دوافع المأمون لفرض ولاية العهد على الإمام الرضا ( عليه السّلام ) |
2470
05:24 مساءً
التاريخ: 2023-02-20
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-8-2016
2758
التاريخ: 2023-02-03
1813
التاريخ: 19-05-2015
5553
التاريخ: 10-8-2016
2753
|
لم تكن دوافع المأمون من جعل الإمام ( عليه السّلام ) وليا لعهده نابعة من ولائه لأهل البيت ( عليهم السّلام ) ؛ لأن مغريات السلطة والرئاسة متغلبة على جميع الولاءات والميول ، ولم يكن المأمون صادقا في ولائه ، وكان ميله للعلويين اصطناعا[1] ، ولا يمكن التصديق بعمق الولاء حتى يكون دافعا للتنازل عن الحكم وتسليمه إلى الإمام الرضا ( عليه السّلام ) أو توليته للعهد من بعده ، فهل يعقل ان يضحّي المأمون بالحكم الذي قتل من أجله الآلاف من الجنود والقادة ، وقتل أخاه وبعض أهل بيته ، ثم يسلّمه إلى غيره ؟ !
وبالفعل لم يدم الأمر طويلا ، ورحل الإمام ( عليه السّلام ) إلى ربّه والمأمون حي يرزق ، فدوافع المأمون نابعة من مصلحة حكمه ومستقبل أهل بيته ، وهو حال جميع أو أغلب الحكام المتعاقبين على دفة الحكم ، والّا فما معنى الالحاح على الإمام ( عليه السّلام ) حتى وصل إلى درجة التلويح بل التصريح بالقتل - كما سيأتي - ويمكن تحديد دوافع المأمون بالنقاط التالية :
أوّلا : تهدئة الأوضاع المضطربة
كانت الأوضاع في عهد المأمون مضطربة للغاية ، فبعد قتال دام مع أخيه واستيلائه على الحكم فوجئ بعدة ثورات وحركات مسلحة ، ومنها ثورات العلويين ، وكان المعارضون لحكمه منتشرين في جميع الأمصار الاسلامية ، وقد وضّح المأمون حقيقة الأوضاع قائلا :
واللّه ما أنزلت قيسا من ظهور خيولها إلّا وأنا أرى أنّه لم يبق في بيت مالي درهم واحد . . . وأمّا اليمن ، فو اللّه ما أحببتها ، ولا أحبتني قطّ ، وأمّا قضاعة فساداتها تنتظر السفياني ، حتى تكون من اشياعها ، وامّا ربيعة فساخطة على ربّها مذ بعث اللّه نبيّه من مضر[2].
وقد خلخلت الثورات المسلحة الوضع العسكري والسياسي ، فقد نظر في الدواوين فوجد من قتل من أصحاب السلطان في وقائع أبي السرايا مائتا الف رجل[3].
فأراد المأمون من تقريب الإمام ( عليه السّلام ) وتولّيه العهد أن يستقطب أعوانه وأنصاره ، ويوقف زحفهم ونشاطهم العسكري ، بل يستميلهم إلى جانبه ليتفرّغ إلى بقية الثائرين والمتمردين الذين لا يعتد بهم قياسا للثوار العلويين .
وأراد كسب الأغلبية العظمى من المسلمين لارتباطهم العاطفي والروحي بالإمام ( عليه السّلام ) وخصوصا أهل خراسان الدين اعانوه على احتلال بغداد ، والشاهد على ذلك استقبال الإمام ( عليه السّلام ) من قبل العلماء والفقهاء وأصحاب الحديث ، والذين بلغ عددهم عشرين ألفا في نيسابور[4].
وبتقريب الإمام ( عليه السّلام ) كان يمكنه امتصاص نقمة المعارضة ، وتفويت الفرصة عليها للمطالبة بالحكم ، وشق صفوفها عن طريق تقريب البعض واقناعهم بترك الثورة المسلحة دون البعض الآخر .
ثانيا : إضفاء الشرعية على حكمه
إنّ شرعية الحاكم عند المسلمين مستمدة من النص عليه من قبل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وهو رأي أهل البيت ( عليهم السّلام ) أو من الشورى وموافقة أهل الحل والعقد ، أو العهد من قبل السابق مشروطا برضى الأمة المتأخّر عن زمن العهد وهو رأي بقية الفقهاء ، وهؤلاء الفقهاء وان اقرّوا حكومة المأمون الّا انّ اقرارهم كان نابعا من الترغيب والترهيب ، أو استسلاما منهم للأمر الواقع وعدم قدرتهم على ازالته .
من هنا فالمأمون أدرك ان حكمه بحاجة إلى اضفاء الشرعية عليه ، لذا اظهر استعداد التنازل عن الحكم ليقوم الإمام الرضا ( عليه السّلام ) بالتصدّي له ، وحينما رفض الإمام ( عليه السّلام ) استلام الحكم عرض عليه ولاية العهد فاضطره إلى قبولها ، والإمام ( عليه السّلام ) موضع قبول ورضى من قبل جميع المسلمين كما عبّر الإمام محمد الجواد ( عليه السّلام ) عن هذه الحقيقة بقوله :
« رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه ، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه ( عليهم السّلام ) ، فلذلك سمي من بينهم الرضا »[5].
وقبوله للعهد - في رأي المأمون ورأي كثير من المسلمين - يعني اعترافه بشرعية حكم المأمون ، والرضا الظاهري بتقبّل ولاية العهد ، يعني رضاه عن الحكم الواقع وعدم معارضته له ، ورضاه هو رضا الأمة التي تواليه عاطفيا وفكريا .
ثالثا : منع الإمام من الدعوة لنفسه
ان الإمام ( عليه السّلام ) مسؤول عن دعوة الأمة للارتباط بالإمام الحق وبالمنهج الحق ، والمتجسّد بإمامته وبمنهج أهل البيت ( عليهم السّلام ) ، ولذلك فانّه لا يتوانى عن هذه المسؤولية ، ومن هنا كان تفكير المأمون منصبا على منع الإمام من الدعوة لنفسه ، أو تحجيم سعة الدعوة ، والمتعارف عليه انّ ولي العهد يدعو للحاكم الفعلي ثم يدعو لنفسه ، وقد عبّر المأمون عن دوافعه بالقول :
قد كان هذا الرجل مستترا عنّا يدعو إلى نفسه دوننا ، فأردنا ان نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاؤه الينا[6].
رابعا : إبعاد الإمام عن قواعده
وجود الإمام ( عليه السّلام ) في العاصمة إلى جنب المأمون يعني ابتعاده عن قواعده الشعبية ، وتحجيم الفرص المتاحة للاجتماع بوكلائه ونوّابه المنتشرين في شرق الأرض وغربها ، وابعاد الإمام ( عليه السّلام ) عن قواعده يعني التقليل من التوجيه والارشاد المباشر لها ، ومن خلال ذلك يمكن مراقبة الإمام ( عليه السّلام ) مراقبة دقيقة ومعرفة تحركاته ولقاءاته اليومية ، فقد قام المأمون بتقريب هشام بن إبراهيم الراشدي ، وقد كان ممّن يتقرّب إلى الإمام ( عليه السّلام ) ويحاول الاختصاص به وولّاه حجابة الإمام ( عليه السّلام ) ، فكان ينقل الاخبار اليه ، وكان يمنع من اتصال كثير من مواليه به ، وكان لا يتكلم الإمام في شيء إلّا أورده هشام على المأمون[7].
خامسا : إيقاف خطر الإمام على الحكم القائم
ان التفاف المسلمين حول الإمام ( عليه السّلام ) وتوسع قاعدته الشعبية كان يشكل خطرا على الحكم القائم وخصوصا ان الحكم قد خرج من معارك طاحنة بين الأمين والمأمون ، وبين المأمون والمعارضين ، فقوة الإمام ( عليه السّلام ) تعني ضعف المأمون ، وقد اعترف المأمون بذلك فقال :
وقد خشينا ان تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لانسدّه ، ويأتي علينا ما لا نطيقه[8].
سادسا : تشويه سمعة الإمام ( عليه السّلام )
أراد المأمون من خلال تولية الإمام ( عليه السّلام ) للعهد ان يشوه سمعته بالتدريج عن طريق عيونه ووسائل اعلامه ، وقد كشف الإمام ( عليه السّلام ) هذه الحقيقة للمأمون بقوله : « تريد بذلك ان يقول الناس انّ علي بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه ، الا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا بالخلافة »[9].
وصرّح المأمون للعباسيين ببعض دوافعه بقوله : ولكنّا نحتاج أن نضع منه قليلا قليلا حتى نصوّره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر[10].
سابعا : تفتيت جبهة المعارضة
إن المعارضين لحكم المأمون سينظرون إلى الإمام ( عليه السّلام ) على أنه جزء من الحكومة القائمة ، وتتعمّق هذه النظرة حينما يجدون أن اخوة الإمام ( عليه السّلام ) وأبناء عمومته قد أصبحوا ولاة وامراء على الأمصار ، وبالفعل فقد عيّن المأمون العباس وإبراهيم اخويّ الإمام ( عليه السّلام ) ولاة على الكوفة واليمن[11].
ففي هذه الحالة أصبح باقي المعارضين وجها لوجه أمام أنصار الإمام ( عليه السّلام ) ، وهذا يعني تفتيت جبهة المعارضة ، فإذا أرادت المعارضة القيام بحركة مسلحة فإنها ستواجه الوالي العلوي مباشرة ، ويقوم الوالي باصدار الأوامر لقمعها ، وتلقى المسؤولية عليه ، وكان المأمون يتمنى هذا الأمر فلجأ إلى تولية الإمام ( عليه السّلام ) ولاية العهد ليحقق هذه الأمنية ، وإضافة إلى ذلك فإنه أراد أن يلقي مسؤولية بعض المفاسد الإدارية والحكومية على من نصّبهم في الأمصار من أهل البيت ( عليهم السّلام ) أو من اتباعهم .
[1] شذرات الذهب : 2 / 3 .
[2] الكامل في التاريخ : 6 / 432 ، 433 .
[3] مقاتل الطالبيين : 550 .
[4] الفصول المهمة : 251 ، نور الابصار : 170 .
[5] عيون أخبار الرضا : 1 / 13 وعنه في البحار : 49 / 4 .
[6] فرائد السمطين : 2 / 214 .
[7] عيون أخبار الرضا : 2 / 153 ح 22 وعنه في بحار الأنوار : 49 / 139 .
[8] فرائد السمطين : 2 / 214 .
[9] علل الشرايع : 238 .
[10] فرائد السمطين : 2 / 215 .
[11] تاريخ ابن خلدون : 5 / 527 ، 532 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|