أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-08
982
التاريخ: 23-8-2020
1594
التاريخ: 2024-03-26
777
التاريخ: 28-2-2016
1441
|
إن التركيب الكيميائي للكون بسيط للغاية في جوهره؛ فالسواد الأعظم من مادة الكون المعروفة هو على صورة هيدروجين، أبسط العناصر الكيميائية قاطبة، وتتكون نواة ذرته من بروتون وحيد أكثر من 75 بالمائة من مادة الكون موجود على هذه الصورة البسيطة. وإلى جانب الهيدروجين، فإن 25 بالمائة من المكونات المادية للكون (من حيث الكتلة) موجودة على صورة هليوم -4، وهو نظير مستقر للهليوم يُوجد بنواة ذرته بروتونان ونيوترونان. وبمقدار أشدَّ ندرةً من هذا بمائة ألف مرة هناك عنصران آخران عجيبان، وهما الديوتيريوم، أو الهيدروجين الثقيل كما يطلق عليه أحيانًا، وتتكون نواته من بروتون واحد ونيوترون واحد، والنظير الأخف للهليوم المسمى الهليوم-3، الذي تقل النيوترونات في نواته بمقدار نيوترون واحد عن الهليوم العادي. وأخيرًا هناك الليثيوم-7، والمنتج بمقدار ضئيل، وتصل نسبة توفره إلى جزء واحد في العشرة مليارات من نسبة توفر الهيدروجين من أين جاء هذا الخليط الكيميائي؟
معروف منذ ثلاثينيات القرن العشرين أن آلية عمل النجوم تعتمد على حرق الهيدروجين بوصفه نوعًا من الوقود النووي. وكجزء من هذه العملية تُخلّق النجوم الهليوم وغيره من العناصر. بَيْدَ أننا نعلم أن النجوم وحدها لا يمكن أن تكون مسؤولة عن إنتاج هذا المزيج من العناصر الخفيفة التي وصفتها توا. بادئ ذي بدء، تتضمن العمليات التي تجري داخل النجوم في المعتاد تدمير الديوتيريوم بمعدل يفوق معدل إنتاجه؛ لأن المجالات الإشعاعية القوية داخل النجوم تكسّر الديوتيريوم إلى مكوناته من بروتونات ونيوترونات. وبالنسبة إلى العناصر الأثقل من الهليوم -4 فهي تتكون بسهولة نسبية في قلوب النجوم، لكن نسبة الهليوم -4 المرصودة أعلى بكثير مما يمكن تفسيره من خلال التنبؤات المعتادة لتطور النجوم.
ومن المثير للاهتمام أن صعوبة تفسير وفرة الهليوم من خلال العمليات التي تجري داخل النجوم وحدها أُدركت في وقت مبكر يرجع إلى أربعينيات القرن العشرين، وذلك على يد كلَّ من رالف ألفر وهانز بيته وجورج جاموف الذين اقترحوا هم أنفسهم نموذجًا تحدث فيه عملية التخليق النووي في المراحل المبكرة من تطور الكون. وقد أقنعت الصعوبات التي اكتنفت هذا النموذج، وتحديدًا الإنتاج الوفير للهليوم، كلا من ألفر وهيرمان في عام 1948، بتدبر فكرة وجود خلفية إشعاعية كونية قوية في حقبة التخليق النووي. وقد قدَّرا أن هذه الخلفية من المفترض أن تبلغ درجة حرارتها الحالية نحو 5 درجات كلفينية، وهي قيمة ليست بعيدة عن القيمة المعروفة لهذه الخلفية حاليًّا، رغم أن الأمر تطلب مرور خمسة عشر عامًا حتى اكتشاف إشعاع الخلفية الميكروي الكوني.
إن حساب المقادير النسبية للنوى الخفيفة المنتجة في كرة النار البدائية يتطلب عمل بعض الافتراضات بشأن بعض خصائص الكون في المرحلة المغنية من تطوره. وبالإضافة إلى الافتراضات الطبيعية الموجودة داخل نماذج فریدمان، نحتاج بالضرورة أن يكون الكون في بداياته قد مر بمرحلة من التوازن الحراري على درجات حرارة تزيد عن المليار درجة. ووفق نموذج الانفجار العظيم فإن هذا حدث في وقت مبكر جدًّا من عمر الكون، بعد بضع ثوان من بدايته. من ناحية أخرى، الحسابات بسيطة ومباشرة، ومن الممكن إجراؤها باستخدام أكواد حاسوبية مطوّرة بالأساس بهدف نمذجة الانفجارات النووية الحرارية.
قبل أن تبدأ عملية تخليق النوى، تواصل البروتونات تحوُّلها إلى نيوترونات والعكس بالعكس بفعل التفاعلات النووية الضعيفة. ومن الممكن حساب الأعداد النسبية للبروتونات والنيوترونات ما دامت في حالة توازن حراري، ورغم أن التفاعلات الضعيفة تكون من السرعة بما يكفي للحفاظ على حالة التوازن الحراري فإن نسبة البروتونات إلى النيوترونات تواصل تعديل نفسها بالتوافق مع البيئة المحيطة الآخذة في البرودة. لكن عند نقطة حرجة معينة، تصير التفاعلات الضعيفة غير فعالة، ويستحيل ضبط النسبة أكثر من ذلك. وما يحدث هو أن نسبة البروتونات إلى النيوترونات «تتجمد» عند قيمة معينة (تبلغ نحو نيوترون واحد مقابل كل ستة بروتونات)، وهذه النسبة لها أهمية جوهرية في تحديد الوفرة النهائية للهليوم -4. فلتخليق الهليوم عن طريق الجمع بين البروتونات والنيوترونات معا علينا أولا تخليق الديوتيريوم. لكن كما ذكرتُ من قبل فإن ذرات الديوتيريوم يسهل تمزيقها بفعل الإشعاع؛ فإذا ضُربت ذرة ديوتيريوم بفوتون واحد، فستتفكك إلى بروتون ونيوترون منفصلين. وحين يكون الكون حارًا جدًّا، تُدمَّر أي ذرات ديوتيريوم بمجرد تخليقها، ويطلق على هذا اسم «عنق زجاجة الديوتيريوم». وما دام هذا الاختناق المروري النووي موجودًا، لا يمكن تخليق أي ذرة هليوم. علاوة على ذلك فإن النيوترونات التي تجمدت قبل ذلك ستبدأ في التحلل هي الأخرى بفترة عمر نصف قدرها عشر دقائق. ومن ثم تكون نتيجة التحلل هي وجود عدد قليل نسبيًّا من النيوترونات المتاحة للتخليق اللاحق للهليوم.
لكن حين تقل درجة حرارة الإشعاع عن المليار درجة، لا يكون الإشعاع بالقوة الكافية لتفكيك الديوتيريوم، ويظل حاضرًا لوقت طويل بما يكفي كي تحدث تفاعلات أخرى. ومن الممكن أن تتلاحم ذرتا ديوتيريوم كي تُكَوِّنا الهليوم-3، مع إطلاق نيوترون. ويستطيع الهليوم -3 اقتناص نواة ديوتيريوم وتكوين ذرة هليوم -4، مع إطلاق بروتون. وهذان التفاعلان يحدثان بسرعة كبيرة جدًّا، وتكون النتيجة أن كل النيوترونات تقريبًا ينتهي بها الحال داخل ذرات الهليوم -4، ولا يُنتَج إلا آثار بسيطة من العنصرين الوسيطين في هذه العملية؛ الديوتيريوم والهليوم-3. إن وفرة الكتلة للهليوم-4 التي تنتج بصورة طبيعية تُمثَّل نحو 25 بالمائة، وهو الرقم المطلوب تحديدًا. وبالمثل، تقترب مقادير الذرات الوسيطة أيضًا من المشاهدات. وكل هذا جرى في الدقائق القليلة الأولى من عمر كرة النار البدائية.
يبدو هذا نجاحًا ساحقا للنظرية، وهو كذلك بالفعل. بَيْدَ أن الاتفاق بين الحسابات التفصيلية للنواتج النووية المتخلفة عن الانفجار العظيم وبين وفرة العناصر المرصودة؛ لا يتحقق إلا في حالة قيمة معينة لأحد المؤشرات الحساسة: نسبة الباريونات إلى الفوتونات في الكون. فالأمر كله لا ينجح إلا حين يكون هذا الرقم في حدود واحد لكل عشرة مليارات؛ بمعنى بروتون أو نيوترون واحد مقابل كل عشرة مليارات فوتون. وبإمكاننا استخدام درجة الحرارة المعروفة للخلفية الميكروية في حساب عدد الفوتونات الموجودة في الكون. ويمكن أن يجري هذا الحساب على نحو دقيق للغاية. وبما أننا نعرف نسبة الباريونات إلى الفوتونات المطلوبة كي يعمل التخليق النووي بنجاح، فيمكننا استخدام القيمة الملائمة لحساب عدد الباريونات والنتيجة ضئيلة؛ فمقدار المادة الموجودة في صورة باريونات لا يمكن أن يتخطّى نسبة مئوية ضئيلة من مقدار الكتلة التي يتطلبها الكون المغلق.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|