أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-11-2015
5677
التاريخ: 25-11-2015
5869
التاريخ: 10-05-2015
71585
التاريخ: 9-05-2015
9942
|
يقول تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 65-66]
يُقسم المَسخ على قسمين: مُلكي ومَلكوتي، فإذا كان المسخ الملكي بمعنى مجرد تغيير الصورة المادية مع بقاء الحقيقة الإنسانية، فإنه لا يوجد دليل عقلي على استحالته من جهة وإن الدليل النقلي يثبته من جهة أخرى؛ كما أن ظاهر الآية محط البحث يدل على ذلك، وإذا كان بمعنى خروج روح الإنسان من بدن شخص وحلولها في بدن حيوان أو نبات أو جماد أو في بدن إنسان آخر، فهو محال وثمة دليل عقلي على استحالته؛ كما قد أشير إلى ذلك في المباحث التفسيرية، والدليل النقلي أيضاً ليس ناظراً إلى هذا الموضوع.
أما المسخ الملكوتي فهو ظهور حقيقة ابن آدم وباطنه يوم يظهر فيه الحق وتكشف السرائر وذلك إذا كان الإنسان قد ضل طريقه في عالم الطبيعة وسار على خلاف الصراط المستقيم للإنسانية.
ولمزيد من التوضيح فإنّ أي عمل يقوم به الإنسان فهو يهيئ به لنفسه مناخاً لصياغة ملكة من الملكات، النفسانية، وكما أن النطق والسماع والتمرن مع الصور الذهنية في المسائل العلمية يمهد لظهور ملكة التخصص والاجتهاد ففي المسائل العملية أيضاً فإن العمل يُعد لظهور الصور النفسانية بصورة «حال» في البدء وبصورة «ملكة» في النهاية. كما أنَّ الملكة النفسانية تتخطى تدريجيّاً حدّ العَرَض والكيف النفساني لتترسخ في روح الإنسان فتتحد معها ومن ثم تصبح صورة لنفسه وفعليّة لها؛ وذلك لأنه ما لم تصل النفس إلى حد التجرد التام فهي قابلة لأي صورة وفعلية؛ سواء كانت هذه الفعلية منسجمة مع الفطرة الأولية للإنسان أم لم تكن.
فالشخص العادي عندما يولد يكون حيواناً بالفعل وإنساناً بالقوة. فإذا انصاع بعد ذلك للعقل والشرع فإنه إنساناً يصبح بالفعل وإذا سار في طريق يحرمه العقل والشرع فإنه سيسلك سبيل السجايا الحيوانية وسيكون في بداية الطريق كالحيوان: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ} [الأعراف: 179] وفي نهايته يمسي أضل منه: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179] في بداية المسير الباطل سيكون مصداقاً لآيات من قبيل: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة: 5] ، {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176] وفي آخره سيكون مصداقاً للآية: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65]؛ أي إنه وإن كان الشكل الظاهري للإنسان المجرم - الذي هو عرض ـ شكل آدمي إلا أن نفسه المجردة ـ التي تشكل حقيقته وجوهره ـ هي قرد.
بطبيعة الحال فإنّ هذا لا يعني الزوال الكلي للعقل الإنساني الذي يؤمن آدمية الإنسان بل إن العقل في المواجهة مع قوة الغضب والشهوة وفي غضون الجهاد الأوسط أو الأكبر، يؤسر من قبل الهوى الأمير.
وببيان أكثر وضوحاً نقول في ميدان الجهاد الأكبر ومقارعة النفس فإن مصير العقل والفطرة الملكوتيين للإنسان هو الشهادة أو الفتح أو الأسر؛ ففي الحالة الأولى تشتبك فطرة الإنسان مع الشهوة والغضب وعلى الرغم من تعرضها للإصابة بسهم النفس فإنّها تقاوم بمقدار جهدها وتجهز على النفس مستعيذة بالله حتى تفارق الحياة وفقاً لأحكام وقوانين الجهاد الأكبر فإن إنساناً كهذا هو في عداد الشهداء؛ كما يُطلق عنوان الشهيد في بعض الأحاديث على ثابتي القدم في ميدان الجهاد الأكبر والمقاومين في مواجهة وساوس إبليس: من مات على حب آل محمد مات شهيداً» [1].
والحالة الثانية هي أن تتقدم في هذه المواجهة حتى تأسر صنم الباطن وتحقق الفتح وتجلس على مسند الإمارة فيصبح الإنسان ولياً لله ومعصوماً فلا يعود هناك سبيل للشيطنة والشهوة والغضب إلى حرم وجوده الآمن، بل إنه يأسر الشيطان ويُركعه؛ كما يقول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : «ليس منكم من أحد إلا وله شيطان. قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم» [2]
والحالة الثالثة أن تبدي للشهوة والغضب منذ البداية أمارات الموافقة وتسلّم للنفس الحيوانية بشكل كامل وفي النتيجة يصبح العقل خدمة الشهوة والغضب؛ إذ ليس الأمر أن نفس الإنسان الأمارة، التي أعدى أعدائه والتي تتركب من الشهوة الغضب، ستكتفي بعد الفتح في ميدان الجهاد الأكبر بإلقاء الفطرة والعقل في السجن وتغييبهما، بل إنها ومن خلال أسر العقل ستجعله في خدمتها: «وكم من عقل أسير تحت هوى أمير» [3] ؛ أي إن النتيجة ستكون أن العقل مع كل ما يتمتع به من علم وتعقل سيكون مطيعاً للشهوة والغضب مذعناً لهما، ومنذ ذلك الحين فصاعداً ستصدر النفس الأمارة الأوامر للعقل الأسير قائلة: يتعين عليك الامتثال لكل مطالبي. والسر في أن يصير الإنسان أخس من الحيوان، هو أنه لو كان العقرب والأفعى عاقلين لما استطاع أحد العيش على سطح الأرض خوفاً من خطرهما، أما السر في قدرة الإنسان على السيطرة على أي حيوان فهو أن قوة الحيوان لا تتعدى حد الحس والخيال والوهم من جهة والشهوة والغضب من جهة أخرى، وليست في حد العقل النظري و العملي. إذن فإن جعل الإنسان العقل في خدمة الشهوة والغضب فسيصبح أشد ضراوةً بكثير من الذئب أو أي حيوان غضبان آخر وسيصير أشد شهوانية بكثير من الخنزير أو أي حيوان شهواني آخر. على هذا الأساس يمكننا القول إنه على الرغم من أن الإنسان في الدنيا هو ـ بحسب الظاهر - النوع الأخير (نوع الأنواع) وأن ما يقع دون النوع الإنساني هم الأصناف والأشخاص لكنّه بحسب الباطن ـ فإنه نوع تقع تحته أنواع كثيرة؛ وهي أنواع إما أن تنكشف في الدنيا؛ كما حصل لأصحاب السبت حيث أصبحت ظواهرهم وبواطنهم قردة وخنازير، أو أن تظهر في القيامة؛ نظير ما ورد في ذيل الآية: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} [النبأ: 18] حيث قال معاذ بن جبل للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) : يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} [النبأ: 18] فقال (صلى الله عليه واله وسلم) : يا معاذ سألت عن عظيم من الأمر ثم أرسل عينيه بالدموع وقال: «يُحشر عشرة أصناف من أمتى أشتاتاً قد ميزهم الله (عز وجل) من المسلمين وبدل صورهم؛ ثم بدأ يشير إلى كل صنف منهم بعضهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكسون أرجلهم من فوق ووجوههم من تحت ثم يسحبون عليها، وبعضهم عُمي يترددون، وبعضهم صم بكم لا يعقلون، وبعضهم يمضغون ألسنتهم فيسيل القيح من أفواههم لعاباً يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلبون على جذوع من نار، وبعضهم أشد نتناً من الجيف، وبعضهم يلبسون جباباً سابغة من قطران لازقة بجلودهم. فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس، وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت، وأما المنكسون على رؤوسهم فأكلة الربا، والعمي الجائرون في الحكم، والصم والبكم المعجبون بأعمالهم، والذين يمضغون بألسنتهم فالعلماء والقضاة الذين خالف أعمالهم أقوالهم، والمقطعة أيديهم وأرجلهم الذين يؤذون الجيران، والمصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس إلى السلطان، والذين هم أشد نتناً من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات واللذات ويمنعون حق الله في أموالهم، والذين يلبسون الجباب فأهل الفخر والخيلاء» [4] .
وفي ختام هذا البحث نرى من المفيد الإلفات إلى نقطتين:
1. تبديل الصورة في الدنيا أو القيامة لا يقتصر على تبديل الصورة المادية بل إن الهوية الإنسانية هي الأخرى تتبدل مع الحفاظ على إنسانيتها وبشكل يتناسب مع السجيّة والملكة الخاصة التي يتصف بها فإن صورة لحيوان من الحيوانات والتي تنسجم مع تلك الملكة) تأتي لتغطي الصورة الإنسانية وتجعلها بمثابة المادة لها وتلقي عليها ظلالها. ولهذا السبب فإن أصل الشعور والإدراك الإنسانيين والعقل والفطرة الملكوتيين للإنسان لا تزول بهذا التغيّر والتبدل، بل إن مثل هذا الإنسان هو موجود عاقل واقف على هوانه وذله وهو يتعذب بسبب ذلك أشد العذاب؛ لأن هذا الإنسان هو إنسان عاقل وهو يدرك الوضع الموجود بشكل جيد؛ كما جاء في حق أكلي الربا بأنّهم لا يقومون من قبورهم إلا عن تخبّط ومس ويُحشرون يوم القيامة في حالة من الجنون: {لَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] ولا يقصد من هذا الكلام أن آكل الربا هو مجنون عديم الفهم، بحيث إنه لا يشعر بألمه الظاهري ولا بمعاناته الباطنية، وإذا كان ذووه وأقاربه يتألمون من مشاهدته فهو لا يحس بأي عار ولا يشعر بأي معاناة، بل المراد هو المجنون المطلع على جنونه والشاعر بشديد الخجل والعذاب بسببه.
2. كما قد أسلفنا فإنّه مضافاً إلى تبدل الصورة المادية في عملية المسخ فإن الهوية الإنسانية للمرء تتغيّر أيضاً مع الحفاظ على إنسانيته، وعلى الرغم من عروض صور حيوانية مختلفة عليه وصيرورته مجمعاً للأنواع، فإنه يستوعب في باطنه حقائق أنواع مختلفة من الحيوانات. وفي الوقت ذاته فهو - حقيقة - إنسان يتمتع بالعقل والإحساس والفطرة الإنسانية. إن تبيين هذا المبحث على الأسس التي اعتمدها القدماء لم يكن بالأمر الهين، لكنّه اليوم مفهوم للجميع؛ إذ ثبت في العلوم المادية أنَّ البدن المادي يتبدل كلّ بضع سنين بكل ما فيه من ذرات وخلايا، وأن الإنسان الذي يبلغ من العمر ثمانين أو مائة عام تكون جميع ذرات بدنه قد تبدلت غير مرة، ومع ذلك فإن بدنه الحالي هو عين بدنه السابق. كما أنّه - نظراً للتطوّر المذهل الحاصل في علم فيما يتصل بزرع الأعضاء - من الممكن أيضاً زرع واستبدال الإنسان الواحد تلو الآخر مع بقاء بدنه الحالي جميع أعضاء جسم نفس بدنه السابق وهذا الإنسان هو عين الإنسان الذي كان قبل زرع الأعضاء. على هذا الأساس إذا ارتكب هذا الشخص جرم السرقة في سن العشرين ثم ألقي القبض عليه في سن الثمانين بعد أن بدل جميع أعضاء بدنه، فسيقال في محكمة العدالة: إن هذا الشخص هو ذلك السارق ويده هذه هي عين يده السابقة ولابد من قطعها.
نفس الإنسان هي هكذا أيضاً فمع أنها تتقبل صوراً وملكات متعددة في غضون ما تعانيه من تحولات طيلة مسيرة العمر، فإن الإنسان الحالي يبقى نفس الإنسان السابق؛ هذا مع أنه وفقاً لبيان أمير المؤمنين (عليه صلوات الله) قد خضعت إنسانيته لهيمنة ملكاته الحيوانية حتى وكأنه ميت ولم يبق له إلا صورة الإنسان وظاهره «فالصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان.... وذلك ميت الأحياء» [5]. بينما (عليه السلام) يقول في حق العلماء الحقيقيين: «والعلماء باقون ما بقي الدهر» [6]، لكنه يقول بخصوص البعض ممن اعتبروا أنفسهم علماء وعقلاء، ومالوا إلى التكاثر المادي بدلاً من الركون إلى الكوثر المعنوي، والذين إذا جهلوا أمراً أبوا أن يعترفوا بجهلهم، فهم متظاهرون بالعلم مخادعون مستأكلون بالعلم»، فهو يقول فيهم ما مضمونه: إن هؤلاء أموات قبل أن يموتوا وليس لهم من الإنسانية إلا الشكل والظاهر الإنساني؛ وذلك لأن كل ما لدى الإنسان من الكرامة هو في مقام خلافته لله (عز وجل)، وأن الأصل الحاكم على كل كتابة وقول وفعل ...الخ هو أن خليفة الله (سبحانه وتعالى) بما هو خليفة فإنّه لا وجود لأي تكليف يقع على عاتقه سوى حفظ مآثر المستخلف عنه وصيانة آثاره.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|