أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-9-2016
10446
التاريخ: 12-9-2016
2103
التاريخ: 9-5-2019
2751
التاريخ: 12-9-2016
2262
|
قطن العراق في أواسط الألف الرابع قبل الميلاد جماعاتٌ عُرفت بالسومرية؛ وهم من العرق العربي «السامي»، ويزعم بعض المؤرخين أنهم جيل آري؛ لأن رءوسهم مستديرة، وعيونهم واسعة، وأنهم كانوا يحلقون لحاهم، وأنهم قد دخلوا العراق من الجبال الفارسية؛ أي من جهة الشرق، ولكن هذه المزاعم - وإن صح بعضها - لا تقوم دليلًا على أنهم (ومثلهم في ذلك مثل (الأكديين كانوا من أصل آري؛ فإن أخلاقهم وطبائعهم، وعاداتهم، وتراثهم، وأسلوب حضارتهم، وطراز عيشهم وآدابهم ولغاتهم التي خلفوها لنا؛ تدل دلالة قوية على شدة شبههم بالبابليين المقطوع بكونهم من العرق العربي . «السامي». والسومريون قوم سكنوا وادي الفرات الشرقي في الألف الرابع قبل الميلاد، بالقرب من أرض السماوة وما حولها وأسسوا عدة مدن تكون كل مدينة دويلة مستقلة بتاريخها، وكانوا يتنازعون السلطة، فقد تتوسع دويلة وتضعف دويلة، وقد تعظم سلطة بعض الدويلات على الأخرى، ولكن لم يُتَح لهذه أن تتحد وتُشكّل دولة واحدة تحت سلطان واحد إلا بعد أن سيطر عليها الملك الأكدي العظيم سرجون، في حدود منتصف الألف الثالث قبل الميلاد على ما سنراه بعد. وما تزال معلوماتنا العلمية الصحيحة عن هذه الدويلات جد ضئيلة، ولعل التنقيبات الأثرية الجديدة تكشف لنا عن معلومات أوفى وأوضح (1). وأشهر تلك الدويلات هي: دويلة لكش، دويلة الوركاء، دويلة أور، دويلة أوما. وقد كشفت التنقيبات عن حضارة عريقة لهؤلاء القوم أول مظاهرها: كتابتهم، وتنظيمهم شئون الزراعة والتجارة والصناعة والحرب، والحياة الاجتماعية، وتقدم الفنون الجميلة، والمعارف العامة. أما كتابتهم، فكانت تتألف من صور وعلامات خاصة عُرفت بالكتابة المسمارية؛ لأن أحرفها تشبه شكل المسامير، وكانوا يكتبون هذه الصور والعلامات بقلم من القصب على قطع من الطين الطري الذي يُجفّف بالشمس أو بالنار، وتعود أقدم هذه الآثار المكتوبة بهذه اللغة إلى الألف الرابع قبل الميلاد، ولم تلبث هذه الكتابة التصويرية أن تحولت إلى كتابة صوتية في حضارة دولة «أوغاريت» التي اكتشفت آثارها مؤخرًا قُرب مدينة اللاذقية عند رأس الشمرة، وكان هذا التحول مقدمةً لاختراع الفينيقيين حروف الكتابة التي نشروها في العالم المتمدن كله فيما بعد. وأما تنظيم شئون الزراعة، فقد دل عليه عنايتهم بشئون الري، وتجفيف المستنقعات، وردم الأهوار، وإقامة السدود، واختراع الآلات المتقنة للحراثة، ومن بينها آلة تشق الأرض وتلقي البذور في آن واحد، كما أنهم اعتنوا بزراعة النخيل، وتنويعه، وتحسين أجناسه، وقد عُثر على بعض الألواح السومرية التي تحض الناس على الاهتمام بتنظيم شئون الزراعة ووقاية المزروعات والعناية بتحسين أنواعها وأجناسها وأما رقي الصناعة والتجارة عندهم فيدل عليه ما اكتشف من الآثار المصنوعة من النحاس والذهب والفضة والبرونز، فقد صنعوا من هذه المعادن آلات الزراعة والحراثة وأدوات المنازل والزينة، وعدد الحرب والقتال، وقد كان للسومريين علاقات تجارية واسعة مع سكان سائر العالم العربي والخارجي في الشام والجزيرة وشمال أفريقيا وآسيا الصغرى وبلاد فارس والهند وأما تفوقهم في فنون الحرب وصناعة القتال وتعبئة الجيوش فيدل عليه ما عُثر في مدنهم من آلات القتال المتقنة والخناجر والدروع، والرماح والسيوف والخوذ والتروس وقد كشفت التنقيبات في مدينة «لكش» عن معلومات جد قديمة تتعلق بالأسلحة، وتنظيم حركات الجيوش، وحركات الكر والفر وعربات القتال. وأما تقدمهم في الحياة الاجتماعية، فيتجلى ذلك في تقسيم المجتمع عندهم إلى طبقات:
أعلاها طبقة الكهنة، ورجال الدين وقادة الدولة، ورجال السياسة.
وثانيها طبقة كبار الموظفين، وعظماء الأحرار، ومُلاك الأرض، وأصحاب الأطيان.
وثالثها: طبقة الصناع، والفلاحين، والعبيد.
وقد كان الملك أركاجينا مشهورًا إصلاحاته الاجتماعية والقانونية، ويُعدُّ أول مُشرع عادل قبل حمورابي لقرون عديدة، وقد كانت قوانينه العادلة تهدف إلى إزالة الظلم عن الطبقات الفقيرة ونشر العدل بين الطبقات العامية من أرباب الصناعة والفلاحة والرق، وتمنع كبار الموظفين ومُلاك الأرض وأصحاب الأطيان ورجال الدين والكهنة والقادة ورجال الدولة من ابتزاز أموال الطبقة الثالثة.وأما تقدم الفنون الجميلة، فلا أدل عليه من التماثيل الرخامية المدهشة التي عُثر عليها في مدنهم، كما يدل عليه تقدمهم في فن الريازة وزخرفة المعابد والقصور والقلاع زخرفة فائقة، وقد كانوا على جانب عظيم في علم الهندسة وبخاصة المعمارية، وقد ظهرت آثار ذلك في تخطيط مدنهم وتنظيم شوارعها ومرافقها العامة وقلاعهم، وهم أول من استعمل أسلوب «العقد» في البناء، كما أنهم أول من اخترعوا طرائق صنع «القباب» في العمران. وأما معارفهم الثقافية العامة، فقد كانت جد مدهشة بالنسبة لزمانهم؛ لأنهم برعوا بالحساب وعلم الفلك، وكانوا يوقتون بالشهر القمري، ويقسمون السنة إلى اثني عشر شهرًا قمريا، وكان نظام التعداد عندهم يقوم على الأساس الستيني. والحق أن الحضارة السومرية هي حضارة جد عريقة، وجد مدهشة، تبهر المرء، وتدل على ما وصل إليه العقل في وادي الرافدين من التقدم، كما تدل على أن العرب قد كان لهم قبل ذلك العصر تاريخ أعمق، ولعل التنقيبات ستكشف عن ذلك. ويذهب بعض المؤرخين المدققين إلى أن هذه الحضارة تفوق الحضارة المصرية القديمة وتسبقها. ويقول البروفسور ديورانت في كتابه القيم عن قصة الحضارة»: ويمكن أن نلخص الحضارة السومرية تلخيصًا موجزا في هذا التناقض بين خزفها العج الساذج وحليها إلى أن أوفت على الغاية في الجمال والإتقان، لقد كانت هذه الحضارة مزيجًا مركبا من بدايات خشنة وإتقان بارع في بعض الأحيان، في تلك البلاد على قدر ما وصل إليه علمنا في الوقت الحاضر) نجد أول ما أسسه الإنسان من دول وإمبراطوريات، وأول تنظيم الري، وأول استخدام للذهب والفضة في تقويم السلع، وأول العقود التجارية، وأول نظام للائتمان وأول كتب القوانين، وأول استخدام للكتابة في نطاق واسع، وأول قصص الخلق والطوفان، وأول المدارس والمكتبات، وأول الأدب والشعر، وأول أصباغ التجميل والحلي، وأول النحت والنقش البارز ، وأول القصور والهياكل، وأول استعمال للمعادن في الترصيع والتزيين وهنا نجد في البناء أول العقود والأقواس وأول القباب وهنا كذلك تظهر لأول مرة في التاريخ المعروف بعض مساوئ الحضارة في نطاق واسع؛ يظهر الرق والاستبداد، وتسلُّط الكهنة، وحروب الاستعمار ، ولقد كانت الحياة في تلك البلاد متنوعة مهذبة موفورة النعم متعددة، وهنا بدأت الفوارق الطبيعية بين الناس تنتج حياة جديدة من الدعة والنعم للأقوياء، وحياة من الكدح والعمل المتواصل لسائر الناس، وفي تلك البلاد كانت بداية ما نشأ في تاريخ العالم من اختلافات يحيطها الحصر...(2) وبعد، فهذه هي الحضارة السومرية، وهي أول حضارة عربية عريقة بلغت الأوج، ودلت على أن مثل هذه الحضارة بواكير حضارات أعرق ستكشف عنها التنقيبات الدائبة التي يعمل العراق الحديث على كشفها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- انظر تاريخ «وادي الرافدين عهد الحضارة»، تأليف ليونارد وولي، تعريب أحمد عبد الباقي، طبع بغداد.
2- راجع «وادي الرافدين»، ترجمة أحمد عبد الباقي، ص125.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|