أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-5-2016
2965
التاريخ: 11-10-2014
1648
التاريخ: 19-6-2016
40229
التاريخ: 11-10-2014
1938
|
لا شكَّ أنَّ الخطَّ وضِع ليعبِّر عن المعنى بنفس اللفظ الذي ينطق به ، فالكتابة في الحقيقة قيد للَّفظ المعبِّر عن المعنى المقصود ، وعليه فيجب أن تكون الكتابة مطابقة للَّفظ المنطوق به تماماً ؛ ليكون الخطّ مقياساً للّفظ من غير زيادة عليه أو نقصان .
غير أنَّ أساليب الإنشاء والكتابة تختلف عن هذه القاعدة بكثير ، ولكن لا بأس بذلك ما دام الاصطلاح العامّ جارياً عليه ، فلا يسبِّب اشتباهاً أو التباساً في المراد .
هذا ، ورسم الخطّ في المصحف الشريف تخلَّف حتّى عن المصطلح العامّ ، ففيه الكثير من الأخطاء الإملائية وتناقضات في رسْم الكلمات ، بحيث إذا لم يكن سماع وتواتر في قراءة القرآن ، ولا يزال المسلمون يتوارثونها جيلاً بعد جيل في دقَّة وعناية بالغة ؛ لولا ذلك لأصبح قراءة كثير من كلمات القرآن ـ قراءة صحيحة ـ مستحيلة .
ويرجع السبب ـ كما تقدَّم ـ إلى عدم اضطلاع العرب بفنون الخطّ وأساليب الكتابة ذلك العهد ، بل ولم يكونوا يعرفون الكتابة غير عدد قليل ، خطّاً بدائيّاً رديئاً للغاية ، كما يبدو على خطوط باقية من الصدر الأوَّل (1) .
كما ويبدو أنَّ الذين انتدبهم عثمان لكتابة المصحف كانوا غاية في رداءة الخطّ وجهلاً بأساليب الكتابة ، حتّى ولو كانت بدائية آنذاك .
يحدِّثنا ابن أبي داود ـ كما سبق ـ : أنَّهم بعدما أكملوا نُسَخ المصاحف رفعوا إلى عثمان مصحفاً ، فنظر فيه فقال : قد أحسنتم وأجملتم ، أرى فيه شيئاً من لحْن ستقيمه العرب بألسنتها ، ثمَّ قال : أمّا لو كان المُملي من هُذَيل ، والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا (2) .
يبدو من هذه الرواية : أنَّ عثمان كان يعلم من هُذيل معرفتها بأسلوب الإنشاء ذلك الوقت ، ومن ثقيف حُسن كتابتها وجودة خطِّها ، الأمر الذي فَقَده في المصحف الذي رُفع إليه ، ومن ثمَّ يؤخَذ عليه انتدابه الأوَّل الذي تمَّ من غير فحص ولا عناية ! .
وروى الثعلبي في تفسيره ـ عند قوله تعالى : {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه : 63] ـ أنَّ عثمان قال : إنَّ في المصحف لحْناً ستقيمه العرب بألسنتها ، فقيل له : ألا تغيِّره ـ أي ألا تصحِّحه ـ ؟ فقال ـ عن تكاسل أو تساهل ـ : دعُوه ؛ فإنَّه لا يحلِّل حراماً ولا يحرِّم حلالاً (3) .
هذا ، ولابن روزبهان ـ هنا ـ محاولة فاشلة ، قال : وأمّا عدم تصحيح لفظ القرآن ؛ لأنَّه كان يجب عليه ( على عثمان ) متابعة صورة الخطّ ، وهكذا كان مكتوباً في المصاحف ، ولم يكن له التغيير جائزاً ، فتركه ؛ لأنَّه لُغة بعض العرب ! (4) .
ما ندري ماذا يعني بقوله : ( كان مكتوباً في المصاحف ) أيّ مصاحف ؟ وكيف يُجمع بين قوله هذا وقوله أخيراً : ( لأنَّه لغة بعض العرب ) ؟!
وعلى أيّ تقدير ، فإنَّ تساهل المسؤولين ذلك العهد أعقب على الأمّة ـ مع الأبد ـ مكابدة أخطاء ومناقضات جاءت في المصحف الشريف ، من غير أن تجْرؤ العرب أو غيرهم على إقامتها عِبر العصور .
نعم ، لم يمسُّوا القرآن بيَد إصلاحٍ بعد ذلك قطّ لحكمةٍ ، هي خشية أن يقع القرآن عُرضة تحريف أهل الباطل بعدئذٍ ؛ بحجَّة إصلاح خطئه أو إقامة أَوْده ، فيصبح كتاب الله معرَضاً خصباً لتلاعب أيدي المُغرضين من أهل الأهواء .
وقد قال علي ( عليه السلام ) كلمته الخالدة : ( إنَّ القرآن لا يُهاج اليوم ولا يحوَّل ) (5) ، فأصبحت مرسوماً قانونياً التزم به المسلمون مع الأبد .
* * *
ملحوظة : ليس وجود المخالفة لرسم الخطّ في المصحف الشريف بالذي يمسّ كرامة القرآن :
أوَّلاً : القرآن ـ في واقعه ـ هو الذي يُقرأ ، لا الذي يُكتب ، فلتكن الكتابة بأيِّ أسلوب ، فإنَّها لا تضرّ شيئاً مادامت القراءة باقية على سلامتها الأُولى ، التي كانت تُقرأ على عهد الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) وصحابته الأكرمين .
ولا شكَّ أنَّ المسلمين احتفظوا على نصِّ القرآن بلفظه المقروء صحيحاً ، منذ الصدر الأوَّل فإلى الآن ، وسيبقى مع الخلود في تواتر قطعيّ .
ثانياً : تخطئة الكتابة هي استنكار على الكتَبة الأوائل جهْلهم أو تساهلهم ، وليس قدحاً في نفس الكتاب الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت : 42].
ثالثاً : إنّ وجود أخطاء ظلَّت باقية لم تتبدَّل ، يفيد المسلمين في ناحية احتجاجهم بها على سلامة كتابهم من التحريف عِبر القرون ، إذ إنّ أخطاء إملائية لا شأن لها ، وكان جديراً أن تُمدّ إليها يد الإصلاح ، ومع ذلك بقيت سليمة عن التغيير ؛ تكريماً بمقام السلف فيما كتبوه ، فأجدر بنصِّ الكتاب العزيز أن يبقى بعيداً عن احتمال التحريف والتبديل رأساً .
وقلنا ـ آنفاً ـ : إنَّ الحكمة في الإبقاء على تلكمُ الأخطاء كانت هي الحذر على نفس الكتاب أن لا تمسَّه يد سوء بحجَّة الإصلاح ، ومن ثمَّ أصبحت سدّاً منيعاً دون أطماع المغرضين ؛ وبذلك بقي كتاب الله يشقّ طريقه إلى الأبدية بسلام .
نماذج من مخالفات الرسم :
وربَّما نرسم جدولاً يستوعب الأخطاء الواقعة في الرسم العثماني مستقصاة ، ونشير هنا ـ الآن ـ إلى أهمّ أخطاء وقعت فيه كنماذج بارزة :
1 ـ ( واختلف الليل والنَّهار ) البقرة : 164 ، والصَحيح : واختلاف اللَّيل ...
2 ـ ( علّم الغيوب ) المائدة : 109 ، والصحيح : علاّم .
3 ـ ( يأتيهم أنبؤا ) الأنعام : 5 ، والصحيح : أنباء .
4 ـ ( وينؤن عنه ) الأنعام : 26 ، والصحيح : ينأون عنه .
5 ـ ( بالغداوة ) الأنعام : 52 ، والصحيح : بالغداة ، والواو زائدة في الرسم بلا سبب معروف.
6 ـ ( فيكم شركؤا ) الأنعام : 94 ، والصحيح : شركاء .
7 ـ ( ما نشؤا ) هود : 87 ، والصحيح : ما نشاؤا .
8 ـ ( إنَّه لا يايئس ) يوسف : 87 ، والصحيح : لا ييأس .
9 ـ ( ألم يأتكم نبؤا ) إبراهيم : 9 ، والصحيح : نبأ .
10 ـ ( فقال الضُّعفؤا ) إبراهيم : 21 ، والصحيح : الضعفاء .
11 ـ ( ولا تقولنَّ لشايء ) الكهف : 23 ، والصحيح : لشيء .
12 ـ ( لو شئت لتخذت ) الكهف : 77 ، والصحيح : لاتَّخذت .
13 ـ ( قال يبنؤمَّ ) طه : 94 ، والصحيح : يا ابن أُمَّ .
14 ـ ( أو لأاذبحنَّه ) النمل : 21 ، والصحيح : لأذبحنّه ، وقد زيدت ألف في الرسم بلا سبب معقول .
15 ـ ( يا أيّها الملؤا ) النمل : 29 ، والصحيح : الملأ .
16 ـ ( شفعؤا ) الروم : 13 ، والصحيح : شفعاء .
17 ـ ( لهو البلؤ المبين ) الصافات : 106 ، والصحيح : البلاء .
18 ـ ( وأصحاب لئيكة ) ص : 13 ، والصحيح : الأيكة .
19 ـ ( وجاىء بالنبيّين ) الزمر : 96 ، والصحيح : وجيء .
20 ـ ( وما دعؤا الكافرين ) غافر : 50 ، والصحيح : وما دعاء .
تلك نماذج عشرون كان اللحن فيها عجيباً جداً ، ولاسيَّما إذا علمنا أنَّ المصاحف آنذاك كانت مجرَّدة عن كلِّ علامة تشير إلى إعجام الحرف ، أو إلى حركة الكلمة ، أو هجاها الصحيح ، مثلاً : من أين يعرف قارئ المصحف أنَّ ( لتّخذت ) مشدَّدة التاء ، وأيُّ فرْق بينها وبين ( لتخذت ) مخفّفة بلام تأكيد ؟ أو كيف يعرف أنَّ ألف ( لأاذبحنّه ) زائدة لا تقرأ ؟ أو أنَّ إحدى اليائين زائدة في قوله : { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات : 47] ، وكذلك لا يدري في ( نشؤا ) ـ بلا علامة ـ أنَّ الواو زائدة ، والألف ممدودة ، والهمزة تُلفظ بعد الألف ، إذ ليس في اللفظ ما يشير إلى ذلك بتاتاً وهكذا ... ! .
_______________________
(1) راجع المقدّمة لابن خلدون : ص419 و438 .
(2) المصاحف : ص32 ـ 33 .
(3) دلائل الصدق للمظفّر : ج3 ، ص196 .
(4) نفس المصدر : ص197 .
(5) تفسير الطبري : ج27 ، ص104 .
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|