هل يمكن توضيح آراء علمائنا في مسألة سهو النبي ؟ وكيف يمكن التعامل مع ادلة من يذهب الى وقوع السهو من النبي ؟ |
1640
08:57 صباحاً
التاريخ: 2023-09-13
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-31
1331
التاريخ: 2023-08-20
1148
التاريخ: 2023-08-23
1312
التاريخ: 6-9-2020
2389
|
السؤال : قال الحرّ العاملي : « ذكر السهو في هذا الحديث وأمثاله ـ يقصد حديث السهو ـ محمول على التقية في الرواية ، كما أشار إليه الشيخ وغيره ، لكثرة الأدلّة العقلية والنقلية على استحالة السهو عليه مطلقاً » (1).
كيف يحمل على التقية؟ وكيف نعرف أيّهما قاله الإمام تقية؟ إنّ التقية تستلزم إظهار خلاف المعتقد ، والوقوع في الأخطاء والذنوب ، ومن ثمّ يقلّد الأتباع الأئمّة ، لقد جمع الشيعة في هذا المعتقد بين المتناقضات ، فإمّا أن يقولوا بالعصمة ، وإمّا أن يقولوا بالتقية ، أمّا الجمع بين الاثنين فهو تناقض واضح وبيّن.
وإن كان العاملي ينقل كثرة الأدلّة العقلية والنقلية على استحالة السهو عليه مطلقاً ، فالمجلسي نفسه ينقل كثرة الأدلّة على صدور السهو عن الأئمّة ، حيث يقول : « وبالجملة المسألة في غاية الإشكال ، لدلالة كثير من الأخبار والآيات على صدور السهو عنهم » (2).
وكان ابن بابويه وغيره من شيعة القرن الرابع يعتبرون الردّ لهذه الروايات ـ روايات سهو النبيّ صلى الله عليه وآله في صلاته ـ يفضي إلى إبطال الدين والشريعة.
يقول ابن بابويه : « ولو جاز أن تردّ الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن تردّ جميع الأخبار ، وفي ردّها إبطال الدين والشريعة ، وأنا احتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبيّ صلى الله عليه وآله والردّ على منكريه إن شاء الله تعالى » (3).
ويؤيّد هذا القول ـ وهو الاعتقاد بأنّ الأئمّة يسهون ـ هو مذهب جميع الشيعة ، ونرى في كتابات شيعية معاصرة أُخرى نقل إجماع الشيعة على نفي السهو عنهم (4) ، وأنّ ذلك من ضرورات مذهب التشيّع فمن نصدّق؟ ومن هو الذي يعبّر عن مذهب الشيعة؟
وأخيراً أقول : اعتقادنا ـ أهل السنّة ـ في مسألة العصمة هو الموافق لنصوص الكتاب ، فكلّ هذه الآيات التي تفيد وجود ذنوب وتوبة ومعصية ونسيان كُلّها تؤيّد عقيدة أهل السنّة ولله الحمد ، فمن تلك النصوص في كتب الشيعة :
قيل للإمام الرضا : إنّ في سواد الكوفة قوماً يزعمون أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يقع عليه السهو في صلاته ، فقال : « كذبوا لعنهم الله ، أنّ الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلاّ هو » (5).
وهناك نصوص كثيرة في كتبكم تفيد أنّ الأئمّة يستغفرون الله ويعترفون بالمعصية ، بل إنّ علمائكم المتقدّمين كانوا يلعنون من نفى السهو عن النبيّ صلى الله عليه وآله ، وأنت ترى أنّه بذلك يلعن المظفّر ومن وافقه!
يقول ابن بابويه : « إنّ الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبيّ صلى الله عليه وآله ويقولون : لو جاز أن يسهو عليه السلام في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ ، لأنّ الصلاة فريضة كما أنّ التبليغ عليه فريضة ... وليس سهو النبيّ صلى الله عليه وآله كسهونا ، لأنّ سهوه من الله عزّ وجلّ ، وإنّما أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق ، فلا يتّخذ ربّاً معبوداً دونه ، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا ... وكان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد يقول : أوّل درجة في الغلوّ نفي السهو عن النبيّ صلى الله عليه وآله » (6).
قد يظنّ ظانّ أنّ نفي العصمة على الصورة الإمامية فيه تنقيص من شأن الأنبياء؟ فنقول : إنّ الصواب هو أن تعتقد فيما دلّت عليه نصوص الكتاب ، ولاشكّ أنّ الغلوّ في أي أمر لا يعدّ أمراً محموداً بل هو مذموم.
ونقول : إنّ الأنبياء عليهم السلام إن أخطأوا فإنّهم سرعان ما يتوبون ، ويكونون بعد الذنب خيراً منهم قبل الذنب ، إذ بدّل الله سيّئاتهم حسنات ، والله تعالى يحبّ التوّابين العائدين.
الجواب : إذا ثبت عندنا بالدليل القاطع أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله يستحيل عليه السهو مطلقاً ، فإنّ كُلّ الروايات التي ظاهرها يوحي إلى نسبة السهو للنبي صلى الله عليه وآله يجب أن تأوّل إلى ما يتوافق مع الدليل القاطع ـ سواءً كان ذلك الدليل القاطع عقلياً أو نقلياً ـ وعلى هذا الأساس حمل الشيخ الحرّ العاملي قدس سره الروايات على التقية ، وهذا هو أحد الوجوه العلمية لتأويل تلك الروايات ، التي تتعارض مع الدليل القاطع ، وهناك وجوه أُخرى لرفع التعارض.
أمّا كيفية معرفة ما قاله الإمام تقية ، فيكون بعدّة أُمور منها :
1 ـ تعارض الخبر مع الأدلّة القاطعة.
2 ـ وجود قرائن داخلية أو خارجية.
3 ـ موافقة الأخبار لروايات أهل المذاهب التي يُتّقى منها في زمن الرواية.
ولا تناقض في البين ، إذ نحن نقول : إنّا نعتقد بالعصمة ونعتقد أيضاً بالتقية ، والعمل على أساس التقية لا يقدح بالعصمة ، وليس العمل بالتقية يستلزم الوقوع في الخطأ ، بل هو رخصة أجازها الشارع المقدّس ، بل العمل على التقية في بعض الأحيان واجب لا يجوز مخالفته ، وبالحقيقة أنّ تصوّر الملازمة بين القول بالتقية ونفي العصمة ما هو إلاّ وهم من الأوهام ، وإلاّ فبيّن لنا الملازمة؟!
ثمّ إنّ الذي يعبّر عن رأي مذهب الشيعة هو العالم الذي يأتي بدليل ، ويبطل جميع الأدلّة التي تتعارض مع دليله ، ونحن ممّن لا نعرف الحقّ بالرجال ، ولكن نعرف الرجال بالحقّ ، ولا يقبل قول أيّ عالم إذا تعارض مع الدليل القاطع.
وصاحب البحار الذي تنقل عبارته ، وإن ذكر تلك العبارة ، إلاّ أنّه أيضاً ممّن يقول فيه : « إذا عرفت هذا فأعلم : أنّ العمدة فيما اختاره أصحابنا من تنزيه الأنبياء والأئمّة عليهم السلام من كُلّ ذنب ودناءة ومنقصة قبل النبوّة وبعدها قول أئمّتنا عليهم السلام بذلك المعلوم لنا قطعاً ، بإجماع أصحابنا ( رضوان الله عليهم ) مع تأييده بالنصوص المتظافرة ، حتّى صار ذلك من قبيل الضروريات في مذهب الإمامية » (7).
وحتّى الإسهاء الذي يريد ابن بابويه إثباته للرسول لم يرتضه من جاء بعده من العلماء ، فقالوا : النبيّ صلى الله عليه وآله منزّه حتّى عن الإسهاء من قبل الله تعالى.
والحقّ هو : نفي السهو عن النبيّ صلى الله عليه وآله حتّى بذلك المعنى ، وعدم الاعتداد بالروايات التي تنسب السهو للنبي صلى الله عليه وآله ، وذلك لوجوه :
الأوّل : إنّ هذه الروايات معارضة لظاهر القرآن الدالّ على أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله مصون عن السهو ، كما في قوله تعالى : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] وغيرها من الآيات.
الثاني : إنّ هذه الروايات معارضة لأحاديث كثيرة تدلّ على صيانة النبيّ عن السهو ، وقد جمعها المحدّث الحرّ العاملي في كتابه « التنبيه بالمعلوم من البرهان ».
الثالث : إنّ ما روته الإمامية من أخبار السهو ، أكثر أسانيده ضعيفة ، وأمّا النقي منها فخبر واحد لا يصحّ الاعتماد عليه في باب الأُصول.
الرابع : إنّها معارضة للأدلّة العقلية ، والتي منها :
1 ـ الوثوق فرع العصمة.
إنّ ثقة الناس بالأنبياء ـ وبالتالي حصول الغرض من بعثتهم ـ إنّما هو رهن الاعتقاد بصحّة مقالهم وسلامة أفعالهم ، وهذا بدوره فرع كونهم معصومين عن الخلاف والعصيان في السرّ والعلن عمداً وسهواً ، من غير فرق بين معصية وأُخرى ، ولا بين فترة من فترات حياتهم وأُخرى.
2 ـ إنّ الهدف العام الذي بُعث لأجله الأنبياء هو تزكية الناس وتربيتهم ، وأنّ التربية عن طريق الوعظ والإرشاد وأن كانت مؤثّرة ، إلاّ أنّ تأثير التربية بالعمل أشدّ وأعمق وآكد ، وذلك أنّ التطابق بين مرحلتي القول والفعل هو العامل الرئيسي في إذعان الآخرين بأحقّية تعاليم المصلح والمربّي.
ولو كان هناك انفكاك بينهما لأنفضّ الناس من حول النبيّ أو الرسول ، وفقدت دعوته أيّ أثر في القلوب ، ولأجل ذلك يقول سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } [الصف: 2، 3] .
وهذا الأصل التربوي يجرّنا إلى القول بأنّ التربية الكاملة المتوخّاة من بعثة الأنبياء ، وترسيخها في نفوس المتربّين لا تحصل إلاّ بمطابقة أعمالهم لأقوالهم ، فليس هناك مجال لمخالفة أعمالهم لأقوالهم حتّى على سبيل السهو.
وإذا رجعنا إلى الروايات التي رواها أصحاب الصحاح ، فمع غض النظر عن إسنادها ، فإنّها مضطربة جدّاً في متونها.
والإجماع الذي يقوله صاحب صراط الحقّ لا يقدح به خروج بعض العلماء المعروفي النسب ـ كالصدوق وشيخه ابن الوليد ـ كما هو محقّق في محلّه من الأُصول.
ورواية الإمام الرضا عليه السلام لو سلّمنا بصحّة سندها ، فهي من أخبار آحاد ، ولا يمكن الاعتماد عليها في باب الأُصول كما عرفت ، ولتعارضها دلالة مع عشرات الأدلّة التي تشير إلى خلاف مدلولها.
ثمّ إنّ العصيان قد يأتي بمعنى خلاف الأولى ، فإنّه يسمّى عصياناً وسيّئة ـ كما ورد في الحديث « حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين » ـ والروايات والنصوص التي تنسب الذنب والمعصية إليهم عليهم السلام ، هي أمّا أنّها لا تدلّ على ما يقدح بالعصمة ـ ولكن فهمك القاصر يوحي لك بذلك ـ أو أنّ الروايات لا يعتمد عليها لضعف أو إرسال سندها.
ولو فرض وجود رواية أو روايتين ، فلا يمكن الاعتماد عليها ، وتُترك الأدلّة العقلية والنقلية القاطعة الكثيرة الدالّة على مطلق عصمتهم عليهم السلام.
والعلماء المتقدّمون الذين تذكرهم ، ما هم إلاّ ابن بابويه ، وشيخه محمّد بن الحسن ، وشذوذ اثنين لا يخرق الإجماع الذي عليه علماء الإمامية.
وقد ردّ قول ابن بابويه بسهو النبيّ صلى الله عليه وآله علماء عصره ومن جاء بعده ، فالحرّ العاملي يردّ ويقول : « واستحالة السهو على المعصوم مطلقاً متّفق عليه من الإمامية ، لم يخالف فيه إلاّ ابن بابويه ، وهو أولى بالسهو من النبيّ » (8).
وهذا تلميذ ابن بابويه الشيخ المفيد يردّ على أُستاذه فيقول : « الذي خالف في هذا ، وقال بجواز وقوع السهو والنسيان عن المعصوم ، هو الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه القمّي قدس سره ، فإنّه نظراً إلى ظاهر بعض روايات واردة في ذلك ، كالخبر المروي عن طرق العامّة ... وزعم أنّ من نفى السهو عنهم هم الغلاة والمفوّضة ... ومحقّقو أهل النظر من الإمامية ذهبوا إلى نفي وقوع السهو في أُمور الدين عنهم ، لما دلّ على ذلك من الأدلّة القطعية عقلاً ونقلاً ، والأدلّة الدالّة على عصمتهم ... » (9).
حتّى أنّه ألّف رسالة في عدم سهو النبيّ صلى الله عليه وآله ، وذكر فيها وهو في ذلك الزمان ـ زمان العلماء المتقدّمين ـ : « وإن شيعياً ـ يعتمد على هذا الحديث في الحكم على النبيّ صلى الله عليه وآله بالغلط والنقص ، وارتفاع العصمة ـ لناقص العقل ، ضعيف الرأي ، قريب إلى ذوي الآفات المسقطة عنهم التكليف » (10).
فهذه هي عقيدتنا منذ ذلك الزمن ، وليس هنا أيّ تحوّل كما تدّعي ، وليس هنا أيّ غلوّ سوى ما ينسبه ابن بابويه وشيخه ، وقد ردّ عليهم الشيخ المفيد ـ تلميذ ابن بابويه ـ في رسالته تلك ، حتّى أنه قال : « وينبغي أن يكون كُلّ من منع السهو على النبيّ صلى الله عليه وآله في جميع ما عددناه من الشرع ، غالياً كما زعم المتهوّر في مقاله : أنّ النافي عن النبيّ صلى الله عليه وآله السهو غال ، وخارج عن حد الاقتصاد » (11).
_____________
1 ـ وسائل الشيعة 8 / 199.
2 ـ بحار الأنوار 25 / 351.
3 ـ من لا يحضره الفقيه 1 / 360.
4 ـ صراط الحقّ 3 / 121.
5 ـ عيون أخبار الرضا 1 / 219.
6 ـ من لا يحضره الفقيه 1 / 359.
7 ـ بحار الأنوار 11 / 91.
8 ـ وسائل الشيعة 8 / 252.
9 ـ أوائل المقالات : 171.
10 ـ عدم سهو النبيّ : 7.
11 ـ المصدر السابق : 30.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|