في أواخر القرن السادس الهجري، كانت آسيا الشرقية وسواحل المحيط الهندي أي مملكتا كوريا والصين الأصلية مقسمة بين أسرتين ملكيتين إحداهما أسرة ملوك كين الذين كانوا يتزعمون طائفة من شعوب منتشو الصفراء وحكموا (الخطا) أي الصين الشمالية، وهم بالنسبة لأهل الصين قوم غرباء. وكانت عاصمة هذه الأسرة الملكية مدينة بكين تارة ومدينة كايفونج على ضفتي النهر الأصفر (هوانجهو) تارة أخرى. وكانت الأسرة الملكية الأخرى هي أسرة سونج التي كانت من الصينيين الأصليين وحكمت الصين الجنوبية وكانت عاصمة هذه الأسرة مدينة هانج تشيو (على سواحل المحيط إلى الجنوب من شنغهاي). كانت المناطق الواقعة تحت سيطرة هاتين الأسرتين تحيط بها من الشمال والغرب منازل عشائر شتى من الترك والمغول؛ فكان هؤلاء القوم يسكنون كل آسيا الوسطى والشمالية كما سبقت الإشارة.

كان المغول عشائر كثيرة العدد، وكانوا من الكثرة بحيث أصبح هناك فارق كبير بينهم نظراً

لكثرة بطونهم واتساع رقعة أراضيهم. وأهم عشائرهم على النحو التالي:

1- قبيلة التتار وقُنقرات، وكان موطنهم يحده من الشمال نهرا أرقون وسلنجا ومملكة شعب القرغيز، ومن الشرق مملكة الخطا (الصين الشمالية)، ومن الغرب مملكة الأويغور، ومن الجنوب التبت ومملكة التنجغوت. وكانت هاتان القبيلتان من أكثر قبائل آسيا الشمالية الصفراء وحشية ولم يكن لهم شأن كبير وكانوا غالباً ضمن أتباع أباطرة كين ويدفعون الجزية لهم. وكان لباسهم من جلود الكلاب والجرذان وطعامهم لحمها. ومع أنهم لم يكن لهم شأن كبير فمن الغريب أن اسمهم أطلق على كل العشائر الصفراء التي دانت لحكم جنكيز خان، وأصبح جيش جنكيز وأتباعه ورفاقه يعرفون جميعاً باسم (التتار). وكان هذا اسمهم العام في الفترة الأولى من الغزو المغولي، ثم صار اسم (المغول)، علماً عليهم أيضاً فيما بعد.

2- عشيرة قيات الصغيرة التي تعرف باسم، بورجقين وهي العشيرة التي أنجبت جنكيز خان. وموطنهم ما بين نهري أنن وكيرولين وسفوح جبال قرا قروم (1) (يابلونوي الحالية).

3- قبائل أويرات وآرلاد وجلاير بين نهر أنن وبحيرة بايكال.

4- عشيرة كرائيت وموطنها الواحات الشرقية الداخلة في صحراء جوبي وجنوب بحيرة بايكال وحتى سور الصين.

وفي غضون قرنين، أصبحت هذه العشائر أقوى شعوب منغوليا وسيطرت على معظم الطوائف المحيطة بها، ومنذ سنة 398هـ وبعد اعتناق ملكها للديانة المسيحية دخلت هذه العشائر في المسيحية؛ لذا فقد اشتهرت في أوربا في ذلك الوقت وانتشرت فيها الأساطير عن هذه العشائر وعن ملكها.

5- قبيلة نايمان وهي من قبائل الترك، وموطنها الحوض الأعلى لنهر أُرخُن وسفوح جبال آلتاي وبحيراتها؛ وقد اعتنقت المسيحية كما فعلت قبيلة كرائيت، إلا أنها لم تكن على وفاق مع تلك القبيلة وكان بينهما صراع مستمر.

6- الترك الأويغور الذين كانوا يؤمنون بالديانة المانوية، وكانوا أكثر تحضراً من سائر قبائل الترك والمغول بصفة عامة. وكان موطنهم شمال شرق تركستان الشرقية الحالية وشمال بحيرة لب نور ونهر تأريم، أي مدن تورفان وبيش باليغ (جوتشن الحالية) وبرقول وقره شهر.

7- أتراك القرلُق وتقع مملكتهم إلى الجنوب من مملكة الأويغور وتشمل الحوض الأدنى لنهر تأريم. وهم الطائفة نفسها التي تعرف عند الشعراء باسم خلخ، حيث اشتهروا باعتدال القوام وحسن الصورة.

8- الأتراك القراخطائيون وكانت لهم دولة كبيرة بين مملكة الخوارز مشاهيين ومواطن المغول الشرقيين إبان الاجتياح المغولي، وكانوا يفرضون الجزية على أتراك القرلق والأويغور. وربما نكون قد طالعنا قصة تأسيس دولة القراخطائيين وحروبهم مع ملوك إيران خاصةً السلطان سنجر ضمن تواريخ الأسر السابقة، ومع ذلك سنتحدث بإيجاز عنهم. كان الحد الفاصل بين مملكة القراخطائيين وممتلكات الخوارز مشاهيين من ناحية شرق نهر سيحون. وكانت شعوب المغول والترك تنقسم إلى قبائل متعددة، ولكن مع ظهور جنكيز خان وفيما عدا من خضع منهم لأباطرة أسرة كين خضعت بقيتهم من ناحية الشرق الحكم ملك قبيلة كرائيت، وخضع من سكن منهم في غرب منغوليا لحكم جورخان الخطائي. أدى ظهور نجم جنكيز وأبيه إلى تحرير قبيلة قيات الصغرى من استعباد أباطرة الخطا؛ ثم إلى زوال دولتي الكراثيت والقراخطائيين وإخضاع كل قبائل المغول والترك لحكومة واحدة والاستعانة بهم في اجتياح الممالك المتحضرة في شرق منغوليا وغربها.

....................................................



1- لا ينبغي الخلط بين هذه السلسلة الجبلية والسلسلة التي تعرف حالياً باسم قرا قروم والتي تقع في جنوب تركستان الشرقية وشمال كشمير.