أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-10-2018
906
التاريخ: 22-12-2018
1283
التاريخ: 20-12-2018
1281
التاريخ: 26-11-2018
822
|
بدايةً نتساءل: ما هو بالضبط الجدول المدرَّج من اليسار؟ وبماذا يختلف عن سائر الجداول الدورية؟ وللجواب أقول: يتم الحصول على الجدول المدرَّج من اليسار بنقل عنصر الهيليوم من قمة الغازات النبيلة (في المجموعة 18)، إلى قمة الغازات الأرضية القلوية (في المجموعة 2)، ثم يجري نقل المجموعتين اللتين إلى يسار هذا الجدول بكاملهما إلى حافة الجانب الأيمن لتكوين جدول جديد. وفضلًا عن هذا، فإن تلك الكتلة المكوَّنة من 28 عنصرًا، وهي العناصر الأرضية النادرة، التي تظهر عادةً كحاشية سفلية للجدول الدوري؛ يتم نقلها إلى الجانب الأيسر من الجدول الجديد. ونتيجةً لهذا النقل تصير العناصرُ الأرضية النادرة داخلةً ضمن الجدول الدوري إلى يسار كتلة الفلزات الانتقالية.
من بين مزايا الجدول الجديد حقيقةُ أن شكله العام صار أكثرَ انتظامًا وأكثرَ توحُّدًا، وعلاوةً على هذا فقد صار لدينا الآن دورتان قصيرتان جدًّا بدلًا من واحدة فحسب كما نرى في الجداول الدورية العادية. وعلى هذا، بدلًا من أن نحصل على طول دوري واحد بشكلٍ شاذٍّ ولا يتكرر، نجد في الجدول المدرَّج من اليسار جميع الأطوال الدورية تتكرَّر مرةً واحدة لتعطي تتابُعًا دوريًّا للعناصر كالآتي: 2، 2، 8، 8، 18، 18، … إلخ. ولا يتعلق أيٌّ من هذه الميزات بميكانيكا الكم، ولكنها صفات قدَّرها جانيه، دون أن يدري شيئًا عن هذه النظرية. وكما رأينا في الفصل الثامن، فإن إدخال ميكانيكا الكم إلى الجدول الدوري نتج عنه فهمٌ قائم على التوزيعات الإلكترونية. وفي هذا المنحى، تختلف العناصر في الجدول الدوري بعضها عن بعض تبعًا لنوع المدار الذي يشغله الإلكترون المميِّز (وهو آخِر إلكترون يدخل الذرة في العملية التزايدية).
في الجداول التقليدية، يقال عن العناصر الواقعة في أقصى مجموعتين إلى اليسار إنها تشكِّل الكتلة s لأن إلكتروناتها المميزة تدخل المدار s، فإذا اتجهنا نحو اليمين فإننا نصادف الكتلة d، ثم الكتلة p، وأخيرًا الكتلة f، وتلك هي آخِر كتلة تكمن أسفل الجسم الرئيسي للجدول. وهذا النظام من الكتل من اليسار إلى اليمين لا يُعتبَر الأكثرَ «طبيعيةً» ولا الأكثرَ توقُّعًا؛ إذ إنه في كل غلاف، يتبع البُعْدُ عن النواة النظامَ التالي:
ويحافظ الجدول المدرَّج من اليسار على هذا النظام، وإن كان بترتيب معكوس، ولكنَّ هناك خلافًا فيما إذا كان هذا يُعَدُّ ميزةً أم لا؛ إذ إن نظام ملء المدارات بالإلكترونات يأخذ ذلك النسق:
ذاك النسق الذي يتَّسِق تمامًا مع الجدول التقليدي ذي النمط الطويل؛ حيث تترتَّب كتلُ العناصر من اليسار إلى اليمين. وفضلًا عن هذا، فإن نظام الملء، وليس بُعْد الإلكترونات في الأنواع المختلفة من المدارات عن النواة، هو الذي ينبغي اعتباره أكثر أهميةً.
ولكن قد تكون ثمة ميزةٌ أخرى من وجهة نظر ميكانيكا الكم؛ فلا جدال بشأن حقيقة أن التوزيعَ الإلكتروني لذرة الهيليوم يُظهِر إلكترونين اثنين كلاهما في مدار 1s، وهذا من شأنه أن يجعل الهيليوم عنصرًا من الكتلة s. ولكن في الجداول الدورية التقليدية يُوضَع الهيليوم بين الغازات النبيلة بسبب خواصه الكيميائية، فهو خامل لدرجة كبيرة مثل بقية الغازات النبيلة (وهي النيون والأرجون والكريبتون والزينون والرادون).
وهذا الموقف على ما يبدو يتوازى مع تلك الحالة التاريخية التي ناقشناها سابقًا عن انعكاس وضعَي التلوريوم واليود؛ حيث يتحتَّم تجاهُل الترتيب بحسب الوزن الذري من أجل الحفاظ على التشابُهات الكيميائية في الجدول. بالمثل، في حالة الهيليوم يظهر أن هناك احتمالين:
(1) ليست البنية الإلكترونية هي الحكم الأخير في إسكان العناصر في مجموعات، وقد يجري الاستعاضة عنها ببعض المعايير الجديدة الجيدة بمرور الزمن (فعلى سبيل المثال: تمَّ في نهاية المطاف الاستعاضة عن الوزن الذري بالعدد الذري في ترتيب العناصر؛ ومن ثَمَّ حل مشكلة الانعكاس الزوجي).
(2) ليست لدينا بالفعل حالةٌ موازية، ولا يزال التوزيع الإلكتروني هو الفيصل، وفي هذه الحالة يجب تجاهُل صفة الخمول الكيميائي الظاهرة في عنصر الهيليوم، وتركه كما هو في الجدول الدوري.
لاحِظْ أن الخيار رقم 1 يحبِّذ بالفعل الجداولَ الدورية التقليدية، بينما يحبِّذ الخيارُ رقم 2 الجدولَ المدرَّج من اليسار. ومن الواضح أنه ليس سهلًا أن نقرِّر ما إذا كان الجدول المدرَّج من اليسار يمثِّل ميزة من وجهة نظر ميكانيكا الكم أم لا. دَعْني الآن أطرح فكرة أخرى وسط هذا المزيج. هل تذكر ما قيل في الفصل الرابع عن طبيعة العناصر، وكيف أن مندليف على الأخص عضَّدَ النظرة إلى العناصر بالمفهوم الأكثر تجريديةً، لا التقيُّد باعتبار العناصر موادَّ بسيطةً أو معزولةً؟ هذا الاعتماد على المدلول التجريدي للعنصر يمكن استخدامه لتبرير نقل الهيليوم إلى المجموعة الأرضية القلوية. وأما الانشغال بمسألة أن الخمول الكيميائي للهيليوم يحرمه من وضعه ضمن مجموعة العناصر الأرضية القلوية الأكثر نشاطًا، فيمكن تدارُكه بأن ننتبه إلى طبيعة العنصر ككيانٍ تجريديٍّ، بدلًا من التركيز على خواصه الكيميائية. ومع ذلك، هذا النقل معناه أن نتساءل: «لماذا لا» نضع الهيليوم ضمن العناصر الأرضية القلوية، إذا كان من الممكن تجاهُل طبيعته الكيميائية؟
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|