المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



الصابئة  
  
1094   02:15 صباحاً   التاريخ: 2023-06-01
المؤلف : الشيخ عبدالله الجوادي الطبري الاملي
الكتاب أو المصدر : تسنيم في تفسير القران
الجزء والصفحة : ج5 ص 46 - 63
القسم : القرآن الكريم وعلومه / العقائد في القرآن / فرق واديان ومذاهب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-09-2014 14957
التاريخ: 25-09-2014 2193
التاريخ: 14-3-2016 2391
التاريخ: 21-3-2016 2329

يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]

إن استعمال كلمة «الصابئة» في القرآن الكريم ثلاث مرات في سور «البقرة» و«المائدة» و«الحج» المدنية مع عدم استيضاح أهل الحجاز، لاسيما أهل المدينة، عنها يوحي بأن معنى هذه المفردة كان جلياً عندهم وأن الفرقة المسماة بهذا الاسم كانت معروفة لديهم، وإلا لطالبوا المتصدين لتفسير القرآن وتعليمه، خصوصاً الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) ، بتوضيح لهذه المفردة وتبيين لتلك الفرقة ومن ناحية أخرى فإن أهل الحجاز أنفسهم، لاسيما أهل مكة كانوا يستخدمون هذه اللفظة بحق شخص الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وأتباعه حيث كانوا يسمون النبي الله «صابئاً» وأتباعه «صباتاً» وكان قصدهم من هذه التسمية أو الوصف هو أن النبي الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) كان قد عدل عن الدين الشائع لأهل مكة وأن أصحابه قد خرجوا عن الدين الدارج لأهل الحجاز، وكان يُطلق على هذا الخروج من دين والدخول في دين آخر مصطلح «صبوة» وإنّهم قد سمّوا فرقة الصابئة بهذه التسمية بمناسبة عدولهم عن الديانة المشهورة في عصرهم. ووفقاً لهذين الوجهين فكما أن معنى مفردة «صابئ» كان معروفاً فإن الطائفة المشهورة بهذا كانت معروفة أيضاً؛ ومن أجل ذلك فإن الناس في صدر الإسلام الذين هم أعم من المشركين والموحدين ـ لم يكونوا بحاجة إلى الاسم.

إنّ سرّ سكوت القرآن عن الإخبار عن أفعال الصابئين والمجوس إن فرقة الصابئة قلة - وبسبب عددهم ولعله جراء ما يتمتعون به من مميزات روحية وأخلاقية أو معتقدات نحلية ـ لم يبادروا إلى الاختلاف مع الدين الإسلامي الحنيف ومخالفته وفي نهاية المطاف إلى محاربته كما فعل اليهود؛ من هذا المنطلق فإنّه لم يُشهد لهم في صدر الإسلام أي تيار ولم تنزل في هذا الخصوص أي آية قرآنية؛ خلافاً لفرق الشرك واليهود والنصارى حيث جرت لهم مع الإسلام والمسلمين حوادث عدة مما اقتضى نزول آيات كثيرة وصدور أحكام متعددة في هذا الصدد؛ كما أن فرقة المجوس مع ما اشتهروا به من الديانة والعدة والعدد والحكومة، فبسبب عدم تواجدهم في الحجاز في زمان الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) وعدم اصطدامهم مع الإسلام والمسلمين من الناحيتين الثقافية والعسكرية فإنه لم تنزل آية خاصة بحقهم؛ على الرغم من أن اسمهم مطروح في كتب الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم).

الشك في كون الصابئة من أهل الكتاب

إن أحكام الدين الإسلامي الحنيف لا تتشابه فيما بينها؛ لأن بعضها يدور في فلك العناصر المحورية الثلاثة ألا وهي الإيمان بالله وبالمعاد والعمل الصالح الذي يتقارن قهراً مع قبول النبوة والكتاب السماوي، كما حال الآية مدار البحث، أما البعض الآخر فيدور حول عنوان «أهل الكتاب»؛ كقبول الجزية ومنح اللجوء السياسي والاجتماعي ... الخ.

لقد حصل اختلاف فقهي حول مسألة قبول الجزية من الصابئة وهو نابع من الشك في كون هذه الفرقة من أهل الكتاب؛ هذا على الرغم من أنه لا مجال للشك في شمول الآية محط البحث لهم؛ لأن هذه الفرقة قد طرحت بشكل صريح في الآية مورد البحث حالها حال اليهود والنصارى، وإن سرّ الشك في كتابية الصابئين يعود إلى أن ظاهر بعض آيات القرآن الكريم يوحي بنفي الكتاب عن هذه الفرقة؛ كالآيتين: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} [الأنعام: 155-156] بمعنى: أن هذا القرآن هو كتاب مبارك ونحن الذين أنزلناه إذن فاتبعوه واتقوا لعلكم تكونون محط الرحمة الخاصة. وحذار من أن تقولوا: إن الكتاب (الإلهي) لم ينزل من قبلنا إلا على طائفتين ونحن كنا ـ تحقيقاً ـ غافلين عن دراستهم والتعرف عليهم. إن ظاهر هذه الآية هو في حصر نزول الكتاب السماوي على طائفتين هما طائفتا اليهود والنصارى المعروفتان ولو كان لطائفة ثالثة كالصابئة كتاب لم يكن ليطرح مثل هذا الحصر أبداً.

ويمكن القول نقداً لهذا الاستظهار: إنّه ليس المراد من هذا الحصر هو الحصر المطلق والنفسي بل الحصر المضاف والنسبي؛ وذلك لأن ثمة أقواماً ومللاً أخرى عاشت قبل طائفتي اليهود والنصارى كانت تُصنف ضمن أمم الأنبياء الإبراهيميين وكانت تنتفع من الكتب السماوية لأولئك الأنبياء؛ كما أن الكتاب السماوي المنزل على حضرة نوح كان محط استفادة الأمة السابقة على عهد نبي الله إبراهيم ؛ وتأسيساً على ذلك فإن الحصر الوارد في الآية المستشهد بها هو حصر إضافي وليس مطلقاً؛ كما انه روي بخصوص المجوس بأن أهل مكة عندما أرسل النبي الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) إليهم بكتاب يدعوهم فيه إلى الإسلام قد اقترحوا دفع الجزية. فكتب إليهم النبي (صلى الله عليه واله وسلم): إني لستُ أخذ الجزية إلا من أهل الكتاب. فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ثم أخذت الجزية من مجوس هَجَرا فكتب إليهم النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : إن المجوس كان لهم نبي فقتلوه وكتاب أحرقوه (1) ..... وقد سمت رواية أخرى نبي المجوس باسم «داماست» وأطلقت على كتابهم اسم «جاماست» (2)؛ وبناء على ذلك فإن الحصر المأخوذ في آية سورة «الأنعام» هو حصر إضافي ونسبي وليس مطلقاً أو نفسياً، والسرّ في الاقتصار على طائفتي اليهود والنصارى فيها هو الشهرة والكثرة وكونهما مورداً للابتلاء.

سر اختلاف المفسرين والفقهاء في أحكام الصابئة

السر في اختلاف المفسرين والفقهاء في الأحكام التفسيرية والكلامية لفرقة الصابئة من جهة وأحكامها الفقهية من جهة أخرى نابع من وجهات النظر التخصصية في فن الملل والنحل من ناحية ومن الإبهام والاندماج البيئي لتلك الطائفة من ناحية أخرى. فوجود فرقة الصابئة في الحجاز وأصل ديانتهم كلاهما غير واضحين؛ ومن أجل ذلك لم يستطع بعض المفسرين في ذيل آية السجدة: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت:37] أن يحكموا بصراحة أنه كان في الحجاز عرب صابئون وأن رسالة الآية المذكورة هي نهي تلك الطائفة، بل قالوا: لعل أناساً منهم كانوا يعبدون الشمس والقمر كالصابئين (3) ، هذا وإن كان عموم الوثنيين يبجلون نجوم السماء الساطعة، إلا أن إسناد عبادتها للصابئين يحتاج إلى دليل.

ولم ير الطبري في هذا المضمار بداً . من نقل الأقوال والسكوت عن الانتخاب فقد نقل جميع الأقوال من قبيل: 1. ليس لفرقة الصابئة من دين، 2. إنهم بين المجوس واليهود، 3. كانوا يقولون «لا إله إلا الله» لكن لم يكن لديهم عمل ولا كتاب ولا نبي ولم يكونوا يؤمنون برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، 4. كانوا يعبدون الملائكة ويصلّون إلى القبلة 5. إنهم فرقة من أهل الكتاب يقرأون زبور داوود ، 6. هم طائفة من أهل الكتاب ...الخ، ومرّ عليها مرور الكرام من غير أن يبوبها أو يصدر حكماً فيها (4).

عدم التلازم بين الأحكام الكلامية والفقهية للصابئين

لما كان البحث الحالي بحثاً تفسيرياً وكلامياً والبحث في الجزية بحثاً فقهيّاً، فإنّه لا تلازم بين البحثين؛ بمعنى أنه من الممكن لفرقة الصابئة في عين اندراجها تحت الآية مورد البحث وشمولها بالحكم الكلامي - أن لا تكون مشمولة بحكم الجزية؛ كما أن للشيخ الطوسي في المجال تعبيراً يُشعر باتفاق الإمامية على عدم قبول الجزية من الصابئة: والفقهاء بأجمعهم يجيزون أخذ الجزية منهم. وعندنا لا يجوز ذلك، لأنهم ليسوا أهل الكتاب (5).

وقصده من «الفقهاء» هو فقهاء أهل السنة ومراده من «عندنا» هو علماء الشيعة. وقد نقل هذا المبحث من بعده كل من الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان (6) ومن ثم صدر المتألهين في تفسيره (7).

لكنه وعلى الرغم من إفتاء كافة فقهاء أهل السنّة بجواز أخذ الجزية من الصابئة إلا أن اتفاق الآراء هذا لا يعكس إجماعهم على كون فرقة الصابئة من أهل الكتاب؛ إذ قد يكونون ممن لا كتاب لهم في نظر بعضهم، يجوز أخذ الجزية منهم؛ نظير ما روي عن أبي حنيفة من أنه كان يجيز أخذ الجزية من غير مشركي العرب؛ حتى وإن كان دافع الجزية كافراً حربياً أو ذمياً أو كان عابد وثن أو عابد نجم، ولم يكن جائزاً لدى الشافعي أخذ الجزية من مشركي العجم (8).

وفي مختلف الشيعة بعد نفي العلامة الحلّي له قبول الجزية من الصابئين ونقل فتوى الشيخ المفيد والشيخ الطوسي بعدم جواز ذلك فإنّه يستدرك قائلاً: إذا قال قسم من النصارى بمقال الصابئة وذهبوا مذهبهم مع اعتقادهم بالإنجيل وانتسابهم إلى المسيح الا فإنه تقبل الجزية منهم؛ لأن الجزية مقبولة من جميع الفرق المسيحية (9) . أما صاحب الجواهر فبعد أن بيّن أن الصابئين الموجودين في بلاد الإسلام يعاملون معاملة أهل الكتاب، أضاف:

وفي المنتهى: قد كانت النصرانية في الجاهلية في ربيعة وغستان وبعض قضاعة، واليهودية في حمير وبني كنانة وبني الحرث بن كعب ،وكندة والمجوسية في بني تميم، وعبادة الأوثان والزندقة في قريش وبني حنيفة".(10)

والتحرير النهائي للحكم الفقهي لفرقة الصابئة يقع على عاتق علم الفقه حيث تطرح فيه، ناهيك عن حكم الجزية، الأحكام المتعلقة بحلية ذبيحتهم، وجواز الزواج من الصابئيات وكذلك جواز زواج الصابئيين من المسلمات وما إلى ذلك.

تعظيم الصابئة لنجوم السماء

على الرغم من اعتقاد البعض على عهد نبي الله إبراهيم بربوبية وألوهية بعض نجوم السماء وكونهم محسوبين في الظاهر على الكلدانيين واحتجاج خليل الحق عليهم ، إلا أن نسبة هذه الطائفة إلى الصابئة والقول باتحاد الطائفتين يحتاج إلى دليل. وقد نقل عن أبي حنيفة ذهابه إلى أن تعظيم الصابئة للنجوم هو من سنخ احترام المسلمين للكعبة (11) باعتبارها قبلتهم وليست معبودهم. على أن صابئة الروم يكرمون النجوم السيّارة أمّا صابئة الهند فيعظمون النجوم الثابتة (12). وكما أن الاعتقاد التوحيدي لفرقة الصابئة غير جلي، فإن اعتقادهم الديني بالوحي والنبوة مبهم أيضاً. فبعض العلماء المطلعين على أحوال هذه الطائفة يعتبرون أن أصحابها منكرون لأصل الرسالة؛ نظير ما كان عليه مشركو الحجاز من أنه لا يمكن لبشر أن يكون رسول الرب. وادعى البعض الآخر العلماء أن هؤلاء على دين نوح لا (كما يُطلق عليهم النصارى اسم «اليوحنّاسيّة بسبب انتسابهم إلى النبي يحيى بن زكريا ) ويقول هؤلاء إن أول معلمين لدين الصابئة، يعني: آغاثاذيمون وهرمس، هما شيث بن آدم وإدريس وهذه الطائفة تستفيد من الكلمات الحكيمة لحكماء اليونان من أمثال سولون، وأفلاطون وأرسطو (13) . هذا على الرغم من أن تطبيق الحكماء المتقدمين على شيث هو محط لتأمّل البعض، وذلك لأن احتمال ظهور هذا التطبيق في الفترة الإسلامية ليس ضعيفاً، إلا أن جماعة من أصحاب الرأي من أصحاب البصر والبصيرة قد نقلوا هذا الموضوع مع الميل نحو قبوله (14). وفي المقابل فإن ثلة أخرى من نفس مشاهير فن العرفان وأصحاب الشهود قد ضعفوا هذا الرأي معتبرين أن منشأ الاشتباه هو اشتراك الاسم وقالوا: أنى لأغاثاذيمون أن يكون هو النبي شيث له مع أنه بين الاثنين تفصل فترة أربعة آلاف سنة (15)

التزام بعض الصابئين بالأحكام الفقهية في مواطن معيّنة

يُستشف من بعض علماء فرقة الصابئة أنهم ملتزمون ببعض الأحكام الفقهية؛ كما يُنقل عن إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون، المكنى بأبي إسحق، والمعاصر لصاحب بن عباد وعن أربعة من مشاهير أدباء العالم الكبار أنه كان يتحاشى أكل الباقلاء المحرمة في دينه وكان يقول: لا أريد أن أعصي الله في مأكول، كما أن السيد الشريف الرضي قد نظم شعراً يرثيه به بعد موته وقال لمن لامه على رثائه: لقد رئيت فضله (16).

ما يُستظهر من مثل هذه القضايا الشخصية لا يتعدى الالتزامات في مواطن خاصة والالتزامات الفردية، ولا يمكن اعتبار أمر كهذا ديناً جامعاً للمسائل الفقهية والأخلاقية والحقوقية وتصوّر أن جميع من يدين به كالصابئة مثلاً، هم متدينون وملتزمون بهذا الدين كي يثبت خلاف ما جاء فيتفسير الطبري من أن هؤلاء ليس لهم دين خاص ولا منهاج وشريعة معينة" (17).

تأثر الصابئين بالأقوام المباشرة والمجاورة بسبب قلة عدد أفراد طائفة الصابئة وتأثرهم بآداب وسنن وعادات المجتمع الكبير الذي يعيشون فيه فإنّهم في ذات الوقت الذي يحافظون فيه على أصولهم الأولية، كانوا يتقبلون بعض مناهج الأقوام المباشرة والمجاورة؛ وهنا يمكن عد تسرب بعض سنن المجوس إلى الصابئة المجاورين لإيران القديمة والمباشرين للزردشتيين القدماء أو توغل بعض عادات المسيحيّة إلى الصابئين المجاورين للروم والمباشرين للنصارى المتقدمين أو تغلغل أحكام الإسلام إلى الصابئين الحاليين في بلاد إيران والاصطباغ التدريجي لهذه الطائفة بصبغة دين وشريعة المجتمع الكبير الذي يعيشون فيه كنماذج من هذا القبيل.

أقوال بعض المحققين في النُّحل عن الصابئين

يذهب بعض الباحثين والمحققين في شؤون النحل والمفكرين المتقدمين في هذا الفن، من أمثال أبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي إلى هذه الملاحظات:

1. طائفة الصابئة قد ابتليت حالها حال فرقة المجوس، بالمغالطة في نظرتهم إلى الكون؛ وذلك لأن الحكيم الذي تولى قيادتهم فكرياً كان قد قسم موجودات العالم إلى قسمين متضادين هما (الخير والشر داعياً أتباعه إلى مثل هذه الثنوية فيما يتعلّق بمخلوقات العالم إلا أن أتباعه المجوس والصابئة) قد أخطأوا بأن وسعوا تعدد المخلوقات لتشمل الخالق أيضاً وتصوّروا أن خالق الكون متعدد: فواحد هو مبدأ الخير مبدأ الشر؛ والحال أن أساس مذهب ذلك الحكيم كان هو وحدانية خالق الكون وأن هذا الخالق الواحد قد خلق سنخين متضادين من المخلوقات. إذن مغالطة الثنوية هذه قد ظهرت عند أتباع ذلك الحكيم وحلت محل التوحيد لأنها قد عبثت في أصل الدين.

2. إن للصابئين كتاباً يقرأونه يسمونه الزبور وينسبونه إلى نبيهم ولا أثر فيه للأحكام والسنن والشرائع. كما وقيل: إن الصابئين كانوا فرقة من النصارى فمالوا إلى المجوسية، وهذا يصدق ما سبق وقلناه من أن الانحراف عن توحيد الخالق إلى تثنيته كان قد ظهر بادئ ذي بدء عند المجوس ثم سرى إلى الصابئين، وأن منشأ هذا التوهم الباطل هو تلك المغالطة والخلط بين صفة المخلوق وصفة الخالق (18).

3. إن الأحداث التي أدت إلى تشكيل وتأسيس فرقة الصابئين بالنسبة إلى اليهود والنصارى والمجوس يشوبها الإبهام والغموض؛ إذ على الرغم من ذكر الأمم الأربع في القرآن الكريم وطرح تلك العناوين الأربعة إلى جانب عنوان المؤمنين الذين هم أهل النجاة وفي مقابل عنوان المشركين ممن ليسوا أصلاً أصحاب ملة سماوية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17] ، بيد أن العناوين الأخرى (اليهود والنصارى والمجوس) قد تم التفصيل والتشبيه فيها ليس فقط في القرآن الكريم بل في الأحاديث النبوية الشريفة أيضاً؛ ومن هنا فإن التعرف على معتقداتهم ليس بالأمر الشاق على خلاف الصابئة الذين لم يرد في حقهم في الأحاديث النبوية تبيين ولا تشبيه، ولذا فإنه ليس من السهل معرفة حالهم والتقصي عن أحوالهم؛ على سبيل المثال فقد جاء في كلام الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) بخصوص الأمم الثلاث من اليهود والنصارى والمجوس ما نصه: «المرجئة يهود هذه الأمة، والرافضة نصارى هذه الأمة، والقدرية هذه الأمة»، ولكنه لم يجعل للصابئين نظراء في يُكتشف الأصل عن طريق النموذج ويُكشف عن المُمثل من خلال المثال ...(19). ولقد شُبهت جماعة من أهل الإسلام، ممن غيروا نهجهم المعروف وعدلوا عن مسلكهم المعهود بالصابئة كالمارقين الذين كانوا من أتباع أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي سلك أنصاره فمرقوا عنه واعتزلوه؛ كما اختار القدرية الاعتزال وسُمّوا لذلك بالمعتزلة .....(20).

بعض ما يُنسب إلى الصابئين من عقائد وسنن

البحث القرآني حول الصابئين هو بحث صعب؛ وذلك لأن هوية الأمم الأخرى كاليهود والنصارى وفق الرؤية القرآنية معلومة؛ بمعنى أن الخطوط العامة والضوابط الكلية للرؤية الكونية، والحقوق، والأخلاق، والأحكام العائدة للتوراة والإنجيل قد تم طرحها في القرآن الكريم وإن لم يصرح بالخصوصيات والتفاصيل المتعلقة بها. من هنا فإن ما سمع ويُسمع وشوهد ويشاهد من أحبار ورهبان الأقليات الدينية سوف يقيم بالمقارنة مع تلك المباحث الجامعة ليُعلم مدى صحتها من سقمها؛ كما أن نفس القرآن الكريم قد أبدى رأيه بخصوص تحريف بعض الأحكام والحكم الدينية لهذه الفرق واعتبر بصراحة أن تثنية اليهود: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] وتثليث النصارى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73] هو زيغ في العقيدة، إلا أنه لم يطرح فيما يتعلق بالصابئة بحثاً ولم يصدر بخصوص تحريف أو تبديل كتابهم السماوي فتوى؛ ومن هذا المنطلق فإنه ليس من اليسير - من وجهة النظر القرآنية ـ الولوج في بحث حول الصابئين وإخضاع آرائهم للقدح والجرح والتعديل.

كما أن البحث المقارن على محور ديانة الصابئين هو أساساً غیر قابل للطرح وذلك بسبب فقدان طرفي المقارنة بمعنى: ليس فقط أن الخطوط الأساسية للنظرة الكونية، وعلم المعرفة وعلم معرفة الإنسان، والحقوق، والفقه، والأخلاق المتعلقة بالصابئة لم ترد في القرآن الكريم، بل إنها ـ من باب السالبة بانتفاء الموضوع - لم تطرح حتى في كتابهم الديني الأصيل الموثق عندهم؛ وذلك لأن هذه الطائفة - حالها حال بعض الطوائف المنتسبة إلى الدين السماوي أو المدعية له - ليس لها كتاب معتمد ومحط قبول تاريخي قطعي.

أولاً: إن قائدهم الديني قد بين بعض المباحث والمسائل.

ثانياً بقيت هذه المباحث محفوظة ومضبوطة في الأذهان والصدور لسنين طوال.

ثالثاً: بعد مضي حقبة من الزمن تحولت المباحث الذهنية شيئاً فشيئاً إلى تراث مكتوب.

رابعاً: وإذ عانت من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان في مرحلة الانتقال من صندوق الذهن والقلب إلى مسرح الكتاب وساحة الصحف، ففي المرحلة اللاحقة ـ حيث جاء الدور لشرح تلك النصوص وتفسيرها - فقد أقحم التفسير بالرأي نفسه وفرضها خلسة بعد أن كان محجوراً عليه؛ ومن أجل ذلك لم يبق لدى الجيل الحالي شيء ذو بال ليكون منشأ للبرهان القطعي أو أساساً للوثوق النوعي؟ هذا ناهيك عن أن النظام الذي يحكمهم يعاني من الضعف في المؤسسة الروحية، والشحة في الإمكانيات الثقافية، والأقلية الاجتماعية المحدودة والمهجورة (21) ؛ لذلك فإن البحث حول الصابئة ليس أنه غير ميسور من جهة المقارنة مع القرآن فحسب بل إنه ليس بالأمر السهل من ناحية التحقيق العلمي حتى وإن كان بصورة التاريخ ومقارنة النصوص القديمة؛ ومن هنا فإنّه قد أسندت إلى هذه الفرقة آراء مختلفة وأحياناً متضاربة. وهنا نشير إلى بعض عقائد وسنن وسياسات الصابئة وما عندهم من حقوق وأحكام:

1. إن خالق الكون هو واحد أحد أزلي، أبدي، منزه عن المادة والطبيعة غير محدود لا والد له ولا ،مولود مُصان من إدراك العيون وسائر الحواس، لا يصل إليه أحد وهو علة تكوين الأشياء كلها. لقد دعى الله تعالى ثلاثمائة وستين موجوداً إلهيّاً بأسمائهم. هؤلاء قد خلقوا إلا أن خلقهم لم يكن يشبه خلق سائر المخلوقات". (22)

2. يتبع الصابئون تعاليم النبي آدم (عليه السلام) ؛ إذ أن تعاليمه قد شابها تدخل المباحث الغريبة وقد هذبها وخلصها النبي يحيى، ولم يكن يحيى رسولاً بل كان نبياً خاصاً بالصابئين (23). لقد ذبح النبي يحيى في إثر نشر الأحكام الإلهية والوقوف في وجه «هردوس» الحاكم الإسرائيلي الذي كان ينوي الزواج من بنت أخيه. ويعتقد المندائيون أن جسد ورأس  يحيى قد دفنا في «شوشتر» وهي من مدن جنوب إيران.

3. على الرغم من أن المحاور الأساسية لما تبقى لدى الصابئة من نصوص تتضمن التحذير من عبادة غير الله وأن محتواها لا يثبت للنجوم والكواكب نصيباً من الخلقة، إلا أنه ما زال يُلاحظ إسناد الثنوية في الاعتقاد أو في العبادة إلى هذه الطائفة. إنهم ينكرون الأصنام والأوثان والآلهة الزائفة وينفون عبادة الشمس والقمر والنار ويعتبرون عبادتها باطلة وعبادها زائلين.

4. الصابئون المندائيون لا يقبلون بنبوة البشر؛ لتصورهم بأن الله لا يتكلّم مع أي بشر. لذا فلابد من توسط موجود آخر بين الله والبشر؛ هذا وإن كان بعض الأشخاص الطاهرين والمهذبين والمروضين على الطاعة والعبادة يظفرون بالاستعداد واستمداد الفيض من دون واسطة. إنهم يعظمون آدم وشيث، وإدريس ويحيى ولا يعدونهم من الأنبياء، بل يعتبرونهم معلمين ومعرفين قد نالوا - جراء تطهير النفس - ضرباً الكشف أو الفيض أو العلم والمعرفة. (24)

5. فيما يتصل بمعرفة المعاد يعتقد الصابئون بأن روح الإنسان لا تفنى بموت البدن، وأن كل شخص هو مسؤول عما مضى من ممارساته القبيحة والحسنة وأن عذاب تلك النشأة ينقسم إلى قسمين: دائمي وغير دائمي، فبعض الخطايا، كالارتداد والقتل العمد وما إلى ذلك، يوجب عذاباً خالداً. (25)

6. لم تسلم الآراء السياسية للصابئين المندائيين، كما هو حال القسم الآخر من طقوسهم الدينية، من ضرر التحريف؛ كما أن دوافع المهاجمين السياسيين من ناحية وركون قادة الدين إلى طلب الدنيا واتصافهم بالخوف، إلى درجة إخلاء مواقعهم بالتحبيب والتطميع تارة وبالتهديد والتحديد طوراً وترجيح الانزواء على النضال وتفضيل الاتصاف بالتحجر والجمود على التحلي بالظهور والحضور والعزيمة من ناحية أخرى كان قد أصبح ذريعة لفرض الفكر الباطل لفصل الدين عن السياسة على معطيات الدين الإلهي وظهور القسمة الضيزى المشؤومة لتقسيم الحكومة إلى حكومتين؛ واحدة على الجسم وأخرى على الروح لتسلب وتنهب الحكومة التي على الجسم من قبل قيصر وتُسلم الحكومة التي على الروح الى المسيح ويحيى وأمثالهما (26).

لقد وجه هذا التقسيم غير الميمون ضربة موجعة إلى حريم إنسانية الإنسان قبل أي فتنة؛ وذلك لأن الإنسان هو موجود حقيقي وليس اعتبارياً، ولما كانت الوحدة هى صنو الوجود وأن ما يكون وجوده حقيقياً تكون وحدته حقيقية أيضاً، فإن تفكيك وتشريح الواحد الحقيقي والواقعي قبل الموت هو بمنزلة دفنه حيّاً وهو بمثابة تشريح جسده وهو على قيد الحياة؛ فإن فصل جانب الروح عن البدن وعزل البدن عن الروح وتعيين متولّ منفصل على كل منهما لا ينسجم مع هوية الإنسان الواحدة، بل إن سياسة الإنسان مودعة في صلب ديانته، ويمكن البحث في تفصيل ذلك في النصوص المدونة في هذا المجال.

7. يبدأ تقويم المندائيين من سنة خلق آدم وإن أبناء آدم لم يضلوا ولم يرتدوا. ومن أجل تزويج أولاد آدم وبناته فقد أنزل بضعة أولاد وبنات من عالم آخر ... الخ، وبهذه الطريقة تكون المجتمع البشري الابتدائي (27).

8. يطرح الصابئون بعض الكتب المقدسة التي يكرمونها؛ مثل: كنز اربا ودراشا، إيديهيا والقلستا وسدرة إدنشمانا واسفر ملواشي، وإنياني، وقماها ذهيقل زيوا، وتفسير بغره، ...الخ" (28).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. الكافي، ج 3، ص 567 - 568؛ ووسائل الشيعة، ج 15، ص 126.

2. عن محمد بن علي بن الحسين قال: «المجوس تُؤخذ منهم الجزية لأن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب، وكان لهم نبى اسمه داماست فقتلوه وكتاب يُقال له جاماست كان يقع في اثني عشر ألف جلد ثور فحرقوه» (وسائل الشيعة، ج 15، ص 127)؛ هذا وقد وردت الرواية في كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 53 هكذا: ... وكان لهم نبى اسمه دامَسْب فقتلوه وكتاب يُقال له جاماسب ......

3. الكشاف، ج 4، ص 201.

4. راجع جامع البیان، مج 1، ج 1، ص 419 - 421 .

5. التبيان، ج 1، ص283.

6. مجمع البيان، ج 1 - 2، ص 259.

7. تفسير صدر المتألهين، ج 3، ص 451 .

8. كنز العرفان، ج 1، ص 363.

9. راجع مختلف الشيعة، ج 4 ، ص444 - 446

10. جواهر الكلام، ج 21، ص231.

11. روح المعاني، ج 1، ص 441

12. روح المعاني، ج 1، ص 441 .

13. تفسير التحرير والتنوير، ج 1، ص 517

14. تمهيد القواعد، ص 166 و 276.

15. شرح القيصري على فصوص الحكم، ص 125.

16. معجم دهخدا، ج10، ص14739 (وهو بالفارسية)؛ ولباب الألباب، ج2، ص122 مع تصرف طفيف.

17.  جامع البيان، مج1، ج1، ص420.

18. كتاب الإصلاح، ص 157 - 158.

19. كتاب الإصلاح، ص 162 - 163. وقد ورد في التحليل المذكور نقد أساسي لا يناسب المقام طرحه.

20. كتاب الإصلاح، ص 157 - 158. ومناقشة هذا القسم من قول أبي حاتم هو أيضاً خارج عن هدف هذا البحث.

21. مفاهيم صابئية مندائية، ص 104، بتصرف طفيف.

22. راجع الصابئون في حاضرهم وماضيهم، ص 41.

23. الصابئون في حاضرهم وماضيهم، ص 52 .

24. الصابئون في حاضرهم وماضيهم، ص97-98

25. الصابئون في حاضرهم وماضيهم، 115-114

26. الصابئون في حاضرهم وماضيهم، ص118 - 122.

27. تحقیقی در دین صابئین مندائی با تکیه بر متون مندائی تحقيق في دين الصابئين المندائيين اعتماداً على النصوص المندائية)، ص 232 - 236 (وهو بالفارسية).

28. الصابئون في حاضرهم وماضيهم، ص 86 - 92.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .