المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



الإمام المهدي ( عليه السّلام ) وغيبته في المتفق عليه من السنّة  
  
1467   03:42 مساءً   التاريخ: 2023-05-27
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 14، ص77- 108
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن الحسن المهدي / قضايا عامة /

إلى جانب الآيات الكريمة توجد بين أيدينا الكثير من الأحاديث الشريفة التي صحت روايتها عند أهل السنة والشيعة عن سيد المرسلين ( صلّى اللّه عليه وآله ) بطرق كثيرة ، تؤكد دلالات الطائفة المتقدمة من الآيات الكريمة وتفصل مجملاتها وتكمل الصورة التي ترسمها فيما يرتبط بالدلالة على وجود الإمام المهدي الموعود ( عليه السّلام ) بالفعل وغيبته وتصرح بالمصداق الذي دلت عليه الآيات الكريمة بذكر صفاته العامة .

ونختار هنا نماذج من الأحاديث الشريفة المتواترة أو المستفيضة المروية بأسانيد صحيحة عند أهل السنة والمروية في الكتب الستة المعتمدة عندهم لأن الاحتجاج بها أبلغ ، ولأن تفسيرها وتقديم المصداق المعقول لها غير ممكن إلا على ضوء عقيدة أهل البيت في المهدي المنتظر ( عليه السّلام ) فيما يرتبط بعصرنا الحاضر خاصة ؛ ولأن الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، قد صرح في هذه الأحاديث المختارة بالأهمية القصوى التي تحظى بها مضامينها كما سنرى .

1 - حديث الثقلين

وهو من الأحاديث المتواترة ، رواه حفاظ أهل السنة والشيعة بأسانيد صحيحة عن جم غفير من أصحاب رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، عدّ ابن حجر - من علماء أهل السنة - أكثر من عشرين منهم في كتابه الصواعق المحرقة[1]  وعدّ غيره من حفّاظ أهل السنة أكثر من ثلاثين صحابيا كما في سنن الترمذي[2] ، وألّف الحافظ أبو الفضل المقدسي المعروف بابن القيسراني - وهو من كبار حفّاظ أهل السنّة - كتابا خاصا عن طرق هذا الحديث الشريف[3]. كما أثبتت العديد من الدراسات الحديثية تواتره بما لا يدع أي مجال للنقاش أو التشكيك ، نظير ما فعل العلامة المتتبع المير حسين حامد الموسوي في موسوعة عبقات الأنوار وغيره من العلماء[4].

ويتضح من روايات هذا الحديث الشريف أن النبي المكرم ( صلّى اللّه عليه وآله ) قد كرر مضمونه بعبارات وألفاظ متقاربة في عدة مناسبات ، منها في يوم عرفة من حجة الوداع ، وموقف يوم الغدير في طريق عودته منها وبعد انصرافه من الطائف ، وفي الجحفة ، وفي خطبة له في مسجده بالمدينة بعد عودته من هذه الحجة ، وفي حجرته أيام مرضه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وقد امتلأت الحجرة بالصحابة[5]. وكل ذلك يكشف عن أهمية الوصية النبوية التي تضمنها الحديث بالنسبة للإسلام والمسلمين وإلا لما أولاها - وهو الحريص على المؤمنين الرؤوف الرحيم بهم - كل هذا الاهتمام في التكرار والتبليغ في تلك المواطن المهمة التي تجمع أكبر عدد من المسلمين ، خاصة وأنه ( صلّى اللّه عليه وآله ) كان يبادر لإعلان هذه الوصية ويؤكدها على الملأ العام دون أن ينتظر من يسأله عنها .

ويستفاد من بعض الروايات أن مضمون الوصية التي تضمنها هذا الحديث الشريف ، هو الذي أراد رسول اللّه محمد ( صلّى اللّه عليه وآله ) كتابته للمسلمين في الأيام الأخيرة من حياته المباركة عندما طلب أن يأتوه بكتف ودواة ليملي عليهم وصية لكي لا يضلوا بعده ، كما ورد في نص حديث الكتف والدواة هذا المروي في صحيح البخاري[6] وغيره فمنعوه من ذلك ووقع الاختلاف فصرفهم كما في حديث رزية يوم الخميس المشهور دون أن يدون الوصية ، إذ يلاحظ أن عبارة « لن تضلوا بعدي » المذكورة في حديث طلبه كتابة الوصية عبارة متكررة في حديث الثقلين أيضا ، كما تكررت وصيته بأهل بيته وعترته خيرا في حديث الثقلين وفي وصاياه في الساعات الأخيرة من حياته المباركة .

ويظهر من ذلك بوضوح أن النبي الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله ) أراد تسجيل مضمون الحديث الشريف في وثيقة نبوية حاسمة للجدال مدونة بحضور كبار صحابته قطعا للجدال وتوكيدا للأمر . وكل ذلك يبيّن أن الموضوع الذي يتضمنه مهم للغاية وإلا لما أكد عليه هادي الأمم ( صلّى اللّه عليه وآله ) بهذه الدرجة المشددة ، وهذا الأمر يكشف عنه نص الحديث نفسه المصرح بأن العمل بالوصية التي يتضمنها هو سبيل النجاة من الضلالة بعده ( صلّى اللّه عليه وآله ) . . . كما سيتضح أكثر خلال دراسة نصه .

كما أن ثبوت تواتر الحديث الشريف عند المسلمين كافة يجعل من الممكن الاستناد اليه في المسائل الاعتقادية كما هو ثابت في علم الكلام الاسلامي ، لذا يمكن الاستناد اليه في قضية الإمامة .

اللفظ المتواتر : كتاب اللّه وعترتي

واللفظ المتواتر لهذا الحديث الشريف هو الذي ورد فيه ذكر القرآن الكريم وأهل بيت النبي أو عترته - صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم - كمصداق للثقلين والأمر بالتمسك بهما منجاة من الضلالة إلى يوم القيامة ، طبق ما رواه البخاري في كتابه التأريخ الكبير ومسلم في صحيحه والترمذي في سننه وكذلك النسائي في خصائصه وابن ماجة في سننه ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، والحاكم في مستدركه وصححه على شرط الشيخين ووافقه في ذلك الذهبي ، وغيرهم كثير[7] ، وما أخرجه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم هو قوله : « . . . قام رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد اللّه وأثنى عليه ووعظ وذكّر ، ثم قال :

« أما بعد ، أيها الناس ، فإنما أنا بشر ويوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به . . . وأهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي ، أذكركم اللّه في أهل بيتي ، أذكركم اللّه في أهل بيتي »[8].

وأخرج الترمذي في سننه بسنده عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) قال : « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما »[9].

وأخرج الحاكم في مستدركه ما نصّه :

« كأنني قد دعيت فأجبت ، إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا [ يتفرقا ] حتى يردا عليّ الحوض ، إن اللّه مولاي ، وأنا ولي كل مؤمن . من كنت مولاه فعليّ مولاه . اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »[10].

وأخرج ابن حجر في صواعقه ما نصّه :

« إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فلا تقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم »[11].

والألفاظ الأخرى التي أخرجها باقي الحفاظ مقاربة لهذه النصوص . وفي جميعها ورد الحديث بلفظ « كتاب اللّه وأهل بيتي » ، وهو اللفظ المتواتر ، لذا فلا اعتبار في مقابله باللفظ المحرف الذي استبدل عبارة « عترتي أهل بيتي » بكلمة « سنتي » ، فأهداف هذا التحريف واضحة والإصرار على ترويجه ارتبط بمصالح الأمويين والعباسيين السياسية ، يضاف إلى ذلك أن هذا اللفظ المحرف لم يرو في المصادر المعتبرة[12] ، وهو في أفضل الأحوال من روايات الآحاد الضعيفة التي لا تفيد علما ولا عملا خاصة في مسألة عقائدية مهمة كالتي يتناولها مضمون الحديث .

وحتى لو فرضنا صحة رواية هذا اللفظ المحرف - كما فعل ابن حجر في صواعقه - فانّ ذلك لا يعارض اللفظ المتواتر ولا ينقص من دلالته العقائدية المهمة ، بل إن الجمع بينهما ممكن وهو يضيف تأكيدا لحقيقة أن سنة الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله ) هي عند أئمة عترته فهم العلماء بالكتاب والسنة ، كما أشار لذلك ابن حجر حيث قال : « . . . وفي رواية « كتاب اللّه وسنتي » وهي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب لأن السنة مبينة له ؛ فأغنى ذكره عن ذكرهما ، والحاصل أن الحث وقع على التمسك بالكتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل البيت ، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة »[13].

دلالات الحديث على وجود الإمام

دلالات الحديث الشريف كثيرة ، وقد استدل به العلماء لاثبات معظم مسائل الإمامة حسب مذهب أهل البيت ( عليهم السّلام )[14] ، نقتصر هنا على ذكر أهمها ممّا يرتبط بموضوع بحثنا خاصة .

1 - صرّح الحديث الشريف بأن سبيل النجاة من الضلالة بعد وفاة الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، إنما يكون بالتمسك بالقرآن والعترة النبوية معا : « ما إن تمسكتم بهما » ، وليس بواحد منهما فقط ، بمعنى أن التمسك بأحدهما لا يكون تاما وحقيقيا ولن يضمن النجاة من الضلالة إلا إذا اقترن وقاد إلى التمسك بالآخر ، فلن يكون مدعي التمسك بأحدهما صادقا في ادعائه لأنهما « لن يفترقا » .

2 - حدّد الحديث بوضوح هوية الثقل الثاني بقوله ( صلّى اللّه عليه وآله ) : « عترتي أهل بيتي » ، والعترة كما يقول علماء اللغة : « نسل الإنسان ، قال الأزهري : وروى ثعلب عن ابن الأعرابي أن العترة ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه ولا تعرف العرب من العترة غير ذلك »[15].

وبهذا تخرج نساء النبي ( صلّى اللّه عليه وآله ) من مصداق الحديث .

بل وحتى مع الأخذ بوصف « أهل بيتي » مجردا تخرج نساء النبي من المصداق لما أخرجه مسلم في صحيحه في ذيل حديث الثقلين حيث وضّح راوي الحديث عن زيد بن أرقم المقصود عندما سألوه : « من أهل بيته ، نساؤه ؟

قال : لا وأيم اللّه ، إن المرأة تكون مع الرجل من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها . أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة من بعده »[16].

مصداق أهل البيت ( عليهم السّلام )

وقد حدّد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) نفسه مصداق « أهل البيت » بعد نزول آية التطهير ، حيث خصصها ببيت فاطمة ( عليها السّلام ) ، حيث « انه كان يمر ببيت فاطمة رضي اللّه عنها ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر فيقول : الصلاة يا أهل البيت ، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ، كما روى ذلك أحمد بن حنبل في مسنده[17].

يضاف إلى ذلك تصريحه بأن هؤلاء هم أهل بيته في حديث الكساء المشهور وإخراجه زوجته أم المؤمنين أم سلمة منهم وقوله لها إنها على خير لكنها ليست من أهل البيت . وحديث الكساء رواه مسلم في صحيحه والسيوطي في الدر المنثور بعدة أسانيد صحيحة طبق طرق أهل السنة[18].

والثابت أن الإمام عليّا ( عليه السّلام ) أدخله في مصداق « أهل البيت » وان لم يكن من صلبه كما هو ظاهر مما تقدم .

عصمة الإمام وتوفر شروط الحديث

3 - إنّ معرفة مصداق « أهل بيتي وعترتي » في الحديث الشريف تبين صفة أخرى للثقل الثاني هي تحلّيه بالعصمة كما هو واضح من دلالة آية التطهير المباركة[19]، وهذا ما ينسجم مع دلالة الحديث نفسه على عصمة الثقل الثاني ، فهو يؤكد عدم افتراق الثقلين أبدا وفي أي حال كما هو المستفاد من استخدام أداة « لن » التأبيدية ، ومن الثابت أنّه لا باطل في القرآن ابدا ، لذا فعدم افتراق الثقل الثاني عنه دالّ على عصمته وإلّا لافترق عن القرآن في حالات صدور الخطأ أو المعصية وكل مصاديق الباطل ، وهذا ما ينفيه الحديث صراحة الأمر الذي يدل على عصمة العترة .

ويضاف إلى ذلك أن الأمر بالتمسك بهما معا مطلق - كما هو واضح لأنه لم يقيّد بشيء - ؛ لذلك فهو يشمل مختلف الأحوال والأزمان ، ولو جاز وقوع العترة بما يخالف العصمة لأدّى ذلك إلى القول بأنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) أمر بالتمسك بها حتى في الحالات التي تقع في الخطأ وما يخالف القرآن ، وهذا محال .

كما يتضح مما تقدم إخراج غير المعصومين من ذرية الرسول من مصداق الثقل الثاني المأمور بالتمسك به ، يقول ابن حجر في دراسته لهذا الحديث : « ثم إن الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب اللّه وسنة رسوله ، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض ويؤيده الخبر السابق : « ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم » وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لأن اللّه أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة وقد مر بعضها »[20].

وقد أثبت الواقع التأريخي انحصار توفر هذا الشرط بعد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) في الإمام علي والأحد عشر إماما من أولاده وأولاد فاطمة بنت رسول اللّه أي من ذرية رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، كما نسب نبي اللّه عيسى إلى إبراهيم من جهة البنت .

فالإمامية مجمعون على عصمتهم وسائر فرق أهل السنة مجمعة على محبتهم ونزاهتهم ولم يدع أحد صدور أي شيء يخالف عصمتهم رغم حرص الحكومات المعاصرة لهم على الحصول على أي شيء من هذا القبيل كما هو ثابت تأريخيا أيضا[21].

4 - كما أن الأمر بالتمسك بالقرآن والعترة مطلق زمانيا أيضا كما هو واضح من قوله ( صلّى اللّه عليه وآله ) : « من بعدي » دونما تقييد ، فهو نافذ المفعول إلى يوم القيامة لخلود الشريعة المحمدية حيث لا نبي بعده ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، وحيث إن القرآن محفوظ من اللّه تبارك وتعالى ، والعترة هي الثقل الملازم له الذي لن يفترق عنه ، لذلك فهي محفوظة من اللّه تبارك وتعالى إلى يوم القيامة أيضا .

من هنا يتضح أن في هذا الحديث الشريف المتواتر نصا صريحا على حتمية وجود ممثل لأهل بيت النبي وعترته ( صلّى اللّه عليه وآله ) يتحلى بالعصمة وملازمة القرآن في كل عصر لكي يتمسك العباد به وبالذكر الإلهي المحفوظ بهدف النجاة من الضلالة عملا بوصية نبيهم الخاتم محمد ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، وإلا لبطل مضمون هذا الحديث المتواتر الذي ثبت صدوره عمن لا ينطق عن الهوى .

فلا بد إذن من وجود إمام معصوم من العترة النبوية في عصرنا الحاضر يكون مصداقا للثقل الثاني ويكون التمسك به ممكنا . وقد تنبه لهذه الحقيقة والدلالة الواضحة في حديث الثقلين عدد من كبار علماء أهل السنة وصرح بعضهم بها ، مثل ابن حجر الهيثمي حيث قال : وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي ويشهد لذلك الخبر السابق : « في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي . . . »[22].

مصداق الحديث في العصر الحاضر

إذن الحديث الشريف يدل بصراحة على وجود متأهل من عترة النبي ( صلّى اللّه عليه وآله ) للتمسك به إلى جانب القرآن الكريم في عصرنا الحاضر ويشترط فيه أن يكون معصوما أيضا ، فمن هو هذا الإمام ؟

من الواضح أن ليس ثمة إمام ظاهر يدعي ذلك أو تنطبق عليه الصفات المستفادة من هذا الحديث الشريف ، فلا بد إذن من القول بوجوده وغيبته لأن القول بعدم وجوده مردود بدلالة حديث الثقلين المتواتر ، وهذه هي خلاصة عقيدة مذهب أهل البيت ( عليهم السّلام ) في المهدي الموعود القائمة على الكثير من الأدلة النقلية والعقلية والقائلة بوجوده وغيبته عن الأبصار دون أن تمنع غيبته إمكانية الانتفاع به كما ينتفع بالشمس إذا غيبتها عن الأبصار السحاب .

 

2 - أحاديث الخلفاء الاثني عشر

روى أحاديث الخلفاء أو النقباء أو الأمراء أو القيمين الاثني عشر ، أصحاب الصحاح والمسانيد المعتبرة عند أهل السنة بأسانيد صحيحة عن جابر ابن سمرة ، كما رووها عن أنس بن مالك وابن مسعود وعبد اللّه بن عمر وحذيفة بن اليمان ، وكلها مسندة إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، ومضمون الحديث مروي - بتفصيل أكثر - وبتواتر من طرق أتباع أهل البيت ( عليهم السّلام ) وقد نقل آية اللّه الشيخ لطف اللّه الصافي أكثر من ( 270 ) حديثا بهذا الشأن[23].

فهذه الأحاديث من المتفق عليه بين الفرق الاسلامية فلا مجال للتشكيك في صحة المقدار المشترك بينها على الأقل . لكننا نكتفي هنا بالنصوص المروية في الكتب المعتبرة عند أهل السنة وتحديد دلالتها ومصداقها - على الرغم من خلوها من التفصيلات الموجودة في أحاديث الطرق الأخرى لأسباب واضحة - لكي تكون النتيجة حجة على الجميع .

ألفاظ الأحاديث

روى البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي ( صلّى اللّه عليه وآله ) يقول : « يكون إثنا عشر أميرا » ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه قال : « كلهم من قريش » .

ورواه مسلم في صحيحه من عدة طرق عن جابر بن سمرة وبعدة ألفاظ وفي بعضها لفظ :

« إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي إثنا عشر خليفة . . . » .

« لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم إثنا عشر رجلا . . . » .

« لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة . . . » .

وتشترك هذه الأحاديث في أنه لم يسمع ذيل الحديث فأخبره والده بلفظ « كلهم من قريش » وهي التتمة الواردة في معظم نصوص الحديث .

ورواه الترمذي بلفظ : « يكون من بعدي إثنا عشر أميرا . . . » وأبو داود بلفظ :

« لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، فكبّر الناس وضجوا ثم قال كلمة خفيت ، قلت لأبي : يا أبه ما قال ؟ قال : كلهم من قريش » .

ورواه أحمد في مسنده بطرق كثيرة منها بلفظ : « لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ، . . . » ، وفي بعضها أن ما قاله رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) هو : « لا يزال هذا الدين ظاهرا على من ناواه ، لا يضره مخالف ولا مفارق حتى يمضي من أمتي إثنا عشر أميرا . . . » ، وفي روايات أخرى أنه قاله في عرفات ، وفي أخرى في يوم جمعة عشية رجم الأسلمي ، وفي بعضها أن الرسول عقب عليه بالقول : « . . . وإذا أعطى اللّه تبارك وتعالى أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهله وأنا فرطكم على الحوض » ، وفي بعضها أن قريشا جاءت اليه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وسألته عما يكون بعد ذلك فقال : « الهرج » .

ورواه الطبراني في المعجم الكبير وفي أوله : « يكون لهذه الأمة إثنا عشر قيما لا يضرهم من خذلهم . . . » .

ورواه المتقي الهندي في كنز العمال عن أنس بن مالك بلفظ : « لن يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر من قريش فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها »[24].

دلالاتها على وجود الإمام المهدي ( عليه السّلام )

هذه هي النصوص المروية في المصادر المعتبرة عند أهل السنة ، وبعد عرضها نثبت الدلالات المستفادة منها كما يلي :

1 - المستفاد من روايات الحديث الشريف أنه جاء ضمن خطبة مهمة ألقاها الرسول الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله ) على المسلمين وفي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة ، وتصرح مجموعة من رواياته أنها كانت في عرفات في حجة الوداع الشهيرة وهي الخطبة نفسها التي أعلن فيها وصيته الشهيرة بالتمسك بالقرآن وعترته في حديث الثقلين المتواتر الذي دل - كما عرفنا - على حتمية وجود متأهل من أهل البيت ( عليهم السّلام ) للتمسك به إلى جانب القرآن وإلى يوم القيامة .

وهي الحجة نفسها التي بلغ في طريق عودته منها الأمر القرآني بتنصيب الإمام علي وليا ومرجعا للمسلمين من بعده يخلفه في ذلك .

وهذا التقارن بين هذه الأحاديث الثلاثة وجمع تبليغها في الأيام الأخيرة من حياته الشريفة وإحاطتها بكثير من الأهمية يكشف عن أهمية مضامينها فيما يرتبط بهداية المسلمين إلى ما يضمن لهم النجاة على المستويين الفردي والاجتماعي واستمرار تحرك المسيرة الإسلامية من بعده على الصراط المستقيم والمحجة البيضاء .

فهي تشترك في الموضوع المستقبلي الذي تدور عليه مضامينها ، لذلك لا يمكن القول بأن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) أراد من أحاديث الأئمة الاثني عشر مجرد الإخبار عن واقع تأريخي سيجري بعد وفاته ، فهذا ما لا يمكنه تفسير الأهمية القصوى التي أحاط بها تبليغه لمضمون هذا الحديث ، بل واضح أن تبليغ هذا الحديث في الأيام الأخيرة من حياته الشريفة يأتي في ضمن مساعيه لهداية المسلمين إلى ما ينقذهم من الضلالة والانحراف بعده وهو الهدف الذي صرح به في حديث الثقلين ، لذا فذكر الأئمة أو الخلفاء الاثني عشر والإخبار عن مجيئهم بعده هو لهداية المسلمين وصونا لمستقبل مسيرتهم من بعده وإتماما للحجة عليهم . وهذه نقطة محورية مهمة يجب أخذها بنظر الاعتبار لدراسة هذا الحديث ولمعرفة مصداقه .

ترابط أحاديث حجة الوداع

2 - وعلى ضوء اشتراك الأحاديث الثلاثة في موضوع واحد ، فإن مما يعين على فهم هذا الحديث الشريف مورد البحث ، ملاحظة ارتباطه بالحديثين الآخرين اللذين بلغهما الرسول محمد ( صلّى اللّه عليه وآله ) في حجة الوداع نفسها أو على الأقل في فترة زمنية واحدة هي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة .

وحقيقة الأمر أن الأحاديث الثلاثة ترسم صورة متكاملة لطريق اهتداء المسلمين لما يضمن مستقبل مسيرتهم من بعده ( صلّى اللّه عليه وآله ) .

فحديث الثقلين يصرح - كما بيّنا سابقا - بأن النجاة من الضلالة بعد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) تكون بالتمسك بالقرآن والعترة وأن لكل زمان رجلا من أهل بيته وعترته جديرا بأن يكون التمسك به إلى جانب القرآن منجاة من الضلالة .

أما حديث الغدير فإنه يصرح باسم الإمام علي ( عليه السّلام ) كولي للأمة بعده ( صلّى اللّه عليه وآله ) يجب عليهم التمسك بولايته كما وجب التمسك بولاية خاتم المرسلين ، وهذا ما يدل عليه أخذه ( صلّى اللّه عليه وآله ) الإقرار من المسلمين بأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم قوله : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه »[25].

أما حديث الأئمة الاثني عشر فإنه يصرح بأن الدين يبقى قائما إلى يوم القيامة بوجود هؤلاء الأئمة وبهذا العدد لا يزيد ولا ينقص ، ويهدي إلى التمسك بهم .

فتكون الصورة التي ترسمها الأحاديث الثلاثة معا - وقد صدرت في حجة واحدة أو على الأقل في فترة زمنية واحدة هي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة وضمن مسعى واحد هو هداية المسلمين إلى سبيل النجاة من الانحراف والضلالة بعده وهي : أن النجاة من الضلالة وحفظ قيام الدين تكون بالتمسك بالقرآن الكريم وبأئمة العترة الطاهرة الذين لا يخلو زمان من أحدهم وأن أولهم الإمام علي ( عليه السّلام ) وعددهم إثنا عشر إماما لا يزيد ولا ينقص .

مصداق الخلفاء الاثني عشر

وعندما نرجع للواقع التأريخي الاسلامي لا نجد مصداقا للنتيجة المتحصلة سوى أئمة أهل البيت الاثني عشر بدء بالإمام علي وانتهاء بالمهدي المنتظر - سلام اللّه عليهم - لا يزيد عددهم عن الاثني عشر ولا ينقص فجاؤوا المصداق الوحيد لما أخبر به الرسول الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله ) إذ لم يدّع غيرهم ذلك ، تحقيقا للنبوة المحمدية الثابتة عند المسلمين جميعا .

وحيث قد ثبتت عند المسلمين كافة وفاة الأئمة الأحد عشر من هؤلاء الأئمة الاثني عشر ، وثبت عند الإمامية عدم وفاة الثاني عشر منهم ، في حين أن الحديث المتقدم ينص على استمرار وجودهم إلى يوم القيامة ؛ لذا فلا مناص من القول بوجود الإمام الثاني عشر وغيبته - إذ من الثابت للجميع عدم ظهوره - وقيام الدين بوجوده في غيبته أيضا تصديقا لما نص عليه الحديث المتقدم .

فيكون هذا الحديث الشريف دليلا على وجود المهدي الإمامي وغيبته .

دراسة الأحاديث مستقلة

3 - الدلالة نفسها يمكن التوصل إليها من خلال دراسة الحديث المتقدم بصورة مستقلة وبغض النظر عن ارتباطه بحديثي الثقلين والغدير ، واستنادا إلى الدلالات المستفادة من الحديث نفسه وطبقا للمروي في كتب أهل السنة . فنصوصه تجمع على أن موضوعه الأول إخبار المسلمين بأن اثني عشر شخصا سيخلفون النبي ( صلّى اللّه عليه وآله ) لقوله : « يكون من بعدي » ، أي في الفاصلة الزمنية بين رحيله وإلى يوم القيامة كما هو المستفاد من قوله في مقدمة الحديث : « إن هذا الأمر لا ينقضي » كما في صحيح مسلم وغيره والصيغ الأخرى دالة على الأمر نفسه .

وعليه فالصفات والدلالات التي يشتمل عليها الحديث الشريف لا تنطبق على أكثر من اثني عشر شخصا بعد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وإلى يوم القيامة ، وإلا لما حصر رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) الأمر بهم . فمن هم هؤلاء ؟

وللإجابة على هذا السؤال نرجع إلى نصوص الحديث الشريف نفسه لمعرفة الصفات التي تحددها لهم ثم نلاحظ على من تنطبق .

إنّ الصفات التي تذكرها النصوص هي : امراء ، قرشيون ، كونهم خلفاء ، بقاء الإسلام عزيزا بهم ، قيام الدين بهم ، قيّمون على الأمة ، خذلان البعض لهم وتعريضهم للمعاداة . فلندرس كل واحدة من هذه الصفات .

إنّ معنى الإنتماء لقريش واضح ، وقد أجمعت معظم المذاهب الإسلامية على اشتراطه في الإمام . أما صفة « الخليفة » أو « الأمير » فالمعنى المتبادر منها هو من يخلف رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) في قيادة المسلمين أو من يلي أمرهم ، فهل الوصف هذا يراد به من تولّى حكم المسلمين السياسي بعد وفاته ( صلّى اللّه عليه وآله ) ؟ ! .

من الواضح أنه لا يمكن حمل الوصف المذكور على هذا المعنى ، إذ إنّ هذا تنفيه أحاديث أخرى صحت حتى عند إخواننا أهل السنة وهي المصرحة بأن الخلافة بهذا المعنى لن تستمر بعد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) لأكثر من ثلاثين عاما ثم تصبح ملكا كما في صحيحي البخاري ومسلم[26]. في حين أن الحديث الشريف يصرح باستمرار وجود هؤلاء الاثني عشر إلى يوم القيامة . فلا معنى لحصر البحث عن مصاديق الحديث الشريف فيمن تولى حكم المسلمين بالفعل .

دلالة الواقع التأريخي

يضاف إلى ذلك أن الواقع التأريخي الاسلامي ينفي أن يكون المقصود بالخليفة هذا المعنى ، إذ انّ عدد من وصل للحكم من المسلمين بعد وفاة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وتسمى بهذا الاسم يفوق الاثني عشر بكثير .

أجل يمكن القول بأن الاثني عشر المقصودين في الحديث الشريف قد يكون بعضهم من هؤلاء الذين وصلوا إلى الحكم وهم الجامعون للأوصاف الواردة في النصوص وليس مجرد تسلم حكم المسلمين بطريقة أو بأخرى يجعلهم مصداقا للخلفاء والامراء في هذا الحديث الشريف .

فإنّ الخلافة والإمرة بالمعنى المعروف والمتداول بين المسلمين هو أمر منقوض ومردود بتصريح الأحاديث الشريفة بسرعة زوال الخلافة بهذا المعنى كما تقدم ، ولأنه يستلزم أن يكونوا متفرقين على مدى التاريخ الإسلامي وهذا ما تنقضه الدلالات الأخرى المستفادة من الحديث الشريف ، لأن مصاديق هذا المفهوم قد انقطعت منذ مدة طويلة في حين أن الحديث ينص على استمرار وجود هؤلاء الخلفاء الاثني عشر إلى يوم القيامة دونما انقطاع كما سنرى لاحقا .

ولذلك لا بد من حمل معنى « الخليفة » في هذا الحديث على ما هو أعم من التولي المباشر للحكم السياسي ، أي أن يكون المقصود خلافته ( صلّى اللّه عليه وآله ) في الوصاية على الدين والولاية على الأمة وهدايتها إلى الصراط المستقيم سواء استلم الخليفة الحكم عمليا أو لم يستلمه ، فالرسول ( صلّى اللّه عليه وآله ) كان يقوم بهذه المهمة عندما كان في مكة يتابع نشر دعوته بسرية وعندما أعلنها وتعرض للأذى من المشركين وعندما هاجر إلى المدينة وأقام دولته وتولى حكومتها .

فقد كان ( صلّى اللّه عليه وآله ) قيّما على الدين الحق حافظا له وداعيا إليه في كل الأحوال ، دون أن يكون لاستلامه الفعلي للحكم علاقة بإنجاز هذه المهمة وإن كان هو الأجدر باستلام الحكم في كل الأحوال .

وهذا ما يشير إليه تشبيهه ( صلّى اللّه عليه وآله ) لهؤلاء الاثني عشر بنقباء بني إسرائيل وأوصياء موسى ( عليه السّلام ) كما في حديث ابن مسعود المروي في مسند أحمد بن حنبل وغيره[27]. وهذا ما يدل عليه الحديث الشريف نفسه عندما يربط - في بعض نصوصه - بين وجودهم وبين قيام الدين أي حفظه ، فهم أوصياء رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وخلفاؤه في الوصاية على دينه والهداية إليه .

اتصال وجود الخلفاء الاثني عشر

وهذه الصفة - أي قيام الدين بهم - تدل على استمرار وجودهم ما بين وفاة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ويوم القيامة ، لأن القول بتفرقهم وخلو بعض الأزمان من أحدهم مع ربط قيام الدين بهم ، يعني ضياع الإسلام وعدم قيامه في بعض الأزمان وهذا خلاف ما يدل عليه الحديث الشريف بعبارات من قبيل « لا يزال الدين قائما » « لا يزال الإسلام عزيزا » .

من هنا لا يمكن أن يكون مصداق الحديث الشريف أشخاصا متفرقين على طول التأريخ الإسلامي بل يجب أن لا يخلو زمان من واحد منهم . فيكون وجودهم متصلا .

كما أن صفة قيام الدين بهم تؤكد أن المعنى المراد من الخلافة لرسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) هو المعنى الشمولي المتقدم الذي يشمل بالدرجة الأولى الوصاية على الدين الحق وحفظه والدعوة له والهداية إليه ، الأمر الذي يؤهلهم للقيمومة على الأمة والولاية الشرعية عليهم المنتزعة من الولاية النبوية كما في حديث الغدير المشار إليه .

وهذا يستلزم تحليهم بالدرجة العليا من العلم بالدين الحق والعمل على وفقه لكي يكونوا أهلا لحفظه وهداية الخلق إليه ، وهذا ما يشير إليه قوله ( صلّى اللّه عليه وآله ) في وصفه لهم : « كلهم يعمل بالهدى ودين الحق » الوارد في ذيل بعض نصوص هذا الحديث الشريف[28].

وعلى ضوء ما تقدم نفهم الصفة الأخرى التي يذكرها الحديث الشريف لهم وهي أنهم سيعرضون للكثير من أشكال المعاداة والخذلان - ولو لم يكن كثيرا لما استحق الذكر - دون أن يضرهم ذلك ، فهذا العداء والخذلان لن يضرهم بمعنى أنه لا يصدهم عن تحقيق مهمتهم الأساسية بالحفاظ على قيام الدين وعزته رغم كل الصعاب وبقائه محفوظا عندهم في كل الأزمان رغم أن الكيان السياسي للمسلمين تعرض لحقب تأريخية عديدة أصابه فيها الذل والهوان وتولى حكمه فيها أبعد الخلق عن معنى خلافة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) .

هذه هي صفات الخلفاء الأئمة الاثني عشر المستفادة من دلالات الحديث الشريف طبقا لنصوصه المروية في أفضل الكتب المعتمدة عند إخواننا أهل السنة ، فعلى من تنطبق ؟

أئمة العترة هم المصداق الوحيد

الواقع التأريخي يثبت أن المصداق الوحيد الذي تنطبق عليه هم الأئمة الاثنا عشر من عترة النبي الأعظم ( صلّى اللّه عليه وآله ) . وهم يختصون بهذا العدد تأريخيا كما هو معلوم وتنطبق عليهم الأوصاف المستفادة من دلالات الحديث الشريف ، كما سنشير لذلك فيما يلي :

أدلة التطبيق

أولا : انّ الحديث يدل بصورة واضحة على لزوم توفر تلك الأوصاف في هؤلاء الخلفاء الاثني عشر والتي تؤهلهم لكي يكون الدين قائما بهم . بمعنى أن يكونوا جميعا معبرين عن خط واحد ومنهج واحد في الدفاع عن الدين وحفظه وتبليغه - كما فعل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) - ، وقد توفرت هذه الصفات في أئمة العترة النبوية الطاهرة الذين ثبت أن علوم النبي ( صلّى اللّه عليه وآله ) عندهم وثبت عنه وصيته بالتمسك بهم للنجاة من الضلالة كما في حديث الثقلين ، وقد أخذ الكثير من المسلمين - ومنهم أئمة المذاهب الأربعة - علوم الدين منهم كما هو ثابت تأريخيا وثبت في روايات مختلف الفرق الإسلامية لجوء الجميع إليهم وفقرهم إليهم في علوم الدين واستغناؤهم ( عليهم السّلام ) عن الجميع في ذلك[29].

كما أثبتت سيرتهم تفانيهم في الدفاع عن الإسلام ونشر علومه وإغاثة المسلمين عندما هاجمتهم الغزوات الفكرية . واحتجاجاتهم على الملحدين وأرباب الديانات الأخرى مدونة في كتب المسلمين وهي تثبت حقيقة قيام الدين بهم وخلافتهم للرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه وآله ) في ذلك ، وأهليتهم لقيادة المسلمين أيضا كما صرح بذلك الذهبي مثلا حيث قال بأهلية الإمام الحسن والحسين والسجاد والباقر ( عليهم السّلام ) ثم قال : وكذلك جعفر الصادق كبير الشأن من أئمة العلم كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور ، وكان ولده موسى كبير القدر جيد العلم أولى بالخلافة من هارون[30].

ثانيا : إنّ سيرتهم ( عليهم السّلام ) تنسجم مع تصريح الحديث الشريف بتعريض الخلفاء الاثني عشر للمعاداة والخذلان دون أن يضر ذلك في قيامهم بإنجاز مهمتهم الأساسية في حفظ الدين والدفاع عنه كما لاحظنا ذلك في الفقرة السابقة ، ومن المعروف تأريخيا أنهم تعرضوا للأذى والملاحقة الشديدة من قبل السلطات الحاكمة التي لم تأل جهدا لإبادتهم مثل ما جرى في واقعة الطف للحسين ( عليه السّلام ) وأهل بيته وأصحابه وتعريضهم للسجن والاغتيال بالقتل أو السم الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى ضرورة غيبة خاتمهم الإمام الثاني عشر ( عليه السّلام ) ، ولكن كل أشكال التعسّف والقهر والعداء والخذلان لم يثنهم عن حفظ سنّة جدهم ( صلّى اللّه عليه وآله ) وتبليغها حيث حفلت الأحاديث المروية عنهم والمدونة في كتب علماء مدرستهم بكل ما يحتاجه الإنسان في مختلف شؤونه الفردية والاجتماعية[31].

ثالثا : تنطبق عليهم دلالة الحديث على استمرار وجودهم بصورة متصلة ما بين وفاة جدهم ( صلّى اللّه عليه وآله ) وقيام الساعة ، في سلسلة ذهبية لم تؤد إلى قطعها كل حملات العداء والخذلان التي تعرّضوا لها ، وإن أدت إلى غيبة خاتمهم الإمام المهدي ( عليه السّلام ) فاستمر دوره في حفظ الدين وقيامه بذلك من خلف استار الغيبة بأساليب متنوعة أثبتت أن الانتفاع بوجوده متحقق مثلما ينتفع بالشمس إذا غيّبتها السحب عن الأبصار كما ورد في الأحاديث الشريفة[32].

وبذلك يتضح أن عقيدة مدرسة أهل البيت ( عليهم السّلام ) كيف تفسر عدم تناسب طول الفترة الزمنية بين وفاة الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله ) وبين قيام الساعة ، مع تحديد الحديث الشريف لعدد الخلفاء القيمين على الإسلام بإثني عشر رجلا لا أكثر ، يستمر وجودهم متصلا إلى يوم القيامة لأن قيام الدين يكون بهم .

وبذلك يكون الحديث الشريف من الأحاديث المتفق على صحتها بين المسلمين والدالة على وجود الإمام المهدي وغيبته لأنه لا ينطبق على غير الأئمة الاثني عشر من أئمة العترة النبوية الذين أدى خذلانهم إلى غيبة خاتمهم ( عليه السّلام ) .

الاتفاق على أن المهدي خاتم الخلفاء الاثني عشر

يؤيد ذلك موافقة عدد كبير من علماء أهل السنّة لعقيدة أهل البيت ( عليهم السّلام ) في كون المهدي المنتظر هو الخليفة الثاني عشر من الخلفاء الاثني عشر الذين أخبر الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله ) عن خلافتهم الدينية ، أمثال أبي داود في سننه[33] وابن كثير في تفسيره[34] وغيرهم . وصرح بذلك المجمع الفقهي التابع للأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي في جوابه على استفتاء مسلم من كينيا بشأن الإمام الموعود ، حيث ورد في جواب المجمع : « هو [ المهدي الموعود ] آخر الخلفاء الراشدين الاثني عشر الذين أخبر عنهم النبي صلوات اللّه وسلامه عليه في الصحاح . . . »[35].

ولعل مستندهم في ذلك حديث الأمّة الظاهرة القائمة بأمر اللّه الذي يتحدث عن المصداق الذي يتحدث عنه حديث الأئمة الاثني عشر الذي يصرح بأن آخر امراء هذه الأمة الظاهرة هو المهدي الموعود كما سنلاحظ .

3 - حديث الأمة الظاهرة القائمة بأمر اللّه

وهو من الأحاديث المشهورة المروية في الكتب الستة وغيرها من المجاميع الروائية المعتبرة عند إخواننا أهل السنّة من طرق كثيرة فقد رواه مثلا أحمد بن حنبل وحده من سبعة وعشرين طريقا[36].

فقد رواه البخاري في صحيحه بلفظ « لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر اللّه وهم ظاهرون »[37].

ورواه البخاري في تأريخه ومسلم وأبو داود وابن ماجة والترمذي وأحمد بن حنبل والحاكم وغيرهم بلفظ : « لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يأتي أمر اللّه عز وجل »[38].

ورواه البخاري في صحيحه ومسلم وأحمد وابن ماجة بلفظ : « من يرد اللّه به خيرا يفقهه في الدين ولن تزال [ من ] هذه الأمة أمة قائمة على أمر اللّه ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر اللّه وهم ظاهرون على الناس »[39].

ورواه مسلم وأحمد والحاكم وغيرهم عن جابر بن سمرة : « لا يزال هذا الدين قائما تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة »[40]. وفيه أنه ( صلّى اللّه عليه وآله ) قال ذلك في حجة الوداع ، وجابر هو نفسه راوي حديث الأئمة الاثني عشر من قريش .

وفي رواية لمسلم : « لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر اللّه قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك »[41].

وفي رواية لأبي داود وأحمد والحاكم وغيرهم بلفظ : « لا تبرح عصابة من أمتي ظاهرين على الحقّ لا يبالون من خالفهم حتى يخرج المسيح الدجال فيقاتلونه »[42].

وفي رواية للبخاري في تأريخه وأحمد في مسنده ورجاله كلهم ثقات كما قال الكشميري في تصريحه بلفظ : « لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناواهم حتى يأتي أمر اللّه تبارك وتعالى ، وينزل عيسى بن مريم »[43].

وفي رواية لمسلم وأحمد : « لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى بن مريم ( عليه السّلام ) ، فيقول أميرهم : تعال صلّ بنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمير ليكرم اللّه هذه الأمة »[44].

والحديث الشريف جاء في حجة الوداع كما يصرح بذلك جابر بن سمرة فيما رواه عنه مسلم وأحمد والحاكم كما تقدم ، وهذه الحجة هي نفسها التي بلّغ فيها رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) أحاديث الثقلين والغدير والأئمة الاثني عشر ، لذا فهو يأتي في إطار التخطيط النبوي لهداية المسلمين إلى ما يحفظ مسيرتهم بعده أو ما ينقذهم من الضلالة وميتة الجاهلية ، فهو غير بعيد عن أجواء الأحاديث السابقة .

على أن من الواضح للمتدبر في هذا الحديث الشريف وحديث الأئمة الاثني عشر أن كليهما يتحدثان عن مصداق واحد لا أكثر ، كما هو مشهود في اشتراكهما في ذكر صفات تتحدث وتهدي إلى مصداق واحد ، خاصة ما يصرح بربط قيام الدين وحفظه بوجود هذه الأمة الظاهرة القائمة بأمر اللّه في الحديث الثاني وبوجود الأئمة الاثني عشر في الحديث الأول . لأن ذلك يعني امتلاك هذه الجهة للقيمومة على الدين ومرجعيتها في معرفة حقائق الدين الحق وتعريضها بسبب ذلك للمعاداة والخذلان وهذا ما يشترك الحديثان في ذكره وفي التصريح بعدم إضراره في أصل مهمة هذه العصابة وهي الدفاع عن الدين الحق وحفظه .

ويؤكد حديث الأمة الظاهرة صراحة - فيما تقدم من نصوصه - ما دل عليه حديث الأئمة الاثني عشر ضمنيا من استمرار وجود هؤلاء الأئمة إلى يوم القيامة وكذلك من أن مهمتهم الأساسية خلافة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) في الدفاع عن الدين الحق وحفظه دون أن يؤثر في إنجاز أصل هذه المهمة استلامهم الفعلي للحكم أو عدم استلامه وإن كانوا هم الأجدر بذلك .

كما أنه يصرح بأن خاتم أمراء هذه الأمة الظاهرة هو الإمام المهدي الموعود - كما دل على ذلك ضمنيا حديث الأئمة الاثني عشر - ، فهو يصرح باستمرار وجودها إلى نزول عيسى ( عليه السّلام ) ومناصرته لأميرها وصلاته خلفه وهذه الحادثة ترتبط بالإمام المهدي - عجل اللّه فرجه - باتفاق المسلمين .

ويصرح حديث الأمة الظاهرة بلزوم أن يكون هؤلاء الأئمة الإثنا عشر أئمة حق قائمين بأمر اللّه كما تصرح بذلك النصوص المتقدمة ، فهم يمثلون خطا واحدا منسجما في خلافة رسول اللّه الحقيقيّة والوصاية والوصاية على شريعته ، خطّا متصلا دون انقطاع إلى يوم القيامة ، وهذا ما لا ينسجم بحال من الأحوال مع تأريخ خلفاء الدولة الاسلامية الذين حكموها فعلا . لذلك فإنّ جميع الذين غفلوا عن هذه الدلالات في الحديثين المتقدمين وسعوا للعثور على مصاديق الأئمة الاثني عشر في الذين وصلوا للحكم بعد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) بأي طريقة كانت ، تاهوا في متاهات غريبة ولم يستطيعوا تقديم مصداق معقول ينسجم مع دلالات هذه الأحاديث الشريفة ولا مع الواقع التأريخي . فتعددت آراؤهم وعمدوا إلى تأويلات باردة لما صرحت به الأحاديث الشريفة الأمر الذي يتعارض بالكامل مع هدف الرسول الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله ) من إخبار المسلمين بهؤلاء القائمين بأمر اللّه وهو الهداية إليهم وإرجاعهم ودعوتهم للتمسك بهم .

فأي انسجام في الخط والمنهج وتمثيل الدين الحق والصدق في التعبير عن خلافة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) بين الإمام علي ( عليه السّلام ) ومعاوية ، أو بين الإمام الحسين ( عليه السّلام ) ويزيد بن معاوية لكي يعتبروهم جميعا من هؤلاء من الخلفاء الاثني عشر الذين يقوم بهم الدين ؟ ! وكيف يمكن القول بأن أمثال يزيد بن معاوية أو الوليد بن عبد الملك يمكن أن يصدق عليهم الوصف النبوي للأمة الظاهرة والأئمة الاثني عشر بأنهم على الحق وقائمين بأمر اللّه وخلفاء رسوله وكيف ذاك وسيرتهم شاهدة بأنهم أبعد الناس عن العلم بالدين وممثلي نهج رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) .

هذا بعض ما يقال بشأن المصاديق التي عرضها للأئمة الاثني عشر العلماء الذين راعوا دلالة الأحاديث على اتصال سلسلة هؤلاء الأئمة وأغفلوا عدم انطباق الصفات الأخرى عليهم كما لاحظنا . يضاف إلى ذلك إغفالهم لتصريح الأحاديث باستمرار وجود هؤلاء الأئمة إلى يوم القيامة ؛ إذ إنّ المصاديق التي عرضوها تنتهي بانتهاء العصر الأموي[45]!

أما الذين سعوا لمراعاة الصفات الأخرى فيمن حكموا المسلمين فقد أغفلوا دلالة الحديث على استمرار وجودهم دون انقطاع إذ تركوا الخلفاء الذين أعقبوا معاوية إلى عمر بن عبد العزيز ليجعلوه خامس أو سادس الاثني عشر وتركوا ما بعده إلى هذا أو ذاك من الخلفاء العباسيين ممن رأوهم أقرب إلى الصفات التي يذكرها الحديث ورغم ذلك لم يكتمل العدد حتى قال السيوطي بأن المتبقي اثنان منتظران أحدهما المهدي الموعود والثاني لم يعرفه هو ولا غيره[46]! !

وما كانوا بحاجة إلى كل هذه التأويلات الباردة والمتاهات المحيرة لو تدبروا بموضوعية في تلك الأحاديث الشريفة واستندوا إلى مدلولاتها الواضحة التي تنطبق بالكامل على الأئمة الاثني عشر من عترة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وعلى القول بعدم انقطاع سلسلتهم إلى يوم القيامة في ظل القول بوجود الإمام الثاني عشر المهدي الموعود ( عليه السّلام ) وغيبته وقيامه حتى في ظل غيبته عن الأبصار بمهام حفظ الدين ولو بأساليب خفية لكنها كاملة في إتمام حجة اللّه على خلقه كما دلت على ذلك الأحاديث المتقدمة وتدل عليه أيضا الأحاديث اللاحقة .

4 - أحاديث عدم خلو الزمان من الإمام القرشي المنقذ من الميتة الجاهلية

وهي أيضا من الأحاديث الشريفة المروية من طريق الفريقين ، نختار منها المروي في الكتب المعتبرة عند أهل السنة ، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما وأحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم بأسانيدهم عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) أنّه قال : « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان »[47].

وروى البخاري في تأريخه وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وابن أبي شيبة في مسنده والطيالسي في مسنده وأبو يعلى والطبراني والبزار والهيثمي وغيرهم بألفاظ متقاربة وأسانيد عديدة عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) أنّه قال واللفظ للطيالسي : « من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية ، ومن نزع يدا من طاعة جاء يوم القيامة لا حجة له »[48].

وعلق ابن حبان على الحديث موضحا معناه بقوله : قال أبو حاتم :

قوله ( صلّى اللّه عليه وآله ) : « مات ميتة الجاهلية » معناه : من مات ولم يعتقد أن له إماما يدعو الناس إلى طاعة اللّه حتى يكون قوام الإسلام به عند الحوادث والنوازل ، مقتنعا في الانقياد على من ليس نعته ما وصفنا مات ميتة جاهلية[49] .

معنى « الأمر » في الكتاب والسنة

إنّ الحديث الأول قد صرّح ببقاء « الأمر » في قريش ما بقي البشر على الأرض فلا تخلو الأرض من قرشي يكون له « الأمر » ، فما هو المقصود من « الأمر » هنا ؟ ! وهل يمكن تفسيره بالاستلام الفعلي للحكم الظاهري للمسلمين ؟ !

الجواب : أنّ الواقع التأريخي ينفي هذا التفسير ، وعلى الأقل منذ سقوط الخلافة العباسية إلى اليوم لم يكن حكم المسلمين لقرشي كما هو معلوم ، لذا لا يمكن تفسير « الأمر » بغير القول بمعنى الخلافة العامة لرسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) في الوصاية على الدين وحفظه والدفاع عنه وهداية الخلق إليه ، الأمر الذي يؤهل صاحبه لقيادة المسلمين والحكم الظاهري ، فالأمر هنا هو من نوع « الأمر » الوارد في سورة النساء في آية الطاعة ، وهي قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[50]، وهي الآية الدالة على عصمة اولي الأمر لاشتراكهم في الأمر بالطاعة مع الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله ) ولأن : « اللّه تعالى أمر بطاعة اولي الأمر على سبيل الجزم والقطع في هذه الآية ، ومن أمر بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوما عن الخطأ . . . كما قال الفخر الرازي في تفسيره[51].

فلا بد أن يكون في زماننا الحاضر أيضا قرشي يكون له « الأمر » هذا ويقوم به الدين ويتحلى بالعصمة ويخلف رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) في مهمة حفظ الدين والهداية إليه إذ لا يخلو زمان من مصداق لذلك كما ينص الحديث الشريف المتقدم ، وحيث إنه لا يوجد إمام ظاهر يدعي ذلك فلا بد من القول بوجوده واستتاره وغيبته وقيامه بمهمة حفظ الدين تصديقا للحديث الشريف وهذه هي عقيدة أهل البيت ( عليهم السّلام ) في المهدي وغيبته .

يضاف إلى ذلك أن أحاديث الخلفاء الاثني عشر قد حصرت عدد خلفاء الرسول بهذا المعنى إلى يوم القيامة باثني عشر ، وقد اتضحت دلالتها على وجود الإمام المهدي وغيبته ، لذلك يكون حديث عدم خلو الزمان من الإمام القرشي مؤكدا لهذه الدلالة .

والدلالة نفسها يمكن التوصل إليها من أحاديث وجوب معرفة إمام الزمان واتباعه والتي تقدم نموذج لها ، حيث تنص على أن لا حجة يوم القيامة لمن عمي عن معرفته وخرج عن طاعته كما رأينا ، لذا فلا مناص من القول بحتمية وجوده وإمكانية التعرف عليه والتمسك بعرى طاعته وإلا لما كان للاحتجاج الإلهي على الغافلين عن معرفته وطاعته معنى ، إذ كيف يكون الاحتجاج بمن لا وجود له .

وحيث إن أمر الطاعة له مطلق فهو دال على عصمته ويؤكده صدر الحديث على أن عدم معرفته والتمسك به يقود إلى ميتة الجاهلية ، وأن طاعته واجبة لأنه يدعو إلى طاعة اللّه وبه يكون قوام الإسلام كما صرح بذلك ابن حبان فيما نقله عن أبي حاتم من دلالة الحديث الواضحة ، ولذلك صرح أبو حاتم بأن طاعة غيره ممن لم يتصف بهذه الصفات تؤدي إلى ميتة الجاهلية .

وهذا هو المستفاد من الحديث الأول فالدلالة مشتركة وتكون المحصلة :

حتمية وجود إمام معصوم قرشي يكون الإسلام به قائما يدعو إلى طاعة اللّه ويكون له الأمر ويتحمل مسؤولية حفظ الدين الحق ، وحيث إنّ مثل هذا الإمام غير ظاهر فلا بد من القول بغيبته وقيامه بهذه المهام من خلف أستار الغيبة إلى حين زوال الأسباب التي أدت إلى غيبته فيظهر حينئذ ليقيم الدولة العادلة على أساس قيم الدين الذي حفظه .

ولا يمكن القول بتعدد الغائبين لأن أحاديث الأئمة الاثني عشر حصرت عدد خلفاء الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله ) بهذا العدد وثبت أن المصداق الوحيد الذي تنطبق عليه الشروط المستفادة من دلالات هذه الأحاديث هم أئمة أهل البيت النبوي ، وقد ثبتت وفاة الأئمة الأحد عشر ولم يبق إلا خاتمهم المهدي الموعود[52] فلا بد من القول باستمرار وجوده إلى يوم القيامة استنادا إلى الأحاديث المتقدمة ، ولأن الصحيح من الأقوال هو أن الأرض لا تخلو من حجة كما يقول ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري : وفي صلاة عيسى ( عليه السّلام ) خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال : « ان الأرض لا تخلو من قائم للّه بحجة . » ، واللّه أعلم[53] « 1 » .

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن الدلالات المستفادة من هذه الأحاديث الشريفة على وجود المهدي الإمامي وغيبته هي دلالات واضحة إلا أن مما أثار بعض الغموض عليها وأوجد الحاجة إلى الاستدلال عليها والتحليل المفصل لها هو السكوت عنها والتعتيم عليها أو محاولات تأويلها وصرفها عن المصداق الحقيقي بسبب طغيان الخلافات السياسية التي شهدها العالم الإسلامي وانعكاساتها على الأمور العقائدية وهو السبب نفسه الذي أدى إلى إحجام بعض المحدثين عن نقل وتدوين طائفة أخرى من الأحاديث التي صحت عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) والتي صرحت بما أشارت إليه هذه الأحاديث وشخصت مصاديقها ، لأن المصالح السياسية للحكام الأمويين والعباسيين منعت من اشتهار مثل هذه الأحاديث ومنعت من انتشار الكتب التي تنقلها .

كما هو واضح لمن راجع التأريخ الإسلامي .

 

[1] الصواعق المحرقة : 150 من الطبعة المصرية وقد صرح ابن حجر بتواتره .

[2] سنن الترمذي : 5 / 621 - 622 - مناقب أهل بيت النبي باب 32 .

[3] أهل البيت في المكتبة العربية للسيد عبد العزيز الطباطبائي : 277 - 279 .

[4] أصدرت دار التقريب الإسلامية في مصر رسالة مفصلة ألفها أحد أعضاء الدار عن هذا الحديث استوفى فيها أسانيد الحديث في الكتب المعتمدة عند أهل السنة .

[5] الصواعق المحرقة لابن حجر : 148 ، أهل البيت في المكتبة العربية : 279 .

[6] صحيح البخاري : 1 / 37 ، 4 / 31 ، 4 / 65 - 66 ، 5 / 137 ، 7 / 9 ، 8 / 161 من طبعة دار الفكر المصورة عن طبعة استانبول وفي جميعها وردت عبارة « لن تضلوا بعدي » في الحكاية عن مضمون الكتاب الذي أراد كتابته .

[7] راجع تلخيص وتعريب السيد علي الميلاني للجزء الخاص بطرق حديث الثقلين من موسوعة عبقات الأنوار وقد طبع هذا التلخيص مرتين . الأولى في مجلدين والثانية في ثلاث مجلدات .

[8] صحيح مسلم : 4 / 1873 .

[9] سنن الترمذي : 5 / 662 .

[10] المستدرك على الصحيحين : 3 / 109 .

[11] الصواعق المحرقة : 150 ، الفصل الأول / الآيات الواردة فيهم .

[12] راجع رسالة الثقلين الصادرة عن دار التقريب الإسلامية في مصر : 18 وراجع مناقشة السيد محمد تقي الحكيم لإعتبار هذه الرواية ضمن حديثه عن دلالات حديث الثقلين في فصل السنة من كتابه الأصول العامة للفقه المقارن .

[13] الصواعق المحرقة : 150 .

[14] راجع مثلا كتاب « حديث الثقلين » ، تواتره ، فقهه » للسيد علي الميلاني .

[15] المصباح المنير للفيومي : 391 ، مادة العترة .

[16] صحيح مسلم : 2 / 362 .

[17] مسند أحمد بن حنبل : 3 / 259 .

[18] راجع مثلا صحيح مسلم : 7 / 130 ، وما رواه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط البخاري في : 3 / 146 ، والدر المنثور للسيوطي : 5 / 198 .

[19] راجع البحث القرآني الذي أورده العلامة الطباطبائي ( رحمه اللّه ) في تفسير الميزان ، في تفسير الآية الكريمة ودلالاتها .

[20] الصواعق المحرقة : 151 .

[21] راجع تراجمهم - سلام اللّه عليهم - فيما كتبه علماء الرجال من أهل السنة ، وقد ألف العديد منهم كتبا خاصة بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السّلام ، أمثال ابن طولون الدمشقي وغيره .

[22] الصواعق المحرقة : 151 .

[23] راجع كتابه : منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر .

[24] راجع هذه النصوص والتعريف بمصادرها في كتاب منتخب الأثر ومعجم أحاديث الإمام المهدي ( عليه السّلام ) : 2 / 255 - 265 ، وكذلك كتاب أحاديث المهدي في مسند أحمد بن حنبل .

[25] عن دلالات حديث الغدير وتواتره وطرقه راجع موسوعة الغدير للعلامة الأميني ( رحمه اللّه ) ، والجزء الخاص به من عبقات الأنوار وغيرها .

[26] راجع في ذلك معجم أحاديث الإمام المهدي ، 1 : 16 - 38 .

[27] مسند أحمد : 1 / 398 ، المعجم الكبير للطبراني : 10 / 195 ، المستدرك للحاكم : 4 / 501 .

[28] فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني : 3 / 184 ، باب الاستخلاف .

[29] راجع مثلا « الإمام الصادق والمذاهب الأربعة » للشيخ أسد حيدر ، وما ورد بشأنهم في تاريخ دمشق لابن عساكر وفي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي والصواعق المحرقة لابن حجر وسير أعلام النبلاء للذهبي ووفيات الأعيان لابن خلكان وغيرها . وسائر من ترجم لهم ( عليهم السّلام ) من مختلف الفرق الإسلامية .

[30] سير أعلام النبلاء : 13 / 120 وراجع ما جمعه الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج تجد نماذج كثيرة لدفاعهم عن الإسلام بوجه الأفكار الدخلية .

[31] جمعت هذه الأحاديث الشريفة في موسوعات ضخمة مثل بحار الأنوار للعلّامة المجلسي ووسائل الشيعة للحر العاملي .

[32] مثل إصداره « التوقيعات » وهي الرسائل التي كان ( عليه السّلام ) يبعثها للمؤمنين ويجيب فيها عن أسئلتهم الدينية المختلفة وقد دونت كتب الغيبة عددا كبيرا منها ، تجدها في كتاب « كلمة الإمام المهدي » والصحيفة المهدوية وغيرها .

[33] راجع ما نقله الشيخ عبد المحسن العباد في بحثه ( عقيدة أهل السنّة والأثر في المهدي المنتظر ) المطبوع في مجلة الجامعة الاسلامية العدد الثالث ، السنة الأولى ، ذو القعدة 1388 ه .

[34] تفسير القرآن العظيم : 2 / 34 في تفسير الآية 12 من سورة المائدة .

[35] راجع النسخة المصوّرة لفتوى رابطة العالم الاسلامي ، المجمع الفقهي المنشورة في كتاب أحاديث المهدي من مسند أحمد بن حنبل : 162 - 166 .

[36] راجع كتاب « أحاديث المهدي ( عليه السّلام ) من مسند أحمد بن حنبل » ، اعداد السيد محمد جواد الجلالي : 68 - 76 .

[37] صحيح البخاري : 4 / 252 .

[38] تاريخ البخاري : 4 / 12 حديث 1797 ، صحيح مسلم : 3 / 1523 ، حديث 1920 ، وسنن أبي داود : 4 / 97 ، حديث 4202 وابن ماجة : 1 / 5 باب 1 حديث 10 ، والترمذي : 4 / 504 حديث 2229 وأحمد بن حنبل في مسنده : 2 / 321 .

[39] صحيح البخاري : 9 / 167 ، وصحيح مسلم : 3 / 1524 حديث 1037 ، ومسند أحمد : 4 / 101 ، وابن ماجة : 1 / 5 باب 1 حديث 7 .

[40] صحيح مسلم : 1524 حديث 1922 ، مسند أحمد : 5 / 92 ، 94 ، ومستدرك الحاكم : 4 / 449 .

[41] صحيح مسلم : 3 / 1524 ، 1525 باب 53 ، حديث 1924 .

[42] مسند أحمد : 4 / 434 ، سنن أبي داود : 3 / 4 ، حديث 2484 ، ومستدرك الحاكم : 2 / 71 .

[43] تاريخ البخاري : 5 / 451 حديث 1468 ، مسند أحمد : 4 / 429

[44] معجم أحاديث الإمام المهدي : 1 / 51 - 68 ، وقد ذكر لكل حديث الكثير من المصادر من المجاميع الروائية المعتبرة عند أهل السنة وقد اخترنا بعضها من المتن والبعض الآخر من الهوامش .

[45] وهذا أضعف الآراء وأبعدها عن دلالات الحديث الشريف ورغم ذلك رجحه ابن باز في تعليقه على محاضرة الشيخ عبد المحسن العباد عن المهدي الموعود ، راجع مجلة الجامعة الاسلامية العدد الثالث ، السنة الأولى ، ذو القعدة 1388 ه .

[46] وهذا من أطرف الآراء ، راجع أضواء على السنة المحمدية للشيخ محمود أبو ريّة : 212 ، وراجع أيضا في مناقشة هذه الآراء ما ذكره الشيخ لطف اللّه الصافي في كتابه منتخب الأثر : في الهامش ، ودلائل الصدق للشيخ محمد حسن المظفر ، 2 : 315 وما بعدها ، وما أورده الحكيم صدر الدين الشيرازي في شرح أصول الكافي : 463 - 470 من الطبعة الحجرية .

[47] صحيح البخاري : 9 / 78 ، صحيح مسلم : 3 / 1452 ، مسند أحمد : 2 / 29 ، 2 / 93 بطريق آخر .

[48] تاريخ البخاري : 6 / 445 ، مسند أحمد : 3 / 466 ، صحيح ابن حبان : 7 / 49 ، مسند الطيالسي : 1259 الحديث رقم 1913 مسند ابن أبي شيبة : 15 / 38 ، المعجم الكبير للطبراني : 10 / 350 ، مجمع الزوائد : 2 / 252 ، عن أبي يعلى والبزار والطبراني .

[49] صحيح ابن حبان : 7 / 49 .

[50] النساء ( 4 ) : 59 .

[51] التفسير الكبير : 10 / 144 ، وراجع البحث المفصل الذي أورده العلّامة الطباطبائي في تفسير هذه الآية الكريمة ودلالاتها في تفسير الميزان : 4 / 387 - 401 .

[52] يلاحظ هنا أن كل المؤرخين من مختلف المذاهب الإسلامية الذين ترجموا للأئمة الاثني عشر من أهل البيت ( عليهم السّلام ) ذكروا تواريخ وفيات الأئمة الأحد عشر باستثناء المهدي بن الحسن العسكري فقد ذكروا تأريخ ولادته فقط . وهذا الأمر يصدق حتى على الذين لم يقولوا بأنه هو المهدي الموعود المبشر به في صحاح الأحاديث النبوية .

[53] فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني : 6 / 385 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.