أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-03-2015
2412
التاريخ: 29-09-2015
16550
التاريخ: 29-09-2015
1335
التاريخ: 25-03-2015
4843
|
السريالية
تفكير وعمل، نظرية وتطبيق. إنها مغامرة للبحث عن طريق يجمع بين المعرفة والخلاص(1)،
ونظامٌ متكامل للحياة لا تنفصل فيه الروح عن المادة ولا الفرد عن المجتمع والعالم،
إنها كالأديان والماركسية من حيث الرؤية الشاملة؛ لكنها تختلف عنهما في المنطلق
والهدف والوسائل وطريقة العمل. إن كل نشاطها يتجه إلى الوصول إلى نقطة مركزية عليا
تختصر العالم وتهيمن عليه، ومنها ينطلق الفكر ويشع في جميع جهات الحياة المرئية
والخفية لتجديد الفرد والحياة الاجتماعية والانتصار على الواقع والتحكّم في
المستقبل. والأمرُ الخاص بها والمميّز لها محاولتُها الربطَ بين عالم اليقظة
والحُلُم، والواقع الخارجيّ والداخلي، والعقل والهلوسة والجنون، وهدوء المعرفة
وحمّى الحبّ وتمّرد الثورة(2).
هذا
هو على الأقل ادّعاء السريالية فهل وفّقت في تحقيقه؟ لقد تمردت السريالية على
الأديان لكنها لم تستطع الإتيان بدين جديد بديل. وتركت الإنسان قلقاً مرتعداً في
مهبّ العواصف. وأرادت إصلاحاً جذرياً شاملاً لعالم البشر، لكنها لم توجد نظامها
الكلّي وأدواتها المناسبة واضطرت إلى الانسياق مع الماركسيّة على ما بينهما من
الخلاف لأنها وجدت فيها نظاماً فكرياً وعملياً جاهزاً هو أقرب الأنظمة إلى طبيعتها
الثورية. ولكن اختلاف المنطلق بينهما أدى إلى تفسخ الحركة بعد أن اتضح عدم إمكانية
تعايشهما في نهج واحد. إذا كنت ماركسيّاً فلا داعي لأن تكون سريالياً(3)
لأن الشيوعيين رموها بالمثاليّة والغيبيّة والروحانية والغموض والحيرة وضبابية
الهدف والتخبط في الوسائل. فبقيت في حيز الأدب والفن وعلى نطاق الأفراد والمجموعات
الصغيرة وتعرضت لكثير من الهزات والانقسامات ولم تصمد كنظام متكامل واضح المعالم
والشخصيّة لخلق الحياة الجديدة.
وفي
موقف السريالية من الروح العلميّة، نجد أنها رفضت سلطة السماء وفكرة الخطيئة
الأولى وبقي السرياليون يحاولون التعامل مع السلطات الخفيّة السوداء كالشياطين
والأرواح والأساطير والخوارق والأحلام والشّطح الخياليّ مما كانت تنجذب إليه
نفوسهم الحسّاسة، وعكفوا على أساليب غير علميّة كالبحث عن ماء الشباب وحجر
الفلاسفة وممارسة السيمياء (الكيمياء القديمة التي كانت تحاول تحويل المعادن
الخسيسة إلى ذهب) والنظر في السحر والتنويم المغناطيسي... الخ
وعلى
الرغم من أن ذلك كله لا يتفق مع العلم فقد أرادت السريالية أن تمتطي مراكب العلم
والتحليل النفسيّ والمادية التاريخية وعلم الاجتماع للوصول إلى النقطة المركزية
العليا الكفيلة بتحرير الإنسان وتحقيق سيطرته على مصيره ومستقبل العالم.. ولكنها
لم توفق إلى الجمع بين هذا الشّتات كلّه وبقيت نزواتٍ قلقةً ومتنافرة هي إلى طبيعة
الفنّ أقربُ منها إلى بناء النظام الكوني والبشري الشامل.
____________________
(1)
ف. ألكيه، فلسفة السريالية ترجمة وجيه العمر وزارة الثقافة 78، ص35.
(2)
ميشيل كاروج-أندريه بروتون والمعطيات الأسياسية للحركة السريالية. ترجمة الياس
بديوي. وزارة الثقافة، 73، ص20.
(3) بيانات
السريالية، ص107.