المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

الخصائص الطبيعية للمياه البحرية Characteristics of the Marine Water
2024-08-22
شواهد جمع المذكر السالم
2024-10-28
الكمارك
18-9-2021
عمل أشياء عديدة في آن واحد
2023-06-15
التوحيد والأدلّة النقلية
17-12-2015
حشرة الجعال على قصب السكر ومكافحتها
28-6-2017


الاتجاهات الرئيسة في المُحْكَم والمُتشابِه  
  
2736   07:14 مساءاً   التاريخ: 11-10-2014
المؤلف : محمد باقر الحكيم
الكتاب أو المصدر : علوم القرآن
الجزء والصفحة : ص 172-182 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / المحكم والمتشابه /

أ ـ اتجاه الفخر الرازي :

الاتجاه الأوّل : إنّ المُحْكَم هو ما يُسّمّى في عُرف الأُصوليّين بالمُبيّن ، والمتشابِه ما يسمى في عرفهم بالمُجْمَل؛ وقد جاءت صياغة هذا الاتجاه بأساليب مختلفة ، ولعلّ ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره الكبير : هو أوضح صياغةٍ وأوفاها بالمقصود؛ قال :

(اللّفظ الذي جُعل موضوعاً لمعنى ، فأمّا أن يكون محتملاً لغير ذلك المعنى ، وأمّا أن لا يكون ، فإذا كان اللفظ موضوعاً لمعنى ولا يكون محتملاً لغيره فهذا هو النص ، وأمّا إن كان محتملاً لغيره فلا يخلو :

إمّا أن يكون احتماله لأحدهما راجحاً على الآخر ، وإمّا أن لا يكون كذلك ، بل يكون احتماله لهما على السواء ، فإن كان احتماله لأحدهما راجحاً على الآخر سُمّيَ ذلك اللّفظ بالنسبة إلى الراجح (ظاهراً) وبالنسبة إلى المرجوح (مؤّولاً) ، وأمّا إن كان احتماله لها على السويّة كان اللّفظ بالنسبة إليهما معاً (مشتركاً) وبالنسبة إلى كلّ واحدٍ منهما على التعيين (مُجْمَلاً) فقد خرج من التقسيم الذي ذكرناه أنّ اللّفظ إمّا أن يكون (نصّاً) أو (ظاهراً) أو (مؤّولاً) أو مشتركاً) أو (مُجملاً) .

أمّا (النص) و (الظاهر) فيشتركان في حصول الترجيح ، إلاّ أنّ النص راجحٌ مانعٌ من الغير ، والظاهر راجح غير مانع من الغير ، فهذا القدْر المشتَرك هو المسمّى (بالمُحْكَم) .

وأمّا المُجْمل والمؤّول فهما مشتركان في أنّ دلالة اللّفظ عليه غير راجحةٍ وإن لم يكن راجحاً لكنّه غير مرجوح ، والمؤّول مع أنّه غير راجحٍ فهو مرجوحٌ لا بحسب الدليل المنفرد (1) ، فهذا القدْر المشتَرك هو المُسمّى (بالمتشابه) لأنّ عدم الفهم حاصل في القسمين جميعاً.

وقد بينّا أنّ ذلك يسمّى متشابِهاً ، إمّا لأنّ الذي لا يعلم يكون النفي فيه مشابهاً للإثبات في الذهن ، وإمّا لأجل أنّ الذي يحصل فيه التشابه يصير غير معلوم ، فأطلق لفظ المتشابِه على ما لا يعلم إطلاقاً لاسم السبب على المسبّب) (2) .

ويمكن أن نُلخِّص رأي الرّازي بالشكل التالي :

اللّفظ بحسب دلالته على المعنى ينقسم إلى أربعة أقسام :

أ ـ النص :

هو ما كانت دلالته على المعنى بالشكل الذي لا تفسح مجالاً لاحتمال معنىً آخر.

ب ـ الظاهر :

وهو ما كانت دلالته على المعنى بشكلٍ راجحٍ مع احتمال معنىً آخر.

ج ـ (المشترك) و (المُجْمل) :

وهو ما كان دالاًّ على معنيين بشكلٍ متساوٍ.

د ـ المؤّول :

وهو ما كان دالاًّ على المعنى بشكلٍ مرجوح ، فهو عكس الظاهر.

و (المُحكَم) :

ما كانت دلالته على المعنى من القسم الأوّل والثاني لوجود الترجيح فيهما.

و (المتشابِه) :

ما كانت دلالته على المعنى من القِسم الثالث والرابع؛ لاشتراكهما في أنّ دلالة اللّفظ فيهما غير راجحة ، وإنّما سُمِّيا متشابهاً لعدم حصول فهم المعنى فيهما.

ويمكن أن نلاحظ على هذا الاتجاه بالملاحظتين التاليتين :

1ـ إنّنا انتهينا من دراستنا الآية الكريمة إلى ضرورة الالتزام بأنّ المتشابِه المقصود فيها هو : التشابه في تجسيد صورة المعنى ، وتحديد مصداقه ، لا التشابه في علاقة اللّفظ بالمعنى ، بقرينة أخذ مفهوم الإتباع في المتشابِه ، وهو لا يتحقّق في موارد الإجمال اللّغوي.

 2 ـ وحين نساير الفخر الرّازي ، ونتصوّر التشابه بسبب علاقة اللّفظ بالمعنى ، لا نجد هناك ما يُبرِّر حصر نطاق التشابه في هذه العلاقة فحسب ، بل يمكننا أنْ نتصوّر سبباً آخر للتشابه وهو : التشابه بسبب تجسيد صورة المعنى وتحديد مصداقه.

والفخر الرّازي بتقسيمه السابق يحاول أن يغلق علينا هذا الطريق ، حيث لا يتصوّر التشابه إلاّ من زاوية علاقة اللّفظ بالمعنى ، مع أنّه يمكن أن يتصوّر أيضاً في علاقة المعنى بتشخيص مصاديقه الواقعية.

ب ـ اتّجاه الراغب الأصفهاني :

الاتجاه الثاني الذي ذهب إليه الراغب الأصفهاني وهو :

إنّ المتشابِه ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره ، سواء كان الإشكال من جهة اللّفظ أو من جهة المعنى.

وقد ذكر الراغب تفاصيل طويلة في شرح هذا الاتجاه قال :

فالمتشابِه في الجملة ثلاثة أضرب :

ـ متشابِه من جهة اللّفظ فقط

ـ ومتشابِه من جهة المعنى فقط

ـ ومتشابِه من جهتهما.

والمتشابِه من جهة اللّفظ ضربان :

أحدهما : يرجع إلى الألفاظ المفردة ، وذلك إمّا من جهة غرابته ، نحو الأب ويزفّون ، وإمّا من جهة مشاركةٍ في اللّفظ ، كاليد والعين.

والثاني : يرجع إلى جملة الكلام المركّب ، وذلك ثلاثة أضرب :

ـ ضرب لاختصار الكلام نحو :

{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء : 3].

ـ وضرب لبسط الكلام نحو :

{ ... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ...} [الشورى : 11] ؛ لأنّه لو قيل ليس مثله شيء كان أظهر للسامع .

ـ وضرب لنظم الكلام نحو :

{أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا} [الكهف : 1 ، 2] تقديره

الكتاب قيِّماً ولم يجعل له عِوَجاً وقوله : {...وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ...} [الفتح : 25] إلى قوله : {... لَوْ تَزَيَّلُوا...}.

والمتشابِه من جهة المعنى : أوصاف الله تعالى ، وأوصاف يوم القيامة؛ فإنّ تلك الصفات لا تتصوّر لنا إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسّه أو لم يكن من جنس ما نحسّه.

والمتشابِه من جهة المعنى واللّفظ جميعاً خمسة أضرب :

الأوّل :

من جهة الكمّيّة ، كالعموم والخصوص ، نحو :

{...فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ...} [التوبة : 5].

والثاني :

من جهة الكيفيّة ، كالوجوب والندب ، نحو :

{...فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ...} [النساء : 3].

والثالث :

من جهة الزمان : كالناسخ والمنسوخ نحو :

{...اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ...} [آل عمران : 102].

والرابع :

من جهة المكان والأُمور التي نزلت فيها نحو :

{...وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا... } [البقرة : 189].

وقوله : {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ...} [التوبة : 37].

فإنّ من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذّر عليه معرفة تفسير هذه الآية.

والخامس :

من جهة الشروط التي بها يصح الفعل أو يفسد ، كشروط الصلاة والنكاح.

وهذه الجملة إذا تصورت علم أنّ كل ما ذكره المفسِّرون في تفسير المتشابِه لا يخرج عن هذه التقاسيم (3) .

ويُلاحظ على هذا الاتجاه بالملاحظة الأُولى التي ذكرناها في مناقشة الاتجاه الأوّل ، ولكنّه يتفادى الملاحظة الثانية حيث ينفتح على تصوّر التشابه بسبب المعنى ، بغضِّ النظر عن اللّفظ وعلاقته بالمعنى.

ج ـ اتجاه الأصم :

الاتجاه الثالث : المُحْكَم من الآيات ما كان دليله واضحاً لائحاً ، كدلائل الوحدانية والقدرة والحكمة.

والمتشابِهات ما يحتاج في معرفتها إلى تأمّلٍ وتدبّرٍ وقد نسب الفخر الرّازي هذا الاتجاه إلى أصم (4) .

ويُلاحَظ على هذا الاتجاه :

أنّه يُرجِع الأحكام والتشابه إلى عاملٍ خارجي لا ينبع من نفس الكتاب الكريم ، وهذا العامل الخارجي هو مدى وضوح الدليل وخفائه على متبنّيات القرآن الكريم ومفاهيمه ، في الوقت الذي تدل الآية الكريمة على أنّ الأحكام والتشابه ينشآن من عاملٍ داخلي يرتبط بالكتاب نفسه ، ولذلك ينفتح مجال استغلال اتّباع المتشابِه في الفتنة.

وحين يكون الدليل على إحدى دعاوى القرآن الكريم غير واضحٍ على سبيل الفرض لا يكون استغلاله اتّباعاً للقرآن ابتغاء الفتنة ، وإنّما يكون نقداً للقرآن الكريم نفسه.

أضف إلى ذلك أنّه على أساس هذا التفسير للمُحْكَم لا يمكننا أن نفهم المحكَم على أنّه أُمّ الكتاب ، بعد أن كان الدليل الخارجي هو العامل في الاتقان والوثوق لانفس الآية الكريمة.

د ـ اتجاه ابن عبّاس :

الاتجاه الرابع : إنّ المُحْكَم ما يُؤمَن به ويُعمل به ، والمتشابِه ما يُؤمَن به ولا يُعمل به؛ وقد صيغ هذا الاتجاه بأساليب مختلفة نُسب بعضها إلى ابن عباس ، وبعضها إلى ابن تيمية (5)  وقد ورد هذا التفسير للمُحكَم والمتشابِه في بعض النصوص المرويّة عن أهل البيت (عليهم السلام) (6) .

ولعلّ هذا الاتجاه يقوم على أُسس فهم حرمة العمل بالمتشابِه من الآية الكريمة ، ولزوم الإيمان به فحسب ، بخلاف المُحْكَم فإنّه ممّا يُؤمَن به ويُعْمَل به أيضاً.

وقد لاحظ العلاّمة الطباطبائي على هذا الاتجاه بأنّه لا يقوم بتحديد معنى المُحْكَم والمتشابِه ـ كما هو المقصود ـ وإنّما يبيّن حكماً من أحكامها ، وهو لزوم الإيمان والعمل معاً بالمُحْكَم والإيمان فقط بالمتشابِه.

ونحن بحاجةٍ إلى تعيين معنى كلِّ واحدٍ من المُحْكَم والمتشابِه في المرحلة الأُولى ليمكن ترتيب الأثر عليهما ، لنعمل بالأوّل ونكتفي بالإيمان بالثاني (7) .

ويمكن أن نضيف إلى ذلك أنّ الآية الكريمة لا تمنع من العمل بالمتشابِه ، وإنّما تحرّم اتباع المتشابِه بقصد الفتنة والتأويل ، دون العمل به بعد إرجاعه إلى المُحكَم.

ولعلّ هذا هو المقصود من حرمة العمل بالمتشابِه ، أي حرمة العمل به وحده دون إرجاعه إلى المُحْكَم. 

هـ ـ اتجاه ابن تيمية :

الاتجاه الخامس : إنّ المُتشابِه هو آيات الصفات خاصّة ، أعمّ من صفات الله سبحانه : كالعليم والقدير والحكيم والخبير.

وصفات أنبيائه كقوله تعالى في عيسى بن مريم (عليهما السلام) :   {...وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ...} [النساء : 171].

وما يشبه ذلك (8) .

ويكاد ينهج الاتجاه الخامس المنهج الذي سار عليه الاتجاه الرابع ، حيث لا يعطينا تحديداً معيّناً للمُحْكَم والمُتشابِه ، وإنّما يعرفنا على المتشابِه من خلال ذكر بعض مصاديقه وأمثلته كالصفات.

أضف إلى ذلك أنّه لا مُبرر لحصر المتشابه في الصفات دون غيرها في الوقت الذي نجد أنّ أكثر المفاهيم التي تتحدّث عن عوالم يوم القيامة تشترك مع الصفات في التشابه ، وكذلك بعض المفاهيم التي تتحدّث عن عالَم الغيب بشكلٍ عام ، مع أنّها ليست من الصفات في شيء ، على أنّ التشابه في صفات الأنبياء إنّما كان بسبب إضافة هذه الصفة إلى الله سبحانه ، كما في الآية الكريمة ، وأمّا صفة النبي باعتباره إنساناً فليس فيها تشابه. 

و ـ اتجاه العلاّمة الطباطبائي (قُدِّس سرّه) :  

الاتجاه السادس : ما تبنّاه السيّد الطباطبائي (قُدِّس سرّه) في تفسيره (الميزان) بعد أن ناقش الاتجاهات المختلفة في تحديد معنى المُحْكَم والمُتشابِه قال :

(إنّ الذي تعطيه الآية في معنى المتشابِه أن تكون الآية ـ مع حفظ كونها آية ـ دالّة على معنىً مُريبٍ مردّد ، لا من جهة اللّفظ بحيث تعالجه الطُرق المألوفة عند أهل اللِّسان كإرجاع العام والمطلق إلى المخصّص والمقيّد ونحو ذلك ، بل من جهة كون معناها غير ملائمٍ لمعنى آيةٍ أُخرى لا ريب فيها تبيّن حال المتشابِه) (9) .

وقال في موضعٍ آخر :

(إنّ المُراد بالتشابه كون الآية لا يتعيّن مرادها لفهم السامع بمجرد استماعها ، بل يتردّد بين معنى ومعنى ، حتّى يرجع إلى مُحْكَمات الكتاب فتعيّن هي معناها وتبيّنها بياناً ، فتصير الآية المتشابِهة عند ذلك مُحْكَمة بواسطة الآية المُحْكَمة ، والآية المُحْكَمة مُحْكَمة في نفسها) (10) .

ويمكننا أن نوضّح رأي العلاّمة الطباطبائي في هذا البحث بالنقاط التالية :

1 ـ إنّ التشابه لا ينشأ من دلالة اللّفظ على المعنى ، حيث يجب أن تكون الآية المتشابهة دالّة على معنىً معيّنٍ عرفي.

ويستند هذا الالتزام إلى أنّ التشابه في الآية الكريمة أخذ بالشكل الذي يمكن استغلاله في مجال الفتنة ، وإذا لم يكن اللّفظ له ظهور في معنىً معيّن لا يمكن استغلاله في مجال الفتنة ، حيث (جرى دأب أهل اللِّسان في ظرف التفاهم أن (لا يتبعوا) ما هذا شأنه من الألفاظ ، فلم يقدم على مثله أهل اللِّسان ، سواء في ذلك أهل الزَّيغ منهم والراسخون في العلم) (11) .

2 ـ أن تكون الآية المتشابِهة دالّة على معنىً يعارض مع مدلول آيةٍ أُخرى غير مُريب وهي الآية المُحْكَمة ، ويستند هذا الالتزام إلى أنّ الآيات المُحْكَمة هي أُمّ الكتاب ، وتعني الأُمومة هذه حل التشابه عند الرجوع إلى المُحْكَمات بالشكل الذي يتعيّن به مدلول الآية المتشابِهة على ضوء مدلول الآية الأُخرى المُحْكَمة ، وهذا لا يتحقّق إذا لم يكن تعارض بين الآيتين (12) .

3 ـ أن يكون المعنى المدلول للآية المتشابِهة مردّداً ومُريباً.

ويستند هذا الشرط إلى ضرورة وجود المقياس الذي نرجع إليه في معرفة الآية المُحْكَمة الأُمّ من الآية المتشابِهة التي نرجع إليها ـ بعد وجود التعارض بينهما ـ وهذا المقياس هو ريب المعنى في المتشابِه واستقراره في المُحْكَم.

4 ـ إنّ ظاهر الآية (السابعة من آل عمران) هو انقسام الآيات القرآنية بشكل استيعابي إلى المُحْكَم والمُتشابِه بحيث تنعدم الواسطة (13) .

ويمكننا أن نُلاحظ على هذا الاتجاه بعدّة ملاحظات :

فأوّلاً :

نجد هذا الاتجاه غير قادر على تحديد الموقف تجاه الآيات التي تكون دالّةً على معنىً مُردّدٍ بين معنىً مُريبٍ ومعنىً غير مُريب؛ لأنّ هذه الآيات لا تكون واجدةً لميزان المتشابِه لفقدانها الظهور اللّفظي ، كما أنّها غير مُحْكَمة لما فيها من التردُّد في الدلالة على المعنى.

وحين يعجز الاتجاه عن تحديد موقفه من هذه الآيات نجد النقطة الرابعة غير واردةٍ في المُحْكَم والمتشابِه؛ وقد يتشبّث هذا الاتجاه بالمذهب الذي يقول بضرورة أن تكون جميع الآيات القرآنية ظاهرةً في معانٍ معيّنة ، على أساس أنّ القرآن الكريم كتاب هدىً ونورٍ مبين ، وحينئذٍ فلا يبقى مجالٌ لمثل هذه الفرضيّة في آيات القرآن الكريم.

ولكنّ هذه الضرورة القرآنية إنّما يُلتزم بها في الحدود التي تقول بعدم وجود آية قرآنية غامضة بشكلٍ مطلق ، بحيث لا يوجد في القرآن ما يوضّحها ويفسّرها ، وإلاّ فمن الممكن الالتزام بوجود آيات قرآنية مجمَلة الدلالة ـ من ناحية مفهومها اللُّغوي ـ مع الالتزام بوجود ما يوضّحها في القرآن الكريم نفسه ، وهذا الالتزام لا يزيد عن الالتزام ـ من حيث الروح ـ عن الالتزام الذي آمن به هذا الاتجاه بأن يكون اللّفظ ظاهراً في معنىً مُريبٍ يفسّره المُحْكَم. 

وبعد هذا لا مجال لادّعاء أنّ الآية المتشابِهة لا بُدّ وأن تكون ظاهرةً في معنى ، إذ يكشف هذا عن التزامٍ غريب من القرآن الكريم يتلخّص في أنّه كلّما أراد معنىً غير مُريبٍ من لفظٍ غير ظاهرٍ فيه يستعمل لفظاً ظاهراً في معنىً مُريب ، ويكشف عن إرادته للمعنى غير المريب بواسطة المُحكم ، دون أن يستعمل اللّفظ في معنىً مردّد بين المريب وغير المريب ، ويكشف عن هذا التردّد بواسطة المحكم.

وثانياً :

إنّ هذا الاتجاه يلتزم بضرورة قيام الآية المُحْكَمة بدور إحكام الآية المتشابِهة بعد إرجاعها إليها ، مع أنّ الآية المُحْكَمة لا تقوم إلاّ بدور تضييق نطاق تصوّر المعنى في الآية المتشابِهة ، في ضوء ما تعطيه الآية المُحكمة من معنى ، لا أن تجعل من الآية المتشابِهة آية مُحكمة ، بشكلٍ تتحدّد صورة معناها ويتجسّد مصداقه.

إذ يكفي في صدق مفهوم الإحكام على الآية أن تقوم بدور الوقاية من تسرّب صور ومصاديق المعاني الباطلة إلى المعنى المتشابِه ، وهذا يكون في بعض الأحيان نتيجةً طبيعية لتصورنا للمُحْكَم والمتشابِه ، حيث أخذناه على أساس التشابه في تحديد صورة المعنى ومصداقه ، لا في تحديد مدلول اللّفظ ومعناه.

وبهذا نجد الفرق بين إحكام القرينة اللّفظية لذي القرينة بشكلٍ يجعله مختصّاً بمعنىً خاص ، وبين إحكام الآية المُحكَمة للآية المتشابِهة ، مع أنّنا نتصوّر هذا الشيء في القرينة اللّفظية أيضاً.

وثالثاً :

إنّ هذا الاتجاه يلتزم بضرورة التعارض المفهومي بين المُحكَم والمتشابِه ـ كما جاء في النقطة الثانية ـ في الوقت الذي عرفنا أنّ الآية المتشابِهة لا تدل على مفهومٍ لُغويٍّ باطل ، ليلتزم بتعارضه مع المفهوم اللُّغوي للآية المُحكمة ، وإنّما ينشأ الزَّيغ من محاولة تأويل الآية المتشابِهة الذي يعني تجسيدها في مصداقٍ معيّن وصورةٍ محدّدة ، الأمر الذي يفرض علينا الرجوع إلى المُحكم في محاولة تحديده وتجسيده.

وهذا الشيء هو الذي يستفاد من معنى الآية الكريمة حيث إنّ الآية المتشابِهة لو كانت دالّة ـ بحسب ظهورها ـ على معنىً باطل لكان مجرّد اتباعه زيغاً دون محاولة تأويل ، مع أنّ الآية تقول : إنّهم يتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.

ونخلص من مجموعة هذه الآراء والمناقشات إلى تلخيص الرأي المختار بالنقاط التالية :

1ـ إنّ الآية المتشابِهة لا بُدّ وأن تكون ذات ظهور خاص في معنى لُغوي معيّن ، بقرينة قوله تعالى : (فَيَتَّبِعُونَ) .

2ـ إنّ المعنى الذي تدلّ عليه الآية المتشابِهة لا يكون بمفهومه اللُّغوي باطلاً وإنّما يكون صحيحاً ، والفتنة والزَّيغ إنّما يكونان بمحاولة تجسيده في صورةٍ ومصداقٍ باطلين.

3ـ إنّ التشابه إنّما يكون في المعنى نفسه؛ وذلك بتحديد صورة المعنى وتجسيد مصداقه ، لا في علاقة المعنى باللّفظ. والإحكام ما يكون قِبال هذا التشابه ، بأن تكون صورة المعنى المُحْكَم محدّدة ومصداقه الواقعي مجسّداً ، بشكلٍ يستقرّ إليه القلب ولا يتردّد فيه.

فأيّ معنى قرآني إذا لاحظناه :

فإن كنّا نتردّد في تحديد صورته وتجسيد مصداقه فهو معنىً مُتشابه ، والآية التي تتضمّنه آيةٌ متشابهة.

وإن كنّا لا نتردّد في تحديد صورته وتجسيد مصداقه ، وإنّما يركن القلب والعقل إلى صورةٍ واضحةٍ ومصداقٍ معيّن فهو معنىً مُحْكَم ، والآية التي تتضمّنه آيةٌ مُحْكَمة.

_______________________

(1) يُقصد بالدليل المنفرد : الدليل والقرينة الخارجيّة المنفردة عن الكلام واللّفظ.

(2)  الفخر الرّازي : التفسير الكبير 7 : 180.

(3)  مفردات الراغب الأصفهاني : مادّة شبه.

(4) الفخر الرّازي ، التفسير الكبير 7 : 172.

(5) العلاّمة الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن 3 : 33.

(6) تفسير العيّاشي 1 : 11 ، الحديث 6.

(7) العلاّمة الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن 3 : 36.

(8)  العلاّمة الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن 3 : 36.

(9) العلاّمة الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن 3 : 40.

(10) المصدر السابق 3 : 19.

(11) المصدر السابق 3 : 33.

(12)  المصدر السابق : 43.

(13) المصدر السابق 2 : 32.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .