 268
التاريخ: 20-6-2019 3314
التاريخ: 22-3-2016 3562

الصبر والتسليم أمام الله

عندما عرضوا على الحسين بن عليّ عليهما السلام الذهاب من كربلاء ونينوى إلى المدينة[1] أو إلى اليمن وأن يقضي بقيّة عمره مرتاحاً هناك[2], فإنّ المانع الذي حال دون قبول أبي عبد الله عليه السلام بهذا الاقتراح هو التكليف. كما إنّ الإمام عليه السلام قد بيّن في مواقفه وكلماته أنّ الله سبحانه لا يرضى من الإنسان بنصف بامتثالٍ ناقصً للتكليف. في كلّ لحظات سفر الإمام الحسين عليه السلام المليء بالوقائع والحوادث, يدرك الإنسان بنحو واضح من خلال كلمات الإمام عليه السلام وأقواله, أنّ هذه الحركات وهذه السكنات هي في سبيل الله ولله. ففي تلك اللحظات الأخيرة, ومن جملة الكلمات التي نُقلت عنه عليه السلام وقد سمعناها جميعاً وهي صحيحة طبعاً, هذه الكلمة: "صبراً على قضائك يا ربّ لا إله سواك"[3].

أنا مسلِّمٌ. هذه روح واقعة كربلاء, التسليم لله!.

الإمام الحسين إنسان, لكنّه إنسان استثنائيّ, هو عبد صالح. عندما يكون الإنسان مستعدّاً لأن يُذبح طفله ذو الأشهر الستّة أمام ناظريه لله تعالى, فهذا قمّة الإنسانيّة, وهذا ما ينبغي علينا أن نتعلّمه. أقول ذلك وأنا معتقد به بحقّ, إنّه في تلك اللحظة قد وصلت الإنسانيّة إلى أوج عظمتها, أن يحمل الإمام الحسين طفله ذا الأشهر الستّة على كفّيه ويرمي دماء نحره نحو السماء[4]. هذه هي قمّة الإنسانيّة. يندر وجود هكذا إنسان بهذه العظمة في التاريخ. لقد كانت عاشوراء اليوم الذي بلغت فيه الإنسانيّة أوجها وذروتها.

من جهة أخرى, أصبح محرّم العام 61 للهجرة مبدأ جميع الحركات والتضحيات الكبرى على طول التاريخ, وقد تحوّل ذلك إلى أصل وقاعدة، أن يعتبر الإنسان المقاومة وظيفةً وتكليفاً.

مفهوم الصبر ومراتبه في مرآة عاشوراء

لقد قلت لكم مرّةً: إنّ صبر الإمام الخميني قدس سره شبيه بصبر الإمام الحسين عليه السلام في الاستقامة والثبات على مواصلة الدرب واستمرار المهمّة وعدم التراجع.

إنّ صبر الإمام الحسين عليه السلام هو الذي صان الإسلام على مرّ التاريخ وحتّى يومنا هذا, وفي الحقيقة لولا صبر الإمام الحسين عليه السلام, ذلك الصبر التاريخيّ في كربلاء وقبيل واقعة كربلاء وفي مقدّماتها وما سبقها, فلا شكّ في أنّه بمرور قرنٍ واحدٍ من الزمان, لم يكن ليبقى من الإسلام حتّى اسمه, بيد أنّ الإمام الحسين عليه السلام أحيى الدّين ببركة صبره الذي لم يكن صبراً هيّناً.

ليس الصبر في أن يتعرّض الإنسان للتعذيب أو يتعرّض أبناؤه للتعذيب أو القتل أمام عينيه ويصمد فحسب - وإن كانت هذه واحدة من مراحل الصبر المهمّة - إلّا أنّ الأهمّ من ذلك (أن يصبر على) الوساوس والمواقف التي قد تبدو في ظاهرها بنظر البعض منطقيّة فتصدّ المرء عن مواصلة الطريق، وذاك ما فعلوهُ مع الإمام الحسين عليه السلام، حين قالوا له: إلى أين أنت ذاهب؟ إنّك تعرِّض نفسك وأهلك للخطر، وتدفع العدوّ لأن يتجرّأ وتتطاول أيديهم على دمائك. وكلّ من جاء إلى الإمام الحسين عليه السلام وضع قرار الإمام وتصميمه في مواجهة هذا المحظور الأخلاقيّ, وهو: إنّك بخطوتك هذه إنّما تخاطر بأرواح فئة من النّاس وتجعل العدوّ أكثر تسلّطاً وتدفعه لأن يلطّخ يديه بدمائك[5].

وهذه قضيّة على قدر كبير من الأهمّيّة ومثيرة للتردّد. إنّها حرب بيّنة، ولا يستطيع المرء أن يقول بهذا الوضوح: إنّني ذاهب لكي أُقتل، كلا، بل هناك محاذير تلاحقه. وربّما كان هذا المعنى وارداً لدى الإمام الحسين عليه السلام أو أنّهم هم طرحوه أمامه: أيّها السيّد! إذا قُتلت سيبادرون لإبادة شيعتكم في الكوفة، فيجب أن تبقى حيّاً لتكون ملاذاً لهم، فأنت سبط النبيّ، وبالمحافظة على حياتك تحافظ على حياة مجموعة من النّاس.

سيّد الشهداء عليه السلام, صبر لا نظير له

عندما نطرح عاشوراء بوصفها درساً، لا ينبغي إغفال جانب الدعاء فيها. الدعاء جميل من جميع النّاس, وبالأخصّ من إنسان بعظمة الإمام الحسين عليه السلام, وكذلك في يوم بعظمة عاشوراء.

في بعض الموارد, تحكي أدعية الإمام الحسين عليه السلام عن تأثّره بحادثة ما. هذه الروح العظيمة وهذه العظمة التي لا نظير لها في يوم عاشوراء تهتزّ في مقابل بعض الحوادث, وفي الواقع فإنّ هذه الحوادث بالنسبة إلينا هي مدعاة للعبرة بمعنى أنّ عظمة روح الإمام عليه السلام وشموخه لم يكونا بحيث لا تؤدّي هذه المتاعب والآلام إلى حزنه واغتمامه. لا ليس كذلك, بل إنّ غمّه وألمه في بعض الحوادث كانا كبيرَيْن جدّاً, بحيث تجعله, تلك الحوادث يلجأ إلى الله لمناجاته, لكنّه يصبر في مقابل هذه الحوادث ويتحرّك بصبر وشكيمة.

إحدى الحوادث التي هزّت الإمام الحسين عليه السلام, وقد رفع عندها يده إلى السماء, كانت شهادة الطفل الرضيع, حادثة هزّت الإمام واقعاً, فبعد أن ذُبح هذا الطفل وهو في حضن أبيه بسهم حرملة، وتدفّقت الدماء من نحره, وضع عليه السلام كفّيه تحت هذه الدماء ورمى بها نحو السماء[6] داعياً بهذا الدعاء: "ربّ إن تكن حبست عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم لنا[7] واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل"[8].

هذا يشير إلى أنّ هذه الحادثة كان لها أثرها العميق والبالغ على الإمام عليه السلام حتّى يناجي ربّه بهذه الكلمات.

فلننظر, أيّة حالات, ولطائف روحيّة كانت للإمام عليه السلام, وبالتالي أي توجّه كان له إلى الله المتعال. أي أنّه تكلّم مع الله وناجاه - في هذا الوضع - بدل السلوك الغاضب والحسرة والانقباض. هذا درس لكلّ المسلمين ولأتباع الحسين بن عليّ عليهما السلام.

صبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام واحتسابُه

فيما يتعلّق بالإمام الحسين عليه السلام وبقيّة الأئمّةعليهم السلام, أحياناً نقرأ ماذا فعلوا: "صبرت واحتسبت"[9]. وفي مكان آخر يقولون: "صبراً واحتساباً"[10]. "الاحتساب يعني كنت في جنب الله. قلت: إلهي! أنا أقوم في سبيلك ولأجلك".

صبر الإمام الحسين عليه السلام وثماره

لدينا الكثير من الثورات، لكن ثورة الإمام الحسين عليه السلام مع كلّ هذه الخصوصيّات لا نظير لها. كانت سلطة الباطل تتّسع وتتزايد بوقاحة وقسوة شديدة, ولم يبق مجال لأيّ أمر بمعروف ونهي عن منكر, وكان جوّ الرعب طاغياً إلى الحدّ الذي جعل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ينأون بأنفسهم عن مواضع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

في ظلّ هذه الأوضاع قام الإمام الحسين عليه السلام بالعمل ذاته الذي كان قد قام به النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في يوم المباهلة مع نصارى نجران, حيث ذكر القرآن الكريم: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ[11], كذلك لقد أتى الإمام الحسين عليه السلام بأغلى وأعزّ ما لديه إلى الميدان للدفاع عن الحقيقة والقيام لله, وقد صبر بعد ذلك. وإنّ صبر الإمام الحسين عليه السلام هذا هو على قدر كبير من الأهمّيّة.

نحن أصلاً لا نفهم معنى "الصبر". الصبر إنّما يُمكن أن يفهم في موقع الصبر وظرفه. كثيراً ما كان يأتي إلى الإمام الحسين عليه السلام من الكبار والمحدّثين والشخصيّات البارزة والمعروفة وأصحاب الجاه والعقلاء والمحبّين وأنصاف المحبّين الذين كانوا يقولون له: "أيّها السيّد! إنّك تقوم بعمل لا فائدة منه, أنت تقوم بإهلاك نفسك وعائلتك وآل بيت الرسول بهذا العمل, وتذلّ أهل الحقّ!", كانوا يتحدّثون بمثل هذا الكلام[12]. ومنذ البداية وما إن علم بعضهم أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان قد عزم على المسير من مكّة, حتّى بدأت هذه الموانع الأخلاقيّة المتعدّدة تظهر أمامه، واستمرّت حتّى ليلة عاشوراء. لقد صبر الإمام الحسين عليه السلام أمام مثل هذه الحوادث, ذلك هو الصبر الذي تحدّثنا عنه. وكذلك قد صبر الإمام ( الخمينيّ) رضوان الله عليه. ففي مرحلة النهضة والثورة, كثيراً ما قيل له: "أيّها السيّد! هذه الشباب تزهق أرواحها, يُقتلون بهذه الطريقة, تخرّب البلاد!", لكن الإمام رضوان الله عليه صبر. الصبر في مقابل نصائح الجاهلين قصيري النظر, أمر بالغ العظمة.

يحتاج الصبر إلى الكثير من القدرة. فالصبر ليس دائماً على الضغوط والمصائب الجسميّة. الصبر أيضاً في مقابل ضغوط المصالح والمنافع, وعدم التخلّي عن الطريق البيّن والواضح, هو ذلك الصبر العظيم والجميل الذي تحمّله أبو عبد الله الحسين عليه السلام. ثمّ في يوم عاشوراء, صبر الإمام عليه السلام مرّة أخرى أمام ذلك الوضع المفجع, إذ قطّعت أجساد كلّ واحد من أصحابه وأهل بيته إرباً إرباً. لم يكن الأمر مجرّد سقوط قذيفة قتلت عدداً من النّاس, لا. فكلّ واحد كان يُقتل من أصحابه وأهل بيته كان بمثابة قطعة تنفصل من بدنه الشريف, وكان يصبر على كلّ ذلك كله. وقد شرب جرعات الصبر هذه كلّها واحدة تلو الأخرى, والنتيجة كانت معروفة, أنّ تلك القيم التي أراد الإمام الحسين عليه السلام بقاءها - القرآن, واسم الاسلام, والقيم الإسلاميّة وحديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم- قد بقيت. وبقي, في دائرة أضيق وأهمّ, التشيّع الذي هو مذهب أهل البيت عليهم السلام.

... فلو أنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يقم بهذا العمل, فلن تمضي برهة وجيزة حتّى يذهب الإسلام من أساسه. كان الإمام الحسين عليه السلام - في الواقع - بمثابة ذلك الوتد العظيم الذي حفظ بدمائه هذه الخيمة المضروبة بالطوفان. وليس هذا أكبر ملحمة في تاريخ الإسلام وحسب, بل أكبر ملحمة في التاريخ قاطبة. ينبغي أن يُحفظ ذلك ويبقى حيّاً, وينبغي على الدوام الاستفادة منه كمفتاح حلّ للعقد والمعضلات في تاريخ المسلمين.

الصبر والشكر عند الإمام عليه السلام وأهل بيته

إنّ الحياة الكريمة لا بدّ وأن يكتنفها الكثير من المصائب, وقد كانت ساحة الطّفّ الحسيني بذاتها مسرحاً لمصائب شتّى. وإنّه لأمر مدهش حقّاً, كيف أنّ الله عزّ وجلّ جعل ساحة عاشوراء الحسين عليه السلام مسرحاً لمجموعة من المصائب الكبرى, بحيث تمكّن أشخاص عظماء وعلى رأسهم أبو عبد الله الحسين عليه السلام من تحمّل هذه المصائب الكبرى بإباء وشموخ وصبر وشكر. في الحقيقة، إنّ كلّاً من طرفي القضيّة كان أمراً فريداً من نوعه على امتداد تاريخ البشريّة, ففي (الأوّل) لم تشهد الإنسانيّة على مدى حياتها واقعة تجسّدت فيها كلّ هذه المصائب مجتمعة وبهذا القدر من الشدّة والتنوّع, خلال برهة زمنيّة لم تستمرّ لأكثر من فترة الصباح حتّى العصر، وكذا (في الثاني)، فالصبر الذي قوبلت به تلك المصائب كان فريداً من نوعه أيضاً.

(لقد تجلّت في تلك الواقعة) ألوان الظلم والقتل ومشاعر الغربة والعطش، وكذا الآلام التي يكابدها الإنسان في سبيل عائلته، والقلق الذي ينتابه من المستقبل الآتي، وما تلاه من فقد أعزّ الأنفس في عالم الوجود - أيّ الحسين بن عليّ وأهل بيته وأبنائه وأصحابه عليهم السلام - ثمّ الأسر والسبي على يد أراذل بعيدين عن قيم الشرف, إذ إنّ السبي على يد أناسٍ أشراف يُهوّن من وقع المصيبة، ولكنّهم سُبوا على يد أناس عديمي الشرف, أصلاً هم ليسوا أناساً, كانوا ذوي طباع حيوانيّة متوحّشة. وبعد تلك المصيبة المتواصلة من الصباح حتّى المساء، مُني أهلُ بيت الإمام الحسين عليه السلام بمصيبة السبي التي ألقت بثقلها على كاهل الإمام السجّاد عليه السلام – مقام الإمامة - وعلى العقيلة زينب - وهي تالية تلو مقام الإمامة - ثمّ على النساء والأطفال الذين لم يكن لديهم - حسب الظاهر- مقامات معنويّة عالية من قبيل الولاية والإمامة، إلّا أنّهم تحمّلوا مرارة المصيبة. وهذا هو السرّ العظيم الذي خلّد واقعة عاشوراء.

صبر زينب الكبرى عليها السلام واستقامتها

في عاشوراء الحسين عليه السلام, بعد أن قتل شباب بني هاشم وقطّعت أجسادهم إرباً إرباً, وبعد أن تحمّلت زينب أخت الحسين عليهما السلام ومرآة الحسين كلّ تلك الآلام والحرقات في عين الله, وفي اللحظات الأخيرة تقدّمت إلى المقتل, وجدت جسد الحسين المجروح والمدمّى والمقطّع, وضعت يديها تحت جسده الشريف وقالت: "اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان"[13].

تحمّل أقسى أنواع الأسر والسبي

إنّ الذين سُبوا (في واقعة عاشوراء) كانوا من أهل بيت الوحي والنبوّة وهم أشرف النّاس وأكرمهم في تاريخ الإسلام. فقد داروا بنسوة سبايا في الأزقّة والأسواق, ولهنّ من الشأن والشرف ما لا نظير له في المجتمع الإسلاميّ آنذاك. والذين سبوهم هم أولئك الذين لم يشمّوا رائحة الإسلام, ولم تكن لهم أيّة علاقة بالإسلام, وكانوا من أخبث وأنجس البشر في زمانهم.

في يوم الحادي عشر من المحرّم[14] وقع آل بيت النبيّ وآل عليّ بن أبي طالب عليهم صلوات الله في الأسر, وستبقى هذه الذكرى واحدةً من أقسى الذكريات مرارة وأشدّها بالنسبة إلينا حتّى هذا اليوم وإلى آخر العمر, وسوف تبقى كذلك.

بالطبع هناك فرق بين أسر ذلك اليوم وأسر هذا اليوم, فأسرى اليوم, من الجنديّ والضابط والمقاتل أو حتّى المدنيّ - عندما يكون القائم على الأسر نظاماً بائساً كالنظام البعثيّ - يبقون مدّة في الأسر بعيداً عن ذويهم وأهليهم. وأنّه لأمر شاقّ, إلّا أنّ الفرق بينه وبين أسر ذلك اليوم كالفرق بين السماء والأرض. كان الأسر في اليوم الحادي عشر من المحرّم أسراً جماعيّاً للنساء والأطفال ومن تبقّى من الرجال, وكان مصحوباً بالتحقير والتجويع والإهانة والبرد والحرّ والدوران في الأزقّة والأسواق وفي أشدّ الظروف قساوة وما إلى ذلك[15].

الصبر والبصيرة

لقد تحدّثت مراراً خلال كلّ من هذه السنن عن قول أمير المؤمنين عليه السلام: "ولا يحمل هذا العلم إلّا أهل البصر والصبر"[16].

لا يستطيع أن يحمل هذا العلم ويرفعه عالياً - علم الإنسانيّة, التوحيد, الصبر - إلّا من تتوفّر فيه هاتان الخصوصيّتان, "البصر والصبر", البصيرة والاستقامة. والإمام الحسين عليه السلام مظهر البصيرة والاستقامة.

 


[1] أمالي الصدوق, ث217, بحار الأنوار, ج44, ص314.

[2] تاريخ الطبريّ, ج4, ص288, مناقب آل أبي طالب ج3, ص240, بحار الأنوار, ج44, ص364.

[3] مقتل الحسين, المقرّم, ص297.

[4] مقاتل الطالبيّين, ص95, مثير الأحزان, ص52, بحار الأنوار, ج45, ص46.

[5] أنساب الأشراف, ج3, ص163, الأخبار الطوال, ص228-229, مروج الذهب, ج3, ص56, الأمالي, الصدوق, ص218-219, الإرشاد, ج2, ص34-35, تاريخ مدينة دمشق, ج14, ص208-211, إعلام الورى, ج1, ص446, الخرائج والجرائح, ج1, ص253-254, الكامل في التاريخ, ج4, ص37, بحار الأنوار, ج44, ص375.

[6] مقتل الحسين, المقرّم, ص285.

[7] الإرشاد, ج2, ص108, الكامل في التاريخ, ج4, ص75.

[8] مقتل الحسين, المقرّم, ص286.

[9] مصباح المتهجّد, ص745, بحار الأنوار, ج97, ص265.

[10] الهداية الكبرى, ص204.

[11] سورة آل عمران, الآية:61.

[12] أنساب الأشراف,ج3, ص163, الأخبار الطوال, ص228-229, مروج الذهب, ج3, ص56, الأمالي, الصدوق, ص218-219, الإرشاد, ج2, ص34-35, تاريخ مدينة دمشق, ج14, ص208-211, إعلام الورى, ج1, ص446, الخرائج والجرائح, ج1, ص253-254, الكامل في التاريخ, ج4, ص37, بحار الأنوار, ج44, ص375.

[13] مقتل الحسين, المقرّم, ص322.

[14] أنساب الأشراف, ج3, ص206, الإرشاد, ج2, ص114, بحار الأنوار, ج45, ص107.

[15] تاريخ الطبريّ, ج4, ص349, الفتوح, ج5, ص120, الأمالي, الصدوق, ص320, اللهوف, ص101-102, بحار الأنوار, ج45, ص154.

[16] نهج البلاغة, خطبة 173.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.