أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-06-2015
5058
التاريخ: 2023-07-10
928
التاريخ: 3-10-2014
5083
التاريخ: 1-1-2023
1299
|
تجسد أعمال الصالحين في الجنة
قال تعالى : {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 25].
كلما رزق المؤمنون المتنعمون في الجنة من ثمارها، فإنهم يقولون: إن هذا هو عين ما رزقنا به من قبل: (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) وهذا غير الكلام الذي جاء في جملة (واتوا به متشابهاً)؛ لأن مفاد الجملة الأولى هو أر أصحاب الجنة يقولون: إن «هذا» هو ما رزقناه من قبل، لكن مفاد الجملة التالية لها هو أن أصحاب الجنة يعطون ثماراً ونعماً «متشابهة»، وبالنظر إلى أنه لا يمارس في الجنة أي عمل عبثي، ولا يتكلم فيها بأي لغو، ولا يقترف فيها أي إثم؛ إذ إلا لغو فيها ولا تأثيم» ، لأنه لا مجال أساساً للكذب ونسج الخيال في نشأة ظهور الحقائق، كما أنه بالالتفات إلى كون الإنسان ما لم يطهر من اللغو والمعاصي، فهو لن يدخل الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الأعراف: 43] ، بناء على ذلك، لابد من تبيين المقصود من كلام أصحاب الجنة هذا (1).
والكلام هنا أنه في الجنة، وهي الخالدة وغير المحدودة: {لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 33] ، لماذا كلما اعطي أصحابها فاكهة كرروا هذا القول: (هذا الذي رزقنا من قبل)؟ علاوة على أن النعم المعطاة لهم ليست هي «عين» النعم السابقة: لأن عينها قد استهلكت، وما من شيء له تعدد في عين الوحدة إطلاقاً، بل هي (مثلها).
عد بعض المفسرين هذه الجملة والجملة التالية: (وأتوا به متشابهاً) أنهما بمعنى واحد، وقالوا: إن أهل الجنة يخالون أن الفاكهة التي يرزقونها في الجنة هي نفس ما كان لديهم في الدنيا(2) . لكن هذا القول ليس صائباً؛ وذلك لأنه لا مجال لنسج الخيال والقول الباطل في الجنة التي هي نشأة ظهور الحقائق. وبناء على ذلك، فإن كلام أهل الجنة حق، والقرآن الكريم قد أيد ذلك أيضاً. إذن فإن الجملة التالية هي بشارة منفصلة.
هناك ثلاثة آراء حول عبارة «إمن قبل» في كلام أصحاب الجنة:
1. إن المراد منها هو الجنة؛ بمعنى أنه كلما اسبغ على أهل الجنة بنعمة، يقولون: لقد أنعم علينا سابقاً في الجنة بهذه النعمة. وفي رد الذين يشكلون: بأن النعم التالية ليست هي عين النعم السابقة، فهم يقولون: إن كلمة «هذا» تفيد الوحدة النوعية؛ أي إن هذه الثمار هي غالباً من ذلك النوع الذي اعطينا إياه في الجنة(3).
هذا الرأي يخالف ظاهر الآية ؛ لأن الظاهر أن «هذا» تدل على الوحدة الشخصية. كما أنه ليس هناك من قرينة أو شاهد على الدلالة على الوحدة النوعية. أضف إلى ذلك أن أهل الجنة قد قالوا نفس هذا القول عند تلقيهم لأول نعمة في الجنة؛ إذ أن «كلما» ناظرة إلى حال البقاء وحال الحدوث معاً. إذن مما يلزم من صادق القضية الموجبة الكلية هو أن نستثني المرة الأولى، والحال أنه لا دليل على الاستثناء.
2. من المحتمل أن يكون المراد من «من قبل» هو البرزخ (4). وهذا الاحتمال هو أيضاً عار عن الصحة؛ لأنه:
أ: لقد عرف البرزخ في العديد من الآيات القرآنية على أنه الدهليز المؤدي إلى الآخرة وأنه جزء منها، وإن العالم يقسم إلى قسمين اثنين هما: الدنيا والآخرة إذن فالبرزخ هو جزء من الآخرة وهو في مقابل الدنيا، لا أنه في مقابل الدنيا والآخرة، وبناء عليه فجنة البرزخ حكمها حكم جنة القيامة الكبرى.
ب: من غير المعلوم أن جميع الثمار التي يرزق أصحاب الجنة منها في الجنة الكبرى يرزقون منها في البرزخ أيضاً، والحال أن الآية محل البحث تقول بصيغة القضية الموجبة الكلية: إنه كلما اعطيت الفاكهة في الجنة لأصحابها فإنهم يقولون: لقد رزقنا هذا من قبل، والبرزخ أساساً كما انه نموذج من العذاب لأصحاب النار، وليس «اشد العذاب» لهم، فإنه لأصحاب الجنة كذلك فهو يعد نموذجاً من نعم الجنة والتنعم بها. وليس التنعم الكامل والنهائي.
ج: أصحاب الجنة يلتذون بقول هذا الكلام، ولا يمكن تصوير هذه اللذة إلا إذا كانوا يتحدثون عن الدنيا، لا عن البرزخ؛ إذ لا لذة في قولهم: لقد رزقنا هذه الثمار في البرزخ أيضاً لكنه عندما يرد المؤمن الجنة ويشاهد أعماله على هيئة فاكهة ويقول: لقد كان لنا هذا الرزق في الدنيا، فإن كلاماً كهذا سيبعث اللذة في نفسه.
3. المراد من قوله: (من قبل) هو الدنيا(5) . وهذا الاحتمال ينسجم مع ظاهر الآية ؛ لأن عمل الإنسان، حسب الرؤية القرآنية، هو حي، وهو يحضر عنده في الآخرة: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } [آل عمران: 30].
فالقرآن الكريم يقول من باب الحصر: ما جزاء الإنسان إلا عمله:
{وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس: 54] . كما يقول أيضاً في مواضع أخرى: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} [البقرة: 281] ، {مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} [البقرة: 174]. {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10].
إذن فعمل الإنسان خالد مثله، ولما كانت ثمار الجنة هي تجليات لنفس هذه الأعمال، فإنه كلما نال أصحاب الجنة فيها ثمراً اكتشفوا أن هذه الثمار هي عين تلك العقيدة، والأخلاق، والعمل الصالح التي رزقهم الله إياها في الدنيا، والآن هم يشاهدونها على هيئة تلك الثمار. بناء على ما مر. فإن الآية هي في صدد بيان تجسم الأعمال. بالطبع، إنه بالإضافة إلى ظهور أعمال ابن آدم في الجنة على شا كلة فاكهة فردو سية، فإن الفيض والفعل ...... أيضا سيشملان المؤمنين: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35].
بالنظر إلى أن المراد من (من قبل) و الدنيا، وأن المقصود من الثمار هو العقيدة الحقة، والأخلاق الحسنة، والعمل الصالح التي جعلت من نصيب اهل الإيمان في الدنيا، فإنه ستتضح الإجابة على السؤال القائل: كيف لساكن الجنة أن يقول مقابل النعم التي لم يسبق بها في الدنيا: هذا ما رزقنا به في الماضي، أو حتى لو كانت النعم متوفرة في الدنيا، لكنه كيف يتسنى لصاحب الجنة، وهو الذي كان محروماً من تلك النعم في الدنيا، ان يقول عندما يرزق بها: هذه هي ذات النعمة التي حبانا الله بها في الدنيا. والجواب هو: إن نعم الجنة هي ظهور وتجسم تلك العقائد، والأخلاق، والأعمال الصالحة التي كانت لأهل الجنة في الدنيا؛ مثلما تتجسد عقائد أهل النار، وأخلاقهم، وأعمالهم بصورة عذاب أليم لهم: {لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التحريم: 7] ، {وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [العنكبوت: 55] ؛ فالله سبحانه وتعالى يقول في الآية الأخيرة: (ذوقوا عملكم أنتم)، ولم يقل: (بما كنتم تعملون).
إن الوجه الذي ذكر هو أكثر الوجوه مناسبة في تبيين الم اد من: {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} [البقرة: 25] ، أما احتمال كون المقصود منه هو أن رزق العشي مشابه لرزق الغداة (6)، فهو غير صحيح؛ لأنه وإن كان للغداة والعشي تمثل في الجنة البرزخية، إلا أنه لا حديث عن تمثل هذين الوقتين المختلفين في جنة القيامة الكبرى؛ كما أن تفسيرها بنمو الفاكهة المماثلة محل الفاكهة المقطوفة(7)، طبقا لحديث مروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)في هذا الصدد، فهو غيز تام؛ لأنه، حسب التحليل السابق، فإن العبارة المذكورة أعلاه تصدق أيضاً حتى على الدفعة الأولى من الثمر، في حين أنها لا تكون مسبوقة بفاكهة مماثلة.
إن قول أصحاب الجنة إزاء كل نعمة يرزقونها: هذا ما رزقناه من
قبل في الدنيا، ما هو إلا ثناء على الله؛ فهم يشكرون الله عز وجل حيث وفى بوعده معهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر: 74] ، كما ان استخدام أهل الجنة لعبارة (رزقنا) في هذه الجملة هو من باب التأدب: فهم يقولون: إن هذا الثمر هو ذلك العمل الصالح الذي وفقنا «الله» لأدانه في الدنيا، ولا يقولون: إن هذا هو ثمرة ونتاج ما قمنا «نحن» به من عمل.
أما السر وراء التكرار المستمر لهذه الجملة من قبل أهل الجنة فهو أن اقتضاء فاكهة الجنة دائمي: {أُكُلُهَا دَائِمٌ } [الرعد: 35]. وليس لها نهاية ولا منع من الخارج: {لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 33]. بناء على ذلك، ففي كل مرة ينال أصحاب الجنة فيها هذه النعمة تراهم يثنون على الله ويشكرونه.
و بالالتفات إلى ما اورد في توضيح هذا القسم من الآية الكريمة، فإنه تتوضح أيضاً كيفية كون هذا الأمر بشارة بالنسبة لأهل الإيمان؛ فالله - في الحقيقة - يبشر المؤمنين بأنهم سيحلون، إلى الأبد، ضيوفاً على مائدة عقيدتهم الصحيحة، وأخلاقهم الحسنة، وأعمالهم الصالحة، وسيقطفون على الدوام ثمراً لذيذاً يانعاً من شجر صلاحهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. يفهم مما جاء في آخر الآية من البشارة بالخلود أن الحديث هو حول جنة القيامة، لا جنة البرزخ؛ لأن البرزخ هو بين الدنيا والقيامة الكبرى وليس هو مكانا للخلود: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100] ،.
2.راجع التفسير الكبير، مج 1، ج 2، ص142.
3. التفسير الكبير، مج 1، ج 2، ص141.
4.الفرقان،ج1،ص247.
5. الجامع لأحكام القران، مج 1،ج 1، ص229.
6. تفسير البحر المحيط، ج 1، ص115.
7. راجع الكشاف، ج 1، ص109.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|