أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-10-2016
1208
التاريخ: 2023-07-24
1062
التاريخ: 13-1-2017
1369
التاريخ: 13-1-2017
2272
|
قدم الآشوريون إلى وادي الرافدين في الألف الثالث قبل الميلاد من قلب الجزيرة العربية، واستوطنوا المنطقة الواقعة على جانبي نهر دجلة شمالي نهر «الهضيم»، واتخذوا لأنفسهم مدينة سموها باسم إلههم «آشور»، وبنوها بالحجارة الضخمة، وهي معروفة اليوم باسم
«شرقاط»، وقد شادوا حولها عددًا من المدن والقلاع وأشهرها «كالح» و«نينوى». وينقسم تاريخهم إلى قسمين: الأول: هو العهد الذي سبق تاريخهم لتأسيس الإمبراطورية.
والثاني: هو العهد الإمبراطوري.
أما العهد الأول، فيمتاز بأنهم أخذوا يهيئون أنفسهم تهيئة عسكرية قوية يستطيعون بها التغلب على خصومهم «الحثيين» الذين كانوا يقطنون في شماليهم، والميتانيين الذين كانوا يقطنون في غربيهم، و«الأكديين» و«العموريين» الذين كانوا يسكنون في شرقيهم، وقد نبغ منهم في هذا العهد جمهرة من الأمراء، أشهرهم «شلم نصر الأول» الذي نظم صفوفهم، وأفاد من الحضارة السومرية فوائد كثيرة؛ فجعل شعبه شعبًا قويا، واستطاع أن يستولي على بابل وما حولها من أملاك السومريين، كما استطاع أن يتغلب على الأكديين حتى لقب نفسه «ملك سومر وأكد». ثم خلفه الملك «تكلات بيلاسر الأول»، وقد بلغت الدولة في عهده مبلغًا ساميًا في القوة والرقي، والتمهيد للعهد الإمبراطوري، ولكن ما عتم أن مات حتى خلفه ملوك ضعفاء، وتوقفت حملات الفتح، ودبَّ الانحلال إلى الدولة، واستطاع خصومها من «الآراميين» أن يستولوا على بعض أجزائها، إلى أن ظهر الملك «شلم نصر الثالث» الذي جدد عهد سَمِيّه الأول، فقام بعدة حملات مُوفّقة جعلته الأمر المطاع في كل آسيا الغربية، من حدود فارس حتى أرمينية حتى البحر الأبيض المتوسط ، وقد دون فتوحاته في المسلة الخالدة التي نصبها في عاصمته «كالح » المعروفة اليوم باسم مدينة «نمرود»، وقد سجل على هذه المسلة أسماء الملوك الذين أخضعهم، وأخذ منهم الجزية. ثم خلفه الملك «تكلات بيلاسر الثالث»، وكان كسَمِيه الأول؛ محاربًا قويًّا وفاتحًا موفّقا، وقد توصلت الدولة في عهده إلى أسمى درجات المجد، وبلغت فتوحه إلى دمشق وفلسطين وسائر أجزاء الهلال الخصيب والمشرق وغيرهما من العالم المتمدن القديم.
وأما العهد الثاني، فيبدأ بـ بعهد الملك «سرجون الثاني» المعروف بلقب «شيروكين»؛ أي الملك الصالح، وقد ارتقى عرش الدولة في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد، وظل فيه سبعة عشر عاما (722-705) قبل الميلاد أخضع فيها بلاد بابل إخضاعا كليا، كما استولى على مملكة إسرائيل في فلسطين، واستولى على عاصمتها مدينة السامرة. ولم يستقر «سرجون» في عاصمة واحدة؛ فاتخذ مدينة «آشور، عاصمة له، ثم انتقل إلى «كالح» ثم إلى «نينوى»، ثم بنى مدينة جديدة سماها «دور شيروكين» أي مدينة الملك الصالح شمالي مدينة نينوى، وقد تفنّن في بنائها على شكل مربع ضلعه ألفا ياردة، وجعل لها سورًا ذا أبراج عالية تُنيف على المائة والخمسين وجعل لها ثمانية أبواب كبرى، كل باب يحمل اسما من أسماء الآلهة الآشورية، وزيَّن جوانب الأبواب بصور ثيران مجنحة ذات رءوس بشرية، وجعل شوارع مدينته مستقيمة واسعة وشيَّد في وسطها قصره الفخم العظيم، وبجواره ثلاثة معابد صغيرة، وصرح مدرج «زقوره»، ولكنه لم يتمتع بذلك طويلا، إذ اغتيل بعد سنتين، فخلفه ابنه «سنحاريب»، وكان فتى عسكريا صارمًا عاقلا، وأول عمل قام به هو عودته إلى «نينوى» العاصمة القديمة إرضاء لرجال الدين الذين نقموا على أبيه لانتقاله عنهم، وما استقر في نينوى حتى أخذ يرتب أموره، وينظم شئون الدولة، ويعمر المدينة، ويبني لنفسه قصرًا ضخمًا زيَّنه بكثير من النقوش والتماثيل الجليلة التي نقلها من مدينة أبيه «دور شيروكين»، كما شاد كثيرًا من الأمكنة العامة التي جعلت عاصمته زينة مدن الدنيا في عهده، ولكنه لم يتمتع بالأمن والسكينة طويلًا؛ إذ فُوجئ بقيام الثائر «مردوخ بلادان» عليه وإعلان الثورة في بابل، فخرج سنحاريب لمحاربته، واحتل بابل، ولاحق مردوخ الذي التجأ إلى إقليم الأهوار حتى قضى عليه، ثم قضى على الفتن التي قامت في الأقاليم الخاضعة لسلطانه في بلاد قليقية، وفينيقية، وسوريا، وفلسطين، وكان سنحاريب شديد العنف والقسوة في أعماله الحربية وبخاصة في حرب بابل ويهودا بفلسطين، فقد لاقى أهل هذين البلدين منه ظلما شديدًا. ولما هلك خلفه ابنه «أسر حدون» وكان سياسيًا حكيمًا، فاتبع طريقة الحكمة واللطف والسياسة، وأعاد بناء بابل، ونظم البلاد تنظيمًا عمرانيا حسنًا، حتى استقرت الأوضاع العامة في عهده استقرارًا جعله يفكّر في توسيع ملكه، وفتح ديار مصر التي تنافسه في فينيقية وسوريا وفلسطين، فسار يريد الاستيلاء عليها، ومرَّ بطريقه على صيدا التي أعلنت ثورتها عليه فدمرها، ثم سار نحو مصر في سنة 674 قبل الميلاد، ولكنه لم يُوفَّق في حملته هذه؛ فرجع وأخذ يهيّئ نفسه لحملات أكبر، وظل ثلاث سنوات يهيئ نفسه وجيشه، وسار إليها في سنة 671 قبل الميلاد، فدخل أرض مصر، واستولى على عاصمتها «منفيس»، وألحق الدولة المصرية بالإمبراطورية الآشورية.ولما مات خلفه ابنه «آشور بأنيبال» العظيم الذي وطّد أقدام الإمبراطورية، وأخمد ثورات المصريين وأعاد جميع بلادهم إلى سلطته بعد أن قل نفوذه في بعض بلادهم، واستولى على مصر من الدلتا إلى أعالي النيل، واحتل مدينتي «طيبة» و«الأقصر» في الجنوب، وغنم غنائم كثيرة، ثم رجع إلى مصر الشمالية ورحل إلى بلاده بعد أن أقام في مصر جيشا كبيرًا، ولكن تكاليف هذا الجيش الضخم والثورات العديدة التي كانت تقوم في أنحاء الإمبراطورية الواسعة أضعفت مركزه؛ فأخذت الدولة تتقلص، وكان لحملات «الماديين» في الشرق، و«الكلدانيين» في الغرب أثر قوي في ضعضعة الإمبراطورية وانكسارها. وقد استطاع ملك الكلدانيين «بنو يولاسر» في سنة 612 قبل الميلاد أن يستولي على نينوى، ويقضي على الإمبراطورية الآشورية العظمى. إن الآشوريين خلفوا من ورائهم حضارة جليلة لا تقل عن أخواتها السابقات اللواتي قُمْنَ في وادي الرافدين، وقد كان لملوك هذه الدولة وبخاصة «آشور بأنيبال» أثر قوي في نشر روح العلم وإحياء العرفان لما كان يتمتع به من حب الأدب والمعرفة، وقد جمع في قصره كثيرًا من الآثار الأدبية والكتب العلمية المختلفة، وقد عثر النقابون في سنة 1853م في حضائر قصره الفخم الذي شيده في نينوى على خزانة كتبه المملوءة بالسجلات والوثائق والبحوث العلمية والأدبية المدونة على رقم الطين، والتي يبلغ عددها عشرات الآلاف، كما عثروا على كثير من المنحوتات والتماثيل الفنية الرائعة ، وأواني الزينة والتجميل والحلي البديعة. قال البروفسور ديورانت في الفصل النفيس الذي عقده في كتابه قصة الحضارة عن مكتبة آشور بأنيبال: أهم ما يُخلد ذكر آشور في تاريخ الحضارة هو مكتباتها؛ فقد كانت مكتبة آشور بأنيبال تحتوي على ثلاثين ألف لوحة من الطين مصنفة ومفهرسة، وعلى كل واحدة منها رقعة يسهل الاستدلال بها عليها، وكان على كثير منها تلك العبارة التي كانت من شارات الملك الخاصة: «فَلْيحل غضبُ آشور وبليت. على كُلِّ مَن ينقل هذا اللوح من مكانه ... وَلْيَمْحُوا اسمه واسم أبنائه من على ظهر الأرض. وكثير من هذه الألواح منسوخة من أخرى أقدم منها لم يُبين تاريخها، وتكشف أعمال الحفر في كل يوم. وقد أعلن آشور بأنيبال أنه أنشأ مكتبة ليمنع الآداب البابلية أن يجر عليها النسيان ذيله، ولكن الألواح التي يصح أن تُسمى الآن أدبا لا تتجاوز عددا قليلا منها، أما معظمها فسجلات رسمية وأرصاد يُقصد بها التنجيم والفأل والطَّيرة والتنبؤ بالمستقبل، ووصفات طبية، وتقارير ورقى سحرية، وترانيم وصلوات، وأنساب الملوك والآلهة، وأقل هذه الألواح مدعاة إلى الملل لوحان يعترف فيهما آشور بأنيبال بحب الكتب والمعرفة، وهو اعتراف يزري به في أعين مواطنيه، والغريب أن يكرر فيهما هذا الاعتراف، ويعبر عليه إصرارًا: «أنا آشور بأنيبال فهمت حكمة ،نابو، ووصلت إلى فهم جميع فنون كتابة الألواح، وعرفت كيف أضرب القوس وأركب الخيل والعربات وأمسك أعنتها ... وحباني مردوخ حكيم الآلهة بالعلم والفهم هدية منه، ووهب لي إثورت وشرجال الرجولة والقوة والبأس الذي لا نظير له، وعرفت صنعة آداب الحكم، وما في فن المكتبة كله من أسرار خفية، وقرأت في بناء الأرض والسماء وتدبرته، وشهدت اجتماعات الكتبة وراقبت البشائر والنُّذُر، وشرحت السموات مع الكهنة العلماء، وسمعت عمليات الضرب والقسمة المعقدة التي لا تتضح لأول وهلة. وكان من أسباب سروري | أن أكرر الكتابات الجميلة الغامضة المدونة باللغة السومرية والكتابات الأكدية التي تصعب قراءتها، وامتطيت الأمهار وأطلقت السهم، وتلك سمة المحارب، ورميت الحراب المرتجفة كأنها رماح قصيرة ... وأمسكت بالأعنة كسائق المركبات ووجهت ناسجي دروع الغاب، وبحنانه، كما يفعل الرائد وعرفت العلوم التي يعرفها الكتبة على اختلاف أصنافهم حينما يحين وقت نضجهم، وتعلمت في الوقت نفسه ما يتفق مع السيطرة والسيادة، وسرت في طرائقي الملكية ... (1). ولم يكن آشور بأنيبال وحده من ملوك آشور الذين سلكوا مسلك العلم وإحياء الفنون، بل كان أكثر ملوك هذه الدولة من أهل المعرفة وحب الفضائل، وقد قربوا العلماء، وساروا على النهج الصالح الذي سنه البابليون في علوم الدين والسياسة والآداب والفنون، والتشريع والنسخ والترجمة. وليس هذا وحده ما خلفه الآشوريون من أثر علمي، بل إنهم اشتغلوا أشغالا علمية ميزت حضارتهم، ويمكننا إجمال ذلك بالنقاط الآتية:
1- اعتنوا عناية شديدة بعلم الطب وعقاقيره ونباتاته، وقد حفظت لنا الرقم الطينية التي خلفوها كثيرًا من بحوثهم في هذا الباب وتجاربهم في العلاج، وقد كان عملهم هذا البداية الصالحة لعلم التاريخ الطبيعي، وقد أفاد اليونان والرومان أجل الفوائد من بحوثهم
هذه.
2- بحثوا بحوثاً عميقة في علم اللاهوت، فقد كانوا يعرفون بوجود إله أعظم هو رب السموات والأرضين، وأنه سبحانه قد خلق آلهة من دونه يتسلسلون في القوة والإمكانيات حتى بلغ عددهم في القرن التاسع قبل الميلاد خمسة وستين ألف إله(2) وأن لهؤلاء الآلهة أنسابًا وتواريخ، وأنهم يتناسلون، ويكونون مجمعًا خاصا له نظامه وسياسته، وقد انتقلت أكثر هذه المعلومات اللاهوتية والميثولوجية إلى اليونان والرومان فبنوا عليها عقائدهم ولا شك في أن الصلة قوية بين الآلهة اليونانيين المتعددين وبين الآلهة الآشوريين الذين لا يكادون يحصون(3).
3- تفوقوا تفوقًا خاصًا في علوم الهندسة والفلك والتشريع، وقد ضارعوا بذلك إخوانهم البابليين، وهم وإن لم يُبدعوا في هذه العلوم إبداع البابليين فإنهم قد أكثروا من التأليف فيها، وتمموا بعض بحوثها.
4- ولقد بذوا البابليين بالإكثار من الكتب، وجعل الخزائن لها، وتأسيس المكتبات وإنشاء دور العلم، ووضع الفهارس للكتب، وتنظيم القوانين الخاصة بالمكتبات وبحفظها
وتسهيل مراجعتها وتشجيع العلماء على وضع الكتب والمتعلمين على المطالعة.
(5) اهتموا اهتمامًا شديدًا بنسخ آثار من قبلهم من علماء السوريين والبابليين، فقد كان آشور بأنيبال شبيهًا بحمورابي في هذا الاهتمام، فإنه كان يبعث البعوث العلمية إلى أقاصي الإمبراطورية والعالم الخارجي ينسخون له الكتب ويترجمونها.
............................................
1- قصة الحضارة، ترجمة بدران، 2 :284.
2- انظر قصة الحضارة، 2 :213.
3- Groiset-Littérature grepue, 87–118:
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|