عرفت المدن الايطالية منذ القرن الخامس عشر نهضة فنية رائعة، ساعد على قيامها ما كانت تزخر به ايطاليا حتى هذا العصر من الاعمال الفنية المختلفة سواء على الطراز الكلاسيكي ام على الطراز القوطي فعاش الفن وترعرع جنباً الى جنب مع بعث الدراسات الكلاسيكية بتشجيع الاسر الحاكمة التي تنافست فيما بينها على الاقبال على مباهج الحياة وتزيين قصورها وبلاطاتها وعواصمها بأعمال فنية ما زالت حتى اليوم تمثل أروع ما ابتدعه الانسان في هذا المجال. وتركزت الفنون الايطالية على الانسان الذي اتخذته موضوعها الاساسي واعتبرته أعظم المخلوقات فاهتمت بإبراز قوته واشكاله الجسمانية أكثر مما اهتمت بمعانيه الروحية وذلك لارتباطها بالفنون اليونانية والرومانية التي اعتبرت اهم مصدر لها (1). ولهذا ابتعدت حركة الفن عن الروح الدينية وموضوعات العصور الوسطى وجاءت علمانية متحررة وممتزجة بتراث حياتهم اليومية (2). وقد تمتع فنان النهضة بميزات علمية متعددة والمام بكل التقنيات أصبحت معروفة في عصره (3). فكان أنج مهندساً معمارياً ونحاتاً ورساماً في نفس الوقت كما كان رافاييل رساماً ومهندساً معمارياً ايضاً ودافنشي مهندساً معمارياً ورساماً ونحاتاً وموسيقياً وملماً بعلم التشريح. وامتاز فن التصوير عند الايطاليين بالأبداع والتحرر من قيود العرف والدين وقد زاد من روعته استخدام المصورين للاصباغ الزيتية ومعرفتهم الجميع الوسائل العلمية لا سيما الأبعاد الخطية واللونية اي علم المنظور. وكانت موضوعاته جسد الانسان وجمال الطبيعة والتعبير عن المشاعر والغرائز الكامنة في الحب والألم واللذة على اوسع نطاق. ووصل فن التصوير الى قمته على يد رافاييل Raphael (1483-1520) الذي تمثل اعماله الفنية ذروة الفن الايطالي في عصر النهضة. ومن اهم اعماله جدرانيات الفاتيكان ذات المواضيع المتعددة التي تدل على تاريخ اللاهوت والفلسفة وما ترمز اليه من القوة والعدالة والحكمة الانسانية والإلهية وما تتصف به من السهولة والاتزان والمثالية. اما في صورته للبابا جول الثاني فقد امتازت بالعمق وغنى الالوان. اما اعمال ليونار دافنشي nard de Vinci (1452- 1519) الفنية فقد تجسدت في لوحته العذراء بين الصخور التي اظهر فيها اهمية النور والظل وفي (العشاء الأخير) التي اظهر فيها الهدوء والاتزان والصفاء الرائع واحاسيس النفس البشرية التي تظهر في اوضاعهم المختلفة. ثم الجوكندا أو الموناليزا التي تجسدت فيها مشاعر النفس الانسانية عميقة تنبض بالحياة (4). واشتهر من المصورين الإيطاليين ايضاً ميشال أنج Michel - Ange (1475 - 1564) الذي برزت مواهبه ايضاً في النحت والهندسة. ومن اهم رسومه تزيين سقف كنيسة السكستين (SIxtine) بالرسوم التي تمثل عملية الخلق. ثم جدرانيات كنيسة بولين في الفاتيكان. اما تیسیان Titien (1485 - 1576) فقد اظهر معرفة عظيمة في الألوان وكانت موضوعاته ميتولوجية. كما برع في رسم الصور الشخصية وأهـم لـوحـاتـه: فينوس و «الحب العذري والحب الدنيوي) و (صورة شارل الخامس» و «صورته» هو. اما فن النحت فقد اتصف بمحاكاة الاقدمين أكثر من اي فن آخر، وذلك لأن تماثيل ومنحوتات اليونان والرومان ما زالت متبقية كنماذج حية امام فناني النهضة الايطاليين. ومن أشهر الذين أبدعوا في فن النحت جيبرتي (1378-1455) الذي جاءت منحوتاته اشبه باللوحات الزيتية، ثم دوناتللو Donatello (1386-1466) الذي يتميز فنه بالواقعية والقوة التعبيرية حيث اظهر معرفة دقيقة لجسم الانسان وعلم التشريح ومن أبرز منحوتاته القديس جورج و النبي داوود. اما ميشال أنج فيعد بحق من أبرز نحاتي ايطاليا اد استطاع ان يجعل من تماثيله كائنات تكاد تكون حية باهتمامه اظهار مفاتن جسم الانسان ومن اهم اعماله تمثال «داوود» ثم العذراء والطفل» و «قبر البابا جول الثاني وضريحي «جوليان ولوران دي مدتشي في كنيسة سان لوران في فلورنسا. اما فن العمارة فقد شهد في ايطاليا تقدماً عظياً في عصر النهضة لكونه نجا من الدمار والاندثار خلال العصور الوسطى. ومع ان فن العمارة في عصر النهضة تفوق على فن العمارة القوطي في تفاصيله الا انه لم يكن يجاريه في العظمة. لهذا جاءت عمارة النهضة افقية تمتد في السعة أكثر مما تعلو في السماء باستثناء بعض الابنية الضخمة. في حين جاء الطراز القوطي عمودياً يبعث في النفس النشوة ويعقد الآمال على السماء ومسكن الارباب (5). اذ امتازت الكنائس والكاتدرائيات التي شيدت على الطراز القوطي بالأقبية العالية والدعائم المعلقة نتيجة للحماسة الدينية التي اظهرتها الشعوب الجرمانية. ومع أن ايطاليا قد اخذت بالطراز القوطي منذ اواخر القرن الثالث عشر فأنها لم تتخل تماماً عن الطابع الكلاسيكي في هذا الميدان. وأبرز فنون العمارة في ايطاليا ظهرت في كاتدرائية فلورنسا التي أنشأها برونلسکو (Brunellesco) ثم كنيسة القديس بطرس في روما التي وضع تصميمها برامانت (Bramante) ثم في القصور والمباني العظيمة التي شيّدت في انحاء مدن إيطاليا (6). لا شك ان النهضة الايطالية قد تركت اثارها واضحة على غيرها من ان هذه النهضات الاوروبية التي قامت في مختلف بلدان غرب اوروبا. مع ان هذه احتفظت بروح الاصالة والمحلية تبعاً لظروف واحوال البلد الاقتصادية والاجتماعية. وقد تم انتقال النهضة من ايطاليا الى خارجها عبر انتشار الكتب بعد اختراع الطباعة، وعبر الباحثين وطلاب العلم من جميع الجنسيات الذين وفدوا اليها بدافع الاعجاب الشديد بالنهضة التي قامت فيها.

..........................................

1- DELUMEAU. J.: La civilisation de la Renalsance. Arthaud 1973 P.

2- ARGAN. G.: Histoire générale de la peinture Renaisence. Marian Paris 1968. P. 11

3-  DELUMEAU: op. cit P. 176

4-  KENNETH. C.: Léonard de Vinci. Le Livre de POCHE 1967

5-  ول ديورانت: قصة الحضارة الجزء 21 ص 362.

6-  انظر سعيد عاشور: أوروبا في العصور الوسطى الجزء الثاني. دار النهضة

العربية الطبعة الثانية القاهرة 1963 ص 3.3.