أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-01
1104
التاريخ: 2024-04-03
915
التاريخ: 2024-03-17
847
التاريخ: 2024-07-20
520
|
يدلُّ ما وقفنا عليه من معلومات على أن «نفر-وبن» والد «رخ مي رع»، كان في أول أمره على ما يظهر كاهنًا متواضعًا من بين كهنة الإله «آمون» العديدين، وذلك على الرغم من أنه كان ابن الوزير «عامثو» (أحمس)، وهو الذي خلفه على كرسي الوزارة ابنه «آمون وسر» الذي يُسمَّى أحيانًا «وسر» فقط، والظاهر أن «نفر-وبن» كان يشغل وظيفة كاهن عندما انفتحت عينا ابنه الصغير «رخ مي رع» على عالم الوجود. وقد شاءت الصدف والأقدار معًا أنه عندما وقع بصره على مولوده الجديد، وهو في مهده، أن يناديه باسم «رخ مي رع» (= أي: العارف كالإله «رع»). ويشاء الحظ بإرادة الله أن يحقِّق المستقبل هذه التسمية في شخص هذا الطفل إلى حدٍّ ما؛ إذ إن «رخ مي رع» عندما وصل في منهاج حياته السياسية إلى قمة مجده، وهو في خدمة مليكه «تحتمس الثالث» نحت لنفسه مقبرة فاخرة في جبانة «شيخ عبد القرنة»، وقد كان من بين النعوت التي وصف نفسه بها في نقوش هذه المقبرة النعت التالي: «إنه محيط بكل شيء في السماء والأرض، وفي كهوف العالم السلفي.» وبذلك تحقَّقت نبوءة والده عندما سمَّاه «رخ مي رع»، أو العارف كالإله «رع «. وتدل النقوش على أنه كان وقت نحته لهذا القبر يقوم بمهام وزارة الصعيد، وقد قام بأعباء هذه الوظيفة في النصف الأخير من عهد «تحتمس الثالث»، وظلَّ يدبِّر شئون الملك حتى باكورة عهد «أمنحتب الثاني»، أيْ من حوالي عام 1470 حتى 1445ق.م تقريبًا، ومن الغريب أن آثار هذا الرجل الفذ لم تُذكَر في وثائق خارج قبره، اللهم إلا ما جاء على بعض قِطَع الاستراكا (الخزف) التي وُجِدت بالدير البحري، تحدَّثنا عن العمل الذي قام به خاصًّا بنقل أحجار معبد «زسر أخت»، وكذلك ما جاء على ورقة حساب محفوظة الآن في متحف «اللوفر» (راجع: Brugsch, “Thesaurus” p. 1099 & 1106 )، وقد كان وقتئذٍ متربِّعًا على كرسي الوزارة، ومن أجل ذلك أصبح من الضروري لتقدير هذا الرجل تقديرًا صحيحًا أن نفحص النقوش والمناظر التي جاءت على جدران قبره فحصًا علميًّا دقيقًا، وبخاصة الوظائف السامية التي كان يشغلها في عهد «تحتمس الثالث» الذي يُعَدُّ أزهر العصور في تاريخ مصر، بل في تاريخ الشرق القديم أجمع. وهذا القبر العظيم الذي حفظ لنا على جدرانه من النقوش أثر أعظم الوزراء المصريين، يحمل الآن رقم 100 في جبانة «شيخ عبد القرنة» ﺑ «طيبة الغربية». ولا نزاع في أن عظم حجمه واتساع رقعته وجمال صنعه ودقة فنِّه تبعث في النفوس حتى الآن، مع ما أصابه من تهديم وتخريب الهيبة والروعة. والواقع أن نقوش المقبرة وما فيها من جمال فني، وما جاء عليها من المتون، تحدِّثنا عمَّا اتصف به هذا الوزير من رجولة، وما كان يحسه في أعماق نفسه من مبادئ سامية، ويقظته لكل صغيرة وكبيرة يحتِّمها عليه الواجب والوظيفة، ممَّا جعله نسيج وحده بين الوزراء المصريين السابقين واللاحقين، ومع ذلك فإن محاسن هذا القبر وما كانت تنطوي عليه نفس صاحبه من فضائل ومزايا فذة، لم تنجِ القبر ولا صاحبه مما أصابهما من أضرار جسام؛ فقد محا الخلف اسم الوزير وصوره، وصور معظم أولاده من كل أرجاء القبر، وهذا العمل العدائي وما انطوت عليه نفوس مرتكبيه من حقد وبغضاء كان بإيعاز من الفرعون «أمنحتب الثاني»، كما تدل على ذلك شواهد الأحوال وملابسات الحوادث، ولا نزاع في أن ما أصاب المقبرة من تشويه وما حاق بصور صاحبها عن إهانة ومحو؛ يُعَدُّ دليلًا على مقدار ما وصل إليه «رخ مي رع« (1) من بسطة في الجاه وطول باع في السياسة والشهرة وحصافة الرأي، وتدل الأحوال كلها على أنه قد وُشِي بهذا الوزير عند مليكه الجديد «أمنحتب الثاني»، فأمر بارتكاب تلك الفعلة الشنعاء، وتلك سجية نعرفها في عتاة الملوك الذين لم تمكِّنهم تجاربهم ولا تقلُّبات الدهر وغِيَر الأيام من وزن الأمور بميزانها الصحيح، فيركبون رءوسهم لأية نميمة غير عابئين بما يخبئ لهم الغيب لما اقترفوه من آثام مع مَن أخلص لهم؛ ومن ثَمَّ فإنه يصبح من الجلي أمامنا أن المؤرخين الذين دوَّنوا تاريخ مصر كان يحدوهم روح التسامح عندما وضعوا تاريخ أمثال هؤلاء الملوك، وأن الأسر الملكية المصرية القديمة التي كانت تسقط من عليائها بين عشية وضحاها على أيدي مثل هؤلاء، كانت تستحقُّ ما حاق بها من سوء منقلب جزاءً وفاقًا على ما اقترفوه من عنف وظلم وعسف.
......................................
1- كل مراجعنا في حياة «رخ مي رع» الكتاب الذي وضعه حديثًا الأثري «ديفز» عن حياة هذا الوزير (The tomb of Rekh-mi-Re. at Thebes)، وبخاصة اللوحات التي نشري إليها هنا في شرحنا للمناظر التي في هذا القبر.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|