أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-4-2019
17648
التاريخ: 2023-07-14
8873
التاريخ: 22/11/2022
1743
التاريخ: 13-3-2018
14259
|
ان النظام الرئاسي في الانضباط يرتكز على اساس تغليب منطق الفاعلية المقرر لصالح الادارة على منطق الضمان المقرر لصالح الموظفين، ولهذا فقد كان معظم اوجه النقد التي وجهت اليه تدور حول تعسف الادارة وانحرافها عند مباشرة حقها في الانضباط من هنا ومن اجل تحقيق ضمانات اكثر للموظفين حماية لهم من هذا التعسف او ذلك الانحراف، فقد اتجهت العديد من الدول الى تطعيم هذا النظام في بعض التعديلات والتي وان كانت لا تمس جوهر او مضمون النظام في ذاته باعتبار انها في معظمها لا تعدو ان تكون مجرد تعديلات اجرائية كتلك المقررة في النظم القضائية مثل اقرار حق الدفاع وضمان الحيدة والنزاهة وكذلك اباحة حق الطعن او التظلم، إلا انها تغير في الواقع من ملامحه بسمات مغايرة لتلك التي يتميز بها لذلك يطلق عليه بالنظام شبه القضائي (1).
لذلك سوف نتطرق لتعريف النظام شبه القضائي وصوره ، ومسوغات الاخذ به، وعيوب هذا النظام، وعلى النحو التالي:
أولاً: تعريف النظام شبه القضائي وصوره هو ذلك النظام الذي يسند فيه لأعضاء السلطة الرئاسية وحدهم بتوقيع سائر أنواع ومختلف العقوبات الانضباطية الضئيل منها والجسيم وفقا لسلطتهم التقديرية المطلقة بعد مشاورته هيئات جماعية او استشارية، سواء كان هذا الرأي استشارياً ام الزامياً، وتكون هذه الهيئات مشكلة من ممثلين لكل من الموظفين والجهة الادارية التابعين لها (2).
فالنظام شبه القضائي يحاول تحقيق التوازن بين عنصري الفاعلية والضمان فالأول يقوم على ضرورة تمتع الادارة العامة بقدر من الاستقلال والحرية تحقيقاً للمصلحة العامة للمرافق الادارية، والثاني يسعى نحو تغليب المصلحة الخاصة للموظفين وأن يوفر لهم قدراً أكبر من الضمان اثناء المساءلة الانضباطية (3).
ترتيباً على ما سبق فان المفهوم الصحيح لنظام السلطة الانضباطية شبه القضائية يتبلور في اقتسام سلطة توقيع العقوبات الانضباطية فيما بين اعضاء السلطة الرئاسية وبين المجالس الجماعية ذات التركيب الاداري والقانوني المشترك تلك التي تشارك فعلياً في توقيع العقوبات الانضباطية داخل الجهات الادارية ولا يقف دورها عند حد اقتراح توقيعها، ومن ثم يتمتع الموظفون من خلالها بطائفة من الضمانات التي تقربهم من أوضاع الموظفين الخاضعين للسلطة الانضباطية القضائية الخالصة (4).
ويأخذ النظام شبه القضائي في الانضباط بإحدى الصور الثلاث وكما يلي:
1. أن ينشئ المشرع بجانب الادارة هيئة مستقلة لاستطلاع رأيها قبل توقيع الجزاء ويكون رأيها غير ملزم للجهة الادارية .
2. أن ينشئ المشرع بجانب الادارة هيئة مستقلة يتعين استطلاع رأيها قبل توقيع الجزاء ويكون هذا الراي ملزماً ويتعين على الادارة احترامه وان كان لها حق تعديل مضمون الرأي المقترح لتخفيف العقوبة لا تشديدها ومن الدول التي تأخذ بهذا فرنسا .
3 . وقد يوكل المشرع في بعض الانظمة للسلطة الادارية تطبيق بعض العقوبات البسيطة اما العقوبات الجسيمة فيوكل امر تطبيقها الى مجالس التأديب ( الانضباط المكون من عناصر ادارية وقضائية ومن الدول التي تأخذ بهذا الاتجاه الاردن (5) .
ونحن نرى إن الاتجاه الثالث والاخير افضل من الاتجاهين السابقين ذلك لان هذا الاتجاه يوفر ضمانة الحيادية للموظف العام حيث انه لم يحصر توقيع جميع العقوبات الانضباطية بيد السلطة الرئاسية وحدها ، بل وزع سلطة فرض العقوبة حيث اعطى لجهة الإدارة متمثلة بالرئيس الإداري سلطة فرض العقوبات البسيطة، بينما العقوبات الجسيمة تختص بتوقيعها مجالس الانضباط .
اما التشريع العراقي فقد جمع بين النظامين الرئاسي وشبه القضائي وذلك في ظل القانون رقم (69) سنة 1936 الملغى إلا أن النظام شبه القضائي الذي اخذ به التشريع العراقي هو نظام من نوع خاص، فالسلطة الرئاسية تختص بتوقيع العقوبات الانضباطية وكذلك اللجنة الانضباطية ومجلس الانضباط العام ،اذ لكل منهما فرض العقوبات الانضباطية(6) ، اما قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14)لسنة1991النافذ فلم يأخذ بالنظام شبه القضائي .
ثانياً: مسوغات الاخذ بالنظام شبه القضائي:
لقد جاء أنصار هذا النظام بعدة مسوغات، تبرر الاعتراف بوجوده والدعوة الى الأخذ به ومن هذه المسوغات ما يلي :
1- تهدف الدول السائدة بهذا الاتجاه الى تغليب منطق الضمان في مجال الانضباط ومحاولة اضفاء وإسباغ القضائية عليه للحد من السلطة التقديرية الواسعة للسلطات الرئاسية ذات الطابع الشخصي وتحويلها الى طابع اكثر موضوعية .
2- انه نظام يحاول التوفيق بين المصلحة العامة المتمثلة في ضرورة تمتع الادارة بقدر من الاستقلال وحرية التقدير وبين مصلحة الافراد المتمثلة في حماية الحقوق والحريات العامة وذلك بالتزام الادارة بمبدأ المشروعية الذي يجب ان تعمل في ظله وأن لا تتجاوز حدوده التي عينها المشرع .
3- إنه نظام يعمل على اقامة فصل تدريجي بين سلطة الاتهام وسلطة الحكم بتنظيم تدخل الهيئات الاستشارية المكلفة بإبداء الرأي قبل صدور الحكم من السلطات الرئاسية (7) .
4 . إن التطور الذي حدث في النظام الانضباطي ومحاولة التقريب بين الاجراءات الانضباطية والاجراءات الجنائية أدى بطبيعة الحال الى تطبيق بعض الضمانات الجنائية في المجال الانضباطي، ولكن ليس بالضرورة الكاملة، وبذلك فالنظام شبه القضائي مرحلة متقدمة في هذا التطور إلا انه لم يكتمل نهائياً .
5. ادى التدهور والانكماش الذي اصاب السلطات الرئاسية للبحث عن حلول ووسائل للحد من السلطات المخولة لها في مجال الانضباط وهو ما اقتضى قيام هيئات جماعية الى جانب اعضاء السلطة الرئاسية.
ثالثاً: عيوب النظام شبه القضائي
على الرغم من المسوغات والاسانيد التي ذكرناها لكن معارضو هذا النظام قد وجهو له سهام النقد أيضاً والتي يمكن ايجازها بالاتي:
1. هذا النظام يضعف من السلطة الرئاسية أتجاه المرؤوسين طالما ان هذه السلطة لا تمتلك بمفردها حق في توقيع الجزاء على هؤلاء المرؤوسين في حال ارتكابهم لأفعال تعتبرها منافية لحسن سير وانتظام المرفق العام الذي تشرف على ادارته ولهذا فقد قيل ان التطور الذي اصاب السلطة الانضباطية في الدول التي انتهجت النظام شبه القضائي في الانضباط قد ادى الى انكماش السلطات الرئاسية في ممارستها لحق الانضباط او بمعنى آخر قد ادى الى شلل هذه السلطات في المجال الانضباطي (8).
2. ومن عيوب هذا النظام ايضاً الزيادة الكبيرة في اعداد الهيئات والمجالس الجماعية التي تم انشاؤها في اطار النظام شبه القضائي مما أدى الى غلبة طابع التعقيد والاستطالة على اجراءاتها بحيث اصبحت فاعلية الانضباط شبه مشلولة بسبب الفترة الزمنية الكبيرة التي تنقضي فيما بين اكتشاف المخالفة الانضباطية وتوقيع العقوبة الملائمة لها .
3 . صعوبة تحقق التوازن والتوفيق المفترض فيما بين دواعي الفاعلية واعتبارات الضمان في اطار هذا النظام بسبب غلبة العناصر الادارية الداخلة في تركيب هذه الهيئات والمجالس الجماعية على عناصرها القانونية والقضائية (9)
على الرغم من الانتقادات الموجهة لهذا النظام لكن نحن نرى ان النظام شبه القضائي أفضل من النظام الرئاسي الذي يجمع بيده أكثر من سلطة كالاتهام والتحقيق والإدانة مما يصعب معه تحقيق ضمانة الحيدة فالنظام الرئاسي يكون عرضة للتعسف في استعمال السلطة أكثر من غيره من الانظمة اما النظام شبه القضائي وان كانت السلطة الرئاسية هي التي تملك وحدها توقيع العقوبة الانضباطية في كثير من الاحيان لكن المشرع يلزمها وفق هذا النظام باستشارة رأي لجان جماعية يتعين عليها استطلاع رأيها قبل فرض العقوبة وتكون هذه اللجنة محايدة أكثر من السلطة الرئاسية اذ ان غالبية اعضاءها من القضاة الى جانب الاعضاء الاداريين، ويكون رأي هذه اللجنة ملزماً للسلطة الرئاسية في حالة تخفيف العقوبة لا تشديدها.
لذلك فأن هذا النظام يوفر ضمانات للموظف أفضل من النظام الرئاسي .
____________
1- محمد الأحسن، النظام القانوني للتأديب في الوظيفة العامة، دراسة مقارنة، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة أبي بكر بلقايد 2016 ، ص115.
2- اللواء: محمد ماجد ياقوت التحقيق في المخالفات التأديبية ، دراسة مقارنة، ،منشاة المعارف، الاسكندرية.2 ، ص73.
3- عمار كاظم جاسم الساعدي، مبررات فرض العقوبة الانضباطية (التأديبية) ، دراسة مقارنة، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، الجامعة الاسلامية، 2020،ص214.
4- د. مصطفى عفيفي، د. بدرية جاسر صالح السلطة التأديبية بـ الفاعلية والضمان، دراسة مقارنة، مطبعة حسان، القاهرة، 1982 ، ص91.
5- د. خالد سمارة الزعبي، القانون الإداري، ط3، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1998،ص244.
6- د. هاشم الســلطات المختصة بفرض العقوبة الانضباطية ، بحث منشـور في مجلة الحقوق، العدد 47، المجلد 14 سنة 2012،ص13.
7- محمد الاحسن، مصدر سابق،ص119.
8- سليم جديدي سلطة تأديبية الموظف العام دراسة مقارنة ، دار الجامعة الجديدة الإسكندرية، 2011 ، ص169 وما بعدها.
9- د. مصطفى عفيفي، د بدرية الجاسر ، السلطة التأديب بين الفاعلية والضمان، دراسة مقارنة مطبعة حسان القاهرة 1982 ، ص93.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|