أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-03-2015
1902
التاريخ: 6-05-2015
1889
التاريخ: 22-12-2014
1626
التاريخ: 2024-10-03
127
|
من خلال هذا الفهم للتفسير والخلفية الذهنية التي يجب أن يتمتّع بها المفسِّر ، يمكن أن نميّز بين التفسير الصحيح ، الذي يعتمد على القرآن الكريم والسنّة النبويّة ، والذي يمكن أن نسمّيه عملية (التدبّر) ، وبين التفسير الباطل الذي يُطلق عليه اسم التفسير بالرأي.
وهذا الموضوع من القضايا ذات البُعد التاريخي ، الذي يرجع إلى عهد الرسول (صلّى الله عليه وآله)؛ فقد ورد عنه (صلّى الله عليه وآله) النهي عن التفسير بالرأي ، فعنه (صلّى الله عليه وآله) :
(من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار) (1).
ولعلّ الآية الكريمة :
{...فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ...} [آل عمران : 7] تُشير إلى أحد مصاديق هذا النوع من التفسير أيضاً.
إضافةً إلى عددٍ كبيرٍ من الأحاديث الواردة عن المعصوم (عليه السلام) والمرويّة عن طرق الفريقين ، والتي تدل على هذا المعنى (2).
ومن أجل توضيح المقصود من التفسير بالرأي الذي يُعتبر أمراً مهمّاً يحسن بنا أن نبحث هذا الموضوع.
وهناك احتمالات ثلاثة في معنى (التفسير بالرأي) الذي يكون موضوعاً لذاك النهي الوارد عن المعصوم (عليه السلام) في رواياتٍ متواترةٍ في مضمونها (بالتواتر الإجمالي) ولا بُدّ من تمحيصها؛ وهذه الاحتمالات الثلاثة هي :
الأوّل :
أنّ المراد من التفسير بالرأي هو أن يُفسِّر الإنسان النص القرآني اعتماداً على رأيه وذوقه الشخصي ، في مقابل الفهم العام للقرآن المتمثّل بالظهور العرفي والذي يعتمد على القرائن السابقة.
وتوضيح ذلك : أنّ علماء الأُصول يذكرون أنّ ظهور الكلام يمكن أن يكون على نحوين :
أحدهما : (الظهور النوعي) : وهو أن يكون ظهور الكلام ظهوراً قائماً لدى العرف العام ويفهمه (نوع الناس) وعامّة الناس.
والآخر : (الظهور الشخصي) : وهو الفهم الذي يختص به شخصٌ ما من الناس والذي يعتمد عادةً على الظروف الذهنيّة والنفسية والذوقية لذاك الإنسان ، حيث تجعله تحت تأثيرات معيّنة بحيث يفهم من الكلام معنىً خاصّاً لا يفهمه غيره من الناس.
وهذا النحو من الفهم للقرآن الكريم وهو الفهم الشخصي له ، والمعتمد على الظهور الشخصي لدى المفسّر هو تفسير للقرآن بالرأي ، وهو التفسير المنهي عنه ، مثل تفسير المتصوّفة أو بعض أصحاب العقائد الفاسدة الذين لهم ذهنيّات ومصطلحات خاصّة تكوّنت ضمن ثقافتهم ، ويفسّرون القرآن على أساس تلك التصوّرات والمصطلحات.
وهذا النحو من التفسير يختلف تماماً عن فهم القرآن وتفسيره اعتماداً على الخلفيّة الذهنيّة والعقائدية الصحيحة للمفسّر؛ لأنّ هذا التفسير تفسيرٌ معتمدٌ على رأي شخصي ووفق ظروف الشخص وأوضاعه ، وأمّا ذلك فهو رأيٌ وفهمٌ للقرآن الكريم بقرينة العقيدة الصحيحة المأخوذة من القرآن ذاته ، كما ذكرنا سابقاً.
الثاني :
أن يكون النهي الوارد على لسان الرسول (صلّى الله عليه وآله) عن التفسير بالرأي هو معالجة لظاهرة برزت في زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله) في تفسير القرآن وبشكلٍ محدّد ، ثمّ تطوّرت وبشكلٍ واسعٍ حتّى تكوّنت على أساسها مدارسٌ في المجتمع الإسلامي.
حيث ورد النهي آنذاك عن البحث في تفسير الآيات العقائدية أو التاريخية تأثُّراً بالديانات السابقة ، وفلسفاتها وتأريخها : كاليهودية والنصرانية والبوذية وغيرها ، الأمر الذي أدّى إلى ابتعاد بعض المسلمين عن المفاهيم القرآنية.
ونتيجةً لذلك ، فقد حاول بعض المسلمين الأوائل أن يفرضوا مثل هذه الآراء على القرآن ، ويفسّروا بها على خلاف مضمونه ومعناه الصحيح ، متأثّرين في ذلك بالمتبنّيات الذهنيّة والفكرية والعقائدية المسبقة على القرآن :
{ ...وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ...} [البقرة : 75].
{...يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ...} [المائدة : 13].
ولا شكّ أنّ هذا النوع من التفسير يختلف عن تفسير القرآن على أساس العقائد المستنبَطة من القرآن نفسه.
الثالث :
وهو المعنى الذي ينسجم مع معنى (الرأي) في (مدرسة الرأي) في الفقه الإسلامي ، ففي الفقه الإسلامي يوجد اتجاهان في (الاستنباط) :
أحدهما : الاتجاه الذي يعتمد في الاستنباط وفهم الحكم الشرعي على القرآن وسنّة المعصوم (عليه السلام) باعتبارهما المصدرين الأساسيّين ، وإليهما يرجع (العقل) و (الإجماع) أيضاً.
والآخر : اعتماد الفقيه في استنباط الحكم الشرعي ـ إذا لم يجد نصّاً يدل عليه في الكتاب والسنّة ـ على (الاجتهاد) و (الرأي) بدلاً من النص ، و (الاجتهاد) هنا يعني : الرأي الشخصي للفقيه ، مثل : القياس والاستحسان والمصالح المرسَلة وغيرها.
وحينئذٍ يكون (الاجتهاد) دليلاً من أدلّة الفقه ومصدراً من مصادره ، إضافةً إلى الكتاب والسنّة.
وقد نادت بهذا المعنى للاجتهاد مدارس كبيرة في الفقه السنّي ، وقامت منذ أواسط القرن الثاني مدرسةٌ فقهيّةٌ كبيرةٌ كانت تحمل اسم مدرسة (الرأي والاجتهاد) ، حيث إنّه لم يصح لدى أبي حنيفة صاحب هذه الدروس إلاّ عدد محدود من الأحاديث قيل : إنّها دون العشرين.
وقد انتقد الأئمّة (عليهم السلام) هذه المدرسة واتجاهها انتقاداً شديداً؛ وقد يشكّل هذا الانتقاد الشديد للأئمّة (عليهم السلام) قرينةً على أنّ المراد من (التفسير بالرأي) المنهي عنه هو (الرأي) في هذه المدرسة باعتبار أنّها تشكّل اتجاهاً خطيراً في الفكر الإسلامي ، لا من ناحية النتائج التي انتهت إليها فقهيّاً فقط ، وإنّما باعتبار الاتجاه والطريق الخاطئ الذي انتهجته في عملية الاستنباط ، والمعتمد بالأساس على القياس والاستحسان والمصالح المرسَلة ، وما أشبه ذلك من قضايا مرجعها إلى الرأي ، والتي تنتهي في نهاية المطاف إلى انحرافٍ خطيرٍ في فهم القرآن والسنّة (3).
وعلى هذا الأساس كان النقد الذي وجّهه أهل البيت إلى هذا الاتجاه أكبر من نقد المذاهب الفقهية الأُخرى ، والتي لم تلتزم بهذا الطريق الخطير في عمليّة الاستنباط وإن كانت نتائجها غير صحيحةٍ أيضاً.
وحينئذٍ قد يُراد من التفسير بالرأي ، هذا النوع من الرأي هو الاعتماد في فهم المضامين القرآنية على الذوق والاستحسان فيرى أنّ هذا النوع من المضمون هو الأقرب إلى النفس أكثر من غيره.
وفرق هذا الرأي عن الرأي الأوّل ، هو أنّ الحالة الذاتية كان لها دورٌ في فهم (تفسير اللّفظ) في الرأي الأوّل ، بينما كان لها دورٌ في فهم و (تفسير المعنى ، وتشخيص المصداق) بناءً على هذا الرأي.
وعلى هذا الأساس نجد أنّ الكثير من المفسِّرين وقع في خطأٍ حينما فسّروا بعض مفاهيم القرآن ، متأثّرين بكثيرٍ من القضايا الغربية التي أنشأت في أنفسهم استحسانات معيّنة ، ففسّروا آية الشورى مثلاً تفسيراً يجعل مفهوم الشورى في الإسلام مفهوماً مطابقاً لمفهوم (الديمقراطية) أو الانتخابات البرلمانية الغربيّة ، وهكذا.
إنّ هذا النوع من الاستحسان والقياس والاعتماد على الجانب الشخصي في تفسير (المعنى) هو في الواقع من تفسير القرآن بالرأي ، ومن ثمَّ يكون واقعاً في طريق النهي الوارد بخصوص التفسير بالرأي.
وهذا الاحتمال الثالث لا يكون متضارباً مع ما ذكرناه من صحّة تفسير القرآن اعتماداً على الخلفيّة العقائدية الصحيحة؛ لأنّ هذه العملية ليست عملية استحسانٍ وقياس ، وإنّما هي تصوّرات عقائدية مأخوذة من القرآن الكريم ومفاهيمه.
وقد حاول بعض المفسِّرين أن يُعطي لقضيّة (التفسير بالرأي) ومفهوم (الرأي) دائرةً أوسع ، بحيث تشمل كلَّ جهدٍ يمارسه الإنسان الباحث والمفسِّر العالم في فهمه للقرآن الكريم ، ويفترض بأنّ هذه النتائج هي (رأي)؛ لأنّه انتهى إليه من خلال جهده ونظره ومن ثمَّ يكون مصداقاً لذلك الحديث : (من فسّر القرآن برأيه فقد هوى).
وبهذه الطريقة يحاول هذا (البعض) أن يعطِّل البحث في القرآن الكريم وتفسيره ، ويقول بأنّ الشيء الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في تفسير القرآن الكريم إنّما هو النصوص الواردة عن المعصومين (عليهم السلام).
وقد أكّد هذا الاتجاه بعض النصوص المرويّة عن أهل البيت والتي حاول أن يفهمها أصحاب هذا الاتجاه على أنّها تمانع من ممارسة التفسير ما لم يعتمد على النصوص الواردة عن المعصومين (4).
ولعلّ من الآثار التي تركها وجود هذا النوع من التفكير في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) هو : عدم تطوّر حركة التفسير في هذه المدرسة تطوّراً يناسب التطوّرات المهمّة في المجالات الأُخرى لهذه المدرسة المعطاءة ذات المستوى العالي ، والذي يمكن ملاحظته من خلال ما وصلت إليه بحوث علم الفقه والحديث والأُصول والكلام فيها ، بل بقي التفسير فيها مواكباً للحركة العامّة للتفسير لدى المسلمين.
إلاّ أنّ هذا الفهم للتفسير بالرأي فهمٌ خاطئ ، وهناك مجموعة من الأدلّة والبراهين تُشير إلى عدم صحّته ، كما أن هناك طريقين يمكن اتّباعهما لإثبات ذلك ، وهما :
أوّلاً :
البحث في الروايات والنصوص الواردة في موضوع التفسير بالرأي تفصيلاً ، حيث نتوصّل من خلال ذلك إلى أنّ ما ذُكر فيها لا ينطبق على هذا المفهوم الواسع المذكور للتفسير بالرأي ، وهذا البحث نؤجّله إلى بحث المُحْكَم والمتشابِه في الأبحاث التفسيرية.
ثانياً :
أن يتم من خلال الرجوع إلى مجموعة القرائن والأدلّة والشواهد الموجودة في الكتاب والسنّة الشريفة ، ممّا لا يمكن أن ينسجم مع افتراض أن يكون (الرأي) المقصود بهذه الروايات هو هذا المعنى (الواسع) الشامل لحالة الجهد الشخصي الذي يتّخذ مسيراً صحيحاً ، وينتهي إلى رأيٍ تفسيريٍّ معيّن ، حتّى وإن لم يكن هذا التفسير مرتبطاً بالرواية عن المعصومين (عليهم السلام) ، ومن هذه القرائن والأدلّة ما يلي :
الدليل الأوّل :
ما ورد من الآيات القرآنية المؤكّدة : أنّ القرآن الكريم قد نزل بلسانٍ عربيٍّ مُبين ، وأنّه نورٌ وهدىً للعالمين ، وأنّه فيه تبيان كلِّ شيءٍ : كقوله تعالى :
{...لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل : 103].
{... قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة : 15].
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى : 52].
{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة : 2].
{...وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ...} [النحل : 89].
فإن هذه الآيات وآيات كثيرة وإن جاءت بأساليب ومضامين متعدّدة ، كلها تصب في مصبٍّ واحدٍ ، هو : أنّ القرآن الكريم وبحسب طبيعته يمكن أن يتفاعل معه الإنسان العادي ، ويشكّل القرآن حينئذٍ مصدر الهداية ويكون تبياناً لكلِّ شيء ، ممّا يدل على إمكانيّة فهم الكثير من المضامين والمعاني والهداية والنور الموجود فيه ، وبشكلٍ مباشر ، ولا يكون هذا الفهم من التفسير بالرأي حتّى إذا كان بدون الاستناد إلى روايةٍ أو حديثٍ معيّن ، وإنّما نتيجة لجهد الإنسان الشخصي من خلال مراجعته لمجموعة المعلومات والقرائن المتوفّرة عنده.
وتأكيد القرآن : أنّه : {... لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } [النحل : 103] يؤكّد هذه الحقيقة ، إذ إنّ هذه الإبانة لا يمكن أن تُفترض في كتابٍ لا يمكن فهمه إلاّ بالرجوع إلى الروايات الموجودة في كتب الحديث؛ لأنّ الإبانة حينئذٍ لا تكون ـ في الواقع ـ إبانةً للقرآن الكريم ، بل للأحاديث وهي التي ستكون (المبيّن) ، وهذا هو خلاف الافتراض في أنّ القرآن بنفسه فيه حالة الإبانة والتوضيح والهداية.
خصوصاً وأنّ هذه الإبانة أحياناً تُنسب إلى النص القرآني من قبيل قوله تعالى : {لِسَانٌ عَرَبِيٌّ} واللسان يعبّر عن حالة النص والجانب المرتبط باللّفظ لا الجانب المرتبط بالمضمون.
ولذا فلا مجال لادّعاء أنّ هذا المضمون القرآني لا نفهمه إلاّ من خلال الروايات عن الأئمّة (عليهم السلام) ، وحينئذٍ يكون مبيّناً بعد فهمه من خلال الروايات.
الدليل الثاني :
وهو ما ورد في آيات الحثِّ على التدبُّر والتأمُّل وفهم القرآن وأخذ معانيه والاهتداء بهديه ، كقوله تعالى :
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد : 24].
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص : 29].
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء : 82].
إنّ هذه الآيات تختلف عن تلك الآيات التي تُشير إلى وجود النور والهدى في القرآن الكريم ، لاحتوائها على أمر المسلمين بالتدبّر والتفكّر في معاني ومفاهيم القرآن.
ومثل هذه الأوامر تكون أوامر لا فائدة منها لو فرضنا بأنّ القرآن الكريم لا يمكن أن يُفهم مباشرة ، إلاّ بالاستعانة بالروايات والأحاديث الشريفة ، خصوصاً وأنّ هذه الروايات لم تأت إلاّ في عصورٍ متأخِّرة.
الدليل الثالث :
هي الروايات المتواترة عن الأئمّة (عليهم السلام) والتي وردت في طلب عرض أخبارهم ، وكذلك الشروط التي تشترط في (العقود) و (المعاملات) على القرآن ، من أجل التعرّض على أنّ مضمون هذا الشرط أو الخبر هل هو منسجم مع الشريعة أم لا؟
فعن الصادق (عليه السلام) : (ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف) (5).
وعنه (عليه السلام) : (الوقوف عند الشبهة خيرٌ من الاقتحام في الهلكة ، إن على كلِّ
حقٍّ حقيقة ، وعلى كلِّ صوابٍ نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه) (6).
(وكلّ شرطٍ خالف كتاب الله فهو رد) (7).
(فإذا كان شرط يخالف كتاب الله فهو ردّ إلى كتاب الله عزّ وجلّ) (8).
بحيث جعلوا (عليهم السلام) القرآن الكريم ميزاناً وفرقاناً لمعرفة الشرط الصحيح من غيره والأخبار الصحيحة ) مضموناً) من غيرها.
وهذا لا يمكن أن يتمّ إلاّ بافتراض إمكانيّة فهم النص القرآني والتفاعل معه بشكلٍ مباشر ، وافتراض صحّة هذا التعامل والنتائج التي يتوصّل إليها حتّى وإن احتيج في هذا إلى إعمال نظرٍ وبذلٍ وجهد؛ كما أنّ في هذا الأمر دلالة على أنّ الروايات نفسها تحتاج إلى أن يؤيّد النص القرآني مضامينها ، فكيف يمكن حصر طريق فهم النص القرآني بها فقط؟!
وهذا الأمر من الأُمور الواضحة جدّاً عند مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بل عند المسلمين جميعاً.
والدليل الرابع :
هو السيرة الواضحة والمتواترة للأئمّة (عليهم السلام) في تعليمهم المسلمين في أنّ يأخذوا من القرآن الكريم مباشرة.
فقد ورد في كثيرٍ من أحاديث الأئمّة (عليهم السلام) استشهادهم على الأحكام التي يصدرونها بآيةٍ قرآنية ، ممّا يدلُّ على إمكانيّة فهم هذا الحكم وبشكلٍ مباشرٍ من الآية القرآنية ، إذ لو كان النص القرآني مغلقاً لما كان لهذا الاستشهاد معنى ، ولَكان على الإمام (عليه السلام) أن يقول : أنا أفهم من الآية هكذا...
فقد ورد عن أبي عبد الله ) عليه السلام) مثلاً :
(يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزّ وجلّ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ...}) (9).
فقد استشهد الإمام (عليه السلام) بهذه الآية في مقام استنباط حكمٍ شرعيٍّ من قاعدةٍ كلّيّةٍ وهي قاعدة (لا حرج).
وقد علّم الإمام (عليه السلام) السائل كيف يستنبط هذا (الحكم) من تلك (القاعدة) الكلّيّة.
وهذا معناه أنّ الآية المباركة : {... وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ...} [الحج : 78] يمكن أن يفهمها هذا الإنسان وبشكلٍ مباشرٍ ، ممّا يدل على صحّة فهم المعنى من النص القرآني مباشرةً ، وإن اعتمد على جهد الباحث.
وخلاصة القول : أنّ (التفسير بالرأي) المنهي عنه قد يشتمل على أحد الاحتمالات الثلاثة المذكورة سابقاً ، وليس لهذا علاقة بقضية التدبّر في القرآن وفهم معانيه ، والتي تؤدّي بالإنسان إلى الهداية وإلى الصراط المستقيم (10) ، الأمر الذي أمر القرآن الكريم نفسه بهذا التدبّر ، كما قرأناه في الآيات السابقة.
_______________________
(1) أخرجه الترمذي 11 : 67 بألفاظ مختلفة عن ابن عبّاس ، ورواه الصدوق في الغُنْية في حديثٍ طويلٍ عن النبي (صلّى الله عليه وآله) بلفظٍ آخر.
وقد أورد الحرُّ العاملي في كتابه المعروف (وسائل الشيعة) مجموعة من الأحاديث في الجزء 18 ، الباب 13 ، من أبواب صفات القاضي ، منها الحديث القدسي :
(ما آمن بي من فسّر كلامي برأيه) الحديث 28 ، و (من فسّر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب) الحديث 37 ، و (من فسّر القرآن برأيه إن أصاب لم يُؤجر وإن أخطأ فقد خرّ أبعد من السماء) الحديث 66. وأحاديث عديدة أُخرى.
(2) تناول علماء الأُصول هذا البحث بشكلٍ مفصّلٍ مرتبطاً مع موضوع آخر في بحث (حجّيّة الظاهر).
ولعلّ أفضل من تناول هذا البحث هو أُستاذنا الشهيد الصدر (قُدِّس سرّه) من المتأخّرين ، كما جاء في تقريراته التي كتبها الحجّة السيّد محمود الهاشمي (حفظه الله).
(3) وهذه النتائج الخطرة هي التي انتهت بعد ذلك إلى سدّ باب الاجتهاد في تلك المدارس نفسها ، حيث لم يكن خط الانحراف واضحاً في البداية ، ولكن عندما امتدّ الزمن بنشاط هذه المدرسة أصبح من الواضح مقدار ما تسبّبه هذه المدرسة من المشاكل والانحراف عن المنهج الإسلامي الأصيل في الفقه.
(4) البحث حول هذه النصوص يتمّ عادةً في علم الأُصول تحت عنوان : (حجّيّة ظواهر القرآن) وهناك يُستدل بشكلٍ واضحٍ على عدم صحّة استنباط هذا المعنى من هذه النصوص ، وكنموذجٍ لها قال أبو عبد الله في رسالة :
(فأمّا ما سألت عن القرآن فذلك أيضاً من خطراتك المتفاوتة... فليس يعلم ذلك أبداً ولا يوجد...) وسائل الشيعة 18 : 141 الحديث 38 ، باب 13 ، من أبواب صفات القاضي.
مع أنّ أئمّة أهل البيت أوضحوا ذلك في نصوص أُخرى منها عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّ رجلاً قال له أنت الذي تقول : ليس شيءٌ من كتاب الله إلاّ معروف ، قال :
(ليس هكذا قلت ، إنّما قلت : ليس شيءٌ من كتاب الله إلاّ عليه دليلٌ ناطقٌ عن الله في كتابه ممّا لا يعلمه الناس ، إلى أن قال : إنّ للقرآن ظاهراً ، وباطناً ، ومعانياً ، وناسخاً ، ومنسوخاً ، ومُحْكَماً ، ومتشابِهاً ، وسنناً ، وأمثالاً ، وفصلاً ، ووصلاً ، وأحرفاً ، وتصريفاً ، فمن زعم أنّ الكتاب مبهم فقد هلك وأهلك...) وسائل الشيعة 18 : 141 الحديث 39 ، الباب 13 ، من أبواب صفات القاضي.
(5) وسائل الشيعة 18 : 78 الباب 9 ، أبواب صفات القاضي الحديث : 12.
(6) المصدر السابق : حديث 35.
(7) وسائل الشيعة 13 : 43 الباب 15 من أبواب بيع الحيوان ، الحديث 1.
(8) المصدر السابق : 165 الباب 4 من أبواب الصلح ، الحديث 1.
(9) وسائل الشيعة 1 : 327 الباب 39 من أبواب الطهارة الحديث 5 (الحج : 78).
(10) لا يعني هذا الكلام الاستغناء عن أحاديث النبي وأهل البيت التي وردت في التفسير ، حيث يمكن أن تشكّل تلك الأحاديث قرينةً منفصلةً شأنها في ذلك شأن القرائن الأُخرى ، ولا بُدّ من معرفتها ليمكن فهم القرآن بشكلٍ كاملٍ ، ولكن لا يعني ذلك أيضاً أنّنا لا يمكن أن نفهم القرآن إلاّ من خلال الرواية.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مستشفى العتبة العباسية الميداني في سوريا يقدّم خدماته لنحو 1500 نازح لبناني يوميًا
|
|
|