أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-3-2017
1375
التاريخ: 11-11-2018
856
التاريخ: 23-1-2018
1031
التاريخ: 1-4-2019
1167
|
أحد الانتصارات الكبرى التي أحرزها مندليف — وربما أكثر ما يُذكَر به — هو تنبُّؤه الصحيح بوجود عدد من العناصر الجديدة. وإضافةً إلى هذا، فقد صحَّح الأوزانَ الذرية لبعض العناصر، فضلًا عن ترحيل عناصر أخرى إلى مواضع جديدة داخل الجدول الدوري. وكما أشرتُ في القسم السابق، فإن بُعْد نظره هذا قد يكون نتيجةً لتمتُّعه بفهم فلسفي لطبيعة العناصر يفوق منافسيه؛ فعن طريق التركيز على المفهوم الأكثر تجريديةً للعناصر، تمكَّنَ مندليف من التغلب على العقبات الظاهرة التي نشأت عن اتخاذ خواص العناصر المعزولة كقيمة ظاهرية.
وعلى الرغم من أن تركيز مندليف انصبَّ في الأساس على الأوزان الذرية للعناصر، فإنه وضع في اعتباره أيضًا الخواصَّ الكيميائية والفيزيائية وأوجه الشبه «العائلية» فيما بينها. وبينما ركَّز لوثار ماير على الخواص الفيزيائية، منح مندليف اهتمامًا أكبر لكيميائية العناصر. ثمة معيارٌ آخَر استخدمه مندليف؛ هو أن كل عنصر يجب أن يحتلَّ مكانًا واحدًا في الجدول الدوري، على الرغم من أنه كان يرغب في انتهاك هذا المفهوم فيما يتعلَّق بما أطلق عليه المجموعة 8 (شكل 2-2). إلا أن معياره الأكثر أهميةً كان ترتيبَ العناصر بحسب تزايد أوزانها الذرية، وقد ظهر في حالة واحدة أو حالتين كأنه انتهك هذا المبدأ، ولكن بمزيدٍ من الفحص يتبيَّن أن هذا لم يحدث.
وتُعَدُّ حالة التيلوريوم واليود واحدة من أربع حالات من أزواج العناصر المنعكسة الأوضاع في الجدول الدوري وأشهرها، وهي عناصر تظهر في ترتيب معكوس عمَّا كان واجبًا بحسب تزايد قِيَم الوزن الذري (على أساس أن التيلوريوم Te وزنه الذري = 127٫6، واليود I = 126٫9، ومع ذلك يظهر التيلوريوم في الجدول قبل اليود). تركِّز كتابات تاريخية كثيرة على مهارة مندليف حين عكس مواضع هذه العناصر؛ وأنه بهذا يُعلِي من شأن الخواص الكيميائية لترقى فوق ترتيبها بحسب الوزن الذري. وهذا توجُّه غير صحيح من نواحٍ عدة؛ أولًا: مندليف لم يكن على الإطلاق أول كيميائي يفعل هذا الوضع العكسي بالذات؛ إذ كان أودلنج ونيولاندز ولوثار ماير جميعًا قد نشروا جداول عكسوا فيها وضعَيِ التيلوريوم واليود، قبل ظهور مقالات مندليف بفترة غير قصيرة. وثانيًا: لم يكن مندليف في الحقيقة يُولي تأكيدًا للخواص الكيميائية يفوق التأكيد على مسألة الترتيب بحسب الأوزان الذرية.
لقد تمسَّك مندليف بمعياره الخاص بالترتيب بحسب تزايد الوزن الذري، وقرَّرَ بشكل متكرِّر أن هذا المبدأ لا يحتمل أي استثناءات. كانت فكرته فيما يتعلَّق بالتيلوريوم واليود — إلى حدٍّ ما — تتمثَّل في أن الوزن الذري لأحد هذين العنصرين أو كلَيْهما كان قد تَحدَّد على نحوٍ غير صحيح، وأن البحث العلمي في المستقبل سوف يكشف عن أنه، حتى على أساس الترتيب بالوزن الذري، يجب أن يُوضَع التيلوريوم قبل اليود. وفيما يختصُّ بهذه النقطة، كما حدث في حالات كثيرة مرَّتْ دون الانتباه إليها، نقول إن مندليف كان مخطئًا.
ففي الوقت الذي تَقدَّم فيه مندليف بباكورة أنظمته الدورية، كان من المعتقد أن الوزنين الذريين للتيلوريوم واليود هما 128 و127 على الترتيب. وكان اعتقاد مندليف بأن الوزن الذري هو المبدأ الترتيبي الأساسي للعناصر يعني أنه ليس لديه خيار سوى أن يشك في دقة هاتين القيمتين؛ ذلك لأنه كان من الواضح، فيما يتعلَّق بأوجه التشابه الكيميائي، أنه من الواجب أن يُوضَع التيلوريوم جنبًا إلى جنب مع عناصر المجموعة 6، واليود مع عناصر المجموعة 7، أو بتعبير آخَر، أن هذين العنصرين يجب عكسهما. واستمر مندليف في التساؤل عن موثوقية هذين الوزنين الذريين حتى نهاية حياته.
في بداية الأمر، كان مندليف يشك في صحة الوزن الذري للتيلوريوم، بينما يؤمن أن وزن اليود صحيح بالضرورة، وبدأ مندليف يضع التيلوريوم باعتبار أن وزنه الذري 125 في بعض جداوله الدورية التالية، بل إنه في وقتٍ ما زعم أن القيمة التي شاع ذكرها، وهي 128، حُدِّدت على أساس تجارب أُجرِيت على خليط من التيلوريوم وعنصر جديد أطلق عليه اسم «إيكا-تيلوريوم». وهذه المزاعم حفَّزت كيميائيًّا تشيكيًّا يُدعَى بوهوسلاف براونر لأنْ يبدأ سلسلةً من التجارب في مستهلِّ ثمانينيات القرن التاسع عشر، تهدف إلى إعادة تحديد الوزن الذري للتيلوريوم. وبحلول عام 1883 صرَّحَ بأن القيمة التي تخص التيلوريوم يجب أن تكون 125، وأُرسِلت إلى مندليف برقية من مشاركين آخَرين كانوا حاضرين للاجتماع الذي أدلى فيه براونر بهذا التصريح. وفي عام 1889 حصل براونر على نتائج جديدة تزيد على ما يبدو من أرجحية النتيجة السابقة بأن الوزن الذري للتيلوريوم = 125.
ولكن في عام 1895 تغيَّرَ كل شيء؛ إذ بدأ براونر نفسه يعلن عن قيمة جديدة للتيلوريوم كانت أكبر من القيمة التي تخص اليود، وهكذا عادت الأمور إلى نقطة البداية الأولى. كان ردُّ فعل مندليف حينئذٍ أن بدأ يرتاب في دقة الوزن الذري المتَّفَق عليه لليود بدلًا من التيلوريوم؛ ففي هذه المرة طلب إعادةَ تقييمٍ للوزن الذري لليود، آملًا أن يَثبُت أن قيمته أكبر. بل إن مندليف في بعض جداوله الدورية التالية وضع التيلوريوم واليود باعتبار أن كلَيْهما وزنه الذري 127، ولم تُحَلَّ هذه المشكلة إلى أن أظهر بحثٌ أجراه هنري موزلي في عامَيْ 1913 و1914 أن العناصر يجب أن تُرتَّب بحسب العدد الذري وليس الوزن الذري، فإذا كان الوزن الذري للتيلوريوم أعلى من الوزن الذري لليود، فإن عدده الذري أقل؛ ولهذا وجب أن يُوضَع قبل اليود بما يتفق تمامًا مع سلوكه الكيميائي.
وعلى الرغم من أن تنبؤات مندليف قد تبدو من قبيل الإعجاز، فإنها في الحقيقة بُنِيت على تقييم وموازنة دقيقة فيما بين خواص العناصر التي تكتنف العناصر المجهولة. فبدأ يذكر تنبؤاته في أول مطبوعاته عن المنظومة الدورية في عام 1889، وإن كان قد نشر تقريرًا أكثر تفصيلًا عن تنبؤاته في بحث مطول في عام 1871، وبدأ بالتركيز على فجوتين؛ إحداهما أسفل الألومنيوم والأخرى أسفل السيليكون في جدوله الدوري، وأعطى العنصرين في هذين الموضعين اسمين مؤقتين هما إيكا-ألومنيوم وإيكا-سيليكون، مستخدِمًا البادئة السنسكريتية «إيكا» بمعنى «واحد» أو «أشبه بواحد»، وفي بحثه عام 1869 كتب ما يلي:
يجب أن نتوقَّع اكتشاف عناصر لم تَزَلْ مجهولةً؛ على سبيل المثال: عنصرين مناظرين للألومنيوم Al والسيليكون Si بوزنين ذريين يقعان ما بين 65 و75.
وفي خريف عام 1870، بدأ مندليف يتفكَّر في وجود عنصر ثالث يقع أسفل البورون في الجدول، وحدَّد الأحجام الذرية للعناصر الثلاثة كما يلي:
إيكا-بورون |
إيكا-ألومنيوم |
إيكا-سيليكون |
15 |
11٫5 |
13 |
وفي عام 1871 تنبَّأ بأوزانها الذرية كما يلي:
إيكا-بورون |
إيكا-ألومنيوم |
إيكا-سيليكون |
44 |
68 |
72 |
وأعطى مجموعة تفصيلية من التنبؤات عن خواص كيميائية وفيزيائية مختلفة للعناصر الثلاثة كلها.
مرت 15 عامًا قبل أن يتم فصل أول هذه العناصر المُتنبَّأ بها، الذي سُمِّي فيما بعدُ باسم الجاليوم، وكانت تنبُّؤات مندليف صحيحةً بدرجة تكاد تكون تامة. ويمكن أيضًا إدراك دقة تنبؤات مندليف بوضوح في حالة العنصر الذي سمَّاه إيكا-سيليكون، والذي سُمِّي فيما بعدُ باسم الجرمانيوم بعد أن فصله الكيميائي الألماني كليمنس فينكلر. ولعل الإخفاق المهم الوحيد هنا الذي مُنِي به مندليف يكمن — على ما يبدو — في الثقل النوعي لرباعي كلوريد الجرمانيوم (جدول 5-1).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|