أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-12-2015
1830
التاريخ: 22-7-2016
1778
التاريخ: 21-7-2016
1667
التاريخ: 17-7-2016
4803
|
مع أنَّ الشمسَ والقمر تُعدّانِ من كواكب وكرات السَّماء ، وقد تمّ الحديث بشكلٍ منفصلٍ عن عظمة السموات ، ولكن لقربهما من كرتنا الأرضية فانَّ لهما تأثيراتٍ جمَّةٍ على حياتنا ، وقد أشار القرآن الكريم إليهما بشكل خاصٍ ، ووصف كلًا منهما بآية عظيمةٍ من آيات اللَّه ، وإشار إلى الفوائد الخاصة للنجوم إذ اعتبرها من آيات اللَّه ، وأنَّ التفحُص في كلٍ منها لا سيما في ظل اكتشافات العصر من الممكن أن يوضح لنا عظمةَ الباري تعالى من جهةٍ وعظمة تعاليم القرآن الكريم من جهة اخرى.
وبعد التمهيد المختصر نتأمل خاشعين في الآيات الشريفة الآتية :
1- {هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيآءً والْقَمَرَ نُوراً وقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَعْلَمُونَ}. (يونس/ 5)
2- {أَلَمْ تَرَوا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَواتٍ طِباقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيْهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً». (نوح/ 15 و 16)
3- {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ والْقَمَرَ دَائِبَيْنِ}. (ابراهيم/ 33)
4- {وَسَخَّرَ الشَّمسَ والْقَمَرَ كُلٌ يَجْرِىِ لِأَجَلٍ مُّسَمّىً}. (فاطر/ 13)
5- {ومِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ والنَّهارُ والشَّمسُ والْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلقَمَرِ واسْجُدُوا للَّهِ الّذِى خَلَقَهُنَّ إنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}. (فُصَلت/ 37)
6- {وَالشَّمْسُ تَجْرِىِ لِمُسْتَقَرٍ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيْرُ الْعَزيْزِ الْعَلِيْم * والْقَمَرَ قَدَّرنَاهُ مَنازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيْمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَآ أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. (يس/ 38- 40)
7- {وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ اللَّيلَ والنَّهَارَ والشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. (الانبياء/ 33)
8- {فلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ والْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ}. (المعارج/ 40)
9- {كَلَّا وَالْقَمَرِ* واللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ* والصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدى الكُبَرِ}. (المدّثر/ 32- 35)
10- {وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِى ظُلُمَاتِ الْبَرِّ والبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَومٍ يَعْلَمُونَ}. (الانعام/ 97)
القَسَمُ بالشمس والقمر والنجوم :
بالرغم من أنّ زمان نزول الآيات المتعلقة بالشمس والقمر كان في وقت لا يملك فيه الإنسان إلّا القليل من المعلومات عن هذين الكوكبين العظيمين ، وتقارن نزول هذه الآيات مع شيوع الخرافات الكثيرة «وبالأخص في مهد نزول هذه الآيات» بالرغم من كل ذلك فإنّ القرآن أشار إلى القمر والشمس والنجوم بعظمة ملفتة للنظر ، وذكر الكثير من خصوصياتها وبشكل عام فإنّ القرآن اعتبرها من آيات الحق الإلهيّة والبراهين على إثبات الذات المقدّسة.
فيقول تعالى في الآية الاولى التي نبحثها : {هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً والقَمَرَ نُورْاً}.
يقول بعضُ أربابِ اللغة (ومنهم الطريحي في مجمع البحرين) وعددٌ من المفسرّين : إنَّ الفَرْقَ بين «الضياء» و «النور» هو أنّ «الضياء» يُطلقُ على النور الذي ينبعث من ذات الشيء ، ويُطلقُ النورُ على الضوء الذي يُكسبُ من الغير ، وعليهِ فانَّ الآية أعلاه إشارةٌ لطيفةٌ إلى هذه المسألةِ حيث إنّ نورَ الشمسِ ينطلقُ منها ، في الوقت الذي يحصلُ نورُ القمرِ عن طريق ضوء الشمس الذي يَشُعُ عليه ، ويتحدث القرآن الكريم بهذا في زمانٍ لم يكن للناس اطلاعٌ عليه.
وممّا لا شك فيه أنّه لا يمكنُ انكارُ أَنَّ كُلًا من هذين المفهومين قد يُستعمل بمعنى اعمَّ من النور «الذاتي» أو «الاكتسابي» ، ومشاهدة حالات استعمال هذين المفهومين في القرآن الكريم وفي كلامِ العربِ يَشْهَد على ذلك ، وقد يكون لهما معنيان مختلفان فيما إذا تزامنا معاً ، كما جاء في الآية أعلاه.
وورد هذا المعنى في الآية الثانية بتعبيرٍ آخر ، فَبَعد الإشارة إلى خلق السموات السبع يضيفُ قائلًا : {وَجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُوْراً وجَعَلَ الشَّمسَ سِراجاً} وقد عَبَّرَ عن الشمس ب «السراج» في آيتين اخريين من القرآن الكريم أيضاً (الفرقان/ 61 ، النبأ/ 13) ، ونحن نعلمُ أنّ نورَ المصباح ينبعثُ من داخلهِ وليسَ مُكتَسباً من الخارج ، وقد جاء في بعض نصوص اللُّغة أنّ الضياءَ أكثر شدةً من النور «1» ، ولعلَّ هذا الاختلاف مُستَمَدٌ من الاختلاف الأول ويعود إليه «2».
على أيّةِ حالٍ ، فقد اشيرَ هنا وقبل كل شيءٍ إلى نور «الشمس» و «القمر» كآياتٍ حق من آيات اللَّه وبراهين على قدرته وآلائه جلَّ وعلا.
فالشمسُ بضوئها المشرقِ على الكون لا تقوم بتدفئة وانارة مهد الكائنات في العالم فحسب ، بل لها نصيبٌ اساسيٌ في نمو النباتات وحياة الحيوانات.
واليوم قد ثبتت هذه الحقيقة ، إذ إنَّ كلَّ حركةٍ تُشاهدُ في الأرض هي من بركاتِ ضوء الشمس ، فلو فكّرنا بإمعان في حركة الرياح ، والغيوم وأمواج البحار وجريان الأنهار ، والشلالات ، والحيوانات والناس لوجدناها تنبعُ من ضوء الشمس بدون استثناء.
ولو انطفأت الشَّمس وانقطعت هذه الاشعةُ التي تهبُ الحياة عن الأرض فسَيَعُمُّ الموتُ والسكوتُ والظلامُ كلَّ مكانٍ خلال فترةٍ قصيرةٍ جدّاً.
كما أنّ نور القمرِ الجميلِ لا يعتبر مصباحاً في ليالينا الحالكة ودليلا؛ لقاطعي الصحراء ليلًا فقط ، بل إنَّ نورَهُ اللطيف والمناسب يبعثُ الطمأنينةَ والنشاط لدى البشر بأسرهم.
ويرى بعضُ المزارعين أنّ (نور القمر) له دور حساس في نمو الفواكه والنباتات أيضاً.
وطبعاً أنّ كل ما ذكرناه يختصُ بنور الشمس والقمر فقط ، وسنقوم ببحث ما يخص بقية بركاتهما بشكلٍ مستقلٍ.
ثم يشيرُ القرآن الكريم في نهاية هذه الآية إلى احدى البركات والفوائد المهمّة لهاتين الكرتين السماويتين حيث يضيف : {وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنينَ وَالْحِسابَ}.
فالقمرُ بسيرِهِ المنَّظم ، وحركته الدقيقة يُعتبر تقويماً واضحاً وحيّاً وطبيعياً للغاية ، تَسهُلُ قراءَتُه على العالم والجاهل ، ويُنَظِّمُ برامج حياته على اساسهِ ، ولو أمعّنا التفكير لوجدنا مسألة تنظيم حياة الإنسان ترتبط بقوةٍ بحساب السنين والشهور ووجودِ تقويمٍ طبيعيٍ ، حيث يتكفلُ القمرُ والشمسُ ودوران الأرض المنَظَّم حول نفسها وحول الشمس بإنجاز هذا الدور ، وأنَّ التقويمات الحالية التي نُظِّمت استناداً إلى حسابات المُنجمِّين لا تنفعُ إلّا الذين لديهم إمكانية فهمها ، والتقويم الوحيد المفهوم والمعلوم والمفيد للجميع هو التقويم الطبيعي الذي يتوفر لدينا من حركة القمر ، منذ مرحلة (الهلال) وحتى وصوله إلى مرحلة (البدر الكامل) ، ومن ثمَّ إلى (المحاق) ، ولو تفحَّصَ الإنسان قليلًا لاستطاع أنّ يُحدِّدَ ليالي الشهر من خلال ملاحظة حجم القمر ، لأنَّ القَمَر لا يستقر على حالٍ واحدة في السماء على مدى ليلتين أبداً ، ولعلَّ تنظيم العبادات الإسلامية وفقاً للأشهر القمريةِ نابعٌ من هذا الأمر.
وكل هذه الدوافع ادّت إلى أن يقولَ القرآن الكريم في نهاية هذه الآية : {يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَعْلَمُونَ}.
والحديث في الآية الثالثة والرابعة عن تسخير الشمس والقمر للإنسان : {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ والْقَمَرَ}.
بَيْدَ أنَّهُ عبَّر في الآية بكلمة «دائبَيْن» أي (الحركة وفقاً لسُنَّةٍ ثابتةٍ) «3» وفي الاخرى ورد تعبير {كُلٌ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُّسمّىً} أَيْ «إنَّ كُلًا منهما يستمر في حركته إلى حدٍ مُعيَّنٍ».
وهذه الجملةُ تشيرُ إلى أنّ حركةَ الشمس والقمر ستنتهي على المدى البعيد ، ويتغير نظام المنظومة الشمسية بعد ملايين السنين ، وهذا بحد ذاته أحد المعجزات العلمية للقرآن الكريم.
وفي الحقيقةِ أنّ المقصود بحركة الشمس هو دوران الأرض حول الشمس طبعاً ، لأنّ ما يظهر للعيان أنّ الشمس هي التي تتحرك ، حيث إنَّ الأرض في الواقع هي التي تُوجدُ هذا الشعور لدى الإنسان ، إذ إنّ الشَّمسَ تتحرك باستمرار مع المنظومةِ الشمسية داخل المجرّات ، وسوف نشير إلى ذلك لاحقاً.
والمقصود بتسخير الشمس والقمر وبقية الكائنات التي يعتبرُها القرآن الكريم مسخَّرَةً للإنسان ، هو أنّها تتحرك في مجال مصالح الإنسان وخدمته ، فكما قُلنا سابقاً أنّ لضوءِ الشمس والقمر دوراً مهماً في حياة الإنسان وكافة الكائنات الحيّة ، لا سيما ضياء الشمس إذ تستحيلُ الحياةُ على سطح الأرض بدونه لحظةً واحدةً ، وحتى في الليالي المُظلمة فإننا نستفيدُ من الحرارة المتبقية عن ضوة الشمس في الأرض والجو ولولاها لانجمدت الكائنات الحيَّةُ بأسرها ، إضافةِ إلى الفوائد الاخرى كالمدِّ والجَزرِ في المحيطات ، فهو مصدرٌ للكثير من الخدمات ، وسنشير إلى ذلك في بحث آياته في البحار- إن شاء اللَّه- ، وكذلك وضع تقويمٍ طبيعي وخدمات اخرى.
وبلا شك فإنّ ما نعرفه اليوم من بركاتِ الشمس والقمر أكثر ممّا كان يعرفه السالفون والمخاطَبون بهذه الآيات عند نزولها ، ولهذا فانَّ دروس التوحيد التي نقرأها على صفحاتها أكثر ممّا كان يقرأُه السابقون ، لهذا يقول في نهاية هذه الآية : إنّ ربَّكُم هو الذي سخَّر لكم كلَّ هذه الموجودات ، أمّا الذين تدعونَ من دونه فهم لا يملكون الحكمَ والمُلكَ في هذا العالم بقدَرِ قشرةِ نواة التمر : {وَالَّذِينَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيْرٍ} «4».
وقد عبرت الآية الخامسة بصراحةٍ عن خلقِ الليل والنهار والشمس والقمر ووصفت هذه الظاهرة بأنَّها من آياته ، إلّا أنَّهُ يأمُرُ في نفس الوقت بضرورة عدم الاعتقاد بانَّ هذه هي الإله كما يتصور عبدة الشمس والقمر .. كلا .. : {لَا تَسْجُدُوْا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُوْنَ}.
وهنا نرى الدقة التي يتحدث بها القرآن الكريم ، إذ إنّ ذكر القوائد المختلفة للشمس والقمر والليل والنهار وكافة الموجودات في هذا العالم من شأنه أن يترك أثراً في أذهان ذوي العقول الضيقة ويتصورون بأنّهم مدينون للنعم التي اسبغتها عليهم هذه الموجودات فيسجدون لها ويخضعون ويعظمونها ، وهذا ما ابتلى به الوثنيون على مر التاريخ ، لكن القرآن يقول لهؤلاء : افتحوا أعينكم جيداً وانظروا بدقّة وتبحر ، وعندها سترون من وراء الحجب العلل ، وسترون الذات القدسية لعلة العلل وعندها سوف تعفرون جباهكم بالسجود إليه وسوف لن تخدعكم أو تضلكم هذه المظاهر.
ويتحدث في الآيتين السادسةِ والسابعةِ عن حركة الشمس والقمر ومنازلهما ، ويصرَّحُ في نهاية هاتين الآيتين بأن كلًا من هذين الجُرمين يسبح في فلكهِ ومداره وخطه : {وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} «5» ، وهذه التعابير من عجائب القرآن من ناحيةٍ ، ومن عجائب عالم الخلقِ وعلمِ وقدرةِ الباري تعالى من ناحية اخرى.
وتوجد هنا عدةُ تفاسير لما تَعنيه جملة {وَالشَّمْسُ تَجْرِى} ومفهوم {لِمُسْتَقرٍ لَهَا}.
اولها : إنّ المقصودَ هي الحركة الظاهرية للشمس التي تبدأ منذ شروق الشمس وحتى استقرارها عند الغروب ، حيث يظهر للعيان أنّها تختفي (ونعلمُ جيداً إِنَّ حركة الأرض حول نفسها هي التي تُجسدُ لنا مثل هذه الظاهرة في الواقع).
الثاني : إنّ المقصود هي حركات الشمس المحورية ، حيث تنحرف نحو الجزء الشمالي للكرة الأرضية مع بداية فَصل الربيع ، وتستمر هذه الحركة حتى بداية فصل الصيف حيث تستقر (في النصف الشمالي للكرة الأرضية) محاذية لمدار السرطان 23 شمالًا وهو ما يصطلح عليه بالميل الاعظم الشمالي ، ثم تبدأ حركتها نحو الجنوب وتصل إلى محاذاة خط الاستواء أوائل فصل الخريف ، ثم تنحرف نحو جنوب الكرة الأرضية ، وتستمر هذه الحركة حتى بداية فصل الشتاء حيث تصل إلى محاذاة مدار رأس الجدي 23 جنوباً ويعبّرون عن هذا الانحراف بالميل الأعظم الجنوبي ، ثم تبدأ حركتها نحو الشمال وتكون بمحاذاة خط الاستواء في فصل الربيع.
بناءً على ذلك فانَّ المقصود من جريان الشمس هو هذا الانحراف نحو الشمال والجنوب ، والمقصود من المستقر هو آخر نقطةٍ للانحراف الجنوبي والشمالي أي (مدار رأس السرطان ومدار رأس الجدي).
والمعروف (طبعاً) أنّ هذه الحركةَ ناتجةٌ عن دوران الأرض حول الشمس ومع الأخذ بنظر الاعتبار انحراف محور الأرض بمقدار 23 ، ولكن ما يبدو لنا هو أنّ الشمس لها مثل هذه الحركة.
الثالث : المقصود هو الحركة الموضعية للشمس حول نفسها ، فقد ثبت اليوم أنّ الشمس تدور حول مركزها أيضاً (إِذ ذكَرُوا أنّ مدّة هذه الحركة في دورةٍ كاملةٍ تعادل 25 يوماً ونصف اليوم) ، وفي هذه الحالة ستَكون اللام في {لِمُسْتَقرٍ لَهَا} بمعنى (في) أي أنّ الشمس تتحرك في مكانها (وطبعاً فقد اشكَلَ بعض المفسّرين على هذا التفسير باعتباره لا يتناسب مع مفهوم كلمة جريان).
الرابع : المقصود هو حركة الشمس في أبراج السماء على مدى أشهر السنة ، والتي تقابل في كل شهر أحد هذه الصور الفلكية الاثنا عشر ومن هنا تظهر السنة باثنتي عشر شهراً بعدد هذه الابراج «6» ، وعليه فانَّ المقصود من المستقر هو نهاية هذه الدورة.
الخامس والسادس : الحركتان اللتان اكتشفهما العلماء مؤخراً للشمس ، إحداهما مع مجموعة المنظومة الشمسية في دورتها حول مجرتنا التي تأخذها باتّجاه إحدى الصور الفلكية المعروفة ب (صورة الجاثي) الواقعة في جهة الشمال بالنسبة للشمس ، إذ تقطع أثناء هذه الحركة أكثر من (600 مليون كم سنوياً) وهذا ما يشبه تماماً جلوس مجموعةٍ في طائرةٍ وانشغالهم بالدوران حول مركزٍ واحدٍ بينما تسير الطائرة بسرعةٍ نحو اتجاهٍ ما ، وقد تكون حركةُ الطائرة هادئة وخفيفة بالقدر الذي لا يحس الإنسان بهذه الحركة السريعة.
والحركة الاخرى هي دوران المنظومة الشمسية مع بقية المجرّات حول المركز الأصلي لهذه المجرّات التي نرتبط بها ، وممّا يثير العجب فقد ذكروا أنّ سرعة هذه الحركة المذهلة تقدر ب 900 الف كيلو متر في الساعة (بل أكثر من ذلك قليلًا) «7».
وطبقاً لهذا التفسير فانَّ المقصود من المستقر هو المستقر الذي تبلغه الشمس عند نهاية العالم وحلول القيامة ، حينها تصبح الشمس بلا ضياءٍ ويزول نظامها.
و (طبعاً) لا تتعارض هذه التفاسير مع بعضها ، فيمكن أن تجتمع كلُ هذه التفاسير الستة في مفهوم هذه الآية ، لأنّ حركة كل من الأرض والشمس ليست نوعاً واحداً.
وتعبير «يُسبِّحون» تَعبيرٌ لطيفٌ حيث يعبّر عن حركة الشمس والقمر السريعة والرقيقة والمتوازنة في نفس الوقت.
وذكر في الآيات أعلاه منازل معينة للقمر حيث قال : {وَالقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنازِلَ}.
والمقصود تلك المنازل الثمانية والعشرون التي يطويها القمر كل شهر منذ بداية مرحلة الهلال وحتى المحاق (الظلام المطلق) ، وفي الليلة الثامنة والعشرين يظهر ثانيةً على هيئة هلالٍ أصفر رفيع جدّاً وقليل الاشعاع والنور ويبقى ليلتين حيث يقال له (محاق) إذ تتعذر رؤيتُه.
ويشبِّهُ القرآنُ الكريمُ هلال آخر الشهر ب {العُرجُونِ القَدَيِم} «8» ، وهذا التعبيرُ لطيفٌ وجذّاب للغاية من عدة وجوه.
ونختتم هذا البحث الذي قد طال بعض الشيء بذكر هاتين المسألتين :
أولًا : إنّ المقصود من الفلك في الآيات المذكورة هو المعنى اللغوي وليس المعنى الذي يقصده علماء الفلك في قديم الزمان ، لأنّ الفلك في اللغة يعني مدار النجوم ، وأحياناً يقال لكل موجود يشبه الدائرة ويكون عالياً من أطرافه.
ويعتَقد «الراغب» أنّها في الأصل من مادة «فُلْك» (على وزن قُفْل) والتي تعني «السُفن» ، لأنَّ السفن لها حركات دائرية أثناء مسيرها في البحار.
ولكنَّ المنجمين القدامى سلكوا نهج بطليموس إذ كانوا يعتقدون أنّ السماء تتألف من تسعِ طبقاتٍ مركبة بعضها فوق بعض كقشرة البصل ، ولأنَّ هذه الطبقات تتكون من مادةٍ شفّافةٍ كالبلّور فقد التَصَقت النجوم والكواكب في وسطها وتدور مع دوران الافلاك فيظهرُ دوران النجوم فقط ، ولا يظهرُ شيءٌ من دوران الأفلاك ، وقد بَطُلَ هذا الاعتقاد بنحوٍ كاملٍ اليوم ، واصبح من المسلَّم به أنّ النجوم معلقةٌ في فضاءٍ غير محدودٍ وتتحرك تحت تأثير قانون الجذب والدفع في مسيرةٍ معينةٍ ، والجدير بالذكر أنّ القرآن الكريم نزلَ في زمانٍ كانت تحكُم فيه نظريةُ بطليموس على جميع المحافل العلمية بكل قوةٍ ، إلّا أنّ تعابير القرآن (كالتعبير ب «الجريان» و «السباحة» التي وردت في الآيات أعلاه) لا تتلاءم مع النظرية القديمة بايِّ نحوٍ وتتطابق مع آخر الاكتشافات العلمية في هذا العصر.
وورد في الآيتين الثامنة والتاسعةِ (أَيْمَانٌ) تَبعثُ على التأمل فيقول في إحداهما : {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشَارِقِ والمَغَارِبِ} ، فيمكن أن يكون هذا التعبير إشارة إلى المشارق والمغارب و «المكانية» المختلفة ، لأنَّ كروية الأرض تؤدي إلى وجود مشرقٍ ومغربٍ بعدد نقاط سطح الأرض ، أو أن يكون إشارة إلى المشارق والمغارب «الزمانية» ، لأننا نعلم أنّ حركةَ الأرض حول الشمس تؤدي إلى استحالةِ شروق الشمس وغروبها من نقطةٍ واحدةٍ خلال يومين متتاليين.
هذا الاختلافُ في المشارق والمغارب الذي يتمّ من خلال نظامٍ دقيقٍ ومنهجي سبّب في حدوث «الفصول الاربعة» بما فيها من بركات من جهةٍ ، ومن جهةٍ اخرى فهو يؤدّي موازنة الحرارة والبرودةِ والرطوبةِ على سطح الأرض ، ويمنحُ حياةَ الإنسان والحيوانات والنباتات نظاماً وترتيباً ، وكلٌ منها آية من آيات اللَّه وبرهان من براهينه.
وفي مكانٍ آخر يُقسمُ بالقمر {كَلَّا وَالقَمَرِ* واللَّيلِ إِذْ أَدْبَرَ* وَالصُّبحِ اذَا اسْفرَ} ثم يضيف : أنّ هذه الأَيْمانُ تُنبيءُ عن تحذيرٍ في أمر المعاد فيقول : «إنَّ أحداثَ القيامةِ وجهنَّم من عظيمات الامور {إِنَّها لِإحْدى الكُبَرِ}» «9».
واقْسَمَ في بداية سورة الشمس بالشمس أيضاً ، واشعتّها التي تُحيي الأرواح ، والقمر الذي يبزغُ بعد غروب الشمس.
وهذا ما نفهمه أيضاً بأنَّ القَسَمَ بشيء ما يدلُ على أهميته الخاصة ، وإذا صدر هذا القَسَمُ عن شخصٍ عظيمٍ ستتضاعف اهميتُه ، وإذا اقسِمَ بهِ مِنْ أجل موضوعٍ مهمٍ ستزدادُ أهمية هذا الموضوع أيضاً.
والآن تأمّلوا جيداً عندما يُقسم الباري جلَّ وعلا بالشمس والقمر من أجلِ مسألةِ المعاد المهمّة ، فهذا دليلٌ على العظمةِ الفائقة لهذين الكوكبين ، ويشهد على هذه الحقيقة كون أن كلًا من هذين الكوكبين ذو أهميةٍ في نظر القرآن الكريم.
فلماذا يُقسمُ الباري تعالى بكواكب السماء واللّيلِ والنهار من أجل اثباتِ القيامة والحساب؟ وذلك لأنَّ النظام الحاكم على هذه الاشياء يبرهنُ على أنّ لجميع ذرات العالم حساباً خاصاً ، بناءً على ذلك كيف يمكنُ أن تكون أعمال الإنسان الذي هو زهرةُ عالم الوجود بلا حسابٍ ولا كتابٍ ، ولا وجود للمعاد والمحكمة العادلة ؟ .
وجاءت الآية العاشرة الأخيرة في بحثنا هذا عن نعمةِ وجود النجوم والنظام الدقيق الذي يحكمها فيقول : {وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهتَدوُا بِهَا فِى ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحرِ} ثم يضيفُ : {قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَومٍ يَعْلَمُونَ}.
لقد كانت النجوم دائماً وعلى مدى مراحل التاريخ من أهم وسائل ارشاد الإنسان في الليالي المظلمة ، حيث كان يهتدي بمساعدتها في أسفاره البحرية والبرّية ، حتى أنّ بعض العلماء يظنون أنّ الطيور المهاجرة ، أي الطيور التي تقطع آلاف الكيلو مترات في السنة أحياناً ، وبعضُها يستمر في طيرانه ليلًا ونهاراً بلا توقفٍ ، تحدد طريقها نهاراً عن طريق الشمس ، وليلًا عن طريق نجوم السماء ، ولهذا فانّها تتوقف عن مواصلة الطيران مؤقتاً إذا كان الجو غائماً تماماً حتى تنكشفَ الغيوم وتظهر السماء والنجوم !
والعجب إنّ إمكانية تحديد فصول السنة أيضاً من خلال الاستفادة من النجوم.
على أيّةِ حالٍ ، فانَّ هذه الآية تُلفتُ نظرَ كلِّ المفكِّرين إلى هذه المسألةِ وهي أنّ حركة النجومِ في السماء واستقرارها في هذا الميدان العظيم تتمتع بنظامٍ وحسابٍ خاصٍ ، وإلّا لما استطاعَ أيُّ أحدٍ العثور على طريقهِ في ظلمة الليل من دونها.
وهذا النظام يدل على أنَّ الخالق المدبِّر قد خطَّطَ له بكل حكمةٍ ، ولهذا فانَّ النظام السائد على نجوم السماء هو الذي يُحررنا من ظلماتِ الشرك والكفر أيضاً ! .
ومع تطور علم الفَلَك ، فقد نجح العلماء في تقدير سرعة الكثير من كواكب السماء ، وحجمها ومسافاتها وبقية خصائصها ، وتوصلوا عن هذا الطريق إلى حقائق جديدة عن هذا النظام العظيم.
صحيحٌ قد تم اختراعُ آلاتِ ووسائلَ دقيقةٍ يستطيعُ الإنسان بمساعدتها أن يعثرَ على طريقه في البر والبحر ، ولكن لا ينبغي نسيانُ عدم إمكانية استخدام جميع المسافرين لهذه الوسائل العلمية المتنوعة ، إضافة إلى حدوث الخلل في هذه المعدات والآلات الدقيقة أحياناً ممّا يسبب الانحراف عن الطريق ، فإذا كان الإنسان مطلعاً على مواقع ومواضع النجوم يستطيعُ من خلال ذلك إصلاح اخطاء هذه المعدات.
ورد في بعض الروايات تفسيرٌ آخرٌ لهذه الآية عن أهل البيت (عليهم السلام) يمكنُ أن يُعدَّ جزءً من المعاني الباطنيةِ والثانويةِ لهذه الآية ، وذلك أنّ المقصود من «النجوم» هم القادةُ الربانيّون والأئمّة المعصومون الذين ينجو الناسُ بهم من ظلمات الحياة كما ورد في تفسير علي بن إبراهيم في بيان معنى الآية : {وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِى ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} حيث قال : «النجوم هم آل محمد» «10» ، و طبعاً- من المستطاع الجمعُ بين هذين المعنيين ، أي النجوم الماديّة والنجوم المعنوية والهداية الظاهرية والباطنية.
توضيحات
1- هوية الشمس
لقد اتّضح لنا اليوم تقريباً أنّ الشمسَ عبارة عن كرةٍ ، وأنّها أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة الف مرّة ، أي لو كانت الشمس مقعَّرةَ الوسط لكان من الممكن أن تستوعب مليوناً وثلاثمائة الف كرةٍ أرضيةٍ! وتتضح هذه العظمة المذهلة من خلال التأمل في قُطر الشمس عند الوسط الذي يقرب من (مليون وأربعمائة الف كيلو متر).
وتبلغ الفاصلة بيننا وبينها 150 مليون كيلومتراً تقريباً ، وأنَّ نورها الذي يقطعُ طريقهُ بسرعةِ 300 الف كيلومتر في الثانية يصل إلينا خلال 8 دقائق تقريباً.
إنّ جُرمَ الشمس العظيم يؤدّي إلى زيادة وزن الأشياء فيها ، فمثلًا إنَّ الإنسان الذي يبلغُ وزنُه 60 كيلوغراماً على سطع الأرض سيكون وزنه 1500 كغم فيما إذا كان على سطح الشمس!.
لقد قدَّر العلماء وزن الشمس بما يعادل :
000 ، 000 ، 000 ، 000 ، 000 ، 000 ، 000 ، 000 ، 000 ، 2 طن.
وأخيراً فهُم يُقدِّرون عمر الشمس منذ تكونها بشكلها الحالي بما يقارب 5 مليارات سنة.
إنَّ للشمس ثلاثة انواعٍ من الحركة تقريباً ، حركةٌ حول نفسها (كلَّ 25 يوماً مرّة واحدة تقريباً ، وحركةٌ مع المنظومةِ الشمسية في قلب المجرّات نحو الصورة الفلكية (الجاثي) حيث تبتعد عن مكانها أكثر من 600 كم كل ساعة ، وحركةٌ حول مركز المجرّات ، وتدور حول هذا المركز خلال هذه الحركة مرّة واحدة كل 250 مليون سنة.
أَما حرارةُ سطح ومركز الشمس فهي عجيبةٌ للغاية ، وتُبينُ حسابات العلماء أنّ حرارة سطح الشمس تعادل 6000 سانتغراد تقريباً ، ولا تحصل هذه الحرارة على الأرض في أيِّ مختبرٍ أو فرنٍ أبداً ، ودليلُ ذلك واضحٌ جدّاً لأنَّ جميع المواد بطيئة الذوبان التي نعرفها والتي يمكن بناء فرنٍ منها لا تذوب في مثل هذه الحرارة فقط ، بل تصبحُ بخاراً ، ولهذا فانَّ جميع المواد الموجودة على سطح الشمس ذائبةٌ على هيئة بخار.
والأعجبُ من ذلك حرارةُ عمقها التي تبلغُ 2 مليون درجة سانتِغراد! وتندلعُ من سطح الشمس ألسنةُ نيران يبلغُ ارتفاعها أحياناً 160 الف كم ، ومن السهولة أن تضيع الكرةُ الأرضية فيها (لأنّ قطر الأرض ليس أكثر من 12 ألف كيلو متر).
إنَّ هذه الحرارة لا تحصل بسبب الاحتراق ، وإلّا لو كانَ جرم الشمس قد صُنِعَ من الفحم الحجري الخالص لانتهت تماماً على مدى عدةِ آلاف من السنين كما يقول «جورج غاموف» في كتاب «تكوُّن وموت الشمس» ، ولا يبقى شيء سوى الرَّماد. فالحقيقة أنّ مفهوم الاحتراق لا يصدقُ بخصوص الشمس وما يصدقُ هو الطاقة الناتجة عن الانشطار النووي ، ولكن بهذا الحال وطبقاً للحسابات العلمية فانَّ كلَّ ثانيةٍ تمرُّ على الشمس ينقصُ من وزنها 4 ملايين طن ، أَي إنَّ هذا المقدار من ذراتها يتحول إلى طاقةٍ ، فبالرغم من أنّ هذا الأمر ليس له تأثيرٌ على المدى القريب ، إلّا أنّه من المسلَّم به سيساعدُ في فناءِ الشمس على المدى البعيد ، وهذا ما صرَّحَ به القرآن الكريم في آياته ، حيث سيأتي اليوم الذي ينطفيءُ هذا المصباح السماوي العظيم المنير «11».
2- البركات العظيمة للشمس
مهما تحدثنا حول فوائد وجود هذا النجم السماوي وتأثيره البالغ في حياة الإنسان وبقية موجودات الأرض ، فإننا لا نستطيع أن نفي بالغرض ، وفي الحقيقة يمكنُ تأليف كتابٍ كبيرٍ في هذا المجال بالترتيب التالى :
1- إنّ جاذبيةَ الشمس تؤدي إلى دوام استمرار الأرض في دورانها في مدارها الثابت وإلّا لسقطت في إِحدى زوايا هذا الفضاء اللامتناهي ككُرةٍ مضطربة.
2- إنّ الحرارة التي تصلنا من الشمس بصورة مباشرة نهاراً والتي تخزن في الأجسام وتنعكس علينا ليلًا ، لها تأثير في نمو النباتات وديمومة الحركة والحياة لدى الحيوانات.
3- إنَّ الشمسَ تَضعُ في خدمة الإنسان نوراً سليماً ومجانياً وغَير حارٍ أو مُحرقٍ ولا باردٍ وخالٍ من الأثر ، بشكلٍ دائمٍ ، وإذا قارنّا قيمة الطاقة التي نحصل عليها من الشمس مع قيمة مصادر الطاقة الاخرى فلابدّ أنْ تدفعَ البشرية اموالًا عِوَضاً عن النور والحرارة التي تستلمها من الشمس مقارنةً مع ثمن «الكهرباء» بمقدار (ملياراً و 700 ألف دولار كل ساعة).
عندئذٍ يجب أن نفكِّرَ كم ستكون هذه الميزانية على مدى سنةٍ كاملةٍ؟
وبتعبيرٍ آخر ، لو أرادَ أهلُ الأرض تأمين الحرارة التي تمنحُها إيّاهم الشمس ، عن طريق شراء الفحم الحجري فيجب عليهم توفير 61 الف مليار طن منه سنوياً ، أو بعبارة اخرى توفير 20 ألف طن لكل شخص ، أيّ تأمين ميزانيةٍ باهضة.
3- نحنُ نعلمُ أنّ ضوء الشمس يتركبُ من 7 ألوان مُزجت مع بعضها وظهرت على هيئة هذا النور الأبيض والشعاع الحالي ، وهذا النورُ يُعتَبرُ عاملًا مساعداً للنباتات حيثُ يمتصُ غاز ثاني اوكسيد الكاربون من الجو ويطرحُ في المقابل غاز الاوكسجين الذي هو عِمادُ حياتنا ، فهو يساعد النباتات في نموها بسحب ثاني اوكسيد الكاربون.
ونحنُ نميزُ الأشياء حسب العادةِ عن طريق ألوانها ، وهذه الألوان تحصلُ في شعاع الشمس ، لأنَّ كلَّ موجودٍ يقوم وحسب تكوينه بامتصاص جانبٍ من ألوان الشمس فنطلقُ على اللون الذي لم يُسحبْ لونَ الشيء ، أي أنّ الورق الأخضر للنباتات يمتص جميع ألوان الشمس عدا اللون الأخضر ، إذن فنورُ الشمس هو الذي يُظهرُ جميع الألوان.
4- إنَّ الاشعةَ فوق البنفسجية والتي هي من اشعاعات الشمس تُفيدُ في القضاء على 90 خ من الجراثيم ، وتقوم بدورِ منعِ التعفن بنجوٍ تامٍ ، ولولاها لتبدَّلت الأرضُ إلى مستشفىً كبيرٍ ، ولعلَّ أشعة الشمس اعتبرت لهذا السبب من المطهرّات في الإسلام «مع شروط خاصةٍ طبعاً».
5- لقد استطاعَ العلماءُ من خلال استخدامهم للعدسات المحدبة الفخمة من توليد حرارةٍ هائلةٍ بإمكانها تشغيل المصانع المهمّة ، ولعل الكثير من المؤسسات الصناعية الحسّاسة سيتم تَشغيلها في المستقبل القريب بالاستفادة من نور الشمس ، وتحلُّ الطاقةُ
الشمسية عندئذ محلَّ الكهرباء في البيوت.
6- إنَّ تكوُّنَ الغيوم نتيجةً لسقوط أشعة الشمس على سطح المحيطات وهبوب الرياح نتيجةً لاختلاف درجات الحرارة على الأرض بسبب أشعة الشمس ، ثم حركة الغيوم نحو اليابسة وهطول الأمطار التي تبعث الحياة ، هي احدى الفوائد المهمّة للغاية لنور وحرارة الشمس.
7- إنّ حركة الشمس المنظمة في أبراج السماء (الصور الفلكية) وشروقها وغروبها المنهجي الّذي يجري بنظامٍ وتعاقب دقيقٍ ومحسوبٍ على مدى أيام السنة ، إضافة إلى مساعدتها في تكوين الفصول المتعددة ، فهي تساعد في إيجاد تقويمٍ وحسابٍ منظمٍ للزمان الضروري جدّاً للحياة الاجتماعية للبشر «12».
3- القمر وبركاته
إنَّ القمر كوكبٌ صغيرٌ نسبياً فهو اصغر من الأرض ب (49 مرَّة) وفقاً لحسابات العلماء ، لهذا فانَّ قوة جاذبيته تعادل 6 1 قوة جاذبية الأرض ، ومتوسط بُعده عن الأرض أكثر من 384 الف كيلومتر ، لذلك فانَّ نور القمر يصل إلينا خلال أكثر من ثانيةٍ واحدةٍ بقليل.
وتَبلغ سرعةُ حركته في دورته حول الأرض كيلو متراً واحداً في الثانية ، ويدور حول الأرض مرّة واحدة على مدى شهرٍ قمرىٍّ واحد أي «أكثر من 29 يوماً بقليلٍ» ، ويدور حول نفسه أيضاً مرّةً واحدةً خلال نفس هذه الفترة ، وبما أنّ هاتين الحركتين متناسقتان فإنَّ جانب القمر الذي يقابل الأرض يكون ثابتاً على الدوام ، ولا عجبَ إذا قُلنا إنَّ نورَ القمر حين اكتمالهِ ليلة البدر أقلُ من ضوء الشمس ب (460) ألف مرّة ، إلّا أنّ هذا النور الضئيل يضيء الليالي المقمرة ، ويظهر كمصباحٍ جميلٍ كثيف الشعاع ومُريح للفؤاد وبمنظرٍ شاعريٍّ محبَّب.
ولم تكن الإشارة إلى القمر في الآيات السابقةِ فقط ، فقد تمت الإشارة إلى القمر وبركاته وفوائده في آياتٍ كثيرةٍ من القرآن الكريم ، ووردَ القَسَمُ به في آياتٍ اخرى أيضاً ، وجاء الحديث عن «القمر» في ما مجموعه 27 آية من القرآن الكريم ، واشيرَ إلى تسخير القمر في سبع آياتٍ من هذه الآيات التي تُبيِّنُ أهميّة فوائده في حياة البشر «13».
إنَّ فوائد وبركات القمر كثيرةٌ للغاية ، حيث نشير هنا إلى عددٍ منها :
1- إنّ دوران القمر حول الأرض يُشكِّلُ تقويماً طبيعياً لطيفاً ، وقد مرَّ شرحُهُ في الأبحاث السابقة.
2- إنّ الضياء المناسب الذي يمنحه القمر بالرغم من أنّه لا يزيل ظلمةَ الليل كُليّاً (ولا ينبغي أن يزيلها لأنَّ نفس الظُلمةِ لها فلسفة مهمة) ، ولكن يُمكن أن يساعد الإنسان إلى حدٍ ما في الكثير من الليالي على اكتشاف طريقه في المدن والصحارى والبحار ، لا سيما أنّ نور القمر مناسبٌ وملائم بحيث لا يزعجُ الإنسان والموجودات الاخرى أثناء النوم والراحةِ ليلًا ، بل يشعر الإنسان باطمئنان خاصٍ من خلال نور القمر.
3- إنّ مسألةَ المدِّ والجزر في البحار إحدى الآثار البارزة لوجود القمر ، فالذين ذهبوا إلى البحار كان بإمكانهم ملاحظة هذا الأمر في الليل والنهار حيث يرتفع وينخفض منسوبُ المياه مرّتين كل يوم ، ويُعبَّرُ عن ذلك بالمد والجَزر ، ويستمر كلٌ منهما لمدة 6 ساعات تقريباً.
فأثناء المدِّ يرتفعُ منسوبُ المياه ويغطي معظم سواحل البحر ، وخلال الجزر تنكشف سواحل البحار.
ولهذا المدّ والجزر فوائد مهمّة في حياة البشر منها : تراجع مياه الأنهار التي تصب المياه العذبة في البحار ممّا يؤدّي إلى ري الأراضي الواسعة عن طريق ذلك كما يشاهد في بساتين النخيل الساحلية الواسعة في خوزستان.
ومن الفوائد الاخرى للمد والجزر هي حركة المكائن في المصانع ونشاط المولدات الكهربائية ، وكذلك الإبحار ، حيث إنّ السفن الكبيرة تستطيع خلال المد أن ترسو في معظم السواحل حيث يتمّ تحميل وتفريغ حمولتها ، وتنظيف الموانيء ، وصيد الأسماك ، وتحريك مياه البحر وموازنة حرارته ومركباته أيضاً وامور اخرى «14».
4- الشمس والقمر في كلام الأئمّة المعصومين عليهم السلام
عندما تقع عين الإمام السجّاد عليه السلام على القمر فهو يخاطبه ، وهذه الكلمات درسٌ في التوحيد ومعرفة اللَّه حيث يقول :
«أيها الخلق المطيع ! الدائب السريع المتردّد في منازل التقدير المتصرف في فلك التدبير ، آمنت بمن نوَّر بك الظلم ، وأوضح بك البُهم ، وجعلك آية من آيات ملكه ، وعلامة من علامات سلطانه ... سبحانه ما أعجب ما دبّرَ في أمرك ، وألطف ما صنع في شأنك جعلك مفتاح شهر حادث لأمر حادث ...» «15».
وفي توحيد المفضّل عن الإمام الصادق عليه السلام :
«فكّر يا مفضل في طلوع الشمس وغروبها لإقامة دولتي النهار والليل ، فلولا طلوعها لبطل أمر العالم كلّه فلم يكن الناس يسعون في معايشهم ، ويتصرّفون في امورهم ، والدنيا مظلمة عليهم ولم يكونوا يتهنأون بالعيش مع فقدهم لذة النور وروحه ، والإِرب في طلوعها ظاهر مستغن بظهوره عن الإِطناب في ذكره ، والزيادة في شرحه ، بل تأمّل المنفعة في غروبها ، فلولا غروبها لم يكن للناس هدوء ولا قرار مع عظم حاجتهم إلى الهدوء والراحة ... ثم فكر بعد هذا في ارتفاع الشمس وانحطاطها لإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة وما في ذلك من التدبير والمصلحة ...
فكّر الآن في تنقل الشمس في البروج الاثني عشر لإقامة دور السنة ... وفي هذا المقدار من دوران الشمس تدرك الغلات والثمار ، وتنتهي إلى غاياتها ، ثم تعود فيستأنف النشوء والنمو ...
انظر إلى شروقها على العالم كيف دّبر أن يكون ، فانّها لو كانت تبزغُ في موضع من السماء فتقف لا تعدوه لما وصل شعاعها ومنفعتها إلى كثير من الجهات.
أفلا يرى الناس كيف أنَّ هذه الامور الجليلة؟ التي لم تكن عندهم فيها حيلة صارت تجري على مجاريها ، لا تعتل ولا تتخلف عن مواقيتها لصلاح العالم وما فيه بقاؤه؟
استدلّ بالقمر ، ففيه دلالة جليلة تستعملها العامة في معرفة الشهور ، ولا يقوم عليه حساب السنة ... فكّر في انارته في ظلمة الليل والإرب في ذلك ، فانّه مع الحاجة إلى الظلمة لهدوء الحيوان وبرد الهواء على النبات لم يكن صلاح في أن يكون الليل ظلمة داجية لا ضياء فيها فلا يمكن فيه شيء من العمل ، لأنّه ربّما احتاج الناس إلى العمل بالليل لضيق الوقت عليهم في تقصّي الأعمال بالنهار ، أو لشدّة الحر وافراطه ... وجعل طلوعه في بعض الليل دون بعض ، ونقص مع ذلك من نور الشمس وضيائها لكيلا ينبسط الناس في العمل انبساطهم بالنهار ، ويمتنعوا من الهدوء والقرار ...) «16».
______________________________
(1) تفسير الكشّاف ، ج 2 ، ص 329؛ و تفسير روح البيان ، ج 4 ، ص 12.
(2) ينبغي الانتباه إلى أنّ «الضياء» يأتي بصيغة «المفرد» و «الجمع» أيضاً ، ويعتقد بعض المفسرين أنّ له صيغة الجمع في الآية أعلاه ، وأنّه إشارة لطيفةٌ إلى تركيب ضوء الشمس من سبعة ألوان.
(3) «دائبين» من مادة «دؤوب» وتعني استمرار العمل وفقاً لعادةٍ وسُنَّةٍ دائمةٍ وهو تعبيرٌ للحركة المنظمة والمتَسّعة للشمس والقمر ، ولا يُعتقدُ بوجودِ تعبيرٍ أفضلَ من هذا التعبير.
(4) «القطميرُ» ، بتعبير بعض المفسِّرين هو القشر الخفيف الذي يغطي نواة التمر ، ويقول البعض إنّه النتوء الصغير الموجود خلف نواة التمر ، وعلى اية حالٍ فهو كنايةٌ عن موجودات متصاغره ودنيئة.
(5) «يسبحون» من مادة «سباحة» وتعني الحركة السريعة في الماء أو الهواء (مفردات الراغب).
(7) المقصود من «البرج» هنا مجموعة النجوم المتجمّعة والتي تكوِّنُ شكلًا خاصاً ، والابراج الاثنا عشر كما يلي : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت.
(8) راجعوا كتاب العوالم البعيدة ، ص 293؛ وتسخير النجوم ، ص 392.
(8) «العرجون» من مادة «انعراج» أي الاعوجاج والانحناء ، ويصفه البعض بذلك القسم من القرن المقوَّس الذي يتبقى على النخل بعد قطف التمر ، و «القديم» تعني العتيق.
(9) يقول الفخر الرازي : «إنَّ جهنَّم لها سبع مقاماتٍ ودركاتٍ وهي كما يلي ، جهنَّم ، ولظى ، والحطمة ، والسعير ، وسقر ، والجحيم ، والهاوية» (تفسير الكبير ، ج 30 ص 209).
(10) تفسير نور الثقلين ، ج 1 ، ص 750 ح 203.
(11) اقتباس من كتب 1- تركيبات الشمس ، 2- نجوم بلا منظار ، 3- تكوُّن وموت الشمس ، 4- تاريخ العلوم ، 5- من العوالم البعيدة ، 6- الإسلام والهيئة.
(12) فكما قلنا إنَّ السبب الرئيسي لحصول هذه الامور هو في الواقع دوران الأرض حول الشمس ، ولكن بما أنّ حركة الشمس هي التي تُرى كسببٍ لهذا حسب الظاهر ، فإنّ القرآن الكريم يعتبر كلا من الشمس والقمر (حسبان) أي (وسيلةً للنظام والحساب)- الأنعام ، 96.
(13) الاعراف ، 54؛ الرعد ، 2؛ ابراهيم ، 33؛ النحل ، 12؛ لقمان ، 29؛ فاطر ، 13؛ الزمر ، 5.
(14) اعجاز القرآن في نظر العلوم المعاصرة ، ودائرة المعارف للمصاحف وكتب اخرى.
(15) بحار الأنوار ، ج 58 ، ص 178 ، ح 36.
(16) بحار الأنوار ، ج 55 ، ص 175 ، ح 36 «مع الاختصار».
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|