أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-2-2017
6348
التاريخ: 18-1-2017
4866
التاريخ: 2023-06-11
2553
التاريخ:
1967
|
هذه نظرة في مُجمل مميزاتهم الخِلقية، وأما مميزاتهم الخُلُقية فهي غريبة كل الغرابة؛ إذ تجتمع فيها المحاسن والمساوئ معًا، أو المناقب والمعايب معًا، وهذا ينشأ من انفرادهم في البراري، وضرورات الأزمان، ومخاطر الحياة في البوادي التي احتلُّوها، مما يجعل دمهم فَوَّارًا ومزاجهم متقلِّبًا، بتقلُّب أهوية الفلوات، وتخيُّلهم ميَّالًا إلى كل قوة طارئة ميل الكلأ الذي يأنس إليه ويعيش في وسطه ويأخذ عنه تموُّجه عند أدنى حركة في النسيم؛ فمن فضائله ومحامده أنه في غاية الصبر حتى لا يكاد يُجاريه فيه أحد، فهو يحتمل الحر والقر، الجوع والعطش، التعب والراحة، الشغل والبطالة، كثرة الشيء وقِلَّته، بنفسٍ واحدة بدون تبرُّمٍ أو تضَجُّر، ومع هذا الصبر العجيب قد يثور فيه الغضب العظيم، ويطلب الثأر الشديد إذا أهانه الواحد أو احتقره وشتمه أو سبه. البدوي طمَّاع وسلَّاب، فإذا رأى عندك شيئًا لمَّاعًا أو رنَّانًا أو حَسن اللون مال إليه وأراد الاحتفاظ به، لكن عند إكرام الضيف ينسى كل شيء ويجود لك بنفسه. البدوي شديد المعاملة إذا أراد سلبك ونهبك، ولكنه لا يقتلك، وإذا احتميتَ به أو نزلت خيمته أعزَّك وأبدى لك من الظُّرف وحسن المعاملة ما لا تجد مثيلًا له في أوغل الناس في المدنيَّة، وهو يُعاملك بالحسنى ولو كنت عدوَّه، وذلك إذا ما أنزلك في حِماه وكنفه. البدوي ينظر إلى السلب والنهب والغزو بغير العين التي ننظر بها إليها، والذي يُجيز له ذلك فقر الأرض التي وُجد فيها، فهو ينظر إلى عابر السبيل بمنزلة رزق قيَّضه الله له؛ إذ إن هذا العابر لا بد أن يصل محلًّا فيجد فيه ما يستغني عمَّا خسره في رحلته؛ ولذلك لا يتعرَّض بحياته البتة. وهو لا يُميِّز بين المحاربة وبين الخدعة، فما يأخذه بقوة السلاح في الشبكة التي نصبها للمسافر أو في عثوره عليه هو بمنزلة كسب أو ربح، وعنده لا فرق بين سلب هذا الرجل ابن السبيل وبين فتح مدينة أو بلاد هجم عليها وهي لعدوِّه. والذي يُميِّز البدوي كل التمييز ويُفَرِّقه عن سائر الخلق حُبه للحرية والاستقلال؛ فقد بلغَت به هذه الشاعرة مبلغًا لا يمكن للحضري أن يتصورها، فهو يخيرها على كل موجود على الأرض مهما كان عزيزًا أو ثمينًا، ومن يُحاول أن يُقيد البدوي بقيد من القيود كمن يُحاول تقييد السنونوة في قفص، فإنها لا تزال تضرب جدار القفص برُؤَيْسها حتى تموت، مُفضِّلةً الموت على الحياة بقيد؛ ولذا ترى البدوي يحتقر كل الاحتقار أبناء المدن؛ إذ البقاء فيها هو القضاء على حُريته، تلك الحرية التي احتفظ بها مُنذ خلق الخلائق إلى يومنا هذا؛ إذ أهل البادية وحدهم بقوا محافظين على معيشتهم، بينما ترى سائر الأجيال خضعَت للقيد والربط والحصر والضيق. البدوي سريع الخاطر، مُتوقِّد الذهن ولو لم يدرس العلوم والفنون؛ فإن ذكاءه فطري وسليقته سليمة من معايب التمدُّن، وليس من بدوي إلا وتراه شاعرًا يصف لك الأمور على حقائقها ودقائقها، إلا وتراه بليغًا؛ إذ لا يُكلمك إلا ويقنعك بسحر كلامه، إلا وتراه خطيبًا لِما يسرد لك من المبادئ الصادقة المغزى والمعنى والمبنى بصوتٍ تُسكرك نغمته ونبرته. البدوي يُصَدِّق كل ما تقول له من الخُرافات والأقاويل الصبيانية؛ لسلامة نيته. البدوي تجيش نفسه لأدنى وصف أو إغراء؛ لكون خياله يُضارع هواء باديته الذي يتقلَّب بين بردٍ ودفء، وحر وومد في النهار الواحد. البدوي يحب الأحاديث الخيالية والأقاصيص الجنية، والحكايات المُلَفَّقة أو الشبيهة بالملفقة مما يكثُر فيها الأوهام والمحاليات. البدوي قابل لكل شيء عظيم إذا ما عرف العاقل أن يسوسه، أو أقنعه بفكر ظهر له فيه منفعته. البدوي يتلوَّن تلوُّن الحرباء ويتقلَّبُ تقلُّب الطفل، تقول له شيئًا فيُصدقه، ثم يأتيه آخر فيُخرجه من فكره بالسرعة التي دخلها. البدوي لا دليل له إلا سليقته الوقتية، ويحكم على الأمور بموجب ظواهرها ولا يهمه بواطنها، وهو ينخدع بالبوارق، وينقاد لِما فيه جلبة وروائع. البدوي وحده لم تتغيَّر صفاته وإن تغيَّر الزمان، طالع ما جاء في الكتب القديمة من وصف أخلاقه وقابِلها بما هو عليه الآن، لا تجد فرقًا، حتى ولا فرقًا زهيدًا. والعادات والسُّنن التي يجري عليها اليوم هي نفس العادات والسنن التي جرى عليها أجداده في سابق الزمن، وعلى طبْق ما نراها مدوَّنة في أسفار الأقدمين الذين جاوروهم أو عاشروهم أو خالطوهم؛ ولهذا تجد كثيرًا من الأمور التي أُعضل فهمُها على العلماء والمؤرخين زال عنها الإبهام وانهتكَت أستارها عندما وقفوا بأنفسهم على أهل البادية المعاصرين لنا. البدوي يحتقر الموت ولا يَعُدُّه شيئًا، فهو شُجاع مستبسل منذ صبائه، فالموت عنده شُرب كأس لا غير؛ ولهذا كثيرًا ما يموت قتلًا، وهو الموت المرغوب لكل واحد من الأعزة، وقد نعتوا الموت بنعوت؛ منها الموت الأسود: وهو الموت خنقًا؛ لأن لون المخنوق يكون أزرق، وهو عندهم أسود، والموت الأحمر: قتلًا؛ لأن دمه يُسفَك، والموت الأبيض: وهو الموت فجأة؛ لأن كثيرًا ما يبقى لون المفاجأ بلونه الطبيعي، وإذا مات البدوي حتفَ أنفه يقولون عنه: فطس أو هلك. والبدوي الضعيف الدنيء خوَّان غدَّار، وهو كثيرًا ما ينضم إلى القوي من الناس، ويقتل ويغتال مَن خفره، فإننا نقرأ في التاريخ أن بطليموس السادس انتصر على صهره إسكندر بالاس، فذهب هذا والتجأ إلى أهل البادية ظنًّا منه أنه يجد فيهم ملجأً منيعًا. إلا أن زبدئيل غدر بآداب الضيافة، وضرب عنق زائره تقرُّبًا من بطليموس ودمتريوس، ثم بعث برأسه إلى ملك مصر. ونرى سليمان باشا — وزير بغداد القتيل — احتمى في طريقه بقبيلة الدفافعة، فنزل عند شيخهم ضيفًا، فلما درى صاحب البيت أن المحتمي به مهزومٌ غدرَ به وقتله. وأقرب مثال رأيناه هو ما شاهدناه في هذه الحرب العامة، فإن أعراب بادية العراق كانت تقتل دائمًا فلول العسكر، فإن كان المكسورون أتراكًا قتلوا الأتراك وحامَوا الإنكليز، وإن كان المقهورون إنكليزًا قتلوا الإنكليز ودافعوا عن الأتراك. هذه كانت أعمالهم في مدة الحرب التي كانت تدور في هذه الأنحاء بين القومين المتقاتلَين، فتلك هي أخلاق أهل البادية، فهي حقيقة مجمع أضداد، ومُلتقى محاسن ومساوئ على ما افتتحنا به كلامنا، وهو من أغرب الأمور قلَّما تخطر على بال إنسان.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|