المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9103 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
أزواج النبي "ص" يشاركن في الصراع على الخلافة
2024-11-06
استكمال فتح اليمن بعد حنين
2024-11-06
غزوة حنين والطائف
2024-11-06
اية الميثاق والشهادة لعلي بالولاية
2024-11-06
اية الكرسي
2024-11-06
اية الدلالة على الربوبية
2024-11-06



الإمام الرضا عليه السلام سراج الله في خلقه  
  
426   12:36 صباحاً   التاريخ: 2024-07-24
المؤلف : علي الكوراني العاملي
الكتاب أو المصدر : الحق المبين في معرفة المعصومين
الجزء والصفحة : ص489-497
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن موسى الرّضا / مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام) /

الوقت ضيق ، لكن لابد من التعرض ولو باختصار للمسائل المرتبطة بالأئمة عليهم السلام ، فنحن مقصرون وقاصرون في نفس الوقت في معرفة كل واحد من الأئمة عليهم السلام ، وفي معرفة مسألة الإمامة عموماً . وعذر القصور مقبول ، لكن عذر التقصير غير مقبول . فعلينا في هاتين المسألتين واجب تجاه أنفسنا ، وواجب تجاه الناس . وبحث الإمامة بمعناها العام ، أو بمعناها الخاص ، لا يمكن استيفاؤه في مثل هذا المجلس .

إن واجب شكر المنعم قضية فكرية وفطرية ، فلا يشك أحد في حسن شكر المنعم ووجوبه ، وكذا في قبح كفر المنعم وتحريمه !

والمنعم علينا بالعقل والكتاب والسنة هو الله تعالى ، ثم الذي هو حرف الربط بيننا وبينه تعالى ، وهو النبي صلى الله عليه وآله ، ثم الإمام عليه السلام .

فالله تعالى هو مبدأ النعم كلها ، والنبي والأئمة عليهم السلام هم واسطة هذه النعم .

ما هي الإمامة ، ومن هو الإمام ؟

إنها بحر المعرفة الذي لا قعر له ، فالإمامة التي نبحث عنها ليست إمامة جماعة ، بل هي إمامة العالم وإمامة البشرية ! فلابد أن نفهم ما هو العالم وما هي الإنسانية ، حتى نفهم إمامة الناس في هذا العالم . وكل البحوث في هذا الموضوع - وجزى الله كتابها خيراً وشكر سعيهم - إنما هي على قدر مؤلفيها وكتابها ، وليست على قدر الموضوع ، حتى تكون إجابة وافية على سؤال :

ما هي الإمامة ، ومن هو الإمام ؟ إن الأفق بينهما بعيد .

على أي حال إن المولود في مثل يوم الغد صلوات الله عليه ، واحد من أئمة العالم العظماء عليهم السلام الذين يتحير فيهم العقل ، ليس تحيراً بمقياس الخطابة بل بمقياس الدليل والبرهان !

للإمام الرضا عليه السلام خمسة عشر لقباً ، ذكر بعضها صاحب البحار رحمه الله ، ولم يذكر البعض الآخر ، وأول لقب ذكره لقب : سراج الله .[1]

سراج الله . . كلمة تكفي للفقيه المتعمق في فقه الدين ، والحكيم المتعمق في الحكمة ، أن يفكر ما هي الخصائص التي تميز بها الإمام الرضا عليه السلام حتى صار لقبه : سراج الله في خلقه !

إن للسراج صفتين : النور والحرارة ، وقد وصف الله تعالى الشمس بأنها سراج ، في قوله : تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً ( سورة الفرقان : 61 ) كما وصف النبي صلى الله عليه وآله بأنه سراج فقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً . وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً . ( سورة الأحزاب : 45 - 46 ) .

فكما أن منظومة الكون المادي لها سراج هي الشمس تعطيها الضوء والحرارة ، فكذلك المنظومة الإنسانية لها سراج أيضاً !

إني أتحسر لأننا حتى الآن لم نصل إلى دقائق القرآن ولطائفه العظيمة ، وأن عمرنا مضى ولم نفهم شيئاً يذكر ! فكم هو عميق هذا الارتباط بين سراجي منظومتي الكون والإنسان ، وكم بيَّنَ الله تعالى لنا بذلك من صفات سيد المرسلين صلى الله عليه وآله ؟ ! الشمس تعطي الضوء والحرارة ، فتأخذ منها الطبيعة غذاءها ونموها حسب استعدادها ، وروح النبي صلى الله عليه وآله تشرق على معادن الناس بالنور وحرارة الحياة ، فتأخذ منها نموها وتكاملها حسب استعدادها ! والناس أيضاً معادن كمعادن الذهب والفضة والحديد . . الخ .

وهذه الشمس النبوية لم تغب بعد رحيله صلى الله عليه وآله بل تواصلت وتواصل إشراقها وإن حجبتها الغيوم ! والإمام الرضا عليه السلام هو امتداد شمس النبوة في الأرض ، وهو شمس له من بينهم خصوصيته التي أعطاه الله إياها !

والنقطة المهمة هنا إضافة السراج إلى اسم ( الله ) تعالى من بين أسمائه الحسنى ،

فالإمام الرضا سراج مادي ومعنوي منسوب إلى الله تعالى ! وهذا اللقب تعبير كاف لنفهم منه أن مكانة الإمام الرضا عليه السلام في أي أفق ؟ !

لقد قرأنا أن الإضافة تكون مغلبة أو مغيرة ، وأن الشئ ما لم يضف يبقى في حد نفسه وعنوانه لا يتجاوزه ، أما إذا أضيف فتصير له حيثيتان واحدة ذات المضاف ، والثانية ما اكتسبه بالإضافة .

ثم يصل الأمر إلى المضاف اليه ما هو ؟ ومن هو ؟

والمسألة هنا أن الإمام الرضا عليه السلام بذاته سراج ، يعني أن معدن روحه المقدسة ونفسه القديسة ، منبع للنور والحرارة ، فأي نفس مقدسة هذه التي ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِئُ وَلَو لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ) ؟ أما عندما تضاف إلى ( الله ) تعالى وتتصل بمنبع ( كُنْ فَيَكُونُ ) فإن صفتها تكون : ( نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) ، فالإضافة تعطيها نسبةً إلى المضاف إليه ، وحيثية وجود آخر .

سراج الله . . وطرف الإضافة هنا اسم الله ، وليس اسم العليم أو الرحمن أو الوهاب مثلاً ! وخصوصية اسم ( الله ) أنه يجمع الألف اسم من أسماء الله الحسنى ، وبذلك يكتسب السراج من أشعة الأسماء الألف ! من أشعة العليم والرحمن والرحيم . . الخ . إنه أمر يتحير العقل في تفهمه واستيعابه !

تُعرف قيمة الكلام من نفس الكلام ، وتعرف أيضاً من شخصية قائله ، فكيف إذا كانت درجة الكلام بعد كلام الله تعالى وقائله رسول الله صلى الله عليه وآله ؟

وهذا الكلام الذي سأذكره قاله رسول الله صلى الله عليه وآله لولده الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في وصف ولده الإمام علي الرضا عليه السلام . . واستيعابه يحتاج إلى تفكير طويل ، لكنا نأمل في هذه الدقائق أن نفهم منه شيئاً !

قال الإمام الكاظم عليه السلام : ( ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وأمير المؤمنين عليه السلام معه ، ومعه خاتمٌ وسيفٌ وعصاً وكتابٌ وعمامة ، فقلت له : ما هذا ؟ فقال : أما العمامة فسلطان الله تعالى عز وجل ، وأما السيف فعزة الله عز وجل ، وأما الكتاب فنور الله عز وجل ، وأما العصا فقوة الله عز وجل ، وأما الخاتم فجامع هذه الأمور . ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله والأمر يخرج إلى علي ابنك . . . ثم قال أبو الحسن عليه السلام : ثم وصفه لي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : عليٌّ ابنُك ، الذي ينظر بنور الله ، ويسمع بتفهيمه ، وينطق بحكمته ، يصيب ولا يخطئ ، ويعلم ولا يجهل ، وقد ملئ حكماً وعلماً ، وما أقل مقامك معه ، إنما هو شئ كأن لم يكن ، فإذا رجعت من سفرك فأصلح أمرك ، وافرغ مما أردت فإنك منتقل عنه ، ومجاور غيره ، فاجمع ولدك وأشهد الله عليهم جميعاً ، وكفى بالله شهيداً ) .[2]

عليٌّ ابنُك ، الذي ينظر بنور الله . . . إن كل واحدة من هذا الكلمات في صفات الإمام الرضا عليه السلام تحير العقول ! فدققوا فيها وافهموا منها لقب : سراج الله !

وأعلى هذه الصفات قوله صلى الله عليه وآله : يصيب ولا يخطئ ، ويعلم ولا يجهل . . فلم يكتف صلى الله عليه وآله بالإثبات حتى ضم اليه النفي ، وختمه بصفة بليغة : وقد ملئ حكماً وعلماً ! فهذه الجملة يصعب إدراكها ، لأن من يعرف واقع تكوين الإنسان وأنه ( بناءٌ ) مهما استوعب من العلم لا يمتلئ ، ومهما استوعب من الحكمة والكمالات العملية لا يمتلئ ! وأن الإنسان منهومُ علمِ لا يشبع ، وطالبُ كمالٍ لا يقنع ، حسب ما يفهمه لنفسه من الكمال !

أما الإنسان الذي يمتلئ علماً فلا من مزيد ، ويمتلئ كمالاً وحكمة فلا من مزيد ، فهو سراج الله في خلقه ، وهو علي بن موسى الرضا عليه السلام !

فكيف نتصور أننا قد فهمنا الإمام الرضا عليه السلام ؟ ! !

كيف ندعي أنا عرفنا الإمام الرضا عليه السلام الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله لمن ذكر اسمه : قل : صلى الله عليه ، قل صلى الله عليه ، قل صلى الله عليه ؟ !

كيف عرفنا أي تربة دفن فيها ، ومن الذي ثوى فيها ، وأي روضة من رياض الجنة في ذلك البستان النبوي العظيم ؟ ! !

قال الصدوق قدس سره في عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 313 : ( حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى المعاذي النيسابوري قال : حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن علي البصري المعدل قال : رأى رجل من الصالحين فيما يرى النائم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله من أزور من أولادك ؟ فقال صلى الله عليه وآله : إن من أولادي من أتاني مسموماً ، وإن من أولادي من أتاني مقتولاً ! قال فقلت له : فمن أزور منهم يا رسول الله ، مع تشتت مشاهدهم ، أو قال أماكنهم ؟ قال صلى الله عليه وآله : من هو أقرب منك ، يعني بالمجاورة وهو مدفون بأرض الغربة . قال : فقلت يا رسول الله تعني الرضا ؟ فقال صلى الله عليه وآله :

قل صلى الله عليه ، قل صلى الله عليه ، ثلاثاً ) . انتهى

صلى الله عليه عدد ما في علم الله ، صلاةً دائمةً بقوام ملك الله .

 

[1] في دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري الشيعي ص 359 : ( ويكنى أبا الحسن ، والخاص أبا محمد . ولقبه الرضا ، والصابر ، والوفي ، ونور الهدى ، وسراج الله ، والفاضل ، وقرة عين المؤمنين ، ومكيد الملحدين ) .

وفي البحار : 49 / 10 عن مناقب ابن شهرآشوب : وألقابه : سراج الله ، ونور الهدى ، وقرة عين المؤمنين ، ومكيدة الملحدين ، كفؤ الملك ، وكافي الخلق ، ورب السرير ، ورب التدبير ، والفاضل ، والصابر ، والوفي ، والصديق ، والرضي ) . انتهى .

وقد وردت صفة ( سراج الله ) للأئمة عليهم السلام في أبيات قالها الإمام الحسين عليهم السلام يوم عاشوراء ففي مناقب ابن شهرآشوب : 3 / 234 : ثم استوى على فرسه وقال :

أنا ابن عليِّ الخيرِ من آل هاشمٍ * كفاني بهذا مفخراً حين أفخرُ

وجدي رسولُ الله أكرمُ خلقه * ونحن سراج الله في الأرض يزهرُ

وفاطمُ أمي من سلالة أحمد * وعميَ يدعى ذا الجناحين جعفرُ

وفينا كتاب الله أنزل صادقاً * وفينا الهدى والوحي بالخير يذكرُ

ونحن أمان الله للخلق كلهم * نسِرُّ بهذا في الأنام ونَجهرُ

ونحن ولاة الحوض نسقي ولينا * بكأس رسول الله ما ليس ينكرُ

وشيعتنا في الناس أكرم شيعةٍ * ومبغضنا يوم القيامة يخسر

انتهى . وقد رويت هذه الأبيات في بعض المصادر بزيادة .

[2] في عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 33 : ( حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، ومحمد بن موسى بن المتوكل ، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار ، ومحمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنهم قالوا : حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري عبد الله بن محمد الشامي ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن علي بن أسباط ، عن الحسين مولى أبي عبد الله ، عن أبي الحكم ، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري ، عن يزيد بن سليط الزيدي قال : لقينا أبا عبد الله عليه السلام في طريق مكة ونحن جماعة ، فقلت له : بأبي أنت وأمي أنتم الأئمة المطهرون ، والموت لا يعرى أحد منه ، فأحْدِثْ إليَّ شيئاً أٌلقيه إلى من يخلفني .

فقال لي : نعم هؤلاء ولدي وهذا سيدهم ، وأشار إلى ابنه موسى عليه السلام وفيه العلم والحكم والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم ، وفيه حسن الخلق ، وحسن الجوار ، وهو باب من أبواب الله تعالى عز وجل ، وفيه أخرى هي خير من هذا كله .

فقال له أبي : وما هي بأبى أنت وأمي ؟ قال : يخرج الله منه عز وجل غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها ونورها وفهمها وحكمها ، وخير مولود وخير ناشئ ، يحقن الله الدماء ويصلح به ذات البين ، ويلم به الشعث ويشعب به الصدع ، ويكسو به العاري ، ويشبع به الجائع ، ويؤمن به الخائف ، وينزل به القطر ، ويأتمر العباد ، خير كهل وخير ناشئ ، يبشر به عشيرته أوان حلمه ، قوله حكم ، وصمته علم ، يبين للناس ما يختلفون فيه .

قال : فقال أبي : بأبي أنت وأمي ، فيكون له ولد بعده ؟ فقال : نعم ، ثم قطع الكلام .

وقال يزيد : ثم لقيت أبا الحسن يعني موسى بن جعفر عليه السلام بعدُ فقلت له : بأبي أنت وأمي إني أريد أن تخبرني بمثل ما أخبرني به أبوك .

قال فقال : كان أبي عليه السلام في زمن ليس هذا مثله .

قال يزيد فقلت : من يرضى منك بهذا فعليه لعنه الله .

قال : فضحك ثم قال : أخبرك يا أبا عمارة أني خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بنيَّ فأشركتهم مع ابني علي ، وأفردته بوصيتي في الباطن ، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وأمير المؤمنين عليه السلام معه ، ومعه خاتمٌ وسيف وعصا وكتاب وعمامة ، فقلت له : ما هذا ؟ فقال : أما العمامة فسلطان الله تعالى عز وجل ، وأما السيف فعزة الله عز وجل ، وأما الكتاب فنور الله عز وجل ، وأما العصا فقوة الله عز وجل ، وأما الخاتم فجامع هذه الأمور . ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله والأمر يخرج إلى علي ابنك .

قال : ثم قال : يا يزيد إنها وديعة عندك فلا تخبر إلا عاقلاً ، أو عبداً امتحن الله قلبه للإيمان ، أو صادقاً . ولا تكفر نعم الله تعالى ، وإن سئلت عن الشهادة فأدِّها ، فإن الله تعالى يقول : إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَاً ( سورة النساء : 58 )

وقال الله عز وجل : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ ( سورة البقرة : 140 )

فقلت : والله ما كنت لأفعل هذا أبداً . قال : ثم قال أبو الحسن عليه السلام : ثم وصفه لي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : عليٌّ ابنك ، الذي ينظر بنور الله ، ويسمع بتفهيمه ، وينطق بحكمته ، يصيب ولا يخطئ ، ويعلم ولا يجهل ، وقد ملئ حكماً وعلماً ، وما أقل مقامك معه ، إنما هو شئ كأن لم يكن ، فإذا رجعت من سفرك فأصلح أمرك ، وافرغ مما أردت فإنك منتقل عنه ، ومجاور غيره ، فاجمع ولدك وأشهد الله عليهم جميعاً ، وكفى بالله شهيداً . ثم قال : يا يزيد إني أوخذ في هذه السنة ، وعليٌّ ابني سمي علي بن أبي طالب عليه السلام وسميُّ علي بن الحسين عليه السلام أعطيَ فهم الأول وعلمه ، ونصره وردائه ، وليس له أن يتكلم إلا بعد هارون بأربع سنين ، فإذا مضت أربع سنين فاسأله عما شئت ، يجبك إن شاء الله تعالى ) .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.