أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-5-2016
1708
التاريخ: 2-12-2015
1782
التاريخ: 7-10-2014
1547
التاريخ: 5-5-2016
1981
|
لم يقتصر القرآن الكريم على إشارته إلى الموضوعات المهمّة جدّاً كخلق السماوات والأرض ، والشمس والقمر ، وروح الإنسان ، بصفتها آيات وبراهين من اللَّه تعالى فحسب ، بل نراه أحياناً يتعرض إلى المسائل العاديّة في نظرنا أيضاً ، لكي يوضح لنا أنْ ليس هناك شيء عاديّ في هذا العالم ، فكلُّها آياتُ حقٍ كبيرة كانت أم صغيرة ، وبراهينٌ عظيمةٌ على علم وقدرة الباري تعالى.
ومن بين هذه الامور التي تُعَدُّ عاديةً حسب الظاهر ، هي حالتا النوم واليقظة اللتان استند اليهما القرآن الكريم على وجه الخصوص.
بهذا التمهيد نقرأ خاشعين الآيات الكريمة الآتية :
1- {وَمِنْ آياتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِّنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍ لِّقَومٍ يَسْمَعُونَ} (الروم/ 23) .
2- {وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ لِباساً والنَّومَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً} (الفرقان/ 47) .
3- {وَجَعَلْنَا نَومَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} (النبأ/ 9- 10) .
4- {إِذْ يُغَشِّيْكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنْزِّلُ عَلَيْكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ ماءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} (الانفال/ 11) .
شرح المفردات :
حينما يتطرق بعض أرباب قواميس اللغة إلى مصطلح «النوم» يقولون إنَّ له مفهوماً معروفاً «1».
إلّا أنَّ الراغبَ يقول في كتاب المفردات :
النوم : فُسر على أوجه كلها صحيح بنظرات مختلفة ، قيل هو استرخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد إليه ، وقيل هو أن يتوفى اللَّه النفس من غير موت ، قال : {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ } [الزمر : 42] الآية ، وقيل النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل «2».
و«النُّعاس» : «على وزن غُبار» ويعني النوم القليل والخفيف ، وفسَّره بعض على أنّه بداية النوم ، وهنا حيثُ يكون النومُ خفيفاً في بدايته فانَّ كلا المعنيين يعودان إلى حقيقةٍ واحدةٍ.
و«السبات» : مأخوذة من مادة «سَبْت» (على وزن ثَبْت) أي «القطع» ، ولهذا سُمِّيَ يومُ السبت بهذا الاسم في لغة العرب ، حيث كان يوماً لتعطيل الأعمال من أجل الراحةِ ، وممّا يظهر أنَّ هذه التسمية مستوحاةٌ من أفكار اليهود حيث يعتبرون يوم السبت عطلةً لهم ، وهذا ما يعتقد به اليهود ، إذ يقولون إنَّ اللَّه تعالى بدأ خلقَ العالم يوم الأحد وانتهى بعد ستة أيّامٍ فكان يوم السبت نهايةً لخلق البشر وللراحة إلّا أنّنا نعلمُ أنَّ هذا من الأخطاء الفاضحة لليهود ، لأنَّه في الوقت الذي لم تكن هناك سماءٌ ولا أرضٌ ولا شمسٌ ولا قمرٌ لم يكن هناك وجود لليوم والاسبوع أيضاً وحينما يقول القرآن الكريم : {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [يونس : 3] فالمقصود «ست مراحل».
وكلمة «السبت» جاءت بمعنى الراحةِ أيضاً «3».
النوم من آيات اللَّه :
في الآية الاولى من البحث يَعُدُّ القرآن الكريمُ نومَ الإنسان في الليل والنهار أحدَ
البراهين على علمِ وقدرةِ اللَّه تعالى فيقول : {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}.
وهو في نهاية الآية يؤكد هذا البرهان {إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَومٍ يَسْمَعُونَ}.
وممّا لا شك فيه أنَّ الكائنات الحيّة كافة تحتاجُ إلى الراحةِ لتجديد قواها ، واكتساب الطاقة اللازمة لاستمرار نشاطاتها الحياتية ، الراحةُ التي تلاحقهم تلقائياً ، وتجبُرُ حتى الذين يحرصون على عدم التمتع بها.
فايُّ عاملٍ أفضلُ من النومِ يمكنُ أن نفكر به من أجل تحقيق هذا الهدف حيث يلاحق الإنسانَ بشكلٍ اجباريٍّ ويضطره لإيقاف جميع نشاطاته الجسمية ، بل حتى بعض من نشاطاته الفكرية الأساسية ، وفي النتيجة يغطُّ في راحةٍ عميقةٍ ، وخلال هذه الفترة تقوم أجهزة الجسم بإعادة البناء والاستعداد للسعي والحركة من جديد.
وممّا لا شك فيه أنّ الإنسان لولا النوم ، فانّه يذبُلُ ويتْلَفُ ، ويُصيبُهُ العَجَزُ والانكسار بسرعةٍ ، لذلك فقد قالوا : إنَّ النومَ المعتدل والاستقرار سرُّ السلامةِ وطولِ العمر وحيوية الشباب.
واللطيفُ أنَّ الآيةَ التي نبحثها وضعت «النوم» ، و «ابْتِغاء فَضْلِ اللَّهِ» في مقابل بعضهما ، وحسب قول بعض المفسرين أنَّ الأولَ هو علامة الموت والثاني علامة القيامة.
إنّ تعبير «ابتغاء فضل اللَّه» يشير إلى نقطة ظريفة وهي أن سعي وجهد الإنسان في حياته من المسائل ذات الأهميّة ، وكذلك الفضل الإلهي ، والجمع بين الاثنين تجعل الإنسان يستفيد من مواهب هذا العالم.
وهنا توجد نقطةٌ جديرةٌ بالاهتمام أيضاً حيث ذكرت الآيةُ أعلاه النومَ بالنهار إضافة إلى النوم بالليل : «مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ» ، في الوقت الذي يُعتبرُ النومُ مختصاً بالليل فقط حيث تؤكدَ آياتُ القرآن الكريم هذا المعنى ، إلّا أنّ بعضَ الظروف التي تطرأ في حياة الإنسان تجبُرُهُ على أنْ يَسهَرَ الليل وينامَ النهار ، ويُلاحَظُ هذا الأمر كثيراً في السفر ليلًا ، وفي المناطق الحارّةِ جدّاً حيث تتوقف النشاطات النهارية بسبب حرارة الجو ويكون العمل فقط أثناء الليل.
وفي عصرنا الراهن حيث تكون الكثير من المؤسسات الصناعية ، ومعامل صناعة الأدوية مضطرة للعمل ليلًا ونهاراً ، إذ من الصعوبة ايقاف العمل ، ممّا يدفع العمال إلى تقسيم
أعمالهم إلى ثلاث وجبات يومياً ، فتتضح الحاجةُ إلى النوم في النهار أكثر من أيِّ وقتٍ آخر.
والآن .. فلو لم يكن برنامج تنظيم النوم بيد الإنسان ، ولم يتيسر النوم نهاراً بدلًا عن الليل ، فمن المسلَّم به أنّ مشكلاتٍ كبيرةً ستعترضُ حياته.
وفي الآية الثانية بعد ذكر : «هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً» يشيرُ إلى مسألة النوم حيث يقول تعالى : {وَالنَّوْمَ سُباتاً}.
ومن الممكن أن يكون تعبير «هو الذي» إشارة إلى الجانب التوحيدي لهذه الامور ، فكلٌ منها دليلٌ على الذات المقدّسة ، أو جانبِ الانعامِ كي يعرفَ الإنسانُ وليَّ نعمتِهِ ، ومن المسلَّم به أن الإشارة إلى وليَّ النعمة ستكون مقدمةً لمعرفته أيضاً.
واللطيف أنّه يقول بعد ذلك : {وَجَعَلَ النَّهارَ نَشُورَاً} «4».
أجَلْ ... ففي وضح النهار تنتشر الروحُ ويستيقظ الإنسانُ بشكلٍ كامل ، إذ لا يخلو من شَبَهٍ بنشورِ يوم القيامة والحياة ما بعد الموت.
وهذا الاحتمالُ ممكن أيضاً ، حيث يشير إلى انتشار الناس في ميدان الحياة وحركتهم نحو مقاصدهم المعاشيةِ المختلفة ، وبهذا فانَّ أجراس النوم والراحةِ تقرع مع حلول الظلام ، وتدق هذه الأجراس في النهوض مع بزوغ الشمس.
وفي الآية الثالثة تكرَّرَ هذا المعنى باختصارٍ طفيف إذ يقول : {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} ، فكما يصونُ اللباسُ الإنسانَ من الاخطار ويكون له دوراً في سلامته فانَّ ظلامَ اللَّيل له مثل هذا الأثر.
وفي الآية الرابعة والأخيرة في هذا البحث ، وحينما يتحدث القرآن الكريم عن وقائع غزوة بدر يشير إلى أنَّ احدى نِعَمِ اللَّه على المؤمنين في تلك الليلة التاريخية كانت {اذْ يُغَشِّيْكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ}.
لقد كانَ هذا النومُ الرغيدُ سبباً في تجديد قواهم والاستعداد للمعركة الحاسمة في ساحة المعركة ببدر صباحاً ، وبخاصة بعد قطع تلك المسافة الطويلة إلى حدٍ ما ، تلك المعركة التي انتهت بنصرٍ مبينٍ للمسلمين.
ولعلَّ تَعبير «النُّعاس» إشارة إلى عدم استحواذ النوم العميق عليهم بالرغم من تمتعهم بالراحةِ ، كي لا يستغلَ العدوُّ الوضعَ السائد ويباغِتَهُم ليلًا ، ولهذا كانت حقيقةُ ذلك النوم نعمةً وكيفيتُهُ نعمةً اخرى.
على أيّةِ حالٍ ، فانَّ الآيَة أعلاه تعتبر تأكيداً على أثر النوم على أعصاب وجسمِ وروح الإنسان أيضاً ، وتجديد الطاقات من أجل مثابرَة أكثر وجهادٍ أكثر فاعليةً في كافة المراحل.
توضيح
ظاهرة النوم الخفيّة :
مع أنَ «النوم» و «الرؤيا» تعتبر بالنسبة لنا أمراً عادياً ، إلّا أنّ العلماء لم يتوصلوا إلى عمق هاتين الظاهرتين المهمتين بالرغم ممّا بذلوه من مساعٍ وجهود.
فايُّ فِعْلٍ وانفعالاتٍ تطرأُ على جسم الإنسان ليتوقف فجأة القسم الأعظم من نشاطاته الجسمية والروحية ؟! ويحصلُ هذا التغيير في جميع أجزاء جسمه وروحهِ كذلك ، فلا يفهمُ شيئاً ولا يبدي أي حركةٍ ويستلقي جانباً كالميت ، ولو غرقت الدنيا بأكملها فهو نائمٌ لا يدري.
ومع كل هذه التوضيحات والآراء والفرضيات التي قيلت في هذا المجال ، فقد حافظ النوم على صورته المدهشة!
والأكثر عجباً من ذلك مسألةُ (الرؤيا) التي تُعَدُّ من الألغاز العظيمة كروح الإنسان.
وطبعاً أنّ الحديث المفصَّلَ بصدد حقيقة وأسرار هاتين الظاهرتين خارجٌ عن موضوع بحثنا ، لأنَّ الغايةَ من بحث الآيات المذكورة هي بيان المنافع الكثيرة ، والفوائد التي لا تُحصى للنوم من جانب ومن جانب آخر كونه نعمة من نعم اللَّه.
فالنوم المعتدل دائماً يعتبر دليلًا على سلامةِ روح واعصاب الإنسان ، لذلك فإنّ أهمَ أسئلةِ الأطباء للمصابين بالأمراض النفسية تدور حول كيفية نومهم.
فلا تتوقف الاجهزة الأساسية في جسم الإنسان كالقلب والرئة أثناء النوم ، لكنها تعملُ بهدوءٍ أكثر ، ويصبحُ دوران الدَّم في الأعضاء أكثرَ تناسقاً ، ويتوقفُ نشاطُ الدَّماغ تقريباً ، وتستقر جميعُ العضلات أيضاً ، فتؤدّي كلُّ هذه الامور إلى حصول هذه الأعضاء على فرصةٍ لِتجديد بناء بنائها.
وخلالَ النومِ تُزالُ سمومُ الجسم ، وتُعالجُ كثير من الأمراض.
لقد أورد «روخلين» في كتابه (الرؤيا في نظر بافلوف) بحثاً تحت عنوان (العلاج بالنوم العميق) قائلًا :
«بناءً على فرضية «بافلوف» فانَّ النومَ عبارةٌ عن ظاهرةِ توقُفٍ من أجل الصيانة وتجديد القوى ، وعليه فيمكن استغلالهُ كعاملٍ للعلاج من الأمراض المختلفة ، وتؤيدُ التجاربُ اليومية دور النوم في ذلك أيضاً».
ثم يضيف : «إنَّ النومَ العميق الطويل مؤثر على تحسُن صحة المريض ، لأنَّ المرضى ينامون أكثر من المعهود بعد مرضٍ طويلٍ من أجلِ استعادةِ قواهم وسلامتهم».
ويقول : «لقد واجه العلاجُ عن طريق النوم رواجاً واسعاً في الاتحاد السوفيتي ، وقد استخدمت هذه الطريقةُ لأولِ مرّةٍ لمعالجة (جنون الشباب) «الشيزوفرينيا» الذي يعتبر من الأمراض النفسية الشائعة».
ويقول في جانبٍ آخر من حديثه : «تمّ الحصول على نتيجةٍ مُرضيَةٍ لعلاج المصابين بارتفاع ضغط الدم عن طريق النوم العميق ... فالنوم الطويل الذي هو حالة من الراحةِ الكاملة للمخ ، يُجدد قدرةَ الجهاز العصبي ويوازن تنظيم نشاط الأعضاء الداخلية ، ويترك أثراً إيجابياً مساعداً للوضع العام للإنسان» «5».
أَجَل؛ فالذي خلق الإنسان سالماً من أجل السعي والنشاط ، وضع جميع وسائل ذلك تحت تصرفهِ ، وأحدُها نظام النوم واليقظة ، النظام الذي تبرز فيه بكل وضوح براهينُ حكمةِ الباري عز وجل.
__________________________
(1) لسان العرب ج 12 ، ص 595 ، مادة (نوم).
(2) لسان العرب ، مادة (نوم).
(3) مفردات الراغب؛ مجمع البحرين؛ لسان العرب.
(4) تأملوا جيداً أنَّ «النشور» معنى لمصدر ، و «السُبات» معنى لمصدرٍ أيضاً أو اسمٌ مصدريٌ ، واطلاقهما على الليل والنهار يفيد المبالغة والتأكيد.
(5) النوم في نظر بافلوف ، ص 112- 116 (مع الاختصار).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|