أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-19
241
التاريخ: 2023-10-25
964
التاريخ: 2023-11-02
864
التاريخ: 2023-10-26
1027
|
وأراد يوستنيانوس أن يَستعين بالعرب الضاربين في جوار حُدُوده على العرب عند حدود خصمه الفارسي، فجعل من الحارث بن جبلة الغساني في السنة 531 فيلرخوسًا وأمده بالمال له ولشيوخ العرب في بادية الشام، ثم رقَّاه في مراتب الدولة فجعله بطريقًا من البطارقة هو وأحفادُهُ مِنْ بعده، وقال الحارثُ وربعه بالنصرانية وبالطبيعة الواحدة، فنال من عطف ثيودورة الشيء الكثيرَ وأصبح حاميًا لزمار أصحاب الطبيعة الواحدة في جميع الأقطار الشامية. وبين هؤلاء كان يعقوبُ البرادعي الشهير مؤسس الكنيسة السورية اليعقوبية، ودامتْ سيادةُ هذا البطريق مُدَّةً طويلةً حتى وفاته في السنة 569، وقد احتل فيما بعد مركزًا ساميًا في مخيلة العرب، فهو الحارثُ الذي يشيد بذكره الشاعر عمرو بن كلثوم، وهو أيضًا الحارثُ الذي قهر المنذر ملك الحيرة (1). وجاء بعد الحارث الغسَّاني ابنُهُ المنذر (569 –582)، فهب لمحاربة عرب الحيرة، وقد كانوا أغاروا على سورية بعد وفاة والده الحارث، فقاتلهم وانتصر عليهم عند عيد أُباغ، فأكثر شعراء العرب من ذكر هذا النصر وتغنَّوا بجرأة الحارث؛ لإبعاده في الغزو إلى عين أُباغ. واهتم المنذر بن الحارث لمشاكل النصرانية آنئذٍ، فعقد مجمعًا محليًّا تحت رعايته؛ للنظر في بعض البدع المحلية، ولم يرضَ يوستينوس عن المنذر فقَطَعَ عنه المال السنوي وأَوْعَزَ بقتله، فشقَّ المنذر عصا الطاعة ثلاث سنوات متتالية، فانتهز عرب الحيرة هذا الظرف وأغاروا على سورية الشمالية، وعاثوا فيها ما شاءوا (2). ثم اجتمع المنذر بالبطريق يوستنيانوس في الرصافة، وتفاهما، فعادت المياه إلى مجاريها (3). وتُوُفي يوستينوس في السادس من تشرين الأول سنة 578، فتولى العرش بعده طيباريوس، وأَحَبَّ هذا أَنْ يَسعى لتوحيد الكنيسة، فرأى أن يوحد كلمة أصحاب الطبيعة الواحدة أولًا؛ ليسهل عليه التوفيقُ بينهم وبين الكنيسة الأرثوذكسية الأم، فاستدعى المنذر الغسَّانيَّ إلى القسطنطينية، فأمَّها هذا البطريق مع ولديه، ووصل إليها في الثامن من شباط سنة 580، فاستقبله الإمبراطور بكل احترام وتبجيل، وأنعم عليه بلقب ملك الشرقيين (4)،وسمح له بأن يستبدل الإكليل البطريقي بتاجٍ ملكيٍّ(5)، ثم طلب إليه أن يوفق بين صفوف أصحاب الطبيعة الواحدة، ووقَّف الإمبراطور الاضطهاد الذي كان قد حلَّ بهؤلاء منذ عشر سنوات أو أكثر؛ تسهيلًا لعمل الملك الجديد؛ أي المنذر، وعاد المنذر إلى سورية وعقد مجمعًا برعايته في الثامن من آذار سنة 580، واتصل بغريغوريوس بطريرك أنطاكية الأرثوذكسي، وفاوضه في المهمة الموكولة إليه، وأَصْبَحَ المنذر الغسَّاني ملكًا محليًّا وحكمًا في أعوص مشاكل ذلك العصر وأشدَّها تعقيدًا. ولم يرضَ البطريرك أفتيخيوس عن هذا التسامح والتساهل مع أصحاب الطبيعة الواحدة، وشاركه في رأيه هذا عدد من كبار رجال الجيش والسياسة، وبينهم موريقيوس القائد، وفي السنة 580 أراد هذا القائدُ أن يُفاجئ الفرس بهجومٍ خاطفٍ عن طريق الفُرات متعاونًا مع المنذر وقبائله، فلما وصل إلى الفُرات وجد الجسر الكبير مهدومًا، فتراجع خائبًا وعزا خيبته إلى خيانة المنذر وتواطئه مع الفرس وشكاه إلى الإمبراطور. وبرغم أن المنذر عاد فأغار وحده على أراضي عدوه أمير الحيرة وأعمل في عاصمته النار وقفل من غزوته بغنائم عظيمة (6)، فإن موريقيوس تشبث برأيه وأصرَّ عليه، وسافر بنفسه إلى القسطنطينية ليثبت رأيه أمام الإمبراطور (7)، ويرى الأب غوبير اليسوعي أن موريقيوس كان محقًا في شكواه، وأن هنالك ما يدعو إلى الشك في أمانة المنذر، وإلى الظن بأنه كان يتوخى الاستقلال بدافع الطموح الشخصي والسعي لرفع الضيم عن إخوانه أصحاب الطبيعة الواحدة (8). وأصدر طيباريوس أمره في ربيع السنة 581 بالقبض على المنذر، فأرسل ماغنوس Magnus حاكم سورية إلى المنذر يدعوه إلى حوَّارين بين تدمر ودمشق؛ للاشتراك في حفلة تدشين الكنيسة التي أقامها فيها، فَلَبَّى المنذرُ الدعوةَ، فما كاد يبلغ حوَّارين حتى ألقى عليه الحاكمُ القبض وأرسله مخفورًا إلى القسطنطينية، ولم يقتصر طيباريوس على نفي المنذر وإنما عمد أيضًا إلى قطع الإعانة السنوية عنه، فقام أبناءُ المنذر الأربعة وشَقُّوا عصا الطاعة، وأوغلوا في البادية وأخذوا يشنون منها الغارات على أراضي الدولة، ودخلوا بصرى واضطروا حاميتها أن تتخلى لهم عن الذخائر والأموال التي صادرتْها منهم وبينها تاج المنذر، فجرد طيباريوس حملةً ضدهم وأنفذ معها أخًا آخر للمنذر ليخلفه في وظيفته، ولكنه تُوُفي بعد عشرة أيام، أما القائد البيزنطي فإنه تمكن — بالمكر والخداع — من إلقاء القبض على النعمان أكبر أبناء المنذر، وتُوُفي طيباريوس في السنة 582 فتولى العرش بعده موريقيوس عدو المنذر، فأمر بإبعاد الملك العربي ومن معه إلى صقلية (9). وطالت الحرب الفارسية وحمي وطيسها وشعر موريقيوس بالحاجة إلى من يوحد كلمة القبائل العربية في سورية ويقودها إلى الحرب ضد الفرس، فاستحضر النعمان في السنة 584 ووعده بإرجاع والده من المنفى ثم طلب إليه أن يحارب الفرس معه، وأن يعتنق الأرثوذكسية، فأجابه النعمان أن جميع قبائل طَيٍّ يَعَاقِبةٌ وأنهم يذبحونه ذبحًا إن هو تقبل قرار «المجامع»، فغضب موريقيوس وأمر بسجنه ثم ألحقه بوالده (10). ويرى نولدكه في رسالته أمراء غسان، أن أحوال العرب في سورية اضطربت بعد اعتقال المنذر وابنه النعمان، وأن عُرى وحدتهم تفككت، فاختارت كل قبيلة منهم أميرًا لها، فتطاحنتْ وتنازعتْ فيما بينها، وأن هذه المنازعات لم تنحصر بالبادية وإنما تَعَدَّتْها إلى البلدان العامرة، وأن القبائل أخذت تسطو — بلا خوف ولا وجل — على أموال الفلاحين المتحضرين فتنهب مواشيهم وتحصد دون أن تزرع. ويزيد نولدكه أن هذا كله حَمَلَ الروم على التفكير في تنصيب عامل لهم رئيسي جديد يقوم مقام المنذر، وأنهم رأوا أن يكون هذا العامل من آل جفنة أيضًا لما كان لهؤلاء في الماضي من الهيبة في القلوب (11). وقضت ظُرُوف العداء بين الغساسنة وعرب الحيرة أن يشتد كره عرب الحيرة لكل مَنْ قال بالطبيعة الواحدة، وأن يتقربوا من الكنيسة الأرثوذكسية الأم، وانتهت الحرب بين فارس والروم في مصلحة الروم، فطلب النعمان ملك الحيرة أن يتلقى المعمودية على يد كاهنٍ أرثوذكسيٍّ في الرصافة وقبلها معه رجاله، وكان خالص النيَّة فيما فعل، فلما عاد إلى الحيرة رمى بتمثال الزهرة الذهبي في النار، وجمع ذهبه بعد انصهاره ووزعه على الفقراء، ولعل الكاهن الأرثوذكسي الذي عمَّد النعمان ورجاله هو البطريرك الأنطاكي غريغوريوس نفسه، فإنه هو الذي كرَّس تقدمات أبرويز وزوجته المسيحية سيرين على اسم القديس سرجيوس في الرصافة «سيرجيوبوليس»، وانطلق البطريرك من الرصافة إلى البادية يرد «الضالين في القرى والأديرة إلى الدين المستقيم»(12)،وعاد إلى أحضان الكنيسة الأُم بعد هذا النصر كثيرون في سورية والعربية وأرمينية وبلاد الكرج، ممن سبق لهم أَنْ قالوا بالطبيعة الواحدة، وتعددت البناياتُ والإنشاءاتُ الدينيةُ الأرثوذكسيةُ، في الأردن والبثنية وحوران في مادبا ومعين وجرش والجولان والجيزة بين بصرى ودرعة، وفي الطيِّبة وغاريا الغربية، وفي قَسَم وفي حياة، بالقرب من الشهباء (13).
.............................................
1- ابن قتيبة، 304، الحماسة، 402.
2- نولدكه: أمراء غسان، ص25.
3- يوحنا الإفسسي، 6: 4، ص351.
4- Aramundarus Saracenorum Rex
5- راجع نولدكه: أمراء غسان، ص26. Michel le Syrien, X, 344.
6- وقد ذكر هذه الحادثة الشاعر الحيري المعاصر عدي بن زيد، الأغاني 2: 27، الطبري، 1: 1021، ياقوت 3: 612.
7-Jean d’Epiphanie, III, 40, 129 et VI, 16, 231
8- Goubert, P., Op. Cit., 252–254; Devresse, Mgr., Patriarcat d’Antioche, 276, 281, n. 3
9- نولدكه: أمراء غسان، ص30–34.
10- Jean d’Epiphanie, III, 56, 135.
11- أمراء غسان، ص34–41، و57–66.
12-Evagre, Hist. Ecc., éd. Bidez, Vl, 22, 238; Charles, H., le Christianisme des Arabes Nomades sur le Limes et dans le Désert aux Alentours de l’Héjire, (Paris, 1936).
13- Goubert, P., Op. Cit., 265, 266–268
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|