أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-01
884
التاريخ: 2024-11-12
126
التاريخ: 2024-05-16
750
التاريخ: 2024-03-21
750
|
وبعد ذلك يتحول «نفرروهو» من غير تردد أو شك عن تلك الصورة التي يصف فيها القحط الذي وقعت فيه البلاد، منادٍ بالكلمات التالية الهامة، داعيًا لظهور الملك الذي سيخلص مصر مما حاق بها؛ إذ يقول: «سيأتي ملك من الجنوب اسمه «أميني» وهو ابن امرأة نوبية الأصل، وقد ولد في الوجه القبلي، وسيتسلم التاج الأبيض وسيلبس التاج الأحمر، فيوحد البلاد بذلك التاج المزدوج، وسينشر السلام في الأرضين، (يعني مصر) فيحبه أهلها … وسيفرح أهل زمانه، وسيجعل ابن الإنسان يبقى أبد الآبدين، أما الذين كانوا قد تآمروا على الشر، ودبروا الفتنة فقد أخرسوا أفواههم خوفًا منه، والأسيويون سيُقتلون بسيفه، واللوبيون سيُحرقون بلهيبه، والثوار سيستسلمون لنصائحه، والعصاة إلى بطشه، وسيخضع المتمردون للصل الذي على جبينه … وسيقيمون «سور الحاكم» حتى لا يتمكن الأسيويون من أن يغزوا مصر، وسيستجدون الماء حسب طريقتهم التقليدية لأجل أن ترِدها أنعامهم، والعدالة ستعود إلى مكانها، والظلم ينفى من الأرض، فليبتهج من سيراه، ومن سيكون من نصيبه خدمة ذلك الملك«. فظهور الملك المخلِّص للبلاد بالفعل، ومجيئه كان هو الأمل الذي ينشده الحكيم «إبور»، ثم عرف ذلك الملك «نفرروهو» بالاسم؛ ورسم كتابة الاسم «أميني» الذي استعمله «نفرروهو» وهو اختصار مشهور للاسم الكامل «أمنمحات»، وهو بالبداهة المؤسس العظيم للأسرة الثانية عشرة، والمصلح الذي أعاد توطيد سلطان مصر في العهد الإقطاعي حوالي 2000 سنة ق.م، وقد ذُكر عنه في نقش تاريخي بعد ذلك العصر بثلاثة أجيال بشكل بارز: «أنه قد محا الظلم؛ لأنه أحب العدل كثيرًا (يعني: ماعت). (1) وقد كان عرَّافنا هنا واثقًا من أن بطله «أمنمحات» سيستولى على التاجين اللذين يرمزان لحكومة البلاد المتحدة مصر السفلى ومصر العليا، وأنه سيفتح عصرًا جديدًا، غير أنه يرجئ الإصلاح العظيم بوجه عام إلى المستقبل. وذلك يضع أمامنا سؤالا جديدًا وهو: هل هذا التأكيد القوي مجرد نبوءة عن حادثة قبل وقوعها؟ وهل كان ذلك إعلانًا ينم عن الظفر يلقاه بطل منتصر قد نجح نجاحًا عظيمًا في إصلاح مصر العليا، حتى إن انتصاره النهائي وإصلاحه لمصر كلها كان متوقَّعًا حدوثه؟ أم هل كان «نفرروهو» مرسلًا من قبل «أمنمحات» إلى مصر السفلى ليعلن قدومه إليها؟ أو هل كان كأي شخص من أنصار «أمنمحات» قد عظم إصلاحاته فصورها بصورة تبرزها إذا قاسها بما صارت إليه البلاد من الدمار والخراب قبل مجيئه؟ وإنه لمن المستحيل أن يعطي الإنسان جوابًا شافيًا عن تلك الأسئلة، ولكن يظهر أنه يوجد سبب قوي يدعونا إلى الاعتقاد بأن «نفرروهو» كان حقيقة محاطًا في زمنه بالخراب الذي صوَّره لنا بصورة حقيقية، وأن تاريخ حياة «أمنمحات» الذي كان رائده النجاح في مصر العليا قد جعل الأمل بنجاحه في إعادة وحدة البلاد إلى ما كانت عليه، وإرجاع مجدها القديم متوقعًا، ومن المدهش حقًّا أن «نفرروهو» يذكر لنا هنا صراحة أن الفرعون الجديد ليس من سلالة البيت المالك القديم، ولا شك في أنه كان هناك مطالبون بالعرش في البلاد، أو مدَّعون له كثيرون، فظهور مُطالب آخر مثل «أمنمحات» ليس بالأمر الغريب، على أن تسمية «أمنمحات» «بابن الإنسان«(2) كما ذكر ذلك فيما سلف على لسان ذلك المتنبئ يلفت نظرنا، كما يوحي إلينا في الحال بوجود علاقات بين هذه التسمية والتسمية التي تُطلق على المسيح عليه السلام؛ إذ إن ذلك التعبير قد استُعمل في النصيحة الموجهة إلى «مريكارع» ليدل على «ابن رجل ذي أهمية» وقد جرى في بلاد «بابل» القديمة استعمال تعبير مشابه لذلك التعبير، وذلك الإعلان الذي أعلنه ذلك المتنبئ يشمل القيام بعملين يتعهد بإنجازهما مليكه، وهما من الأهمية للشعب البائس في مصر الطريحة بمكان وهذان العملان هما:
أولًا: القضاء على المغيرين وأخذ العدَّة لدفع الغارات المقبلة.
ثانيًا: إصلاح النظام الداخلي.
»فسور الحاكم» الذي سبق ذكره كان قلعة قديمة لحماية الدلتا الشرقية، وكان واقعًا على التخوم الأسيوية، وقد بُني لحراسة الطريق من آسيا إلى مصر في عهد بناة الأهرام، وقد أعلن «نفرروهو» أن الملك سيعيده كما كان من قبل. والصور التي رسمها لنا ذلك المتنبئ عن الحالة التي نتجت عن دخول الأسيويين؛ يذكرنا بما ورد في الرواية العبرانية الخاصة برحلة دخول أجدادهم إلى مصر. أما إعلان الإصلاح الذي حدث في النظام الداخلي فإنه يسترعي الأنظار لقصره وبساطته؛ إذ يقول: «إن العدالة ستعود إلى مكانتها، والظلم سينبذ بعيدًا.» فكانت إذن «ماعت» القديمة هي التي سيعيدها الملك الجديد في شكل نظام ثابت؛ يكون رقيبًا ومهيمنًا على حياة الشعب المصري الاجتماعية. وقد رجع إلى «ماعت»، وهي ذلك النظام القديم الذي مكث ألف سنة مرشدًا ومهيمنًا على الحاكم وحكومته، سلطانها مرة أخرى من جديد. ومن المحتمل أن الابتهاج الذي يظهره ذلك المتنبئ العتيق؛ كان يعني المثل العليا القديمة للأخلاق الفاضلة والسعادة القويمة، غير أن تلك الحالة كانت — مع الأسف — بعيدة عن الحقيقة الواقعة؛ فإن «أمنمحات» وهو من كبار الإداريين في العالم القديم، وكان قد وهبه الله فطنة عظيمة حتى أعاد بلا نزاع ذلك النظام القديم بقدر ما سمحت له الأحوال. قد حتمت عليه الظروف أن يتخير عماله وموظفيه لإدارة شئون البلاد من بين أولئك الرجال الذين ترعرعوا ونشئوا في عهد ذلك الانحطاط الذي جاء عقب عصر الأهرام وأشربت قلوبهم حب الفوضى والفساد، مما أدى إلى قتله ونصحه لابنه بعد موته في رؤية صادقة بألا يعتمد على أحد كما سيجيء بعد (3).
............................................................
1- إلهة العدل والصدق والحق.
2- »ابن الإنسان» اسم يطلق على المسيح عليه السلام.
3- راجع كتاب الأدب المصري القديم من ص319 ... إلخ.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تستقبل وفدًا من الملتقى الثقافي للسجناء السياسيين في محافظة واسط
|
|
|