أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-12
1038
التاريخ: 2023-10-16
942
التاريخ: 2024-09-21
134
التاريخ: 2024-09-21
123
|
وفي السنة 617 عبر الدانوب جمعٌ غفيرٌ من الصقالبة، ناقلين معهم عِيالَهم وأمتعتهم، فانتشروا في إيليرية وإبيروس وثسالية وآخية وتراقية، وفي جزر بحر إيجه وشواطئ آسية، وعاثوا في البلاد فسادًا، وطوَّقوا ثيسالونيكية وحصروها شهرًا كاملًا، ولم تكد تنجلي المحنةُ وينقضي عامان حتى كَرَّ الصقالبةُ كرةً أُخرى جارِّين وارءَهم الآفار، وما زالوا حتى بلغوا إلى ضواحي القسطنطينية، فنهبوا ودَمَّرُوا وأَحْرَقُوا وسَبَوا، ولم يتراجعوا إلا بعد أن زاد لهم هرقل الإتاوة. وقضت الحربُ الفارسيةُ بتغيب الإمبراطور عن العاصمة ثلاث سنوات متتالية، فعاد الآفار إلى سابق سيرتهم، وأرادوا هذه المرة اقتحام العاصمة نفسها في السنة 226، وتَقَدَّمَ الفُرس في الحرب حتى خلقيدونية، فنكث خاقان الآفار بعهده السابق، واندفع بجُمُوعه إلى أسوار القسطنطينية، وكان الإمبراطورُ قد أقام ابنه نائبًا عنه في الحكم، وأقام البطريرك سرجيوس وَصِيًّا عليه، فهبَّ البطريرك بفصاحته وشجاعته يُثير الهمم، ويشدد العزائم، فيطوف العاصمة بالشعائر الدينية، ويعلو بنفسه الأسوارَ ومعه أيقونة المخلص وأيقونة العذراء، فأصبح — على تعبير أحد المعاصرين: «خوذة العاصمة ودرعها وسيفها.» ويقول معاصرٌ آخرُ: «إن البطريرك ما فتئ يواجه قوات الظلمة والفساد بأيقونتَي المخلص والعذراء شفيعة العاصمة حتى أَدَبَّ في قلوبهم الرعب والخوف، فكانوا كلما عرض البطريرك من الأسوار أيقونة الشفيعة أعرضوا هم عن النظر إليها) (1) وجمع الفرس أُسطولًا وحاولوا الوصول إلى الشاطئ الأوروبي بحرًا، ولكنهم أخفقوا؛ لأن مراكب الروم بَدَّدَتْ شملهم عند القرن الذهبي «فصبغت المياه بدمهم وغطَّت البحر بجثثهم.» وانقضَّ خاقان الآفار بجُمُوعه على الأسوار لآخر مرة في العاشر من تموز فَارْتَدَّ خائبًا وهو يقول: «إني رأيت امرأة متوشحة بأثمن الأثواب، تطوف الأسوار من أولها إلى آخرها!» وهكذا نجت العاصمةُ من هذا الخطر المداهم، فعزا سكانها انتصارهم على الآفار والفُرس في آنٍ واحدٍ، إلى السيدة العذراء حامية المدينة، ونظم البطريرك سرجيوس تسبيحته الشهيرة الأكافيستون التي لا نزال نُرددها ونُرَنِّمُها باللحن الرابع حتى يومنا هذا مساءً كل جمعة من الأسابيع الخمسة الأُولى من الصوم الكبير:
إني أنا مدينتك يا والدة الإله،
أرفع لك رايات الغلبة أيتها القائدة المحامية،
وأقدم لك الشكر لنجاتي من الشدائد.
ولما كنتِ ذات العزة التي لا تحارب؛
فاعتقيني من أنواع الشدائد،
حتى أصرخ إليك قائلًا:
السلام عليك يا عروسة لا عروس لها (2).
وكان هرقل يرى أن الخطر الفارسي أشد كثيرًا من خطر هؤلاء البرابرة، فأَهمل الدفاع عن الغرب وخسر كل ما كان قد أحرزه يوستنيانوس في إسبانية، وطمع الإكسرخوس إِلفثاريوس بعرش إيطالية في السنة 619 ودخل رومة وأعلن نفسه إمبراطورًا عليها، وكانت قبائل الصقالبة طوال الحرب الفارسية تتسرب إلى البلقان فاحتلت جميع مناطق البلقان الشمالية الغربية، وثبَّتت أقدامها في بانونية وميسية ودلماتية، وبين الصقالبة الذين دخلوا البلقان في هذه الآونة واحتلوا إيليرية الصرب والكروات(3)، وقد أبقت هذه الموجات الطامية رواسبَ كبيرة من الصقالبة في مقدونية وبلاد اليونان نفسها، وإذا صدَّقنا إسيدور أسقف سيبلَّة فتكون موجة الصقالبة هذه قد غمرتْ بلاد اليونان بأسرها(4)، وبقيت أحوال البلقان الشمالي والغربي مضطربة، وظل الصقالبة الضيوف في هرج ومرج طوال عهد هرقل، ولم تتمكن حكومة الروم من فرض سلطتها وهيبتها عليهم حتى أواخر القرن السابع.
............................................
1- Pisides, Georges, Bellum Acaricum, V, 371
2- Krumbacher, Gesch. der Byz. Litt., 671–673
3- Bury, J. B., Op. Cit., II, 275ff; Jirecek, C., Gesch. der Serben, (1911 and 1918)
4- Isidori, Hispalensis Episcopi, Patrologia Latina, LXXXIII, 1056
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|