غارات المستعمرين من الغربيين على بلاد المسلمين وغيرهم (الاستعمار البرتقالي). |
1089
03:15 مساءً
التاريخ: 2023-08-22
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-13
720
التاريخ: 2023-03-29
1068
التاريخ: 2023-05-30
973
التاريخ: 12-8-2019
2006
|
بين الاستعمار والاستثمار تقلب البشر في أرجاء الأرض ولا يزال يتقلب: يستأثر العامل بالخامل، ويتحكم العالم بالجاهل يغزو القوي الضعيف، ويستهوي الأعز الأذل، والجهاد في ذلك على أشكال تختلف طريقتها، وتتفق أبدًا نتيجتها، والغاية المنشودة تحصيل الرزق من كل وجه وبكل حيلة، والأخذ بحظ من النعمة تعين على الاستمتاع بمباهج الحياة ومناعمها. والطبيعة ما حادث عما رسمته من قانون: يأكل المستبسل المستسلم، والأرض على الدوام بين غالب ومغلوب، وصائد ومصيد، والدنيا ما انفكت طعمة لمن غلب. الاستعمار ضرب من الهجرة ينزل المهاجر بلدًا يسكنه سكنى دائمة على غير أمل العودة إلى موطنه الأصلي فيعمر الأرض بكده، ويستخرج خيراتها ببذل أوفى نصيب من سعيه، يزيد في إمراعها للاستكثار من ريعها على أتم منوال، وأجمل مثال، وإذا سألت (1) المدركين من المستعمرين قالوا لك: إن استعمارنا تقاضانا كثيرًا من الشجاعة والبطولة والمفاداة ،والعبقرية وإننا استصفينا كل مدرة من أرض مستعمراتنا بنقطة هريقت من دم أولادنا، ونحن نقصد من جهودنا أن يؤسس لنا أبناؤنا في كل مكان ملگا يضاهي بعظمته بلادنا، يفلحون بما ينتجون، وينتشرون ويتكاثرون، ويحتفظون بلغتهم وأخلاقهم ونبوغهم، فتنمو ثروتنا، ويخلد ،مجدنا، وتستفيض شهرتنا. ينشأ الاستعمار في العادة من حركة (2) رجال تختلف درجات حضارتهم وأساليب انتفاعهم في أصقاع مختلفة الأوضاع، تتباين صور السير فيها، ويتم هذا الاستعمار بوسائل سلمية، ولا يستلزم منه أن يكون أبدًا استعمارًا مدنيًّا، فما كل حين يقوم الاستعمار على الزراعة والتجارة، بل كثيرًا ما كانت تهاجم البلاد المستعمرة فتؤخذ حربا. والاستعمار عريق في القدم، ومن أقدم الأمم التي عانته الفينيقيون والرومان واليونان، واستعمار الفينيقيين تجاري، كانوا يجتزئون فيه بإنشاء مكاتب لمتاجرهم في البلاد التي ينزلونها، وما سكن قط أبناؤهم فيما استعمروه من البلاد سكنى دائمة، وطريقة الرومان واليونان في استعمارهم أن يسكنوا بنيهم فيما يحتلون من الأرض، ولذا أزاحوا الفينيقيين عن متاجرهم، وكان العرب أرباب خبرة واسعة في الاستعمار شهد لهم الإفرنج بذلك، وذكروا أنهم ظلوا معروفين بهذه الصفة في كل أدوار تاريخهم (3)، وما استطاع الجنويون والبيزيون والبنادقة وهم أجداد الطليان أن يتعدوا حد الاستثمار في مستعمراتهم، فأشبه استعمارهم الاستعمار الفينيقي والقرطاجني. كان البرتقاليون في بدء العصور الحديثة أول الأمم الغربية التي نهضت للاستعمار، فبدئوا باحتلال سواحل الغرب الأقصى حتى لم يبقَ بيد المسلمين من ثغوره غير سلا (4) ورباط الفتح واستولوا على بلاد الهبط وضايقوهم بها، حتى انحازوا إلى الأمصار المنزوية عن الأطراف، ثم أخذوا يتقدمون في بحر الظلمات حتى كشفوا شواطئ إفريقية الغربية والشرقية متقدمين إلى الشرق للاتصال بجزائر الأبازير ( البهارات» كشفوا هذه الطريق على عهد الأمير هنري (5) ابن الملك جوان الأول البرتقالي المتوفى سنة 1460م، وكان عالما باحثًا انقطع إليه بعض اليهود وعلماء من الفاسيين والمراكشيين المغاربة كانوا يُعدون لذاك العهد علماء العالم، فأخذوا ينقبون في جغرافيات العرب وغيرها، حتى عرفوا إمكان الدوران حول إفريقية، فكان لهذا الأمير الفضل على أوروبا كلها، وما تم ذلك على يده إلا بأبحاث علماء العرب وكتبهم. ووصل البرتقاليون بعد حين إلى جزائر الأبازير فأصبحت ميدانا لتجارتهم أمدًا طويلًا، انتهوا إلى مليبار في الهند في سنة أربع وتسعمائة من الهجرة (6) (1498م)، ودخلوا إلى كاليكوت واشتغلوا بالتجارة وقالوا لعمال السامري: ينبغي منع المسلمين من تجاراتهم، ومن السفر إلى بر العرب والفوائد الحاصلة منهم يحصل منا أضعافها. وقال كبيرهم لراعي كش: أخرج المسلمين عن كش يحصل لك منا من الفوائد أضعاف ما يحصل منهم، فأجاب بأنهم رعيتنا من قديم الأزمان، وبهم عمارة بلدنا فلا يمكننا إخراجهم. وكان البرتقاليون يطلقون على المسلمين اسم «الكفار». وكان من أول مقاصد فاسكودي جاما الملاح البرتقالي من طوافه بحر الهند محاربة السفن (7) العربية، بل كان الغرض من تطوافه في هذا البحر أن يحارب الصليب الهلال في أقصى بقاع المعمور، أو أن تحارب رومية مكة في مكان يبعد أكثر من ألف وخمسمائة فرسخ عن الميادين المألوفة لاقتتالهما، ترسل البرتقال جنودها وبحارتها إلى ما وراء القارة الإفريقية؛ لتحيط بالإسلام وتجعله بين نارين لتجفف ينابيع ثروته، وتقضي على عظمته وشوكته، حتى إن البوكرك الملاح البرتقالي لما هاجم عدن عزم على إغراء الحبشة بتحويل النيل عن مجراه إلى البحر الأحمر ، كما خطر بباله أن يهاجم مكة بجيش من الفرسان، وأهم ما كان الغرب يهتم له في الواقع أنه كان للهند طريقان في منتصف القرن الخامس عشر: أحدهما من البر والآخر طريق مصر والشام في البحر، وكان كلاهما في أيدي المسلمين. فالبرتقال تولت فتح هذا الطريق لأبناء الغرب؛ ذلك لأن البرتقاليين كانوا يعرفون العرب منذ استولوا على بلاد البرتقال أواخر القرن الأول من الهجرة، ويعرفون بأسهم وشدة مراسهم، ويقدرون غناءهم في أعمال الحياة قدره، ولا ينسون أنهم ذاقوا الأمرين مدة قرنين حتى أخرجوهم من ديارهم، ثم عادوا بعد سنين واستولوا على بلادهم دهرًا؛ ولذلك كانت عداوة البرتقاليين للمسلمين في جنوبي الهند بالغة حدًّا كبيرًا على ما قال زين الدين يهزؤون بهم، ويظلمونهم، ويعطلون حجهم، ويحرقون مساجدهم، ومنها ما اتخذوه بيعًا لهم، ويأخذون مراكبهم وأموالهم، ويطأون مصاحفهم وكتبهم بأرجلهم ، ويحرقونها بالنار، ويهتكون حرمة المساجد، ويحرضون على قبول قول الردة والسجود لصليبهم، وإذا سقط أسرى المسلمين، رجالًا كانوا أم نساء، في أيدي البرتقاليين ينصرونهم قسرًا، إلى غير ذلك مما كانوا ينزلونه فيهم خاصة من العذاب ليخلو لهم الجو في تلك الأصقاع، ويقبضوا على زمام تجارة الهند، ويطردوا عن أسواقها وموانيها المنافسين لهم ورجع البرتقاليون لأول مرة من مليبار إلى البرتقال يحملون في سفنهم الأبازير، وتتابع في كل سنة وصول مراكبهم العديدة تقلُّ من البرتقال الرجال والأموال، وتوالت أسفار مراكبهم الكثيرة بهذه الحاصلات الثمينة كالفلفل والزنجبيل والقرفة والقرنفل والبسباس مما تكثر فائدته، ولم يبق للمسلمين غير تجارة القوقل والنارجيل ونحوهما. أما أمراء المسلمين وغيرهم في تلك البلاد فما استناموا للضيم الذي أصابهم ممن جاء وهم متجرين ثم مستعمرين، وكانوا كثيرًا ما يحاربون البرتقاليين وينال بعضهم من بعض (ولم تتوطد سلطة البرتقاليين في الساحل دون غارات ومصاعب، فإن العرب كانوا يطرقون كل باب لإثارة خواطر الأهلين على مزاحميهم البرتقاليين وطردهم عن المراكز التجارية التي كانوا هم أصحاب التصرف المطلق فيها وخاف الغوري صاحب مصر فأرسل في بحر القلزم أسطولا لقتالهم، يصدهم عن بلاده وينقذ تجارة مصر منهم؛ لأن معظم تجارة الشرق كانت تصدر إليها، وقد عاونته البندقية على عمله، وأرسلت إليه الخشب لعمل السفن في البحر الأحمر؛ لأنها كانت تخشى أيضًا على تجارتها، ولما سقطت دولته أرسلت الدولة العثمانية بإمرة أحد قوادها أسطولًا مؤلفًا من مائة مركب، فقتل سلطان عدن وبعض كبرائها من العرب حتى جعلها في قبضته، ثم وصل إلى جزرات وشرع في حرب ديو (1538م)، وكسر أكثر القلعة بالمدافع العظام التي كانت معه، ثم تهيب الإفرنج فرجع أدراجه من غير فتح إلى مصر فبلاد الروم، وعاد الأتراك يحاربون البرتقاليين في تلك الأصقاع النائية، وشغلوا قسمًا من قواتهم فيها، توقفوا معها عن تحقيق أمانيهم من فتوحهم في أوروبا؛ لأن الترك كانوا بلغوا أسوار فينا وألقوا الهلع في قلوب أهل الغرب. ومُكِّن للبرتقاليين في كثير من البنادر كبنادر مليبار وجزرات وكنكن وغيرها واستولوا «بحكمتهم وإجماع رأيهم على كثير من البلدان فبنوا القلاع في هرموز ومسكت وديومحل وسمطرة وملاقة وملوكو وميلابور وناك فتن، والأخيران من بنادر شولمندل. واستولوا على بنادر كثيرة من جزيرة سيلان كما استولوا على زنجبار وممبسة وموسامبيق وملندة، ووصلوا إلى الصين وصارت لهم التجارة في هذه البنادر وغيرها، وذل تجار المسلمين وصاروا لهم كالخدمة لا يمكنونهم من التجارة إلا فيما قلت رغبتهم فيه. وأما ما أهمهم اقتناؤه من البضائع وكثرت فائدته فيستأثرون به لا يمكنون غيرهم من الإتجار به وقطعوا على المسلمين طريق السفر إلى بر العرب وملاقة وأشى ودناصري وغيرها، وانقادت لهم رعاة البنادر حتى صار الحكم فيها حكمهم، وانقطعت أسفار البحر إلا بأمانهم وجوازاتهم، وكثرت تجاراتهم ومراكبهم ومنازلهم وقلاعهم، وقلت تجارات المسلمين إلا على السفن البرتقالية. وفي سنة تسعين أو إحدى وتسعين وتسعمائة اشتدوا في المرابطة على متعلق السامري فتعطل سفر المراكب وانقطع جلب الأرز إلى بلاده فوقع فيها قحط عظيم. استندنا في أكثر هذا إلى ما رواه زين الدين، وقد وصف البرتقاليين بأنهم «أهل مكر وخديعة، عافون بمصالح أمورهم، يتذللون لأعدائهم وقت الحاجة غاية التذلل، وإذا انقطعت حاجتهم سطوا عليهم بكل ممكن. وكلهم كلمة واحدة لا يخالفون أمر كبرائهم، ولا يختلفون بينهم مع بعد المسافة عن رعاتهم، ولم يُسمع أن أحدًا منهم قتل كبيرهم لأجل الولاية، ولذا دانت لهم مع قلتهم رعاة مليبار وغيرها؛ بخلاف ما عليه عساكر المسلمين وأمراؤهم من الاختلاف وطلب الاعتزال عن الغير ولو بقتله.» ولقد استعمر البرتقاليون سواحل إفريقية على بحر الظلمات، وأسكنوا قومهم بلاد البرازيل وعمروها برجالهم كما احتلوا بعض سواحل أميركا، ثم نزعت أيديهم عن أكثرها، وداموا (8) نحو مائتي سنة أصحاب شأن في الاستعمار واغتنوا من تجارة الأبازير والأحجار الكريمة والعبيد أي غنى واغتنى ملوكهم بما جُبي إليهم من أموال الخراج والمكوس والاحتكارات والأرض من بلدان إفريقية الشرقية وغيرها وكان عمالهم يرتكبون ضروب المظالم والإرهاق في جمعها، فكثرت أموال البرتقال بهذه الفتوحات العظيمة، وأُصيب البرتقاليون في أقل من نصف قرن بزهو وغرور وما يتبعهما من فساد الطباع والأخلاق، مما تولدت منه أحقاد في صدور من نزلوا عليهم وحكموهم بالجبرية والعنف، ولا سيما العرب الذين حاربوهم نحو قرن ونصف للقضاء على سلطانهم، حتى جمع العرب شملهم تحت راية صاحب عُمان من أمراء المسلمين وانتزع الحكم في سنة 1658م من يد البرتقاليين، وذلك من رأس دلجادو إلى جردفون، وذل البرتقاليون وقُتل ألوف منهم، ولطالما قتلوا المسلمين وأحرقوا مساكنهم ، وكم من مدينة دمروا، ومن أصقاع تركوها بلاقع على ما روى ذلك «جيان» الملاح الفرنسي ؟ واستعمر الإسبان بفضل خريستوف كولمبس البلاد التي احتلوها في القرن السادس عشر، وهي تتناول معظم سواحل القارة الأميركية من جنوبها، ثم خرجت كلها عن حكمهم أوائل القرن التاسع عشر لسوء إدارة رجالهم، وكان من قواعدهم في استعمارهم أن لا يذهب إلى أميركا إلا من كان من أسرة إسبانية كاثوليكية لم يحكم ديوان التحقيق الديني على أحد من أفرادها منذ جيلين، وذلك لمدة سنتين فقط، وتاريخ استعمار الإسبان في جنوبي أمريكا وما فيه من أنواع الفظائع التي ارتكبوها من غير نكير لاستلاب الذهب والأحجار الكريمة من العبيد سكان البلاد الأصليين، وإفحاشهم في ظلم من امتنعوا من التنصر ، يشبه ما أتاه البرتقاليون من الظلم للاستئثار بتجارة الأبازير والجواهر في الهند وما إليها.
.............................................
1- زهرة التواريخ الفرنسية لهانوتو G. Hanotaux: La fleur des histoires françaises.
2- لاروس الجديد المصور Nouveau Larousse illustre.
3- لاروس الجديد المصور.
4- الاستقصا للسلاوي.
5- حاضر العالم الاسلامي.
6- تحفة المجاهدين في أحوال البرتكاليين لزين الدين.
7- وثائق تاريخية وجغرافية وتجارية عن إفريقية الشرقية لجيان، تلخيص يوسف كمال.
8- مجد البرتقال وجمالها لشاغاس فرانكو Chagas Franco: Les gloires et les beautés du Portugal.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|